مقدمة:
لا يمكن ذكر الإنسان دون ذكر المكان، لأن المكان بالنسبة إليه، هو الوجود والكيان والانتماء، وفيه يشعر بالسكينة والأمان، ويظهر هذا جليا في إبداعاته الأدبية والتشكيلية والفوتوغرافية…وتتنوع هذه الأمكنة بتنوع التضاريس بين السهل والهضاب والجبل والصحراء… وتعد الصحراء من بين الأفضية التي حظيت باهتمام الأدباء والشعراء العرب منذ القدم، لارتباطهم بها روحيا و وجدانيا، لكونها موطنهم الأصلي، ومهبط الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم ،”فالصحراء حظيت بأهمية كبيرة بالنسبة للأدب العربي القديم و الحديث ،لأنها كانت موطن الأدب الجاهلي و أرض النبوءات و الرسالات السماوية التي من بعد، و آخرها الإسلام”1
وتعد الرواية الجنس الأدبي الأبرز من بين الأجناس الأدبية المتنوعة، الذي استطاع أن يعبر عن خصوصية البيئة الصحراوية في العصر الحديث، من خلال إبراز مدى تفاعل الإنسان مع الفضاء الصحراوي، وارتباطه به روحيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا…
ويعد الروائي الليبي إبراهيم الكوني، من بين أهم الروائيين العرب الذي تمكنوا من توظيف الصحراء في أعمالهم السردية بطريقة فنية مميزة، بحكم أنه عاش في الصحراء وخَبِر أسرارها، فهي “كنز، مكافأة لمن أراد النجاة من استعباد العباد وأذى العباد، فيها الهناء، فيها الغناء، فيها المراد”2.
- عناصر الفضاء الصحراوي في رواية “نزيف الحجر”:
يعد فضاء الصحراء فضاءً مميزا، لكونه يمتلك عدة خصوصيات، فهو فضاء مفتوح ولانهائي، ويتكون من عدة مكونات وصفات، فَ “في أبعاد الصحراء تكمن قيم الطبيعة وسحرها، فهي فضاء بكثبان وفضاء بواحات وفضاء بسماء وأفق منطبقين، فضاء بألوان قوس قزح، فضاء بجفاف ومطر وخيول وجمال وعيون ماء، فضاء متصل اتصالا مباشرا بالسماء”3.
- الواحة:
ارتبطت الواحة في الصحراء بالحياة، لأنها تمثل الخصب والنماء، فهي تمثل الخلاص والنجاة في الرواية، ف”أسوف” الشخصية الرئيسية في الرواية، الذي فضل العيش بعيدا عن الناس في الصحراء الشاسعة، واجه الموت عدة مرات “أمه عجوز لن تغادر الكهوف، وأبوه مات والدنيا صحراء، من اختار أن يعيش طليقا في الصحراء، فعليه أن يتولى أمره بنفسه، هذه حكمة قرأها في حياة الوالد ودفع حياته ثمنا لها”4، وهو أيضا سيدفع حياته ثمنا لها. وتمثل الواحة لأسوف الأسر والقيد، في مقابل الصحراء الممتدة الى ما لانهاية، والتي تمثل الحرية، فبمجرد ما دخل الى الواحة “اعتقله رجال الكابتن “بورديللو” في اليوم الأول لدخوله الواحة، وجدوه يجلس تحت جدار في سوق الحدادة، يلتقط أنفاسه من الرحلة الطويلة، فوضعوا القيد في يديه وساقوه الى الحامية الإيطالية على المرتفع”5. فأسوف كان مجبرا على الذهاب الى الواحة نتيجة للجفاف الذي عرفته الصحراء في تلك الفترة، فلم تجد الماشية ما تأكله، وبدأت في النفوق “طردته الصحراء بالجفاف، فاضطر أن ينزل الى الواحات ليجرب حظه مع الناس لأول مرة في حياته”6.
- الرمال:
إن أول ما يراه الزائر للصحراء، الرمال المترامية الأطراف، فلا وجود لصحراء بدون رمال، وهي تكتسي- الرمال- في الرواية طابع الأسطورة “لأن الله أنزل على الأرض بلوى أكبر، قاتلت الاثنين معا، جاء الإنسان وأصبح للغزلان والودان عدو واحد، الآلهة ملت الشكاوى الطفولية تارة، تتصاعد الرمال وترفع أمرها الى السماوات مدعية أن الجبال هي التي بدأت الاستفزاز، وتارة تقصدها قمم الجبال وتشكوا غزوات الرمال، فغضبت الآلهة وعاقبت المتخاصمين بشيطان اسمه الانسان”7
ونتيجة للصراع بين الودّان الكبير ووالد أسوف، يلقى هذا الأخير حتفه في منطقة خلاء في الصحراء، فتشهد الرمال على هذه الواقعة وتساعد أسوف على اكتشاف مكان الجثة لكونها احتفظت بقطرات من الدم، فأسوف ” تتبع اثار المعركة على طول الوادي فوجد بقع دم لوثت الأحجار وسقطت قطرات متباعدة على الرمل في قلب الوادي “8
وتنقسم الصحراء الى نوعين عند إبراهيم الكوني، صحراء رملية وصحراء جبلية صخرية، فالأولى تتميز بكونها رفيقة العباد لسهولتها وبساطتها ووضوحها في مقابل الصحراء الجبلية الغاضبة” انتهى صفاء الصحراء الرملية الممتدة المنبسطة الرفيقة بالعباد وبدأت عراقيل الصحراء الجبلية الغاضبة “9
- الكهوف:
كان الانسان البدائي دائم البحث” عن كهف يستقر ويتزوج ويأكل وينام ويحمي نفسه فيه” 10 فأسوف ووالديه قطنوا الكهوف وجعلوها مكانا آمنا لماشيتهم من الحرارة والأمطار والغرباء “استطاع –أسوف- أن يحشر الأغنام في الكهف الكبير قبل أن يصل الزوار”11.
وترتبط الكهوف في الصحراء بالقداسة لكونها تضم في بعض جدرانها رسومات ورموز تحيل على معتقدات مقدسة للأقوام التي استوطنت الجبال في الصحراء قديم الزمان “إنهم سكان الكهوف القدماء، الأجداد الأولون”12.
وتعتبر الكهوف في الصحراء شاهدة على نمط حياة الانسان البدائي بفضل ما سجله على جدرانها من رموز ونقوش ورسومات، ف”الرسوم تزين صخور الجبال والكهوف في الأودية الأخرى في كل “مساك صطفت” وقد اكتشفها في صغره عندما كان يهده الجري خلف القطيع الشقي فيلجأ للكهوف ليستظل من الشمس ويفوز بلحظات راحة فيتسلى بمشاهدة الرسوم الملونة: صيادون ذوو وجوه مستطيلة غريبة يركضون خلف حيوانات كثيرة لم يعرف منها سوى الودان والغزلان والجاموس البري، في الصخور أيضا نساء عاريات يحملن على صدورهن أثداء كبيرة”13
وتعتبر الصخور المنقوشة بالرسوم والرموز ثروة وطنية تساوي الملايين مما يجعلها عرضة للسرقة تارة و، وتارة للتخريب وهي دعوة ضمنية من الروائي إبراهيم الكوني الى سلطات بلاده الى العمل على تكثيف الجهود للحفاظ على هذه الثروة ” سوف يأتي بشر كثيرون من مختلف الأجناس والأديان لمشاهدة الآثار، عليك أن تراقبهم لا تدعهم يسرقون الأحجار لا تسمح لهم بتخريب الصخور هذه الصخور ثروة كبيرة هذه الرسوم مفخرة بلادنا، افتح عينيك إنهم نهمون وطماعون يسرقون أحجارنا ليبيعوها في بلادهم بالآلاف بل بالملايين”14
- الشعاب والوديان:
تعرف الصحراء بمجموعة من التضاريس المختلفة خصوصا تلك التي نحتتها عوامل التعرية، فنجد الشعاب و الوديان و هي عبارة عن مجاري مائية متقطعة الجريان لندرة تساقط الأمطار في الصحراء و هي توجد أساسا قرب الواحات و غنية بالعشب و الأشجار المتنوعة ” بدأت السيارة تهبط الوادي توقفت في القاع بجوار أشجار الطلح، في المجرى تناثرت شجيرات برية احتفظت بالاخضرار منذ سيول العام الماضي”15و تعد الوديان جنة للرعاة لغناها بالعشب و الكلأ رغم خطورتها لأن الجن يتربص بكل من ينزل الى الوادي “يومها طارد اشقى معزاة في القطيع انشقت عن بقية الماشية و نزلت وادي متخندوش الموحش”16
و اذا كانت الوديان في الصحراء تمثل شريان الحياة لكونها تخزن المياه في جوف الأرض و توفر الكلأ و العشب للماشية، فهي من جهة أخرى تمثل خطرا على الانسان الصحراوي لأن السيول المفاجئة تجرف كل ما تجده أمامها من انسان و حيوان ومتاع “فالإنسان في الصحراء لابد أن يموت بأحد النقيضين السيل أو العطش”17و هذا ما حدث لوالدة أسوف عندما تركها وحيدة و خرج للرعي فأسوف “لم يلحظ أي إشارة تشير إليه، السماء صحو منذ الصباح و عارية من الغمام، فشجعه ذلك للخروج الى المرعى بالأغنام مبكرا ، في الليل أيضا لم يشاهد برقا و لم يسمع قصفا بعيدا للرعد و لكن “تادرارات” و كل سلسلة جبال “أكاكوس” كانت تشهد في تلك الليلة أمطارا لم تشهد أسخى و أغزر منها منذ سنوات طويلة ، و كالعادة لم تتدفق الأودية بالسيول إلا بعد مضي يومين، السيول فاجأت الأم في الأصيل في أثناء غيابه في المرعى”18.
- الحمادة والجبال:
تعد الحماده و الجبال من أبرز العناصر المكانية في الفضاء الصحراوي لكونهما يضفيان طابعا سحريا على جمال الصحراء، فالحماده هي الأرض المنبسطة التي تمتد عبر الخلاء و العراء الى أن تصل الى الجبل فتعانقه وينصهران معا ، وتزخر الحماده بكل أنواع الحيوانات الصحراوية خصوصا الغزلان ” يقولون أنكم أبدتم كل قطعان الغزلان في الحماده الحمراء ،هل هذا صحيح ؟”19 و يرجع تركيز إبراهيم الكوني على الحماده و خصوصا الحماده الحمراء في نصوصه الروائية لكونه ابنها ” ولد بلقاني في 7 غشت 1948 بالحماده الحمراء في الصحراء الكبرى”20 و اذا كانت الحماده في الرواية تتميز بالرحمة و البساطة فإن الجبال في المقابل تتميز بالخشونة و الغموض “انتهى السهل و بدأت “مسالك صطفت” تعلن عن نفسها انتشرت المرتفعات المغطاة بصخور سوداء ضخمة محروقة بنار الشمس الأبدية، انتهى صفاء الصحراء الرملية الممتدة المنبسطة الرفيقة بالعباد و بدأت عراقيل الصحراء الجبلية الغاضبة”21.
إن الجبل في الرواية هو مكان للاحتماء من الغرباء أو الأعداء فأسوف” يتقافز فوق الصخور في سرعة الريح غير عابئ بمطر الرصاص الذي ينهال عليه من كل جانب، فهل رأيتم انسانا ينجو من رصاص الطليان وهو يجري على قدمين حتى يختفي في ظلمات الجبال؟”22 ولا يقتصر الجبل في الصحراء على حماية الانسان الصحراوي فقط بل يحمي كذلك مجموعة من الحيوانات من بطش الصيادين “نسيت أن أقول لك إن معركتنا كانت تدور في واد مقطوع عن الجبال الودان يعرف أنه لن يستطيع الإفلات لابتعاده عن حصونه في الجبال”23.
- الأبعاد الدلالية للفضاء الصحراوي في رواية “نزيف الحجر”
تشكل الصحراء فضاء عجيبا ورهيبا لمكونتها المتنوعة من جبال صخرية ورملية ووديان وكهوف… مما يدعو الانسان الى التأمل والتدبر وبالتالي الابداع في وصفها وتشخيص العلاقة معها، وتتعدد طرق هذا الوصف والتشخيص حسب زاوية نظره وحاجته اليها في النص ، لذلك تعددت أبعادها الدلالية والرمزية والسيميائية بين الروائيين:
2-1 البعد السياحي:
تشكل الصحراء فضاء للراحة والاستجمام و التمتع بمناظر الرمال و شروق و غروب الشمس ،و ركوب الجمال و التمتع بمشاهدة الرموز و الرسوم على الصخور في الكهوف “بالطبع لم يخطر ببال أسوف في الماضي عندما قطع الوادي الموحش في شبابه منشغلا برعي أغنامه أن يكون هذا الرسم المحفور في الصخور يمثل هذه الأهمية كما يراه اليوم عندما أصبح قبلة لسياح النصارى يأتونه من أبعد البلدان “24، فالروائي الليبي إبراهيم الكوني يعلن منذ الصفحات الأولى من رواية “نزيف الحجر” أن الصحراء فضاء للسياحة بامتياز لكونها تزخر بمؤهلات طبيعية و ثقافية .
2-2 البعد الانتمائي:
إن رواية “نزيف الحجر” تعبير صادق على انتماء إبراهيم الكوني للصحراء بقساوتها وطقوسها ـوارتباطه وقربه منها يجعله حيا بينما ابتعاده عنها يعادل الموت “سيختفي كل شيء ستغيب الصحراء الأبدية لن يرى الغزلان مرة أخرى ولن يشاهد السراب يتراقص في الأفق ما أقسى أن تغيب الصحراء ! كيف سيتحمل فراق الصحراء؟ أسوء شيء بعد عذاب الوالدة هو ألا يشاهد الصحراء الخالدة حتى تختفي في رحاب الله”25.
إن حب الكوني للصحراء واعتزازه بها جعلاه يعمل جاهدا على” ترسيخ عالمه الروائي من خلال التركيز على تيمته الرئيسية الصحراء بأهلها وأساطيرها وطقوسها وحيواناتها”26.
2-3 البعد الجغرافي:
لا يختلف اثنان في كون إبراهيم الكوني اتخذ الصحراء كفضاء في جميع ابداعاته الروائية ،وهي تتوزع جغرافيا على عدة مظاهر، فهي تتكون من صحاري رملية ذات مساحات شاسعة تتميز بشدة الحر «الصخرة العظيمة تحد سلسلة الكهوف وتقف في النهاية كحجر الزاوية لتواجه الشمس القاسية عبر آلاف السنين “27 ويعتمد سكان الصحراء في معيشتهم على الرعي “الرسوم تزين صخور الجبال والكهوف في الأودية الأخرى في كل “مساك صطفت” وقد اكتشفها في صغره عندما كان يهده الجري خلف القطيع الشقي”28.
أما النباتات والأشجار المعروفة في الصحراء فهي متنوعة، منها شجر السدر الشوكي الذي يتحمل العطش “اتفق مع مسعود وجون باركر على أن تكون الوليمة ليلة الجمعة في وادي السدر الذي يرسم لوحاتهم الجبيلية طبيعية مع الحماده من الجهتين الغربية والجنوبية”29 إضافة الى أشجار الرتم والطلح ” في متاهة العراء تتناثر أشجار سدر وطلح ورتم ، تنمو متباعدة في السهول وقد تتزاحم في بعض الأودية التي فازت بالسيول أخيرا”30
فهي حيوانات لها القدرة على تحمل العطش وصعود الجبال الوعرة، وهي عديدة مثل الغزلان والودان والماعز ” جبل الحسونة أصبح معقلا انتقاليا للغزلان اللاجئة الى الصحراء الجزائرية الغزلان الجريحة اتخذت من السلسلة المنيعة ملجأ للاستشفاء”31.
أما بخصوص المناخ السائد في الصحراء، فهو مناخ حار نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وقلة التساقطات، وتعد ظاهرة ريح القبلي أهم ما يميز الصحراء لكونها ريح ساخنة مليئة بالغبار تجرف الرمال وتذبل النباتات “في السنتين الأولى والثانية عاش على نباتات السيول السخية ولكن موجات القبلي التي هبت على الصحراء في السنة الثالثة اتلفت ما تبقى من الأشجار وامتصت آخر أمل لنباتات الأودية في الحياة”32
2-4 البعد الأسطوري:
تتعد تعريفات الأسطورة من باحث الى آخر، و من بيت هاته التعريفات نجد ما يفسرها بكونها” تروي تاريخا مقدسا، تروي حدثا جرى في الزمن البدئي الزمن الخيالي هو زمن البدايات”33 و من خلال قراءتنا لرواية “نزيف الحجر” نلاحظ تركيز إبراهيم الكوني على الفضاء الصحراوي كفضاء وحيد و أوحد، فصور عالم الصحراء المدهش الذي يبدو في ظاهرة جافا و قاحلا و لكنه ببراعته الفنية استطاع أن يجعله فضاء أسطوريا غنيا بالقصص و الرموز و الرسوم و الحكايات ، فالبطل أسوف كان مهتما بالصخور المنقوشة منذ صغره التي اكتشفها عندما كان يرعى الماعز ، مما جعله يسأل والده عن سر الصخرة و علاقتها بالجن، ففكرة وجود الجن و الشياطين نابعة من فكرة الصراع بين الخير و الشر و هذا الصراع نجده عند الأمم جميعا فالخير تمثله الملائكة و الشر تمثله الشياطين و الجن، و بالتالي فالصراع بين الخير و الشر هو صراع دائم، و في الأخير ينتصر الخير “و سمع الوالد يقول غاضبا “أجاور الجن و لا أجاور الناس أعوذ بالله من شر الناس”43 فالجن في الرواية مقترن بالخير و الشر مقترن بالبشر “ربما كانوا من الجن و لكن من جن الخير، الجن مثل الناس ينقسمون الى قبيلتين: قبيلة الخير و قبيلة الشر ،نحن ننتمي الى القبيلة الأخرى قبيلة الجن التي اختارت الخير”53 .
إضافة الى أحداث أسطورية تنتمي الى ثقافة الطوارق كتناسخ الأرواح من خلال حادثة هروب أسوف من الأسر عندما استطاع أن يحل في ودان وينجو من رجال الكابتن بورديللو “هناك في الطريق قبل أن يبلغوا العوينات حدث ما تناقلته الأهالي ونسجوا حوله الأساطير روى لهم الشباب فقالوا أنهم راوا المعجزة لأول مرة في حياتهم شاهدوا إنسانا يفلت من الأسر ويتحول إلى ودّان يعدو نحو الجبل”36
الخاتمة:
يظهر إبداع و عبقرية إبراهيم الكوني في اقتصاره في رواياته على فضاء واحد هو فضاء الصحراء، دون الوقوع في التكرار أو الابتذال فهو يصور كل التفاصيل الدقيقة الخاصة بالكائنات الصحراوية من حيوانات و نباتات و إنسان ،فالحيوان في بعض الأحيان يرتفع من مرتبة الدونية الى مرتبة أسمى و يتآخى مع الإنسان “كلما تذكرت أمي الذبيحة أحسست بالسهم المسموم يخترق قلبي ، مسكينة فعلت ذلك من أجلي و من أجلك كي ينعم نسلنا بالأمان عبر كل الأجيال، دمها آخى بين ملتنا و ملة آدم ،نحن الآن و ابن آدم إخوة بالدم” 37 ، بل إن إبراهيم الكوني يسمو بالحيوان الى درجة القداسة “عبر آلاف السنين حافظ الكاهن العظيم و الودّان المقدس على ملامحهما المحفورة ، ملامحهما الواضحة العميقة الجليلة الناطقة في صلب الصخرة الصماء” 83
إن شساعة الصحراء وقسوة مناخها وظروفها المعيشية الصعبة، جعلت إبراهيم الكوني الذي ينتمي للطوارق، ينجح في إيجاد مخيال أسطوري مناسب لإنجاز إبداعاته السردية من خلال إحياء الفكر الخرافي والمعتقدات الشعبية المتوارثة في منطقة الصحراء بليبيا، كما استطاع أن يشير الى الخطر الذي يهدد الصحراء نتيجة اهمالها من طرف سكانها ،و تعرضها للنهب و التخريب من طرق السياح الأجانب و الغرباء ، فنلمس بوضوح حب إبراهيم الكوني للصحراء و تمجيده لطبيعتها و للحياة البدائية فيها و في المقابل إدانته للحضارة المعاصرة التي تركز على حب المال و الثروة حتى و إن أدى ذلك الى تدمير الطبيعة و إبادة الحيوانات “إذا قمت بإبادة الغزلان، فبفضل مساعدتك ،زودتني بالسيارات و بنادق الخرطوش ،و أكلت من الغنائم نصيبك و أكثر من نصيبك”39
الهوامش:
(1) أمينة محمد برانين: فضاء الصحراء في الرواية العربية، دار غيداء، الأردن، الطبعة 1، السنة 2011 الصفحة :15.
(2) إبراهيم الكوني: نزيف الحجر، دار التنوير للطباعة والنشر بيروت لبنان ط:3 السنة 1992 ص:24
(3) ياسين النصير: الرواية والمكان، الموسوعة الصغيرة 195، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد ص:195
(4) إبراهيم الكوني: مرجع سابق ص:62
(5) نفسه، ص :83
(6) نفسه، ص: 77
(7) نفسه، ص:27
(8) نفسه، ص:33
(9) نفسه، ص :86
(10) ياسين النصير: مرجع سابق ص :75
(11) إبراهيم الكوني: مرجع سابق ص :17
(12) نفسه، ص:9
(13) نفسه، ص:9
(14) نفسه، ص:14
(15) نفسه، ص: 17
(16) نفسه، ص:11
(17) نفسه، ص: 79
(18) نفسه، ص: 79
(19) نفسه، ص:21
(20) أحمد الحوني: الموقع الإليكتروني ديوان العرب بتاريخ 12 أبريل 2006
(21) إبراهيم الكوني: مرجع سابق ص: 86-87
(22) نفسه، ص: 83
(23) نفسه، ص:25
(24) نفسه، ص: 8
(25) نفسه، ص: 69
(26) حطاب طانية: إبراهيم الكوني ومشروعه السردي من طوق الصحراء الى اشعاع العالمية ن، مجلة رؤى فكرية، العدد 4 /غشت 2016 ًص:135
(27) نفسه، ص:8
(28) نفسه، ص:9
(29) نفسه، ص:131
(30) نفسه، ص:123
(31) نفسه نص:100
(32) نفسه، ص:80
(33) ما رسيا الياد: مظاهر الأسطورة ترجمة نهاد خياطة دار كنعان للدراسات والنشر ط:1 السنة 1991 ص: 10
(33) نفسه نص:24
(34) نفسه نص: 24
(35) نفسه، ص:10
(36) نفس، ص:83
(37) نفسه، ص:113
(38) نفسه ، ص:8
(39) نفسه ،ص: 120
كاتب من المغرب