الرئيسية / ابداعات / رياح على إيقاع كورونا – سعيدة لقراري

رياح على إيقاع كورونا – سعيدة لقراري

رياح على إيقاع كورونا سعيدة لقراري

 

الأماكن تراقص الصمت، تهمس في أذنه متسائلة:

من كنس الزحام وأخرس الضجيج، أين كنت وذلك يحصل؟؟

أخاف أن أفقد اسمي بدونهما، هذا الهدوء الذي يلبس الشوارع، الساحات، الملاعب، المدينة القديمة، جامع الفنا..

يغري الموت ويستعجل قدومه ..أنا الآن ممره ومعبره ، مضطرة أن أفسح له المجال للتجول بأرصفتي ، وحدائقي..أسمع قهقهاته ساخرا..

في الموعد يحط الحمام بساحة 16 يوليوز، صوت الهديل يرتفع وعدد الحمائم بالمكان يتكاثر، لسان حاله حائرا يقول:

أين هم الأطفال الذين ينثرون بأناملهم الصغيرة فتات الخبز، أين اختفى المصور الفوتوغرافي الذي يطعمنا ويجزل لنا من حبات القمح والذرة..

ماء النافورة أيضا يتساءل عن سبب غياب أولئك الذين يستمعون ويستمتعون بتدفقه..

الكلاب تعبر الشوارع مطمئنة، القطط أصبحت من الباب الرئيسي لحديقة جنان الحارثي تدخل، لم تعد تتسلل إلى المكان خائفة، العصافير تنزل من فوق الأشجار وتملأ زقزقاتها الأرض .. وهي تبحث عن قوت يومها، لا يختلط بتغريدها صوت الأطفال الراكضين هنا وهناك، ولا يزعجها صوت صفارة حارس الحديقة وهو يطلب من الزوار مغادرة الفضاء، عند حلول الوقت المحدد للخروج..

فوق صومعة الكتبية زوجان من طائر اللقلاق الأبيض منهمكان في تأثيث العش بفروع كبيرة وتبطينه بالعشب، لاستقبال حياة جديدة، يقومان بذلك وهما يتبادلان النظرات مع هدوء يشبه موتا يغمر كل الأماكن المحيطة بأسفل الصومعة.

غير بعيد عن الصومعة..

– ساحة جامع الفنا كتصفر ..إيه يا ليام

أسمع أحد ركاب الحافلة التي أوجد على متنها يردد.

بتطبيق الوورد في هاتفي أجيب ذلك الراكب وأنا أكتب:

هناك الخوف العاقل

وهناك الخوف غير العاقل..

الأول كرسي هزاز مريح على شرفة هادئة

والثاني عود كبريت يشعله طفل، ويلقى به في خزانة ثيابه..

تحت نفس المظلة “كورونا” تجمعنا

عدو حكيم، من غفلة بعضنا يسخر، ومن جد بعضنا الآخر يحذر، بخوفنا يتسلى، وبشجاعتنا في مواجهته، عند حدوده يتوقف، صراعنا على حلبته يُقَوِّيه، واتحادنا ضده، يلوي ذراعه، وفي شر فعلته يُلقيه.

كل يوم برائحة الموت يذكرنا، ونحن نشدو بحب الحياة في أغانينا..

اجهر بحبك للدنيا، كأنك ستعيش أبدا، واتركه خارج بيتك المحكم الإغلاق، يكنس الفراغ ، وهو نحو شر خاتمته يهرول، من مصلحة عدونا الحكيم، أن تصير دخانا في مهب الهلع، ومن سنة الحروب، استغلال الهفوات..

سارع إلى التحصن ببرج الدفاع عن وجودك، لأن عدونا الحكيم هذا هفوة، الهجوم يمتطيه صهوة

بفنجان التاريخ تهب جائحة كورونا زوبعة..ولسان حالها يقول أننا على محك الأزمات نعز أو نهلك

زوبعة تحصد حياة من لا يتقي شرها، بالبقاء في بيته والالتزام بقواعد سلامة سنها العلم وأملاها مختصون..

لنتعظ من دول لها السبق والباع الطويل في مجال التقدم العلمي والتكنولوجي، لم يشفع لها كل ذلك في إعلان فشلها وذهولها من هول الاجتياح وعجزها في محاصرته..

ولنتذكر أننا لا نملك إمكانياتهم في صد بطشه..

لكن تشبثنا بالرغبة في البقاء والحياة، وتسخير ما أتيح لنا من إمكانيات، من شأنه أن يقوي ويوطد جسر التعاون بيننا، ويجعل أرواحنا تتعانق وجهودنا تتكاثف لحماية أنفسنا وأحبتنا..على أمل حلول يوم قريب تشرق في سمائه شمس الخلاص

وإلى ذلك الحين فلنضبط أشرعة السفينة في اتجاه سلامتنا وسلامة من نحب..

رغبة ملحة جعلت كلماتي هاته تتسلل إلى صفحتي بالفايسبوك.

بدافع الغياب، الصور بيد الحنين تجرفني..

حين أفرغ من إفراغ ما بجوفي من صور اجتياح ذلك الكائن.. لجيوب الأرض وقلب السماء ..

عز نشاط المكان، صداه يقفز إلى الذاكرة، أتلمس تنهيدة الحسرة من أنفاس ذلك الراكب ..مما يجعلني أفكر وأضع افتراضات لظروف عيش الحلايقية، النقاشة، أصحاب المطاعم، المرشدين السياحيين، القردة والثعابين ومروضيها..

آه ..نهاية السير، تتوقف الحافلة، أنظر حولي مرتعبة، أتفقد الكمامة التي تغطي نصف وجهي، ويدي المغشاة بقفازين طبيين، أنزل، ثم أتوجه نحو البيت مهرولة وكأن أحدا من اللصوص يلاحقني ..نعم هناك شيء يلاحقني، يتربص بخطواتي يضعف من صمودي ..شيء يشبه الوباء الذي يلتصق بحذائي وسطح ما أرتدي من ثياب .. اووه هو وباء أشد فتكا من كورونا الذي يعلن حربه ضدنا خارج البيوت..أضاعف من سرعتي ..سعال فظيع يباغثني، آه هواء ..هواء..

أُلْقى بقنينة زجاجية محكمة الإغلاق، أفتح فمي وأحاول – دون جدوى – التقاط الأوكسجين..

وكأني أهوي من مكان شاهق الارتفاع، أقع على إسفلت الساحة..

ذاكرة تتلاطم أمواجها .. بنظرات مبتورة الأطراف، أقترف الجنون في وجه الصمت

أريد أن أخاف كفاية، حتى يحذر مني الألم، جرعات الدعاء بعد صلاتي تبقيني على قيد الأمل، يقول الخوف

إن علي أن أرى الموت بكامل أوصافه..

من بعيد، علي أن أراه نقطة صغيرة خلف الغيوم الحائرة

صوته يرتفع خلفي..

!!إنه قريب ..قرييب

ظلمة حالكة تبتلعني، على صدى غمغمات كأمواج بحر متقلب، تبدأ حاسة السمع مني تستفيق، خيوط أشعة شمس

الصباح، تدفع دفعا بغيوم سوداء بعيدا، يقترب مني صوته الهادئ، ينساب في أذني همسا واضح الملامح

..على سلامتك، حرام عليك خلعتينا

انتعاشة نسيم عذب يجعل عيني تلحق بسمعي، لأفتحهما عليه وأنا أحاول استكمال استرجاعي لوعيي..

كخلية نحل أفاجأ برؤية جيش من الأطباء وطاقم التمريض، وقد ارتدوا ملابس تشبه تلك التي يرتديها رواد الفضاء بسرعة وخفة يتنقلون من سرير إلى آخر كلهم عزم على الخروج من تلك الحرب منتصرين..

 

ستغادرين المستشفى ..هناك الكثير من المصابين ممن ينتظر سريرا شاغرا..

الحمد لله ..أثبت الفحص أن سبب إغمائك شيء آخر غير كوفيد 19، بالإضافة إلى أن جسدك يخلو من أي مرض

مزمن، مما يطمئننا ويطمئنك أكثر على أنك ستستعيدين لياقتك البدنية في أسرع وقت، ولا شك أن ابتسامتك المشرقة هاته ستعجل بتحقيق ذلك..

أبتسم

يبتسم..

ثم يبتعد عن سريري، الذي أحاول النهوض منه ويد الهمسة التي فتحت عليها عيني، تحكم الإمساك بي ومساعدتي على مغادرة ساحة حرب غير متوقعة في اتجاه البيت..

بيد يسند جسمي المنهك وباليد الأخرى يفتح باب البيت..

سلامتك..

يقولها وعلى أريكتنا المفضلة نهُمُّ بالجلوس، بحركة ميكانيكية، يحول نظره إلى الشرفة، يقوم من جانبي، ببطء يتجه نحو القفص المعلق بمحاذاة شجيرة اللبلاب، بصفير خافت خال من نبرة موسيقية ينادي طائر ” الفيشر” (طائر الحب) وأنثاه، يسكب لهما ماء، فجأة، يستدير، وكأنه يحكم قبضته على شيء نفيس يخاف انفلاته من بين أنامله..

يضع مقدمة سبابته اليسرى على أسفل ذقنه، ينظر إلي، ويقول مقترحا وهو يتأملني:

ما رأيك..

أقوم من مكاني، أمسك بيده، نحو القفص نتوجه، وبصوت واحد بابَه نفتح..

 

قاصة من المغرب

 

 

عن madarate

شاهد أيضاً

كَيفَ لا أحِبّه؟ – أمينة الفقيري

كَيفَ لا أحِبّه؟ أمينة الفقيري   كلما عَمَّقَ حَيرَتِي، وَتَعَمَّدَ المَشيَ على نُدُوبِ السُّؤال.. أحبَبتُه. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *