الرئيسية / أمازيغيات / شهادات: محمد أبزيكا: حتى تظل الأمازيغية أفقا للتفكير والمقاومة – إبراهيم إكيل

شهادات: محمد أبزيكا: حتى تظل الأمازيغية أفقا للتفكير والمقاومة – إبراهيم إكيل

ارتبطت علاقاتي  بالراحل محمد أبزيكا بوعيي المبكر بالشعر الأمازيغي منذ الطفولة، من خلال الاستماع لأغاني الروايس والأهازيج الأمازيغية في الإذاعة الجهوية والوطنية، كان المذياع الوسيلة الوحيدة المتاحة في غياب الدواوين الشعرية الأمازيغية وقلتها ومحدودية انتشار ما نشر منها، لم نكن نعرف في تلك الفترة أن هناك كتبا تنشر باللغة الأمازيغية، كان المذياع الوسيلة الوحيدة لسبر أغوار المتن الشعري الأمازيغي والاستمتاع به، كنا نقضي الليالي لقراءة القصائد المغناة من قبل الروايس بعد نسخها، ما مكنني من حفظها عن ظهر قلب، ألفنا هذه الطريقة، كان محمد أبزيكا سليل أيت ملول، وكان أستاذا لنا في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالجامعة في أكادير، كانت الثقافة الشفهية حاضرة في درسه الأكاديمي، كان زندا يوقد الوعي بالانتماء إلى الهامش، وهو يفتح عيوننا على الدرس النقدي الحديث، كان المناخ السائد يعرف هيمنة الفكر التقدمي، كنا طلبة قاعديين، وكانت دروس محمد أبزيكا امتدادا لما كنا نؤمن به.

كان للمجال الذي عشت فيه، أثر كبير في صقل تجربتي الشعرية، منطقة المزار معروفة تاريخيا برصيد فني أتاح لنا فرصة التأثر به، عرفت المنطقة بتاريخها الموسيقي الزاخر من لهضرت ن تمغارين والروايس ن أوسارك وإعيساوين، هذه التعبيرات الفنية، كانت موسمية، وكنا ننتظر بشغف كبير الحضور فيها، عرفت المنطقة في مجال إكسمين بالموسيقى، أيت المزار هم أيت أومارك، أرض النعناع والشعر، عوامل متعددة زرعت شوكة الإبداع وحقنتني بالشعر، في الثانوية منتصف الثمانينات درست على يد أساتذة في ثانوية حمان الفطواكي بإنزكان، كانوا أيضا شعراء، أتذكر الأستاذ عبد الله الحاوفي وأتذكر حصصه التي كانت حصصا متميزة إذ يقرأ علينا الشعر الحديث، أتذكر حصص الفرنسية والشعر الفرنسي والأعمال السينيمائية الخالدة عند الأستاذ مبارك المغفور، كان جيلنا محضوضا بتلك القامات، كان محمد أبزيكا وحده من كتب عن الممارسات الثقافية والفنية للمزار، في مقال علمي حول مظاهر الثقافة الشعبية في أكادير، كان المزار بثقافته وفرجاته نصه الغائب وهو يحلل ويقرأ ، وكان أبزيكا وصوته نصنا الحاضر والشاهد على جيلنا وعنفوانه

كان أيضا لتجربة المرحلة الجامعية من خلال الممارسة النضالية في الاتحاد الوطني لطلبة المغرب فضل كبير علي، ساهمت في تراكم الوعي وتوسيع مجال الإبداع والانفتاح على الأدب العالمي، كان مجال التخصص الأدبي حافز للاطلاع على الأدب الكوني، كنا ننتقي المقروء، بسبب الأفكار التي كنا نؤمن بها كطلبة قاعديين، اطلعنا على زريقة وعبد الله راجع وسعيدة المنبهي ودرويش ومظفر النواب وناظم حكمت وأحمد فؤاد نجم هذا الموسيقي الذي خصه أبزيكا ببحث جامعي، كنا نعي انتماءنا الطبقي والثقافي في زمن كان زمن الأحلام الكبيرة.

تعتبر التجربة الأولى فرصة الانطلاق في مجال شاسع، يوجب الإتيان بما هو أجود، ويتطلب أن يكون المنتوج الإبداعي في المستوى، لأنه سيكون بين يد القارئ، خضت تلك التجربة للمساهمة في التراكم الإبداعي في المجال الثقافي الأمازيغي، كتبت ذلك الديوان بالحرف اللاتيني، أما السبب الثاني فهو الشغف، بعد مرور عشرين سنة على نشره، أقول إنها تجربة، مستواها الفني، قد يعبر عنه الفاعل النقدي، من خلال دراسته. عشرون عاما مرت في لمح البصر، مرت من حياة” كايا” ومرت من حياة الديوان، ولو أن عمر الشعر يقاس بالقراءة، فإن تلك السنوات هي طويلة، يقول المثل” تيغزي ن زمان أكيد إسكناون اياغاليم، ماش اغباهرا ايكنا يان إيقاند ايسلوم أكال” أعتقد أن عود القصب ما يزال أخضر، بالرغم من كل شيء.

كتبت بعد سنوات ديوانا شعريا عن حمو أونامير، التجربة خلاصة رؤية شخصية لواقع مرتبط وممتد، مرتبط بجذوره التاريخية في ذاكرتنا المتعددة الأبعاد، ولا زالت تمارس بكل أشكالها المعرفية من خلال رموزها التي تتشكل في الواقع بتمظهراتها المختلفة، فالعمل قراءة للواقع من خلال موروثنا في شكل إبداعي ورمزي يتوخى نفض الغبار عن المسكوت عنه، فالشعر مجال القول والإبداع والبوح عن خلجات النفس، يتيح فهم ماهو غامض، لأن المتلقي في حاجة إلى هذا الإبداع الممتلئ بهذه الرموز والأساطير ليتعرف عليها في أشكال إبداعية جديدة، لكي لا تنسى.

حمو أونامير واحد من هذه الرموز، من خلالها تم استنطاق الواقع الاجتماعي، فهو المعبر بشكل صريح عن آمال وألام الشعوب، التي تتوخى الانعتاق، فكان صريحا في انتقاد حالهم وأوضاعهم الاجتماعية والطبقية… حمو أونامير الذي رحل أبزيكا طويلا في تحليل نصه الميثي في أطروحة لم يقض لها أن تكتمل.

أونامير هو ما ينبغي أن يكون متوفرا في حامل الوعي المستنير، فرغم رمزية أونامير في حكايته، فإنه مرتبط بالأرض رمزا للتشبث بالمادي، الذي ترك الحياة المثالية والفردوسية والاستجابة لإلحاح أمه والعودة إلى الأرض، والقطع مع فكر وواقع لا ينتمي إليهما، ما فعله أونامير كان يتوخى منه تغيير واقع أفسدته التقاليد التي جعلت الحب جريمة وجعلت الفقيه يتدخل في شؤون المجتمع بشكل كبير، إن المناضل الطبقي هو مغامر مثل أونامير، التضحية لديه هي غاية للتعبير عن صدق إيمانه وليست مجرد وسيلة. عاش أبزيكا واضحا كالماء، ” أركازا ” في أزمنة الرداءة والنسيان.

شاعر أمازيغي من المغرب

عن madarate

شاهد أيضاً

مظاهر الهجاء في شعر الرحل الأمازيغ بوادي نون – أحمد بلاج

مقدمة إنّ الشيء الذي يميّز كلّ شعب ما هو ثقافته وتراثه، هذه الثقافة تعتبر من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *