الرئيسية / ملف الهايكو / الهايكو .. بين بساطة وأصالة اللغة (الجزء الأول) – توفيق ابو خميس

الهايكو .. بين بساطة وأصالة اللغة (الجزء الأول) – توفيق ابو خميس

الهايكو .. بين بساطة وأصالة اللغة (الجزء الأول) توفيق ابو خميس

“لو كانت اللغة فحماً؛ لكان الشاعر هو الشخص الذي يوقد هذا الفحم، ولكان الضياء في ألسنة اللهب، هو الشعر الذي يضيء القلوب”.

(هان زو رونج)/ شاعر صيني

اليابان هذا البلد الواقع في الشرق القصي من قارة آسيا عند الطرف الآخر من الأرض هذا الأرخبيل الممتد والمتشظي للعديد من الجزر والذي أدرك الإنسان فيه أن عليه يواجه مصاعب الطبيعة الكثيرة؛ ومنها الأعاصير والزلازل والتي لم ولن ترحم يوما بشراً ولا حيواناً ولا نباتاً ولا جماداً من ويلاتها، هذا البلد الذي تعلم كيف ينظر ويصغي إلى العالم، فينتقي أفضل ما عنده من معارف علمية وتقنيات، دون أن يتنازل عن خصوصياته الروحية والثقافية والسياسية والاجتماعية. فيغزو العالم بطريقة خلاقة بالتفوق بمعجزة التقنية والصناعة.

مع بدء الإصلاحات التي ظهرت في اليابان أواخر القرن التاسع عشر، شجعت حكومة اليابان والمثقفون فيها على الأهتمام  باللغة اليابانية الأساسية، وغرسها ونشرها في جميع أنحاء اليابان، فتم خلال هذه الحملة إلغاء وطمس جميع اللغات واللهجات المناطقية المحلية من التداول العلني، فكانت لغة التعليم واللغة الرسمية للامبراطورية هي اللغة اليابانية الأساسية، وبعض المعلمين طبقوا عقوبات على من يستخدم اللغات الأخرى خاصة في مناطق (أوكيناوا وتوهوكو)، حدث ذلك مثلما كان لفرنسا حين استخدمت (فيرغونا واللا للويلز) (في المملكة المتحدة، في الفترة المحصورة بين عام 1940 وحتى 1960.

خلال حقبة )شووا) و المعجزة الاقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية، وصل الضغط لفرض اللغة اليابانية الأساسية في مختلف المناطق ذروته.

وفي الوقت الحالي تنتشر اللغة اليابانية الأساسية في جميع أنحاء البلاد مقابل إضمحلال اللغات واللهجات المحلية بسبب التعليم ووسائل الأعلام والتوسع والتركيز الحضاري ..الخ، مع ذلك حين تم استبدال المحلية منها بشكل كامل باليابانية الأساسية إلا إنه تم تصنيف هذه اللهجات على أنها «نوستالجية» و«حنينية»

أما عنا نحن العرب فقد تعلمنا أن نخضع في أحكامنا وبكامل تبعيتنا للغرب الأمريكي والأوروبي، وفوق كل ذلك بتنا نهاجم كل ما هو عربي حتى لو كان لنا به تفوق على الغربي وعلى هذا النحو نسينا وتناسينا بأننا في يوم من الأيام كنا الجزء الأهم في هذه الأرض، ومن التاريخ، ومن الثقافة، وستكون لنا الكرة مرة اخرى إذ استعدنا الثقة بأنفسنا وتعلمنا من أخطائنا  ومن تجارب الشعوب المتقدمة وعليه علينا أن نتعلم من هذا الشعب، فاليابانيون فقد تعلموا أن لا يخضعوا للهيمنة الأورو أمريكية؛ وأن يبحثوا بأنفسهم ويترجموا بأنفسهم ، ويعرفوا الغرب والعرب بثقافاتهم بأنفسهم بلا وسيط أوروبي أو أمريكي أو من هذا أو ذاك.

فلا شك أن الترجمة من اللغة الأم للمنجز المكتوب إلى اللغة المترجم إليها مباشرة، غير الترجمة والنقل من لغة وسيطة حية. هذا المثال الحديث يبين كيف يعتمد هذا الشعب النشيط على نفسه.

في مقدمتي السابقة هذه أتساءل هنا أين وكم من الترجمات هي من الأدب الياباني مباشرة إلى اللغة العربية وعن الشعر و شعر الهايكو تحديداً ؟!

وهل يوجد هناك شعب آخر ينتقص من قدر لغته، مثل الشعب العربي ؟!

لماذا يحاول البعض منهم أن يَسْتَلِبُ من اللغة العربية رونقها ؟!

اللغة العربية لغة كتابة ادبية بامتياز مهما كان الجنس الأدبي موضوع الكتابة فيه وذلك لغزارة المفردات والمترادفات في اللغة العربية هذا ما يجعلها أفضل لغة ادبية واكثرها انسيابية لغة ان شئنا كتب فيها بلاغة البلاغة وكتبنا بها البليغ في البساطة

‏حقاً ما أقبح هذا اليوم الذي أتى ليوصف فيه الدفاع عن اللغة العربية والذود عنها وعن سلامتها في مواجهة تفتيت أهم دواعم الركيزة الرئيسة للعروبة بأنه “غرق في الانحطاط” أو أن يوصم وينعت المتمسك بأصول اللغة بالتعالي أو بالرجعية، وكأننا بِتنا مجدداً بصدد مثال الآية الكريمة: “أَخْرِجُوهُم مِن قَرْيَتِكُمْ إنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُون”.

من أنجع السبل للدفاع والمحافظة على اللغة العربية أن نستخدمها جيداً .

يتبع

 

شاعر وناقد من الأردن

عن madarate

شاهد أيضاً

 ترجمة كتاب الهايبون ” الطريق الضيق إلى أقاصي الشمال” لماتسو باشو  (الجزء الثامن) – حسني التهامي

 ترجمة كتاب الهايبون ” الطريق الضيق إلى أقاصي الشمال” لماتسو باشو  (الجزء الثامن) حسني التهامي   …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *