في الفوتوغرافيا تتحققُ للمصورِ قدرةَ التحكمِ بمناخاتِ الصورةِ وقابليةِ ممارسةِ فنِ الإزاحةِ والتغريبِ لواقعها وإعادةِ إنتاجِ بيئةٍ فنيةٍ تعيدُ تأسيس ماديةٍ الصورةِ وتعمقٍ منْ مصادرِ قوتها لتسهمَ بصناعةِ إثرها الجماليِ .
المصورُ ” محمدْ الجليلي ” في معظمِ تجلياتهِ البصريةِ يبدو منشغلاً بالبحثِ عنْ الأمكنةِ المتفردةِ بتفاصيلها ويهتمُ بقراءةِ مناخاتها خارجَ حدودِ الواقعِ الماديِ ويفترضُ لها في اشتغالهِ الفنيِ واقعا جديدا .
فهوَ لا يهتمُ فقطْ بالكيفيةِ التي يسيطرُ بها على مصادرِ الضوءِ رغمَ صعوبةِ حصولهِ ، بلْ يحاولُ أنْ يعيدَ تسخيرُ كميةِ الضوءِ وظلالهِ المتاحةِ ويستثمرهُ في بناءِ وخلقِ تكويناتٍ كتليةٍ تعينهُ في إنشاءِ بيئةٍ جديدةٍ داخلَ صورتهِ الافتراضيةِ .
كما لا ينتهي إلى هذا الحدِ بلْ يعمدُ إلى تخليصها منْ تجريديتها وسكونيتها الموحشةَ رغمَ قدرةِ هذا التجريدِ على الإفصاحِ ، لكنهُ يصرُ على أنسنةٍ أمكنتهُ بإيجادِ قيمةٍ جماليةٍ فيها تحركٌ وتمنحُ ديناميكيةٌ لشيئيتها .
وحققها بنجاحٍ عالٍ في هذا العملِ المثري بصريا عندما اختارَ زاويةَ اشتغالٍ ذكيةٍ أزاحَ فيها هويةُ المكانِ الواقعيةِ ليبدوَ مكانا سريا معتما بالكادِ تمكنتْ الإضاءةُ الخافتةُ منْ إظهارٍ أرضيةٍ منْ الأجرِ وجدارٍ مسودٍ ممهدا لأولِ سطور سرديتهْ المعبرةَ عنْ قدرةِ اجتياحِ الإنسانِ للأحيازْ الضيقةَ والأقبيةِ المظلمةِ والنفاذِ منها باتجاهَ الارتقاءِ إلى اعالمْ أرحبَ وأكثرِ قوةِ جسدها بحركةِ صعودِ إنسانهِ المتوثبِ للارتقاءِ تاركا ظلهُ على جدرانهِ يتبعُ أثرهُ ليتوجهَ نحوَ خلاصهِ .
وتركَ لنا نتيجةً صريحةً لنجاحِ هذهِ الإرادةِ رسمتها لنا أربعةِ أهلةٍ اتخذتْ شكلَ إشارةِ التردداتِ أخذتْ تتوسعُ مدياتها تدريجيا تنقلَ معها صوتَ إرادةِ الإنسانِ الخارجِ منْ عالمِ الأمكنةِ المعتمةِ . ليختم بها نتيجةً سرديتهْ بإشراقٍ بعدَ أنْ كانَ قدْ افتتحها بكآبةِ جدرِ واقعنا المسودةَ بأرضيتها والمحترقةِ والمتباينةِ في تشكلاتها . لينتهيَ بنا إلى موجة تردداتٍ واضحةٍ في حضورها وقوةِ كتلتها في مشهدهِ .
” محمدْ الجليلي ” لا يبعثُ بصورهِ ليتمَ اختبارَ حصولها على شهادةِ تقديرِ إلا بعدَ أنْ يستكملَ شروطَ وعناصرَ نجاحها شكلاً ومضمونا فتأتي نتائجُ قطفها هذا التشريفِ والاستحقاقِ عنْ جدارةٍ
ناقد في الفوتوغرافيا من العراق