الرئيسية / متابعات / احتفالية الألوان في رواق جميلة الغمان تحت شعار (الابداع بهجة العين والوجدان) – نور الدين شماس

احتفالية الألوان في رواق جميلة الغمان تحت شعار (الابداع بهجة العين والوجدان) – نور الدين شماس

الزمان: كان عصر الأربعاء 8 يونيو 2022.

المكان: كان رواق جميلة الغمان العلوي بشارع مولاي الأمير مولاي عبد الله بمكناس.

والمناسبة المضيئة كانت: افتتاح معرضها لأول خلال الموسم الثقافي 2022.

والفنانة التشكيلية الجميلة الغمان: مراكشية المولد، مكناسية الشامة، تفتحت مواهبها الفنية منذ نعومة اظافرها، وترعرعت تحت رعاية زوجها إبراهيم العلوي، وبعد دراستها لتقنيات الإبداع عبر علم الكمبيوتر في فرنسا بمدينة تولوز، وانفتاحها على مدارس التشكيل ولغاته وألوانه، شقت طريقها الخاص في غابة الألوان وعوالم التشكيل، وعرضت منتوجاتها الإبداعية في العديد من المعارض داخل المغرب وخارجه (في الجزائر وتونس وفرنسا…) كما انفتحت في عملها الفني على العديد من الأروقة الجمعوية والتربوية، إيماناً منها بدورها التشكيلي في تأطير الوعي الجمالي للإنسان.

ومما أعطى لهذا المعرض ميزته، كونه قد تم بمختبرها الفني الخاص، حيث كانت كل الجنبات والجدارات لا تتكلم إلا لغة الألوان، بعيداً عن كل بهرجة زائدة أو دعاية لفائدة ما، فضلا عن كون الذين حضروا وقائعه يمثلون حساسيات متنوعة، تتراوح بين التربية والشعر والمسرح والنقد الأدبي والتشكيلي والفلسفة الجمالية وأنثروبولوجيا الابداع، مثل الدكتورة شاكر وفاء، المديرة الإقليمية للتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في مكناس، بحكم اهتمامها بالتربية على القيم الجمالية عبر العديد من الأوراش التربوية، وإلى جانبها العديد من أطر المديرية الإقليمية، والدكتور عبد الرحمان بن زيدان سفير الثقافة المغربية بالعديد من العواصم الدولية، والمبدع المتخصص في عوالم المسرح ابداعاً ونقداً، والدكتور عبد الله الطني الذي يعتبر قيمة ثقافية مركبة يجمع بين الفلسفة والتربية والتأطير والشعر، والاهتمام بالتعاليم الفنية والجمالية، والدكتورة الشاعرة مليكة بنمنصور، الفاعلة الجمعوية والثقافية، والأستاذ حسن الصالحي، الكاتب العام للجمعية الإسماعيلية الكبرى الصحافي، مدير جريدة صوت الجهة، والأستاذ حنون سفيان الباحث في الأنثروبولوجيا التاريخية والسياسية والابداعية، وحرمه الأستاذة دينا حنون المبدعة الموريسكية التطوانية بلغة سرفانتيس وخلفياتها الأندلسية، والمبدع بنعيسى أبو يوسف الكاتب العام لجمعية شباب مكناس للإبداع والمعروفة ب”أوتار المعاني”، والشاعر المغترب حسن كابوس، وصديقتها الفرنسية جانيت مونداي، ووجوه فنية أخرى.

وتحققت وقائع هذا المشهد الاحتفالي عبر خمس محطات:

1ـ استقبال ضيوف الرواق.

2ـ شهادات الحاضرين وانطباعاتهم حول التجربة الإبداعية التشكيلية للفنانة، تخللتها عروض موسيقية وقصائد شعرية.

3ـ محاضرة تأطيريه للدكتور عبد الله الطني حول “المفهوم الأنطولوجي للصورة والتشكيل عموماً والتجربة التشكيلية للفنانة جميلة الغمان على وجه الخصوص”.

4ـ وقفة مع المحتفى بها لتقديم لوحاتها الجديدة.

5ـ محطة حفل شاي على شرف الحاضرين.

وقد تنوعت شهادات الحاضرات والحاضرين في هذا المشهد الثقافي الإبداعي، وهكذا جاءت كلمة الدكتورة وفاء شاكر المديرية الإقليمية لوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، تحمل قراءة مركبة تجمع بين الخلفية النقدية الإبداعية والوظيفة البيداغوجية التي يمكن أن يحملها فن التشكيل في دعم التربية الجمالية واستكمال مواهب ناشئتنا، كما تحدثت عن الحضور الوازن للفنانة التشكيلية جميلة الغمان في أوراشها التربوية.

كما تحدث الدكتور الشاعر عبد الله الطني في شهادته عن شعرية ألوان جميلة الغمان، ودلالاتها الوجودية والإنسانية، وعن سيرة العلاقة التي ظلت تجمع بين صالونه الأدبي وصالونها التشكيلي، في تواشج فني يمكن أن يكون نموذجاً لتلاقح الأطياف الفنية في بلادنا.

ومن جهته تحدث الأستاذ حسن الصالحي كصحافي واعلامي، عن الحضور المتنوع لجميلة الغمان الفنانة التشكيلية المتميزة، في خريطة الإعلام المغربي وكذا في النسيج الجمعوي المكناسي.

كما تطرق الأستاذ الباحث حنون سفيان من منظور أنثروبولوجيا الابداع عن الأبعاد السيميائية للصورة واللون في تشكيل هذه الفنانة، وعن قوتها الرمزية والايحائية.

أما صديقتها جانيت مونداي فقد أشادت من جهتها بعملها، وعن قوة تعابيرها التشكيلية وألوانها في اختراق العين والوجدان، كيفما كانت اللغة التي يتكلم بها المشاهد، وهذا دليل على كونيتها.

في حين عبر الشاعر حسن كابوس المغترب سابقاً بديار المهجر عن شهادته شعراً في قصيدة نذكر من بين مقاطعها:

[افتحوا عيونكم/ ابحثوا عن جوهرها المرسوم/ فهناك (…) هناك (…) وهناك (…) قطرات الليل على الخدود/ غزلان مخمورة في غابة النوم …/ يا قامة الكينونة الرفيعة الواقفة بقاماتها الشامخة/ يا أيتها الأسطورة الدائمة/ التي تعبر تارة باللون وتارة بالغموض/ يا سيدة العبور/ في كل لوحة أنت/ قد وزعت يداك حباً وعشقاً للناظرين (…)]

وختم الدكتور عبد الرحمان بن زيدان هذه الشهادات بشهادة وازنة مباشرة مع مكرفون الإذاعة الوطنية الحاضرة بهذا الرواق، بكلمة ثمن فيها المجهودات التي تقوم بها هذه الفنانة التشكيلية، من موقع تتبعه لمختلف التعابير الثقافية للعاصمة الإسماعيلية، في تثقيف العين والوجدان بواسطة الظلال والأوان، التي لها مفعول الماء في إحياء الأرض، وأثنى على خصالها الإنسانية الرفيعة، وابتعادها عن كل ماله علاقة بالبهرجة والاستغلال الأيديولوجي للفن.

بعد هذه الشهادات تقدم الدكتور عبد الله الطني، بعرض تأطيري يحمل عنوان “المفهوم الانطولوجي للصورة والتشكيل بشكل عام وتشكيل الفنانة جميلة الغمان على وجه الخصوص”. ويمكن اجمال المنطلقات والخلاصات الأساسية لهذا العرض في الأطروحة التالية:

انطلق في مداخلته هذه من مقدمتين أساسيتين: أكد في أولهما على أن مفهوم الصورة/التشكيل له جدور عميقة في تاريخ الوعي والفكر الانسانيين، متخذا في هذه المرحلة أو تلك، من سيرورته، مظاهر مختلفة باختلاف هذه الخصوصية السوسيو ثقافية أو تلك؛ وفي المقدمة الثانية أكد على أن مفهوم الصور/التشكيل، يعتبر مفهوماً مركباً يتقاطع فيه الفلسفي بالديني والعلمي والتاريخي والابداعي والجمالي والقيمي.

وانتهى بعد عرضه للموضوع في ضوء هاتين المقدمتين إلى خمس خلاصات بمثابة اطروحات، يمكن صياغتها على الشكل التالي:

أولاً: الصورة/التشكيل، ضرورة انطولوجية (وجودية)، انطلاقاً من المرجعية الفلسفية والدينية.

ففلسفياً تعتبر الصورة كمال الهيولى (المادة). فقبل الصورة كانت المادة عمياء وبلا ملامح، وبعد حلول الصورة بها أخذت أبعادها ومظاهرها التشكيلية. فكينونة الكائنات تمت من خلال تشكيلها بالصورة، وبفعل فاعل، ولغاية أو غايات مخصوصة.

أما من الناحية الدينية فتعتبر الصورة كمال الخلق في تشكيل الكائنات الحية.

ثانياُ: الصورة/التشكيل، ضرورة تاريخية وحضارية، ويتجلى ذلك فيما خطته يد الانسان القديم من لوحات، تتضمن أخباراً واحالات، في حائط أو صخرة أو جوف مغارة… من أجل صيانة الذاكرة والكينونة، ولإخبار من سيأتي من الخلف بما كانت عليه أحوال وأهواء وانشغالات السلف، وهي المادة الغنية التي يشتغل عليها الاركيولوجيون من المؤرخين والأنثروبولوجيين وهواة الآثار، لفك لغات ورموز تلك الصور والتشكيلات في علاقتها بشرطها الحضاري والتاريخي.

ثالثاً: الصورة/التشكيل، أداة لتحرير الإرادة الإنسانية، وتقوم هذه الأطروحة على ضرورة الابداع عموماً والتشكيل على وجه الخصوص في دعم مشروع الحداثة والانعتاق من نير حصار الكنيسة للإرادة الإنسانية، ووصايتها على أحلامها ومآلاتها، وكذا من سياج الدكتاتوريات والاقطاعيات والايديولوجيات المحنطة لهذه الإرادة والممعنة في تحريفها وفق مصالحها وأهوائها، وذلك من خلال مختلف اتجاهاته ومدارسه، بدءا من الكلاسيكية الجديدة إلى المستقبلية، مروراً بالرومانسية والطبيعية والواقعية والتكعيبية والوحشية والدادائية والسريالية والتجريدية والتأثيرية…، وبواسطة أسماء تشكيلية وازنة في هذا المسار، من ليوناردو دافنش، إلى سالفادور دالي، مروراً بتْيان، ومايكل أنجلو، وفان راين، ورفايل، وفان جوخ، وكلود موني… وغيرهم من التشكيلين المعاصرين في القارات الخمس.

رابعاً: الصورة/التشكيل، سلطان منظومة التعابير الأدبية والفنية شعراً ومسرحاً ورواية، وسينما. ويظهر ذلك في حضور الصورة كسلطة تعبيرية تعيد تشكيل عين الكينونة في الثقافة المعاصرة، وذلك بقدرتها على الاختزال البلاغي الجديد والانفتاح التخيلي والتجريدي على عوالم ما وراء الممكن والمرئي.

خامساً وأخيراً، في اطار هذا المشروع الفني التشكيلي وما يحمله من رهانات وجودية وتاريخية وحضارية وتحريرية، تتحرك التجربة التشكيلية للفنانة جميلة الغمان، في نسق يتجه نحو التكاملية، ويسعى إلى اختزال وتركيب مختلف الاهواء والاشتهاءات التشكيلية من رومنسية وطبيعية وواقعية وسريالية وتجريدية… في قالب يجمع بين الخصوصية والكونية، المحلية والعالمية، التجريبية والتجريدية، مع الحرص على ترك مسافة لعين المتلقي كي تساهم جمالياً في ملء البياضات والفجوات بين الظلال، عبر تأويل يستجيب لمراكز انتظاراتها وافاق اشتهاءاتها.

وقد توج الدكتور عبد الله الطني مداخلته بإهداء الفنانة جميلة الغمان مقطعاً شعرياً من قصيدة كان قد كتبها من قبل بمناسبة معرض سابق لها برواق باب منصور بمكناس من 7 إلى 17 يوليو من سنة 2007، تحمل عنوان “لباب منصور شامات من وحي أضوائها وألوانها”، توجد منشورة بديوانه معلقة مكناس، من الصفحة 128 إلى الصفة 151:

[شامة الانعتاق:

سلاسل بيضاء

سلاسل سوداء

تكبل أحلام الفجر

تحيط بالامرئي

وتنادي النائمين استيقظوا

فقد امسكتُ بعطر الفصول

وبمهرة يركبها السراب

أمسكتُ بسر القوازج والسحاب

هكذا رأيته، يتراقص بين أناملها

مداد غجري القسمات

ثملاً بكأس باب منصور

بفرحة الميلاد

وبشوق خافت يهمس للعاشقين والعاشقات (هذه أجنحتي

أركبوني نحو المستحيل

سأجمع الظل بالظل والماء بالماء

سأرشف الأصل من فورة الينابيع والاضواء)

وفي عناق خرافي قديم جديد

كعناق الأشجار والاطياف

على نشوة الريح العابر

يغازل معزوفته الأبدية يشتت عقد الضوء في كبرياء جميل وسخاء

كأنه هديل حمام زاجل

كأنه صلاة ماء

هي ذي طفلة الفجر تستفيق على مهل

ويستفيق السحر بين أناملها

لتجمع الأشلاء والأشياء

وترحل بالكل في خبل هادئ

كأنها إلهة الظلال المترعة

بأناملها تخط على البياض اليباب

ملحمة الأشياء الأسماء

وفجأة صارت الطفلة الولهاء طليقة حرة بيننا

فرفرت مثل فراشة

وأعارت جناحاها الملونين

لكل العاشقات وغنت أناملها

لهن ولي

عودة الروح والأزمنة الفيحاء]

وبدوري أهنئ الفنانة جميلة إلغمان على إشراقاتها الدائمة وأقول لها مزيداً من الألوان ضدا على ما يحيط بنا من ظلامْ، ومزيدا من إبداع مساحات غنية للحياة، تضفي على يبس الوقت مزيداً من اليناعة والاخضرار، وفي أناملها من السحر ما يضمن تحقيق ذلك.

 

باحث في تراث الملحون من المغرب

 

 

 

عن madarate

شاهد أيضاً

فن الملحون المغربي بين المقاربة الأدبية والموسيقية أنس الملحوني

فن الملحون المغربي بين المقاربة الأدبية والموسيقية[1] أنس الملحوني[2] تقديم: يعد المغرب ملتقى الحضارات والثقافات، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *