الرئيسية / أمازيغيات / الحكاية والصدى: نسر أونامير في الشعرية الغنائية الأمازيغية – أحمد بوزيد

الحكاية والصدى: نسر أونامير في الشعرية الغنائية الأمازيغية – أحمد بوزيد

حلق النسر طويلا في أكوان المتخيل الشعري الأمازيغي، كانت الأصوات التي تستعيده صدى للنسر الأول الذي حمل الكائن الميثي أونامير إلى السماء السابعة بحثا عن الطيف، في تجربة تشبه تجربة الإسراء الليلي، وكما كان أونامير كسجل غائب ودليل رمزي قد اقتطع من جسده للباز قطعة من اللحم لاستكمال السفر، ظلت التجارب الشعرية الأمازيغية تقتطع من جسد النص الشعري وزمنيته الخاصة لحظة للباز وحضورا به ينفلت من إسار الطبيعة الصامتة ومقتضياتها وينتقل إلى اوساع الحياة الرمزية، هكذا غنى الراحل عبد العزيز الشامخ:

Nsuda se nsudi dumgh ukan agharas

Aligh nkchm yat tagant ntarihanini

Illa gis aud lbaz asghar ur iknuni

Illa  gis yan lbaz iklla  rich ar akali

Ah mar yufan  agisn  ikis  yan richi

حيث يتبدى الباز مقيما في الاستحالة، موضوعا لرغبة عميقة في اتخاذ ريشه مرودا للاكتحال به للعبور من حالة العمى بسبب الشوق، بريشه المتسم بالخفة والرفة التي يتطلبها لمس العيون التي سملتها اللواعج ليضطلع ريش الباز بوظيفة اشتشفائية منتسبة للمارسات الطقوسية المخلية، عبر الانتقال من الوظيفة الجمالية إلى وظيفة تطهير العين باستعادة الذات لطيف المحبوب بوصفه الصورة الوحيدة لما تستقيم به الرؤية وتستوي، ولما به تكف الكبد عن ذرف الدموع وتنصرم عن الذات حالة الشوق ويسكن باللقاء.

ليس للباز هذه الصورة لوحدها، وليس له مزية الوضوح، إنه يكتنف الغموض ويلقي في القلوب الحيرة، تقول فاطمة تاباعمرانت

Albaz lhour ur nsn  maghak zragh

Irda  rbii  f ugharas  kid yiwin

Izd akal  agh ligh  izd awa ignwan

Izd is iaaql  yan izd is ign  itass

Izd isifugh  ruh nsn imun  ditun

تتعمق الحيرة حين تحول رؤية الباز دون رؤية الذات ومعرفة موقعها وحين تنفتح الاحتمالات على احتمال الموت واحتمال الحياة، وفي الحالتين تصير الطريق مباركة بخطاه، وتستعيد معناها وتنهال عليها القداسة والبركة. ما يجعله متعددا، بازا شكلته هرمونات الخيال وجعلته طيرا سماويا ونورانيا وفي الآن نفسه تشكل في صورة مادية أنثى يتحقق جمالها بما رتبته الثقافة من أشكال الزينة بالخلخال وبالحناء في نظامها الجمالي.

ومثلما انفصل عن دليل أونامير عائدا إلى مسقط رأسه، ليتملك الحنين أونامير في عالم الخلود، سيصعد من مقاطع شعرية لعبد الله الفوى ما يشبه النجوى وتمني عودة الباز بالأخبار عن الديار:

أيلي يا الباز أوا جيب ليا خيار بلادي

مقطع يتضمن دعوة للباز إلى التحليق، وتسقط أخبار الأهل والبلاد، ربم تخفت نار الحنين المستعرة في الضلوع …

هذا الباز الذي ينقاد له الجسد الجريح مثلما نجد في أشعار الرايس عمر واهروش حين يتعلل به خلا ورفيقا عل رفقته تشفي جراح الخيبة والخذلان والخسران وعل السياحة في الأرض ترمم العمارة البشرية المتهالكة وتبعد عن الروح ما حق عليها من خراب داخلي

Arwah albaz nki dik anmun

Wa ghina  stnit  ndu sirna

Igit adrar  ngh iga asawna

Nghal  ahbib is iga  winwi

Aligh izera  wayad  awinta

لينطق هذا السجل الشعري الشفوي بحالة العزلة والخلوة التي تتوسل فيه الذات الباز مؤنسا وشبيها وصورة النفس وهي تعيش مأستها الشخصية وزهدها ويأسها من الوصال هائمة بغير وجهة متوحدة مع ألمها وكمدها.

Wa mun  alhna  d udar ichwan

Imun  lhrir  nta  d lmuber

Imun  lqdib  nta  d uhayk

Amunagh  nkki  d ugayunw

Arwah  albaz nkki  dik  anmun

وتتضاعف هذه الرغبة في التوحد بالباز حد تمني التحول من الهيئة الآدمية وامتلاك خواص هذا الطائر في نداءات مجموعة أودادن وفي بحثها عن القمر البعيد

Mla  hlli  gigh  lbaz  anruh  ignwan

Akn  saqsagh  atagut magh illa wayuri

Izenzaren an suga nta  lahyyit

Haqa titratin  ada  ymun  kchmn  aman

سؤال يبين عما تلبس الكائن من فرط الفقدان وهول الفجيعة، وما تولد من رغبة هي بمثابة صدى للنسر في الحكاية الاوناميرية، التي جعلت منه الطير المالك للمعرفة عن موطن احتجاب الحبيب، بعد أن صارت المغارة كرمز للرحم الأمومي والولادة مأهولة بالماء، وما بقي من الشاهد على الغائب غير أشعة منه وبقايا ضوء لعيون أطبق عليه السواد، وباتت تسأل بألم الضباب المصطدم بجدران المغارة الباردة والبخار المتصاعد من الماء المحتضن للقمر الناري بحرارته اللاهبة،

وهو ما يجعل النداء طارحا احتمال الغرق مع النجمات والتحصن في القيعان والقرار، قيعان المغارة وقيعان الدواخل وغياباته، حتى غدا العزاء الوحيد هو التماس العون من الباز كعارف بالأسرار والحجب إتقاء ما يستبد بالذات من علل طارئة وما مسها من ضر وما انسكب من مآقيها من عبرات، وما تبل به الشوق اللقمة من مرارات جعلت القمر يغض عينه عن النظر إلى الذات متمنعا من الوصل ومن الرؤية التي تنجي، متلهفا للرحيل إلى السماء. في تجربة إعادة كتابة الحكاية سليلة الديوان السردي في الديوان الشعري الأمازيغي الصوتي والموسيقي على وجه التحديد.

 

وإذا كان قدر الشاعر الأمازيغي هو التشاكل بين الحب والمأساة، فإن الشاعرة الأمازيغية تكاد تكون شبيهة بتانيرت في الحكاية، في الصوت الذي يتردد رجعه وصداه في الأنهار الشعرية الأمازيغية، إذ تخاطب الشاعرة فاطمة تيحيحيت مجاهد الباز كما لو أنها تانيرت في عالمها العلوي غير راغبة في العودة إلى مواطن عشقها الأولى ومرابعها البدئية

Al baz ur iga  anmun

Laryach nkk adarki

Han urdari rich ishan  akn  Si gilghi

Han igh flak  itut  yan  albaz ihubukni

Han ihdur  ibi laryach nkk isnfazertni

Han adur inna  dikhfns  aysmd lghrd nsi

إنها تجربة حب متخيلة تقرن الحب بالمأساة وبالأسقام والانمحاء.

ستنطق تانيرت على لسان الشاعرة فاطمة تيحيحيت مجاهيد، وتنطق معها بالعاطفة الجياشة التي تملتكتها وبالشهوة الغامرة التي لوثت دمها بالترحال ونذرت أقدامها للجري والعدو والسفر إلى الأقاصي البعيدة وتنسرد أحوال أنثى مغرمة بالبعيد ومخاطبة نفسها بالاكتفاء من ترحالها بالاستقرار في العالم العلوي اتقاء العتاب الإنسي

Ayikhfinu  qnaa  imik nchahwa  tali  giwni

Akur lumun  midn  ighawkan  tizalti

Han urd nkki  ka mu tga  luqt  asawn gutni

Han arka  tala tayri  wahdut  gh taganti

ويصير الحب في عزلة غابوية مستكينا إلى البكاء مستمرءا البعد والمسافة والهجران والغياب ولا تجدي كيمياء الصيادلة في مداوة أعطاب الروح.

إن التشاكل السالف ذكره هي ما يجعل الشاعرة / تانيرت تخاطب الباز بالبعد وصون المسافة

Rad dagh  urigh albaz anflak  nberh

Ghar amzat  akkal  awkan  ur nasi did nki

إنه تاريخ الحب في أكوان المتخيل الأمازيغي الجريح، لكنه أيضا تاريخ الألم.

 

كاتب وباحث من المغرب

عن madarate

شاهد أيضاً

مظاهر الهجاء في شعر الرحل الأمازيغ بوادي نون – أحمد بلاج

مقدمة إنّ الشيء الذي يميّز كلّ شعب ما هو ثقافته وتراثه، هذه الثقافة تعتبر من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *