الرئيسية / دراسات / التربية على المقاولة من ملكة وموهبة إلى نواة مقاولة – عماد الغزال

التربية على المقاولة من ملكة وموهبة إلى نواة مقاولة – عماد الغزال

بعد إصداري الأول المهارات المهنية في صلب المناهج الدراسية وإصداري الثاني تربية مضادة للفقر والبطالة، يسعدني كثيرا أن أشارك المهتمين بالحقل التربوي هذا الكتاب الموسوم تحت عنوان من ملكة وموهبة إلى نواة مقاولة   بهدف إثراء المجال التربوي والتعليمي بتجارب وخبرات جديدة مواكبة لمستجدات العصر.

 تقديم

في فترة من الفترات كانت الشهادة الدراسية بمثابة الضامن لحياة كريمة أو على الأقل مستقرة، فلم يخل صدر من ترديد البيت الجميل للإمام الشافعي: «بقدرِ الكدِّ تكتسبُ المعالي، ومن طلب العلا سهر الليالي…». إلا أن التطور الصناعي والرقمي الذي عرفه سوق الشغل اختزل مجموعة من الوظائف والمهن في برامج وتطبيقات تنجز نفس مهام الإنسان بضغطة زر، هذا الكابوس الذي جعل نسبة كبيرة من الساهرين والمتفوقين دراسيا يستيقظون على واقع مختلف تماما عن ذلك الحلم الجميل الذي لطالما كان الوقود والحافز. هذا الوضع عجل بالبحث عن بدائل أخرى أقلها تفادي الارتكان خلف طوابير أو بالأحرى جحافل من العاطلين…

بالعودة الى دراسات واحصائيات المندوبية السامية للتخطيط، نلاحظ بوضوح تنامي توجه مختلف أطياف المجتمع لعالم التشغيل الذاتي كبديل عن انتظار ما قد يأتي وما قد لا يأتي… إلا أن نفس الدراسة أثبتت أن المقاولات الناشئة تجابه مجموعة من الصعوبات تعجل من فشلها داخل السنوات الأولى على انطلاقها، وذلك راجع لعدم توفر أصحابها على التكوين والخبرة اللازمة للعبور بمشاريعهم إلى مستويات الأمان…

إن اجتياح ثقافة المقاولة لنسب مهمة من الشباب رغم عدم استفادتهم من التخصصات المقاولاتية أثناء فترة الدراسة يفتح الباب لأكثر من سؤال، فهل مسألة إنشاء مقاولة مرتبط فعلا بالمناهج الدراسية؟ وهل يمكن اعتماد طريقة واحدة لتعليم الجميع؟ وما علاقة ذلك بالتربية على المقاولة كمادة دراسية؟ هل هي إضافة أعباء أم صناعة حلول؟

المقاولاتية: فعل مكتسب

يختلف المقاول عن الموظف والأجير برغبته في إنشاء عمل حر يتمتع فيه بالاستقلال المهني والمالي إضافة إلى دوافع أخرى مثل الرغبة في خلق مورد جديد للرزق أو الرغبة في تسويق ابتكاراته على شكل منتوجات تجارية. تتطور أهداف واستراتيجية المقاول بالتناسب مع قطاع نشاطه ومع التحولات المستمرة التي تعرفها معادلة العرض والطلب بالأسواق.

المقاولاتية: فعل فطري

من الممكن تربية وتكوين طفل على أصول المقاولة، إلا أن هذا العمل غير كافي لضمان إنشاء مقاولة مستقبلا. في المقابل إذا توفرت مجموعة من الشروط الملائمة لإنشاء مقاولة (محيط عائلي، خبرات مهنية، أنظمة اقتصادية…) لفرد بفطرة المقاولة فإن المؤهلات الجينية تزيد من فرص خلق وإنجاح نشاط مقاولاتي رغم عدم استفادة هذا الأخير من التربية والتكوين بهذا المجال…

المقاولاتية: فعل تربوي

إذا قبلنا أن الفعل المقاولاتي يؤدي مباشرة إلى خلق القيمة وخلق فرص العمل، في هذه الحالة، يلعب نظام التعليم دورًا رئيسيًا في تعزيز انشاء المقاولات عبر تبني مواد التربية على المقاولة وجعلها مواضيع بحث وعمل لتطويرها، سواء على مستوى مؤسسات التكوين، أو على مستوى الوسائل والبرامج التعليمية.

المقاولاتية: فعل الابتكار

مهما تعددت المفاهيم المقاولاتية يظل الابتكار هو النواة التي تطوف حولها باقي قدرات المقاول، وتتجلى في القدرة على تقديم منتوج جديد أو تقديم منتوج متداول بطريقة جديدة، وبالتالي كل ما ارتفعت درجة الابتكار كلما كانت حظوظه في النجاح أوفر.

البيداغوجيا المقاولاتية

توازيا مع التطور التكنولوجي السريع لسوق الشغل، بات من اللازم على المتعلمين التسلح بمعارف موازية لمتطلبات العصر الحديث. ومن أجل الوصول إلى نتائج ملموسة على المشرفين على تنزيل مادة التربية على المقاول وضع تدرج علمي تربوي لمكونات المناهج الدراسية لتمكين المتعلمين من الانتقال بسلاسة من النوايا المقاولاتية إلى الأفعال المقاولاتية عبر اعتماد أنشطة تربوية تراعي سن وطاقة المتعلم.

بيداغوجيا حل المشكلات

تهدف هذه البيداغوجيا إلى جعل المتعلم يبحث عن مشكل انطلاقا من المحيط ثم ابتكار حل على شكل منتوج. يمكن هذا التوجه من وضع المتعلم في صلب العملية التعلمية عبر التعلم والممارسة داخل الميدان، الأمر الذي يعزز الخصائص المقاولاتية لديه تحت تأثير مشاكل وتحديات الواقع. فالوضعية المشكلة بالميدان تعيد ترتيب طريقة تعامل المتعلم مع المكتسبات وتجعلها ذات قيمة حقيقية. هذا النوع من العمل يحفز لديه الإحساس بالمسؤولية والالتزام والقدرة على اتخاد القرار. وفي النهاية الوصول إلى الهدف النهائي الذي يرمي إلى تكوين أجيال قادرة على استغلال طاقاتها الداخلية وتحويلها إلى مشاريع.

المشروع المقاولاتي

المشروع المقاولاتي للمتعلم يهدف بالأساس إلى زرع بذور المقاولة في الأجيال الصاعدة بالإضافة إلى خلق نواة لمقاولة مستقبلية. يشترط في المشروع أن يؤطر بطريقة بيداغوجية تتوافق وسن المتعلم، ويبقى أهم جانب هو قدرة المتعلم في النهاية على اقناع لجنة مكونة من أساتذة وخبراء ميدانيين بجدوى المشروع وقدرته على تقديم قيمة جديدة.

تزخر المؤسسات التعليمية بملكات ومواهب تعاني غالبيتها من عدم الاستغلال أو من سوء التوظيف في حين أن هذه القدرات بمثابة رؤوس أموال معطلة وجب تأطيرها وتطويرها وتوظيفها في مشاريع تربوية بخصائص مقاولاتي وذلك بهدف زرع بذور المقاولة في الأجيال الصاعدة عبر اكسابهم معارف ومهارات إنشاء وتدبير مقاولة ولو جد صغيرة عبر تأطير بيداغوجي يتوافق مع سن المتعلم لتمكينه من خلق نواة لمقاولة مستقبلية انطلاقا من ملكة وموهبة داخلية.

 

 

متخصص في الاقتصاد والرياضيات المالية

 

 

 

عن madarate

شاهد أيضاً

ذاكرة الوجع: قراءة في رواية رجل المرايا المهشمة- ربيع عبد العزيز

ذاكرة الوجع: قراءة في رواية رجل المرايا المهشمة- ربيع عبد العزيز   لعل أول ما نلاحظه، في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *