الرئيسية / اهتزازات / بيت أختي مهد كتاباتي الأولى (الجزء الأول) الحسَن الگامَح

بيت أختي مهد كتاباتي الأولى (الجزء الأول) الحسَن الگامَح

لماذا الشعر…؟؟

بعد أن سكنني فعل الكتابة، كنت من حين إلى حين أبحث عن عزلة لأرتوي من الكتابة بعيدا عن ضوضاء الحي، وزحام المدينة، فكان ملاذي بيت أختي الثاني في ضيعة خاصة بتربية دود القز ما بين مكناس وفاس، حيث حقول أشجار التوت الأبيض، ومعامل توليد دودة القز التي تغذى على أوراق التوت، وبعد نضجها تكون شرنقة بيضاء لتحويلها إلى خيوط الحرير الناعم قبل أن تخرج منها فراشة وتطير في البعاد، كانت العملية تثير فوضاي الخاص:

(كشرنقة بيضاء كنتُ

أدور حول الكلمات

أحفظها من الضياع

ثم بين يدي على بساط أبيض

تتحول في رمشة عين إلى قصائد الطفولهْ

كنت ذاك الساحر الذي

يحول الشرنقات البيضاء

إلى حلم يرفرف بين عيني بعيدا

إلى حقول التوت

أرابط صمتي ولا أقترب من صرامة الرجولهْ)

 

كنت أحن إلى بيت أختي في العطل المدرسية، فبمجرد ما تبدأ أيام الأولى حتى تجدني هناكَ، لا أحد يكسر عزلتي وانسجامي التام مع الكتابة، كنت كمتصوف في محرابه أو معتكفه زاهدا أقسم وقتي بين:

  • القراءة: أغوص بين استعارات القصائد من حديث وقديم كما يحلو لي، وأحاور شخصيات الروايات ما طاب لي، وأتيه ين دراسات شعرية في كتب نقدية، كانت القراءة غذائي الدائم، وملاذي هناك مع الطبيعة والهواء النقي، بين أشجار التوت، وبعض أشجار الفواكه المتنوعة.
  • الكتابة: هناك كنت أخط ما يروج في خاطري من قصائد لم تنضج بعد، أو قصصا شخصياتها لا زالت لم تختمر في ذهني لغة، غير مرتبة عبر الأزمنة والأمكنة، ورغم ذلك كنت أحاول أن أفر بالكلمات إلى عالمي الخاص: البوح المستفيض… والغوص في خفايا مكونات الكتابة، لأن الكتابة كانت قد سكنتني واتخذت من ذاتي عرشا، لذلك كنت أسوق ذاتي بين الطبيعة باحثا عن مكان يحلو لي فيه معانقة الذات المكتوبة الذات الحالمة الراكبة بساط البياض الساحر بين جنان الرؤى… وخيال النهى.

ما كان لأحد أن يكسر عزلتي المتصوفة، وكل الظروف كانت ملائمة لأن أسوق ذاتي إلى غياباتي البوح المتجدد، إبني أختي لا زالا صغيرين وأختي منهمكة كليا بهما وبشؤون البيت، زوج أختي في الإدارة أو في حقول التوت أو معمل دود القز ليدير هذا العالم الدودي، فهو شغله الشاغل وعمله اليومي. وكان متنفسي حوارات حميمية مع أختي أو اللعب مع أبنائها العزيزين (عبد المالك ورجاء) قبل أن ينعمهما الله ببنة ثانية (بشرى) بعد سنوات.

(هناك في بيتها

يحق لي أن أعشق المدى

أن ألاحق الطيور في المراعي وفي الحقولْ

يحق لي أن أجري طالقا قدمي للريح

أسابق ظلي

وأرتاح بين أشجار التوت

كطفل عشق الحياة من جديدِ

يعشق التيه في البراري قبل الوصولْ

وكنت أختلي بالكلمات

أحدثها عن مدينة مكتظة بالزحامِ

شمسها لا تعرف الأصولْ)

وطول أيام العطلة، أجلس صباحا قرب عين اكتشفتها في منحدر مغطاة بأشجار التوت البري، جعلت لها طريقا تنازليا، أقضي هناك ساعات بين الكتب أقرأ ما تيسر لي من صفحات، وأحلم بالمنفلوطي وهو يكتب العبرات أو النظرات، أو بجبران خليل جبران يحاور النبي بلغة شفافة تحملني إلى أبعد مكان في الكون، أو امرء القيس على جواده يجول بين الصحاري ويقرأ أشعاره، أو أبي نواس يقرع خمرته ويغزل الغواني، وأنا أراقب الكلمات تتراقص أمامي كماء العين الباردة.

(ماء من هنا… ماء من هناك

وأنا معلق بين الكلماتِ

أحاول أن أصوغ جملةً بين الطلولْ

فيواجهني سؤال:

أهل الكتابة

إلا موتٌ بطيء على أوراق بيضاءَ

لا تعرف إلا الذهولْ

لكني لا زلت ذاك الزاهد في الطبيعةِ

الهائم بين أشجار التوت

أراوغ ذاتي لعلي لا أستسلمُ

في لحظةِ إلى خيالِ يطولْ)

أكادير:28 نوفمبر 2020

عن madarate

شاهد أيضاً

مراكش التي… (الجزء الثالث) – الحسن الگامَح

  لماذا الشعر…؟؟ (يا مراكش افسحي الطريق افتحي أبوابك العتيقهْ فقد أن الأوان أقرأ في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *