” البضاعة الوحيدة التي تشبه الذهب هي الطريق” سركون بولص
نادرا ما يلفي المنصت للأعمال الموسيقية والشعرية للموسيقي مولاي حماد إيحيحي انفصالا عن شعرية الطريق، إذ تظل هذه الشعرية ميسما خاصا وملمحا متجليا في عوالمه الشعرية، التي تتعثر فيها الحواس بمفردات تنتسب للعالم الدلالي للطريق، بأمكنة العبور وبالأقدام، بالمتاهات وبالتوجس من التيه والضياع، بما ينبغي أن تكون عليه الخطى من اتزان وبما يسمها من ميلان، بالمسالك والشعاب والسفر ووعثائه والرفقة وبالخاطر الذي يتفقد الوجهات و بالمسالك المنيعة، ليس للأمر علاقة فقط بالتاريخ الشخصي للشاعر وتجربته في الوجود، ولكن أبعد من ذلك، ثمة وشائج بين متخيل العبور والترحال وتاريخ الشاعر في الذاكرة الأمازيغية الذي جعل هرمون السفر إحدى هرمونات استحقاق الانتساب، والذي جعل السياحة في الأرض الشرط الضروري لإبداع الشعر.
شعرية مولاي حماد إيحيحي هي شعرية تمنح للطريق وضعها الاعتباري الخاص، وتنشغل في كل ذلك بتجلية مقتضيات الاستعارة الثقافية الكونية التي تعتبر الحياة بوجه عام جسر عبور إلى عوالم أخرى، وهي الاستعارة التي تشتغل في المتخيل الديني والميثي الكوني وتشكل توليفة ثقافية قائمة الذات، فمبقتضاها تقوم سردية الوجود على لحظات بعينها، لحظة الوجود في العالم الأرضي ولحظة الحدود القيامية ولحظة العالم العلوي، وعن هذه السردية المؤسسة تفيض الصور الجمالية والثقافية الممجدة للعبور، وبها شكل المتخيل الإنساني لذاته أمكنة تجسد الرغبة في الإقامة التالية لحقيقة الترحال، كما نلفي في الإيثاكا وفي جبل قاف على سبيل التمثيل.
مولاي حماد واحد من العارفين بالإيقاعات الكونية، لكنه شاعر الطريق، ليس لكون الشاعر الأمازيغي قد جعلت الثقافة المحلية وجوده شبيها بتروبادور ولكن لكون الطريق، هاجسه الشعري الذي يطالع متأمل تجربته في كل الأعمال التي شكلها عبر مسار شعري خصيب؛ والتي تفترض هذه الورقة أنها البنية التخييلية الرمزية التي تنظم عوالمه الدلالية، وعليه يمكن أن يضطلع البحث في هذا الجانب بدور استكشافي لتجليات حضور الطريق بوصفها مكانا شعريا وبوصفها بناء رمزيا.
ففي نصه الموسوم ” إمنعا الزمان” نلفي المقطع الآتي:
Imn3a zman imn3a zman
Ik sarbh rebbi awdagh ifln akn tugh
Ahli thnagh igut flla watan nk
تطالعنا عزلة المسافر في الطريق بما هي فضاء للعبور واستعارة للحياة والحقيقة في تعقيداتها، عزلة وطنت أعماق الذات الشاعرة ألما وحملا ثقيلا يعوق انسيابية الخطو وتطبق الفخاخ على الجسد.
في نص شعري آخر موسوم ب «ما يكان أغراس إسلكامن وريجلون” يهتف الشاعر بحثا عن الطرق التي تفضي وتنجي الكائن من احتمال الضياع واحتمال التيه، في بحثه عن العين التي لا تنضب ولا تبلى، متسائلة عن أجدر الينابيع أن تكون مطمح النفس وغايتها، هكذا ينبجس السؤال مسكونا بالرغبة في المعرفة.
Maygan ugug iaamern ur sar ijla amani
في مديح الطريق، يكتب الشاعر وبذات الجموح في نصه ” إغاكنيغ شوراس” عن الأمكنة العالية وعن ضرورة التريث، لأن الطريق لا يعبرها الكائن بالأقدام لوحدها، ولكن بالقلب، الذي يتطلب لزوم الليونة والروية.
Imlagh lgherb imudal
Ighd ngiz ngas adar
Ighak nigh chwras iwul nk awa chowras
Tadsa d lferh wadan ak sul isalan azal
Zik sul ayad ayadar ighdi trmit imudal
فالسير في طريق الليل غير السير في طريق النهار، حيث يستحيل الفرح الليلي مأساة نهارية، إدراكها أفضى بالذات الشاعرة إلى توسل الأقدام الوقوف على مشارف الطريق قبل أن يستبد التعب بالجسد والروح على السواء.
في المقام ذاته، خبر الجسد أن للطريق روحها وكينونتها، وبات يسأل عن مجهولاتها البعيدة، وعن وجهاتها متسقطا منها معرفة وجهتها كما في نص ” غيلي ساتاوي تاكوت أمان”
Atasukt ur ihudin mani satawit
Kulu magim itazaln ira sul rmin
حيث يتقدم الحب بوصفه دليل الكائن إلى الطرقات السالكة
Aragh imal lhub nkra tigharasin
ويستوي الإحساس مولد الإشارات وحادي الجسد في سفره الأنطولوجي.
ومثلما تهد الطريق الجسد، فإنها تشعر العقل بالمشاق وتبقيه قيد الأهوال والعذابات لطول السفر وبعد الوجهة، يقول مولاي حماد إيحيحي
Ghili nra yagug laaqel imert
Ur nsmih ilhub imlk tasanw
ليس الطريق مكان عبور الكائنات الإنسانية لوحدها، إنه أيضا فضاء عبور الأحاسيس والحالات والهواجس، في نص ” يسر ألهم” توجه الذات الشاعر دعوة إلى الهم للرحيل واللحاق بركب الحبيب الذي خذلها
Wasir alhem lkm yan agh ihgern
Chahwa ar tawit yan ar asif igutn
Adamzagh tidinu hsaragh idarn
في كثير من الأحوال ليست الخيانة والوهم والوحشة من طباع الطريق، ولكنه من طباع القدم أيضا، في عمله الشعري ” ها لعارنك أبو وازار” يقول الشاعر
Ar jaflah atasanu tgit tahwawit
Ar nlla zund igigil ur sul nhda yat
Irhmek asidi hmu bab numarg nan
Ifough lman adar lighayjlu idukan
الطريق وشعريتها شعرية ألم، فهي ليس مجرد مسافة تعبرها الذات للوصول، إن استعجال ذلك قد يفضي بالكائن إلى الهلاك، إن المتعة في العبور لا في الوصول، يقول الشاعر
Ha laar nk abouwazar asik ur izerb udar
إن مسار الطريق التي تعبرها الذات الشاعرة في نص بعنوان ” الهوى دأومارك إميمن” تتمثل في لحظتين، لحظة المسير حيث البحث عن الهوى والإلهام ولحظة الوصول حيث الرغبة في صداقة أهل الهوى وفتية الأمارك
Lhawa d umarg imimn sinan
An isigil arkigh lkmgh ihwawiyn
وهي مسافة تؤلم الدواخل وتخلف في الوجدان جراحا عميقة، إنها أثر الطريق
Trmit atassa ibrayn manigh
Rad afigh isafrn ijruh nm
وهكذا يكاد الحب يشبه الطريق، في حاجته للروية والتريث، يتشاكلان في انطوائهما على مسار ما، عسير بالضرورة
Tayri tmn3a tga asawn awalit
Ur isen agis itjeramn
حاجة الذات الشاعرة للرفقة للاستئناس ولإبعاد وحشة الطريق، هي ما تم التعبير عنه في نص ” وهو وهوي أور توسيت لهم إينوا”
Urufigh mada tmunagh nga bda wahduyagh
Wana mi nagh anmun ina waxa tabaaghi
Yumzagh afous ifkagh itilas adyi jluni
ظلت الطريق قدر الشاعر، جنته وجحيمه، وظل البحث عن رفيق يؤنسه غايته المثلى، في نص ” أياسمون” يطالعنا المقطع الآتي واصفا ما عاشته الذات الشاعرة في معابرها القاسية
Wayay yay ayasmun
Njla fllak ikhfinu nasi did
Ng aghribi
Laaql da fak trssa dunit idayyi ighabi
War nklla du ugharas ider fllagh l3ajaji
Irwas ukkan izd lherz ayi turit nzugi
قدر وجودي أن يقيم الشاغر في الطرقات باحثا عن حب يقيم في الاستحالة معذبا بالسراب الذي تتوهمه العين ويبعث فتنة الحواس جميعها.
إن التيه حقيقة الطريق، في نص شعري بعنوان ” وا وريد وريد” تهتف الذات الشاعرة متوسلة من حبيبها العودة قبل أن تنسدل عليها الحجب وتعدم الإشارة التي تدلها على المسارات السوية
Wa wurid urid akra tjli maradak skrgh
للأقدام هواها الخاص، لها شهوتها الغافية، التي ما إن تنبعث من مرقدها حتى تهم بالجسد وتراوده، في النص الموسوم ” إزواراغ أوضار ناغ” يصير الكائن منقادا لتلك الرغبة الغامضة
Izwaragh udarnagh
Adrar amid isutul
Laaql kad ur nla
ur nsn madagh ira
ليس ثمة طريق واحدة، فتعددها باعث على الحيرة مولد للقلق، ما يجعل اختيار طريق بعينها أمرا عسيرا، يقول الشاعر في سجله الشعري ” غيكاد أتكيت”
Agutn igharsn gh igi wakal gan akk
Atasa ira lghchim ayjlu ngr isafn
Igh ida ard izerb udar yan idu laht
Ukan ifk ilkhla tillas agha tgawarn.
على أن الطريق تقتضي بحسب الشاعر مولاي حماد إحيحي اتزان الخطو وحدة الوعي ويقظة الروح وذلك ما تطلبه غاية إتقاء الأهوال، إن للطريق مزاجها وهواها الخاص فلا ترضى إلا بالتملك المطلق لعابرها، الذي ما ينبغي أن يشغل كيانه باتباع غيرها، إذ يقول في نصه ” يان فاتالات راك فلن”
Han amdn ya yichwern arnit tnjahn
Igha ftun anit izga tawdans
Kulma tzrit ikhla maygan sibans
Idfur zin aligh ijla tagada ns
إن السياحة والتيه تستحيل في أشعار مولاي حماد إيحيحي معبرا لاستكشاف المعرفة والظفر بالأسرار، فللطريق قدرتها على السفر بالذات جهة الحقيقة، على نحو يجعل الذات تتخذ من الطريق وارتيادها شكلا من أشكال الإغواء والغواية، يقول الشاعر في نصه ” تاليمونت”
Anmun nki dik rwah
Njlu ka gh igi wakal
Ard nsn magis illan
وفي النص ذاته يخاطب الشاعر قدمه، يحث إياها على العودة بعد استشرافه وحدسه انسداد طريق بعينها
Urid aydar inu
Gh ugharas ad ur ifugh
ديدنه العدو في مناطق خفية بكر وثيب، لم تمسها قدم إنسية
Ar ka ntazal lkmgh
lkhla urtid ikki yan
ليست الحياة سوى جسر في متخيل شعري يفصح فيه نص ” أيامارك ” عن كون الحياة بوجه عام محطة سفر، لذلك يصعد السؤال من أعماق الذات الشاعرة
Adunit mayftan mad ighaman
رفيقه في معابره هو الأمارك بكل كثافته الدلالية في الحياة الرمزية الأمازيغية، بما هو مشترك لفظي للشوق والشعر على السواء
Is ukan dik nmun ard nzer manik
Aaaayamargi
كاتب من المغرب