الرئيسية / اهتزازات / البيضاء باب مفتوح على الإبداع (الجزء الرابع) الحسن الگامَح

البيضاء باب مفتوح على الإبداع (الجزء الرابع) الحسن الگامَح

لماذا الشعر…؟؟

في البيضاء كنت كفراشة تطير من زهرة الشعر إلى زهرة النثر، لا أختار زهرة ما، لكن زهرة الشعر كانت تجذبني أكثر وتمنحني حلما أكبر، فكنت أرتاح في حضنها لساعات طوال، أترك الخطوط الهندسية والتصاميم، لأغوص في نكهها، أستقرأ الكون قصيدة ترفعني إلى الأعالي غير مبال بالوقت يمضي بين أنجم السماوات العلى، أو بين الحروف والكلمات أختار ما يعيد ترتيبي من جديد، مستمتعا بوقتي وحيدا، أسرق من أنجم السماوات استعارة، أحدثها حينا بأحلامي التي تتراقص أمامي كأنها عروسة بحر تنادي على بحار تائه بين الموجات لا يعرف أين المرفأ، وحينا تحدثني بشعراء مروا من هنا كانوا يهيمون في أنوارها الساحرة.

في البيضاء بحثت عن ذاتي الشاعرة بين الشوارع الطوال… والعمارات الساحقة…. والدروب الشعبية… ودور الشباب في كل الأحياء، فوجدتها قريبة مني تسائلني كل مرة:

(عما تبحث؟؟؟

هنا استقامت أمامك الاستعارات

في بحيرة الشعر فغص عميقا عميقا

لا تكترث بالغرقْ

فاستقم بين موجات الأرقْ

واسبح بعيدا ولا تخف موتا شهيقا

اسبح بين المعاني

اختر ما يعليكَ لا يدنيك

اختر ما يقومك لا يعوقك

وامض بين دروب من سبقوك رفيقا)

لا جدوى الفرار من قدرك، أنك ستكوى أكثر بسعير الشعر، ستروى من معينه الخصب، ومن جنانه المتعددة، لكني كلما فتحتُ كتابا شعريا (شعرا أو نقدا) كنت كمجنون ألتهمه، وألتحق أسراره وألغازه وجمالياته، كنت أبحث عن نكه الشعر في الكتابات المتعددة التي أقرأها، وفي الأماسي الشعرية التي كنتُ أحضرها في نهاية الأسبوع، وفي اللقاءات مع رفاق الشعر. هكذا البيضاء أتاحت لي فرصة معانقة الذات الشاعرة أكثر، ومضت معي في سفر ليلي بين القوافي والمعاني، ألاحق الجمال بين السطور. ومن بين ما كتبتُ مقطع قصيدة لا زلتُ أذكرها:

(كأني على نار أحترقُ

من تحتي ماءٌ يتلألأ

وأنا معلق بين الكلماتِ

أتوق إلى استعارة جديدهْ

كأني في غرفة مظلمةٍ

الجدران عاليات

السقف مغلق فوقه سقوفٌ

وأحلامي متناثرةٌ بعيدهْ

فكيف لي أن أستقيم هنا

بين الحروف شاعرا

أنهكته الحروبُ الشديدهْ؟؟)

في البيضاء عانقني الشعر ليال طوال لا تنتهي إلا حين يهلل المؤذن القريب من البيت قبل صلاة الصبح، لأترك الأوراق جانبا على طاولة الهندسة، وأذهب للمسجد لأداء الواجب الديني، فأترك الذات الشاعرة هناكَ منتظرة عودتي، لكني لا أعود إليها إلى لليل آخر، إذ كانت اللقاءات ليلية فقط، وفي الليل يحلو السمر.

(في الليل يحلو السمر

وأنت في البالِ قصيدة تكتبني

كلما اشتقت للبوحِ

وحمل حقائب السفرْ

في الليل يحلو السمرْ

والبيضاء ترتدي الأنوارَ ساحرةً

في حضنها تستريح الذات من تعب المنتظرْ

إني يا فاتنة

عرت عن مفاتنها وأتتني

تسابق الوقتَ كأنها تسابق القدرْ

كيف لي ألا أغوص في ثناياكِ

شاعرا استهوته الاستعارات والانزياحات

وصار تائه بين صفا الشعر

ومروة السردِ ويخشى الهجرْ؟؟)

في البيضاء قضيت سنوات قريبا من الذات الشاعرة، نسوق القصائد كما يحلو لنا مستأنسين بصوت أم كلثوم التي لم تكن تغادر جدران الغرفة، وفناجين القهوة في انسياب تفتح أغوار الذاكرة، لم يكن هناكَ ما يتعبني ولا ما يرهقني أنام على سرير القصيدة متعافٍ مرتاح البالِ، وأنجم السماوات التي تطل علي من نافة الغرفة، وأنا في تجانس مع الذات الشاعرة، نقضي أجمل الأوقات بلا هرج ولا مرج، والصمت يعم المكان وصوت أم كلثوم الدافئ يرخي الذات ساعات بلا ملل.

(يا أيتها البيضاء التي أتيتها عاشقا

هل لك أن تذكريني يوما

إذا ما رحلتُ عنك مجبرا

شاعرا يعشق القوافي واصفا

هل لك أن تذكري حروفي

التي تجنحت بي في جنح الليالي

طوعا وأقامت لي عرشا بين الفيافي عاطفا

يا أيتها البيضاء التي أتيتها عاشقا

يشق الطرقات من مكناسة الزيتونِ

كي أعيد ترتيب أوراقي

وأستحم في موجاتك وقتا

ما زال عليَّ إلى الآن واقفا)

أكادير: 30 أكتوبر 2020

عن madarate

شاهد أيضاً

مراكش التي… (الجزء الثالث) – الحسن الگامَح

  لماذا الشعر…؟؟ (يا مراكش افسحي الطريق افتحي أبوابك العتيقهْ فقد أن الأوان أقرأ في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *