قيل لي: من هي ماما عائشة أو عيشة…؟؟ وهذا من باب التعريف لا من باب الـتصنيف… ومن باب التأليف لا من باب التحريف.
قلتُ: هي امرأة مقاومة ومناضلة شقت طريقها بإصرار شديد… رغم العراقيل والإكراهات… الملابسات والمضايقات… والضربات الآتية من الخلف أو من كل الجهات، تمسكت بأمنيتها وبحلمها لتكون قدوة في العمل الجمعوي ولتدافع بقلب مفتوح عن فئة محاربة من طرف المجتمع بعدم الاعتراف بها.
امرأة ناضلت من أجل الأمهات العازبات والنساء ضحايا الاغتصاب المهمشات قانونيا واجتماعيا…. اللواتي حكمت عليهن الأقدار أن تحبلن بأطفال غير شرعيين – ولا ندخل في التفاصيل- لمدة تسعة أشهر وبدل أن تجهضن قاومن الأقاويل وتمسكن به كمخلوق له الحق في الحياة.
امرأة ناضلت من أجل أطفال بلا آباء جاؤوا للحياة عن طريق خطئ ما – ولا ندخل في التفاصيل- لا هوية لهم ولا نسب، أطفال متخلى عنهم من الحضانة الأبوية.
امرأة قاومت وناضلت نصف عقد من عمرها كي تمنح لهؤلاء الأطفال هوية ونسبا، وللأمهات العازبات والنساء ضحايا الاغتصاب مقرا ومكانا آمنا كي يربين أطفالهن في سلام.
امرأة لم تخش القيل والقيل ولم تبال بالمعارضات والمضايقات فسارت في طريقها واثقة الخطى غير مكترثة بالجروح والآلام، يكفيها ما ترى من قصص البؤس في الشوارع وفي البيوتات، ومن نكران قطعة من كبدها، قصص بؤس لا تعد ولا تحد، فألفت كتابها “الميزيريا” أو كتاب البؤس أو قصص البؤس، هو البؤس متفرع فحاولت أن تجمعه بين دفتي كتاب لعلها تحده، لكن هيهات هيهات يا ماما عيشة، البؤس متجدر فينا وفي هذه الأرض.
وأكثر من ذلك ماما عائشة، الأم تيريزا المغربية كما يلقبونها، لحجم ما تقوم به من تضحيات لإسماع أصوات هؤلاء الأمهات العازبات والنساء ضحايا الاغتصاب المحرومات من حقهن في عيش كريم مع آباء أطفالهن معترفين بهم اعترافا قانونيا.
ماما عائشة أو عائشة الشنا، هي الجسر الرابط هؤلاء الأمهات العازبات بالحقيقة، وبحقهن في عيش سليم مع أطفالهن. هي حقيقة صادمة لذلك قررت أن تدافع عنهن، وأن تمنح ما تبقى من عمرها لهن، فالكثير أو الكل يعترف بنضالها الصامد من أجل هذه الحقيقة لذلك اعترف العالم بنضالها، فشرفت أي تشريف من طرف مؤسسات دولية، وكل ما تحصل عليه من دعم تضخه في حساب الجمعية.
ويجدر الذكر أن الفتيلة الأولى لهذا المسار النضالي انطلقت يوما ما حين كانت في مكتب المساعدة الاجتماعية بوزارة الصحة، وقد شاهدت صرخة أم وهي توقع على ورقة تنازلها عن فلذة كبدها، بينما يمسك بها الرضيع ويبكي، ومنذ ذلك اليوم قطعت الشنا وعدا على نفسها بأن تهب ما تبقى من حياتها لخدمة قضايا الأمهات العازبات والنساء ضحايا الاغتصاب، وتكون لهن بمثابة أم تحضنهن وتحميهن من الضياع الحتمي.
(كم يكفينا من صرخة
يا ماما عائشة
كي نغفو من هذا الضياعِ
كم يكفينا من بؤس
كي نقول أف من هذا المركب بلا شراعِ؟
فكم من أم صرخت وبكتْ وشكتْ
لا حياة لمن تنادين في هذه الفيافي
وقد تشعبت الموت تقضي على كل السباعِ
ارقدي في أمان وسلام
ارقدي مرتاحة البالِ
لكنْ تحرقنا دمعة الوداع)
فتحية لها من القلب إلى القلبِ…
وسلاما لها سلاما… يكفر عني ما نسيته من تذكير أو تعريف بها وهي المعرفة التي لا تحتاج للتعريف.
فإلى روحها السلام… ولترقد في أمان في رحاب الرعاية الربانية.
أكادير: 26 شتنبر2022