الرئيسية / أمازيغيات / في شعرية الطريق: معابر مولاي حماد إحيحي – أحمد بوزيد

في شعرية الطريق: معابر مولاي حماد إحيحي – أحمد بوزيد

” البضاعة الوحيدة التي تشبه الذهب هي الطريق” سركون بولص

نادرا ما يلفي المنصت للأعمال الموسيقية والشعرية للموسيقي مولاي حماد إيحيحي انفصالا عن شعرية الطريق، إذ تظل هذه الشعرية ميسما خاصا وملمحا متجليا في عوالمه  الشعرية، التي  تتعثر فيها الحواس بمفردات تنتسب للعالم الدلالي للطريق، بأمكنة العبور وبالأقدام، بالمتاهات وبالتوجس من التيه والضياع، بما ينبغي أن تكون عليه الخطى من اتزان وبما يسمها من ميلان، بالمسالك والشعاب والسفر ووعثائه والرفقة وبالخاطر الذي  يتفقد الوجهات و بالمسالك المنيعة، ليس للأمر علاقة فقط بالتاريخ الشخصي للشاعر وتجربته في الوجود، ولكن أبعد من ذلك، ثمة وشائج بين  متخيل العبور والترحال وتاريخ الشاعر في الذاكرة الأمازيغية الذي جعل هرمون السفر  إحدى هرمونات استحقاق الانتساب، والذي جعل السياحة في الأرض الشرط الضروري لإبداع الشعر.

شعرية مولاي حماد إيحيحي هي شعرية تمنح للطريق وضعها الاعتباري الخاص، وتنشغل في كل ذلك بتجلية مقتضيات الاستعارة الثقافية الكونية التي تعتبر الحياة بوجه عام جسر عبور إلى عوالم أخرى، وهي الاستعارة التي تشتغل في المتخيل الديني والميثي الكوني وتشكل توليفة ثقافية قائمة الذات، فمبقتضاها تقوم سردية الوجود على لحظات بعينها، لحظة الوجود في العالم الأرضي ولحظة الحدود القيامية ولحظة العالم العلوي، وعن هذه السردية المؤسسة تفيض الصور الجمالية والثقافية الممجدة للعبور، وبها شكل المتخيل الإنساني لذاته أمكنة تجسد الرغبة في الإقامة التالية لحقيقة الترحال، كما نلفي في الإيثاكا وفي جبل قاف على سبيل التمثيل.

مولاي حماد واحد من العارفين بالإيقاعات الكونية، لكنه شاعر الطريق، ليس لكون الشاعر الأمازيغي قد جعلت الثقافة المحلية وجوده شبيها بتروبادور ولكن لكون الطريق، هاجسه الشعري الذي يطالع متأمل تجربته في كل الأعمال التي شكلها عبر مسار شعري خصيب؛ والتي تفترض هذه الورقة أنها البنية التخييلية الرمزية التي تنظم عوالمه الدلالية، وعليه يمكن أن يضطلع البحث في هذا الجانب بدور استكشافي لتجليات حضور الطريق بوصفها مكانا شعريا وبوصفها بناء رمزيا.

ففي نصه الموسوم ” إمنعا الزمان” نلفي المقطع الآتي:

Imn3a zman imn3a zman

Ik sarbh rebbi awdagh ifln akn tugh

Ahli thnagh igut flla watan nk

تطالعنا عزلة المسافر في الطريق بما هي فضاء للعبور واستعارة للحياة والحقيقة في تعقيداتها، عزلة وطنت أعماق الذات الشاعرة ألما وحملا ثقيلا يعوق انسيابية الخطو وتطبق الفخاخ على الجسد.

في نص شعري آخر موسوم ب «ما يكان أغراس إسلكامن وريجلون” يهتف الشاعر بحثا عن الطرق التي تفضي وتنجي الكائن من احتمال الضياع واحتمال التيه، في بحثه عن العين التي لا تنضب ولا تبلى، متسائلة عن أجدر الينابيع أن تكون مطمح النفس وغايتها، هكذا ينبجس السؤال مسكونا بالرغبة في المعرفة.

Maygan ugug iaamern ur sar ijla amani

في مديح الطريق، يكتب الشاعر وبذات الجموح في نصه ” إغاكنيغ شوراس” عن الأمكنة العالية وعن ضرورة التريث، لأن الطريق لا يعبرها الكائن بالأقدام لوحدها، ولكن بالقلب، الذي يتطلب لزوم الليونة والروية.

Imlagh lgherb imudal

Ighd ngiz ngas adar

Ighak nigh chwras iwul nk awa chowras

Tadsa d lferh wadan ak sul isalan azal

Zik sul ayad ayadar ighdi trmit imudal

فالسير في طريق الليل غير السير في طريق النهار، حيث يستحيل الفرح الليلي مأساة نهارية، إدراكها أفضى بالذات الشاعرة إلى توسل الأقدام الوقوف على مشارف الطريق قبل أن يستبد التعب بالجسد والروح على السواء.

في المقام ذاته، خبر الجسد أن للطريق روحها وكينونتها، وبات يسأل عن مجهولاتها البعيدة، وعن وجهاتها متسقطا منها معرفة وجهتها كما في نص ” غيلي ساتاوي تاكوت أمان”

Atasukt ur ihudin mani satawit

Kulu magim itazaln ira sul rmin

حيث يتقدم الحب بوصفه دليل الكائن إلى الطرقات السالكة

Aragh imal lhub nkra tigharasin

ويستوي الإحساس مولد الإشارات وحادي الجسد في سفره الأنطولوجي.

ومثلما تهد الطريق الجسد، فإنها تشعر العقل بالمشاق وتبقيه قيد الأهوال والعذابات لطول السفر وبعد الوجهة، يقول مولاي حماد إيحيحي

Ghili nra yagug laaqel imert

Ur nsmih ilhub imlk tasanw

ليس الطريق مكان عبور الكائنات الإنسانية لوحدها، إنه أيضا فضاء عبور الأحاسيس والحالات والهواجس، في نص ” يسر ألهم” توجه الذات الشاعر دعوة إلى الهم للرحيل واللحاق بركب الحبيب الذي خذلها

Wasir alhem lkm yan agh ihgern

Chahwa ar tawit  yan ar asif igutn

Adamzagh tidinu  hsaragh  idarn

في كثير من الأحوال ليست الخيانة والوهم والوحشة من طباع الطريق، ولكنه من طباع القدم أيضا، في عمله الشعري ” ها لعارنك أبو وازار” يقول الشاعر

Ar jaflah  atasanu  tgit  tahwawit

Ar nlla  zund  igigil ur sul  nhda  yat

Irhmek  asidi hmu bab numarg  nan

Ifough  lman  adar  lighayjlu  idukan

الطريق وشعريتها شعرية ألم، فهي ليس مجرد مسافة تعبرها الذات للوصول، إن استعجال ذلك قد يفضي بالكائن إلى الهلاك، إن المتعة في العبور لا في الوصول، يقول الشاعر

Ha laar  nk abouwazar  asik  ur izerb  udar

إن مسار الطريق التي تعبرها الذات الشاعرة في نص بعنوان ” الهوى دأومارك إميمن” تتمثل في لحظتين، لحظة المسير حيث البحث عن الهوى والإلهام ولحظة الوصول حيث الرغبة في صداقة أهل الهوى وفتية الأمارك

Lhawa d umarg  imimn sinan

An isigil arkigh  lkmgh  ihwawiyn

وهي مسافة تؤلم الدواخل وتخلف في الوجدان جراحا عميقة، إنها أثر الطريق

Trmit atassa ibrayn manigh

Rad afigh  isafrn ijruh nm

وهكذا يكاد الحب يشبه الطريق، في حاجته للروية والتريث، يتشاكلان في انطوائهما على مسار ما، عسير بالضرورة

Tayri tmn3a tga asawn awalit

Ur isen agis  itjeramn

حاجة الذات الشاعرة للرفقة للاستئناس ولإبعاد وحشة الطريق، هي ما تم التعبير عنه في نص ” وهو وهوي أور توسيت لهم إينوا”

Urufigh  mada  tmunagh  nga  bda  wahduyagh

Wana mi nagh  anmun  ina  waxa  tabaaghi

Yumzagh afous  ifkagh  itilas  adyi  jluni

 

ظلت الطريق قدر الشاعر، جنته وجحيمه، وظل البحث عن رفيق يؤنسه غايته المثلى، في نص ” أياسمون” يطالعنا المقطع الآتي واصفا ما عاشته الذات الشاعرة في معابرها القاسية

Wayay  yay ayasmun

Njla fllak  ikhfinu  nasi  did

Ng aghribi

Laaql  da fak  trssa  dunit  idayyi  ighabi

War nklla  du ugharas  ider  fllagh l3ajaji

Irwas ukkan izd lherz ayi turit nzugi

قدر وجودي أن يقيم الشاغر في الطرقات باحثا عن حب يقيم في الاستحالة معذبا بالسراب الذي تتوهمه العين ويبعث فتنة الحواس جميعها.

إن التيه حقيقة الطريق، في نص شعري بعنوان ” وا وريد وريد” تهتف الذات الشاعرة متوسلة من حبيبها العودة قبل أن تنسدل عليها الحجب وتعدم الإشارة التي تدلها على المسارات السوية

Wa wurid urid  akra  tjli  maradak  skrgh

للأقدام هواها الخاص، لها شهوتها الغافية، التي ما إن تنبعث من مرقدها حتى تهم بالجسد وتراوده، في النص الموسوم ” إزواراغ أوضار ناغ” يصير الكائن منقادا لتلك الرغبة الغامضة

Izwaragh udarnagh

Adrar amid isutul

Laaql kad  ur nla

ur nsn madagh ira

ليس ثمة طريق واحدة، فتعددها باعث على الحيرة مولد للقلق، ما يجعل اختيار طريق بعينها أمرا عسيرا، يقول الشاعر في سجله الشعري ” غيكاد أتكيت”

Agutn  igharsn gh igi wakal  gan akk

Atasa ira lghchim ayjlu  ngr  isafn

Igh ida ard  izerb  udar  yan  idu  laht

Ukan  ifk  ilkhla  tillas  agha  tgawarn.

على أن الطريق تقتضي بحسب الشاعر مولاي حماد إحيحي اتزان الخطو وحدة الوعي ويقظة الروح وذلك ما تطلبه غاية إتقاء الأهوال، إن للطريق مزاجها وهواها الخاص فلا ترضى إلا بالتملك المطلق لعابرها، الذي ما ينبغي أن يشغل كيانه باتباع غيرها، إذ يقول في نصه ” يان فاتالات راك فلن”

Han amdn ya yichwern  arnit  tnjahn

Igha ftun  anit izga tawdans

Kulma  tzrit ikhla  maygan sibans

Idfur  zin  aligh  ijla  tagada ns

إن السياحة والتيه تستحيل في أشعار مولاي حماد إيحيحي معبرا لاستكشاف المعرفة والظفر بالأسرار، فللطريق قدرتها على السفر بالذات جهة الحقيقة، على نحو يجعل الذات تتخذ من الطريق وارتيادها شكلا من أشكال الإغواء والغواية، يقول الشاعر في نصه ” تاليمونت”

Anmun  nki  dik  rwah

Njlu ka  gh igi wakal

Ard nsn magis  illan

وفي النص ذاته يخاطب الشاعر قدمه، يحث إياها على العودة بعد استشرافه وحدسه انسداد طريق بعينها

Urid aydar inu

Gh ugharas ad ur ifugh

ديدنه العدو في مناطق خفية بكر وثيب، لم تمسها قدم إنسية

Ar ka  ntazal  lkmgh

lkhla  urtid  ikki yan

ليست الحياة سوى جسر في متخيل شعري يفصح فيه نص ” أيامارك ” عن كون الحياة بوجه عام محطة سفر، لذلك يصعد السؤال من أعماق الذات الشاعرة

Adunit  mayftan  mad  ighaman

رفيقه في معابره هو الأمارك بكل كثافته الدلالية في الحياة الرمزية الأمازيغية، بما هو مشترك لفظي للشوق والشعر على السواء

Is ukan dik nmun ard nzer manik

Aaaayamargi

 

كاتب من المغرب

عن madarate

شاهد أيضاً

مظاهر الهجاء في شعر الرحل الأمازيغ بوادي نون – أحمد بلاج

مقدمة إنّ الشيء الذي يميّز كلّ شعب ما هو ثقافته وتراثه، هذه الثقافة تعتبر من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *