لن أتحدث عن مسارات محمد أبزيكا العصامي الذي مر من التعليم العتيق ثم التعليم بتارودانت المعهد ثم مشواره كمعلم ثم كأستاذ ثم كأكاديمي باحث، ولكن سوف أركز على الفترة التي قضيتها في الثانوي سنوات 1980- 1981- 1982. وقد كان لي الحظ أن أكون أحد تلامذة الأستاذ محمد أبزيكا، كنا نسمع عنه آنذاك؛ كان حضوره قويا في الحقل الثقافي وداخل الثانوية، بحيث كان من أكبر الأساتذة تنظيما للندوات، حضرت ندواته غير ما مرة، خصوصا في مدرج التاريخي الذي كان موجودا في ثانوية يوسف بن تاشفين؛ وهو من المدرجات القليلة ربما على المستوى الوطني في إحدى الثانويات ومعروف أن ثانوية يوسف بن تاشفين تعود لفترة الحماية الفرنسية بنيت في الفترة الاستعمارية.
فكنا نحضر بشغف ندواته العمومية التي ينظمها، ولا زلت أتذكر أنه حضرت إحدى ندواته القيمة حول تجربة أحمد محمد نجم الشعرية في الوقت الذي لم نكن نعرف مثل هذه الأسماء، واستمتعت كثيرا بها وبحثت عن أشعار نجم وعن غنائها من طرف الشيخ إمام منذ ذلك الوقت، حدثنا عن مرسيل خليفة وأغانيه وعن شعر محمود درويش وسميح القاسم وغيره، فكنا نبحث عن الشعر لأنه فتح أعيننا على نوع آخر من الشعر ونوع آخر من الغناء والطرب، أتذكر كذلك أيضا، كان يحلل قصائد ناس الغيوان بكل عنفوانها في المراحل التي بلغت مرحلة الأوج، ومن حينها أصبحت عاشقا لهذه المجموعة المتميزة، حدثنا عن نصوص “مهمومة”، وعن النصوص الأولى المؤسسة للتجربة الغيوانية؛ أيام بوجميع وغيرها، فكنا نستمتع بالقصيدة الزجلية وأيضا ببعدها في الثقافة المغربية آنذاك، وكان من الأوائل الذين ترجموا نصوص إزنزار إلى العربية، يعني كما يقوم بتحليل النصوص ويحدثنا عن تجربة إزنزار، كانت دروسا ممتعة فكان دائما يبدأ بها خلال مدة ربع ساعة، ثم ينغمس في درسه بطريقة أكاديمية بلغته العربية الفصيحة الدقيقة.
أيضا كان من الناس الذين أحببوا إلينا السينما؛ وبفضله أيضا انخرطنا في النادي السينمائي بأكادير. وكنا نحضر صبحيات النادي السينمائي، إذ كان الأستاذ محمد أبزيكا المثقف المتعدد يفتح أعينك على الكثير وأنت لا زلت تلميذا في بداية التشكل والتكوين،
لكن سأعود إلى دروسه في الآداب العربي آنذاك كانت ممتعة لأنه كان لا يعتمد فقط على المقرر والكتب الموازية التي كانت بين أيدينا بل كان واسع الاطلاع فحبب إلينا النقد والقراءة ومداخيل النصوص، فكنا نستمتع بمحاضراته حتى أن القسم في الحصة الرسمية لا نتعدى ثلاثين تلميذا إلا أنه داخل حجرة الدرس كانت تصل إلى مائة تلميذ، كنا نجلس ثلاثة في طاولة واحدة والباقي يفترش على الأرض المحافظ، الكل يستمع لمحاضرات محمد أبزيكا كأنه يستمع إلى شيخ أزهري، وكنت نسمع أزيز الذباب وهو يمر، يعني الجميع كان مركزا، والتلاميذ في مستوى وعي جيد جدا، يجب أن نذكر هذا.
ومن الأشياء الطريفة التي كان يقوم بها أبزيكا، كنا في بعض الأحيان أن نطلب منه أن يجري الحصة في هواء الطلق، عندما يكون عدد التلاميذ كثيرا، إذ أننا نأخذ مكتبه وكرسيه الخاص به تحت أشجار الكالبتوس على شكل متناسق تعطي الظلال الوارفة؛ ونحلق حوله مفترشين دفاترنا أو محافظنا ويقدم درسه كأنه شيخ أزهري، ولا زلت أتذكر هذه الصورة، له شخصية قوية داخل الثانوية، فليس من السهل إخراج التلاميذ إلى هذا الفضاء وتضمن هذا النظام وهذا السكوت والهدوء، وهذا الحضور الثقافي القوي كان داخل الثانوية وخارجها، حتى أننا كن نحضر ندواته سواء في قاعة البلدية المعروفة أو في نادي السينما آنذاك حيث كان من رواضه.
هذا هو محمد أبزيكا المثقف العضوي المثقف الذي أثر في جيل بأكمله، بل كان أيضا ينشط المجلة الحائطية حيث يمر فيها نقاشات حادة آنذاك بين التيارات لأنه كانت هناك التيارات اليسارية والإسلامية وبداية تشكل الحركة الأمازيغية أيضا، فكانت محطة لهذا النقاش فكانت محطة لهذا النقاش الذي يعكس نقاش المجتمع وتوجهاته هاته آنذاك؛ وتربينا في هذا الجو، وأؤكد أننا تأثرنا كثيرا بالبعد الثقافي الذي منحه أبزيكا للأستاذ، أنا شخصيا وجدت أن الكثير من الأشياء التي مارستها فيما بعد كأستاذ كان فيها تأثير كبير لمحمد أبزيكا رحمه الله
كان أستاذا متمكنا خلوقا قريبا من التلاميذ ينصت إلى نبضهم وآرائهم وكان يوجههم ويشجع النابغين منهم عندما يراك تحسن الكتابة فينصحك بان تستمر في الكتابة وتنشر وأن تمارس هذا الفعل فرحمه الله
أبزيكا متعدد في واحد غادرنا قبل وقته بالمرض اللعين الذي أصابه لكن سيظل شامخا وستظل ذكراه كبيرة بيننا وسنذكره بخير كلما أتيحت لنا الفرصة.
أستاذ وباحث من المغرب