الرئيسية / أمازيغيات / قصيدة الروايس بسوس الاستمرار والتجدد – محمد أبيدار

قصيدة الروايس بسوس الاستمرار والتجدد – محمد أبيدار

يورد الأستاذ محمد شفيق في باب حديثه عن الثقافة أنّ “صرح الثقافة   لا يبنيه المزوقون والمزخرفون من الأدباء ولكن يبنيه عامة الناس (…)”([1]) وأنّ “روحها ليس هو المكتوب بل المشفه”([2]) علما أن” الشفاهة ثقافة ذات تقاليد وخصوصيات في الخطابة ونظم الشعر والحكي الشعبي”([3])؛ وهي من السمات التي وسمت الأدب الأمازيغي بوصفه ”ينتسب إلى تراث موغل في القدم، وغنيّ بالأشكال التعبيرية والاحتفالية”([4]).

إنّ الأدب الأمازيغي يتّسم بغنى وتنّع لا يضاهيهما إلّا غنى وتنوع اللغة التي تنقله، ويستمد هذا الأدب ثراءه وتنوعه من تعدّد أجناسه وامتداد فضائه الجغرافي، وهو” قديم في المغرب قدم اللغة الأمازيغية “([5])، لم يكتب منه ولم يحفظ إلّا القليل”([6])، ويعتمد تناقله وتداوله على الحفظ والرواية الشفوية. من أجناس هذا الأدب الشعر؛ اللون الأدبي الأكثر حظوة بإقبال الناس، وأكثر وسائل التعبير انتشارا وتداولا في المجتمع الأمازيغي قديما وحديثا.

والشعر عند الأمازيغي بمثابة الجريدة والكتاب والمسرح والسينما، إنّه مجال الإبداع وقناة التواصل وميدان التعبير، لا تنحصر قيمته الأدبية والثقافية في مضمونه وأغراضه والقيم الإنسانية التي يعبّر عنها، بل تتجلّى وبشكل أوضح في صورته الفنية وترابط إيقاعاته الموسيقية ووحداته الصوتية وتماسك البناء الداخلي لقصائده. ويدرك السامع المتلقي هذه الصورة الجمالية والإيقاع الموسيقي في الشعر الأمازيغي بالحسّ الفني، والذوق الأدبي، وبالتفاعل الوجداني؛ وقد “كان الشعر الشعبي الأمازيغي وما يزال في طليعة فنون القول المعبّرة بصدق عن واقع الحياة في مختلف تجلّياتها وأبعادها وتحولاتها”([7]).

و”يسمّى الشعر في أمازيغية الجنوب بأمارك (…)”([8]) وهي كلمة جامعة تدلّ تارة على الشعر أو الكلمات منفردة وتحيل في أحيان أخرى على الأغنية بكل مكوناتها؛ أي الكلمات واللحن والصوت والعزف.

ويصطدم الباحث في تاريخ الأدب الأمازيغي عامة والشعر خاصة بأكبر معيقات البحث ندرة بل غياب المادة التاريخية؛ فالأدب الأمازيغي ومنه الشعر يعود إلى أزيد من ثلاثين قرنا، فقد “مارس الأمازيغ أدبا رفيعا قبل ثلاثة آلاف سنة، وكتبوا بحروفهم “تيفيناغ” tifinav، وناقشوا الدول المجاورة كالفينيقيين والرومان، وقاوموا محاولات طمس هوية أدبهم الأمازيغي، كما مارسوا المثاقفة مع الثقافات المجاورة”([9]). ويقف غياب التوثيق والطبيعة الشفوية للثقافة الأمازيغية في عموميتها سدّا منيعا أمام الباحث لتتبّع مسار القصيدة الأمازيغية؛ وتعود أقدم النصوص إلى فترة مجيء العرب الأولين، حيث يورد المختار السوسي أنّه عثر على ملحمة تصف فتح إفريقية، وتشيد بشهامة محمد بن جعفر([10])؛ و”في القرن العاشر – الذي كان عصر الصوفية الذهبي في سوس- بقي الشعر الأمازيغي نشيطا؛ ونفهم هذا ممّا قام به الفقيه النحوي يحيا بن سعيد الكرامي (توفي900 هـ)، إذ أخذ حكاية شعرية أمازيغية فعرّبها في قصيدة تجاوزت الثلاثين بيتا”([11])، ثم الأشعارالدينية لأوزال الصنهاجي (ت1136 هـ)، وهي الفترة نفسها التي ظهر فيها سيدي حمّوالطالب([12])، قيدوم شعراء الجنوب، وإليه تعود أقدم النصوص المتوارثة في هذا الباب والتي يرجع الفضل في التنقيب عنها وجمعها لأصحاب الدراسات الكولونيالية[13].

خلّف سيدي حمو رصيدا شعريا هاما يعتبره البعض مضفي الشرعية على الأدب الأمازيغي في شقّه الشعري، وعرف الجنوب حضورا دائما لإينضّامن ن ؤسايس ثم الروايس، وساهم شعراؤنا في إلهاب المشاعر لدى جمهور المقاومين إبّان التصدّي للزحف الفرنسي.

وشكّل الغناء بوصفه جانبا من جوانب الثقافة، وأحد عناصرها الحيّة غذاء روحيا أساسيا للإنسان، وعاملا من عوامل التواصل في كل الثقافات، ووسيلة للتعبيرعن المشاعر، ناقلا للتجارب الروحية والوجدانية ومرآة لعكس نبض المجتمع وتطلّعاته؛ شكّل في فترة من الفترات نقلة تحديثية لفنّ إينضّامن دون أن يعني ذلك إلغاءها، بل يتعايش النمطان إلى يومنا هذا مع بعض الاستثناءات لمناطق عرفت اختفاء نهائيا لظاهرة أسايس ( منطقتا إيحاحان وإمتوكّا أنموذجا)، ويبقى فنّ الروايس أحد أكثر الخطابات رواجا ووصولا إلى الناس، وهو من مجالات بروز الشعر لدى الأمازيغ، ومن الألوان الغنائية السائدة بكثرة جنوب المغرب خصوصا سوس؛ وهو فنّ غنائي عريق في الثقافة الأمازيغية تقترن فيه القصيدة الشعرية بموسيقى آلات تقليدية كآلة “الرباب” وآلة “لوطار”. وكلمة “الرايس” تدلّ على الريادة والزعامة حيث الرايس هو متزعّم الفرقة الموسيقية ورئيسها، وقد يكون في آن ملحّنها ومغنّيها والعازف على آلتها الرئيسية أي الرباب؛ وهو في الغالب شاعرها وكاتب كلماتها.

وتعتبر القصيدة بمثابة العمود الفقري لأغنية الروايس؛ فالمتلقّي لفنّ الروايس مرهف السمع ذوّاق للكلام؛ فلا يكفي الرايس لحنه الشجيّ وعزفه المتقن وصوته الصدّاح لبلوغ قلوب الناس، بل إنّ حلو الكلام يعد أيضا المنفذ إليها والسلّم نحو الشهرة. وقد شكّل السعي نحو ولوج بيوت المتلقّين نبراسا مستمرا لتماهي شعر الروايس مع انشغالات الناس، بل أنّ هذا الشعر يشكّل مرجعا للباحثين؛ لم لا؟ وهو يرصد الوقائع ويسجلها، بل ويتوقّف عند أحداث بعينها فيصفها دقيق الوصف ويخلّدها، ولعلّ كون الروايس شغوفين بتتبّع الأحداث وتوثيقها بشعرهم جعلهم يطورون قصائدهم بتعاقب الأحداث وتطورها.

وكما هو معلوم لدى معظم الناس؛ فإنّ شعر الروايس يعتبر سجلّا تاريخيا للحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لمجتمعهم المحلي والجهوي والوطني والإنساني. فالرايس مشتقّ من فنّ “تيرّويسا” التي تعني حرفة الغناء الأمازيغي الشلحي؛ والرايس كذلك كلمة مفردة جمعها روايس؛ مؤنّثها تارّايست التي تأتي على صيغة “تارّايسين” في صيغة الجمع. فهو مصطلح يطلق عادة على الشاعر المغنّي الشلحي الذي يحترف الغناء أو العزف، وغالبا ما يجمع الرايس بين النظم والعزف والغناء؛ وله فرقة (رّباعت/ رّبيعت) يتكسّب بها؛ وهي مكونة عادة من رجال ونساء بعد أن كانت من قبل مقتصرة على الرجال والصبيان عوض النساء؛ وكثيرا ما يعزف رئيس الفرقة (رّايس) على آلة الرباب ([14]). وإذا كانت كلمة الرايس مأخوذة من “تيرّويسا” فما هي دلالتها؟

“تيرّويسا”؛ لفظة دالّة على الفنّ الذي يمارسه الرايس، وقد انتقل هذا المفهوم أصلا من ميدان أحواش ليرتبط بالموسيقى التقليدية، ويسمّى قائد الفرقة بالرايس كما يسمّى به عازف ماهر على آلات الرباب، لوطار، العود، الطارة، الناي والناقوس. ويلقّب به أيضا مطرب ما، ومقلّد للروايس ومردّد لأغانيهم، إلّا أنّ الرايس الحقيقي عند الأمازيغ قديما وحديثا هو المستوفي لشروط “تارّايست” التي تعني رئاسة فرقة غنائية من كلا الجنسين، مع التميّز عن أعضائها بلباسه الأنيق وحديثه المتميّز؛ ناهيك عن استناده على شيخ ما، وتوفّره على الموهبة الشعرية والصوت الجميل والإبداع والخلق الحسن والآلات المناسبة… وقد أقرّ جانطي بوجود صعوبة في امتلاك موهبة فنّ “تيرّويسا” إلّا من ألهمه الله بذلك، قائلا:

تيرّويسا ءايغلان ؤر يوفا يان ءايّيني كيغت؛

ئنّاغ ئبجر تاكوري سيغ ءاس ئنّا وايّا كمّش.

 

الرايس إذن مطالب بإتقان عمله، والاستفادة من انتقادات ذوي الاختصاص لأنّه قائد ومدبّر فرقته. وفي السياق نفسه يقول الدكتور محمد بن شريفة: “رّايس: مدبّر أمر السّفينة، وهي من الألفاظ العامية الأندلسية”([15]).

إنّ الحديث عن فنّ “تيرّويسا” يفتح لنا المجال لولوج عالم التراث الشفهي والمادي الذي يعتبر تجلّيا من تجلّيات التعبير الفنّي والجمالي عند الإنسان في جميع الحضارات وعند مختلف الشعوب والأمم؛ ونظرا لأهمية هذا الإرث البشري ارتأى المهتمون به في عصورنا الحديثة توثيقه وحفظه وتسجيله في الأسطوانات والأقراص بل وفي مظانّ جميع أنواع الأجهزة الالكترونية الرقمية الحالية، كما تجلّى الاعتناء به في شتّى المجالات مثل فنون العمارة والنحت واللّباس والأمثال والأشعار والغناء… ويعتبر الهيام الفنّي والانشغال الجمالي بالشعر “أمارك” والمـــوسيقى الأمازيغية عند كبار الـروايس بالجنـوب المغربي ظاهرة ملفتة للنظر نظرا لخصوصيات، وتميّز هذا الفنّ وأصحابه.

وإذا كانت لقصيدة الروايس بسوس أهمية كبرى، فإنّه بات من الضروري تتبّع مراحلها التاريخية التي مرّت منها؛ فما هي إذن أحوالها؟ وكيف تمّت معالجة قضاياها؟ وهل يمكن الحكم عليها بالاستمرار والتجدّد انطلاقا من المواضيع التي تمّ تداولها؟

في هذا الشأن سنتتبّع تطور قصيدة الروايس في سوس واستمرارها وتجدّدها، فنرصد أوجه الاستمرار ونقتفي سمات التجدد.

 

شعر الروايس في جغرافيا محدّدة:

إنّ الحديث عن أغنية الروايس “ءامارك” رهين بالظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تحيط بها، فإذا حصل الاستقرار في هذه المجالات تفتّحت غرائز هؤلاء الفنّانين لتعبّر عن ذواتهم       وما يخالجها من مشاعر وهي حاملة لمشعل التوعية، ومصورة للواقع أحسن تصوير. فإذا رغب الباحث في العودة إلى فترة ما قبل القرن العشرين قصد الاطّلاع على التراث الفنّي الغنائي لدى الروايس، سيجد نفسه حائرا نظر لطبيعة هذا الموروث الغنائي الشفوي من جهة، ولأنّ الغموض يكتنفه كثيرا من جهة أخرى، خصوصا وأنّ المغرب يجتاز في هذه المرحلة فترة حرجة اتّسمت بالضعف الذي تجدّرت جذوره سابقا. فباستثناء ما قيل حول الفنّان سيدي حمو الطالب الذي رجّح الباحث عمر أمرير وجوده في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين اعتمادا على ما ذكره “جونصون” ومحمد المختار السوسي، لا نملك معلومات جاهزة حول وجود فنّانين روايس – مثل سيدي حمّو الطالب – سجّلوا   أو غنّوا قصائد تكون في مستوى أمارك هذا الفنّان نظرا لوجود مجموعة أسباب؛ نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

–كون المغرب بمعظم مناطقه وبالخصوص منطقة “سوس” يعرف أوضاعا سياسية غير مستقرّة بحكم وجود الفتن بين الأهالي، وبعض القبائل التي تتجاوز حدود الأعراف.

–  غياب وسائل سمعية بصرية في ذلك الوقت؛ تهتم وتحافظ على آثار هؤلاء الروايس حتّى يتمّ توثيقها.

–  انشغال المجتمع بالاحتلال، واعتبار القضايا المتعلّقة بالغناء ثانوية لدى البعض من الناس.

–   نظرة بعض الفقهاء إلى الغناء باعتباره وسيلة من وسائل اللهو اعتمادا على تفسيراتهم وتأويلاتهم الخاصة.

–  تدهور الحالة الاقتصادية وتخلّفها صناعيا وتجاريا بعد انهزام الجيش المغربي في موقعة “إيسلي” أمام فرنسا 1844م، حيث ظهر التنافس الدولي الأوروبّي حول تقسيم منطقة شمال إفريقيا وضمنها المغرب الذي حاولت فرنسا الانفراد به قصد السيطرة عليه.

وفي ظلّ هذه الأجواء التي عرفها المغرب، يندر الحديث عن “تيرّويسا” بمفهومها الحالي لأنّ أوضاع الروايس آنذاك تحتاج إلى الاستقرار والهدوء، فما هو إذن البديل المطروح؟

فإذا كنّا لا نستطيع تقييم المرحلة الزمنية السابقة في مجال الغناء تقييما موضوعيا لانعدام الوثائق، فإنّ الأمر المحسوم فيه هو كون القرن العشرين عصر انطلاقة “أمارك” الذي كان وسيلة للتعبير عن مختلف الأغراض الشعرية، وكذا القضايا التي كانت سائدة في المجتمع المغربي بشكل عام، والسوسي بشكل خاص، كما تمّ الدفاع به عن الوطن عند بعض الروايس سواء على مستوى الإبداع الشفوي المغنّى من طرفهم، أو على المستوى الكتابي لدى بعض الباحثين في هذا الموروث الغنائي. ففي نصفه الأول كتبت كتابات حوله، وصدرت دواوين مترجمة إلى الفرنسية والانجليزية والألمانية… ومنذ تلك الفترة لوحظ امتلاك الروايس لوعي الاهتمام بالوطن كمفهوم شامل نظرا لاحتكاكهم بالفئة المثقّفة التي ساهمت في توعيتهم وتربية الحسّ الوطني لديهم.

وإذا تأمّلنا جيّدا الإبداع الضارب في القدم في مجال فنّ الروايس       أو “تيرّويسا” كما يسميها البعض، فإنّ ذلك يثير تساؤلات، ويفتح نقاشات بين المتتبعين له؛ لذلك أثار انتباهي موضوع هذا الفنّ المتميّز لحنا وكلمة وأداء؛ فكان كل ذلك مبعثا دفعني إلى ملامسة جوانب التفرد لدى شخصية الرايس بسوس. هذا الفضاء الذي احتضن مدارس متنوعة في مجال الغناء الشلحي([16])؛ لينفرد فيه كل شاعــر بخصـوصياته؛ فبين شاعر وآخـر هنـاك فــرق شاسـع ونقـط التقاء وافتراق واختلاف في الآن نفسه كما صرّح بذلك بعض الإعلاميين السوسيين([17]).

 

ظاهرة الروايس: استمرار مدرسة.

يطلق أهل الجنوب على المغنّين الذين تتوفّر فيهم الصفات السالفة الذكر كلمة “الروايس”؛ وتحيل لفظة “الرايس” في العرف الشعبي عامة على القائد والزعيم وكبير جماعته؛ وهي تحوير للكلمة العربية الرئيس مع توسيع دلالاتها نحو مجالات أخرى منها عالم الغناء في جنوب المغرب الناطق بتشلحيت. ويسمّى الرايس رايسا لأنّه كبير جماعة الفنّانين المكونين للمجموعة وقائدها ومدير أعمالها، ولا يطلق عليه ذاك الاسم إلّا بعد أن يثبت كفاءته في النظم والعزف والأداء.

وعلى غرار باقي حقول الثقافة الأمازيغية، تبقى ندرة الدراسات العائق الأكبر أمام الباحث في ظاهرة “الروايس”؛ ليتربّع التسجيل الصوتي على قائمة المراجع العلمية المعينة على الإحاطة بالظاهرة.

إنّ من سمات ظاهرة الروايس كونها مدرسة قائمة الذات يلجها الرايس تلميذا ليتخرّج منها رايسا بارعا يتتلمذ الآخرون على يديه، ويترأس مجموعتهم. وقد تميّزوا بتطلّعهم الدائم نحو التجديد لمسايرة المحيط العام، إذ يمكن تقسيم أجيال الروايس إلى:

 

جيل الحاج بلعيد:

يعتبر الحاج بلعيد قيدوم الروايس، وأول من أتيحت له إمكانية التسجيل رغم نقائصها الكثيرة في ذلك الوقت، ويغيب الأثر المناسب لدراسة ما قبله كشيوخه وأعمالهم؛ ومن رموز هذا الجيل: الحاج بلعيد، بوبكر أنشاد، محمد بودراع، مبارك أوبولحسن، بوبكر أزعري وغيرهم كثير…

ويلقّب بلعيد بزرياب الأغنية الأمازيغية كما أنّه يعتبر الأب الروحي لها؛ فهو ذلك الفنّان الذي حمل مشعل التوعية في ظلمات الجهل، وصاحب الكلمة الهادفة، واللحن الرائع، والحنجرة القويّة. وأغانيه في معظمها حكم ومواعظ نظرا لوقعها الجميل في الوجدان والذاكرة.        ولادته مرجّحة أن تكون ما بين 1870 و1875، أمّا وفاته فمرجّحة كذلك أن تكون 1945م. يعدّ مدرسة فنية وأدبية تاريخية قائمة الذات؛ تحمّل العديد من الرسائل الرمزية التي تؤكّد أنّه متشبّت بكلّ ما يرسّخ الهوية المغربية كواجب حضاري ووطني من أجل جعل المغرب يتطور بشكل إيجابي دون التفريط ونسيان التقاليد المغربية. فبعد استشارته لمجلس العلماء حول الغناء، أخبروه بأنّ القرآن والسنّة المحمدية          لم يحرّماه؛ عندئذ قال قولته المشهورة:

” زّنزان مدّن ءايدانسن؛ ءادزّنزغ وينو”.

بمعنى: باع الناس ما يملكون؛ سأبيع ما أملك.

 

هكذا يبدو من كلامه هذا أنّ ما يملكه هو الشعر الذي وزّع على محاور تجمع بين رسالة الشعر، الغزل والوصف، القصد الاجتماعي، التسجيل، والرحلات ([18]). فهو ذلك الفنّان الذي انفرد بوصفه وغزله ونقده لمساوئ مجتمعه؛ واضح الحجّة، حكيما في خطابه قويّ الدليل في العتاب والشكوى، صادق القول والدعوى في مدارج العشق والنجوى، عارفا بأصول التراث الفنّي الأمازيغي السوسي وقواعده، من قصص دينية وعاطفية، وأمثال، وحكم، متمرّسا في أساليب الإلقاء الشعري والغنائي المتوارثة عن شيوخ مدرسة “تارّايست” بسوس. وسنورد له نموذجا للشعر الحكمي الذي يقول فيه:

ئتّوهلاك بنادم س غايد ن طّما، ئلّا كيسن؛

ئس نزرا ئخف ئنو، كرا طّافح ؤريّي كومن؛

ئريح مايسن تّلقّامح، نتّو لموت أعمدا نّح!؛

ئكـا بنـادم زود أكـدور ئتّليـاحن غ لباحــر؛

أر ئسمون أمان، ئميكّ س ئميكّ، أرد ئعمّر غرقن ([19]).

 

فهذا المقطع الشعري يدلّنا على الطمع؛ فالإنسان مهما بلغت أملاكه لا يقنع بالقليل، بل يرغب دائما في المزيد؛ ظانّا أنّه سيرث الدنيا        وما فيها. ولم يدخل قطّ في الحسبان أنّه سيأتي يوم ما سيرحل فيه عن هذه الدنيا؛ فقد شبّه الرايس بلعيد الإنسان الذي يملكه الطمع المبالغ فيه بقدر مرميّ في البحر، يتسرّب إليه الماء شيئا فشيئا حتّى إذا امتلأ غرق، وغاب عن سطحه.

جيل محمد أموراك:

يرد جيل محمد أموراك زمنيا مباشرة بعد جيل الرواد، بل أنّه تتلمذ على يديه؛ وقد أتاحت التكنولوجيا وتطوّر تقنيات التسجيل لهذا الجيل وإحداث شركات داخل المغرب تسجيل مطولات غنائية كاملة بمقدماتها وختماتها ومتونها أكبر ممّا كان في عهد الحاج بلعيد.

ومن رموز هذا الجيل محمد أموراك، محمد بن إحيا أوتزناغت، بوجمعة أوتزروالت، الحسن ماشي، الحسن ساسبو، مرزوق، الحسين جانطي، فطومة تالكرشيت، محمد البصير، عبوش تماسّيت، عمر إجوّي، صفية أولتلوات، فاطمة تاكرّامت، محمد أعراب، محمد أكرّام، أحمد أمنتاك، محمد أباعمران، مولاي علي اليعقوبي، مولاي الحسن، محمد أكّيلّول، محمد بن الحاج بلعيد، بريك بن عدّي أتيكّي، العربي المتوكّي…

جيل محمد ألبنسير:

تميّز جيل ألبنسير بالنزوع نحو إتقان فنّ الروايس شعرا وعزفا وأداء وإيقاعا، فعلى مستوى العزف أدمج العازفون مقاما جديدا يسمّى “أعصري”، كما استعين بآلات إيقاعية جديدة؛ فبعد أن كان إيقاع أغنية الرواييس مكونا من الناقوس فقط أدمج الدف مع ألبنسير وبعده الطامطام مع أحمد بيزماون.

وينتسب إلى هذا الجيل محمد ألبنسير، عمر واهروش، المهدي بن مبارك، محمد بونصير، الحسن الفطواكي، سعيد أشتوك، إبراهيم بيهتّي، أحمد الريح، أحمد أوتمراغت، الحسين موفليح، رقية تالبنسيرت، فاطمة تيحيحيت مقّورن مجاهد، أحمد بيزماون، إبراهيم أشتوك، الحسن أزروال، الحسين أشتوك، الحسين أوتزناغت، جامع الحاميدي، عبد الله بن إدريس المزوضي، محمد أوتاصّورت مزّين، الحسين بولمسايل وغيرهم…

جيل مبارك أيسار:

مبارك أيسار تلميذ من تلامذة ألبنسير، بل أنّ هذا الأخير هو مكتشفه في فرح عائلي بمسقط رأس أيسار. ويندرج تحت هذا المسمّى ثلّة من الروايس الذين تتلمذوا بشكل مباشر على يد الروايس الكبار، أو تأثّروا بهم في إنتاجهم، إذ يتكون هذا الجيل من تلامذة محمد ألبنسير، وأهروش، وأشتوك، وبونصير…، سواء في الأداء الموسيقي أو في الغناء أو نظام القصيدة ومضامينها؛ وتوسّعوا في استعمال مقامات جديدة، وأبدعوا كأعصري وأكناو الذي يعتبر مولاي أحمد إحيحي رائده بامتياز.

ونذكر من المنتمين لجيل الرايس مبارك أيسار: حسن أكلاوّو، لحسن أخطّاب، أعراب أتيكّي، الحسين الباز، أحمد أوطّالب المزوضي، مولاي إيدار لمزوضي، محمد أوتحنّاوت، محمد أمرّاكشي، عبد الله بيزنكاض، الحسين أتبير، مولاي أحمد إحيحي، عبد الله أعشّاق، أحمد البنسير، محمد أوريك…، فاطمة تيحيحيت مزّين، السعدية تتكّيت، زبيدة تتيكّيت، فاطمة تباعمرانت،زهرة أولتّ إمي نتانوت، فاطمة الناشطة، تالجوهرت … إضافة إلى مهرة العازفين كالحسن بلمودن، والحسين شنا وغيرهم…

 

جيل حسن أرسموك:

لا تتوقّف مدرسة الروايس عن إنجاب ورثة هذا اللون الغنائي، ففي مدرسة أيسار تتلمذ فنّانون كبار على رأسهم حسن أرسموك الذي شكّل ظاهرة فنية جديرة بالدراسة والتحليل.

وقد تميّزت إنتاجات المنتسبين لمدرسة أرسموك بالنزوع نحو تجديد أكثر في الإيقاعات والمقامات في تماه مع ظاهرة المجموعات الغنائية؛ وينتسب إلى هذا الجيل حسن أرسموك، العربي بهني، الحسين أمراكشي، العربي إحيحي، أحمد أسياخ، عبد اللطيف أزيكي، أعراب أتيكّي مزّين، عمر أزمزم، العربي أيسار، ابراهيم أفروك، عابد أوتنالت… فاطمة تمراكشيت، فاطمة تيحيحيت تتريت، زهرة تالبنسيرت، خدّوج تعيالت، عائشة تشنويت، كيلي دونفير،…

تتعاقب أجيال الروايس جيلا بعد جيل، ولا يعني توقفنا عند جيل حسن أرسموك انحباس الظاهرة، بل صعوبة رصد تعاقب أجيال الروايس وتحديد نهاية جيل وبداية آخر بالدقّة المطلوبة؛ فإلى اليوم، ورغم انحسار ظاهرة “الحلقة”، المدرسة التي تخرّج منها أكبر رواد فنّ الروايس، لازالت الساحة الفنية الأمازيغية تنجب الرواد الروايس؛ ونذكر من الروايس الشباب المعاصرين سعيد أوتاجّاجت، وصالح الباشا، ومحمد أنضّام وغيرهم كثر.

إنّ تتابع أجيال الروايس وتجديد لونهم الموسيقي عزفا وإيقاعا وأداء وازاه تجديد ظلّ يمسّ القصيدة؛ فالشعر الأمازيغي الذي تغنّى به الروايس سجلّ حافل بالمعطيات التاريخية والاجتماعية والاقتصادية، وخطاب يوثّق لمواقف نفسية وجدانية، وسياسية نقدية.

 

قصيدة الروايس بسوس: التجدد من أجل البقاء.

يرتكز اللون الغنائي للروايس على الكلمة كعربون على البراعة وعنوان للإتقان، فمن أركان “تيرّويسا” أن يكتب الرايس كلماته ويلحّنها ويؤدّيها ويكون عازفا ماهرا على إحدى الآلتين الرئيسيتين الملازمتين لهذا اللون أي “الرباب” أو “لوطار” وبالأساس الرباب. ومن شروط النجاح وبلوغ أو الولوج إلى قلوب الناس ودخول بيوتهم أن يكون الرايس صوتا لهم، مرآة تعكس آلآمهم ومعاناتهم، وتجسّد آمالهم وأحلامهم، ويجدون فيها المتنفّس عن أحزانهم. وهي توابل بوّأت أعلام فنّ الروايس كمحمد ألبنسير ومبارك أيسار موقع الصدارة عقودا من الزمن.

عمر واهروش: شاعر المقاومة؛

لقد تطوّرت قصيدة الروايس وفق منطقها الخاص وفي تماه تام مع ما يختلج داخل المجتمع، وقد كان عمر واهروش ممن تناولوا هموم الشعب في إنتاجاتهم، وناضلوا من أجل حريته ورفاهيته، وانتقدوا الانحراف الاجتماعي ومظاهره والظلم والقهر أملا في الإصلاح؛ فعانى السجن في زمن الاحتلال الفرنسي وهو يقاوم؛ سلاحُه الشعر من خلال قصيدة مشهورة ألقاها سنة 1952 أمام قائد وأذناب الاستعمار في “مزوضة” بحوز مراكش؛ يقول فيها ([20]):

 

näalb i ëbbi ssutra ad ur yigut loib,

yat nnsnt ääabiï ur tfil aqqaëiä,

igåiz d lmuraqib yan ãbap ibkkë d,

lbaäl issuki d alln a xuti dar lluz,

iãëëf ivirdm lapkam nns ig agllid,

kull mad v ibbi fissn ipëm as ad t iæmz,

iv amr inna oakk iftu s lbiru ikk t id;

 

لقد أدى عمر واهروش ثمن القصيدة غاليا، فمباشرة بعد إلقائها أمام قائد مزوضة وابن المنطقة العارف بكلام أهلها؛ قرّر أن يكون اعتقال الشاعر علنيا أمام الملأ ويُقتاد بعدها سيرا على الأقدام من مزوضة إلى إمي نتانوت.

 

الحسين جانطي([21]): الشاعر المجاهد (1900م/1975م)؛

كان للشاعر الكبير الحسين جانطي صيت ذائع في شعر المقاومة والنقد الاجتماعي، وتجمع الروايات الشفوية لمجايليه على أنّ “حلقته” كانت تمتلئ عن آخرها بعشّاق أشعاره وهواة تفكيك رموز الصورة الشعرية المعقّدة التي كان يتقن بناءها ليخفي بواسطتها ما يريد أن يوصله من المعاني المحظورة آنذاك. كما تؤكّد مختلف الشهادات إزعاجه للسلطات الاستعمارية في كلّ الأماكن التي يلقي فيها أشعاره، فتعتقله تارة، أو تهدّده أخرى. وممّا يذكر في هذا السياق أنه تمّ اعتقاله بأكَادير سنة 1953م، ودامت مدّة سجنه ستّة أشهر ليحكم عليه فيما بعد بالإقامة الجبرية في قريته ب “أشتوكــن” إلى غاية حصول البلاد على الاستقلال؛ ويذكر من شعره في هذا المقام قوله:

 

Yiwi uëumi d cciïan lmuvrib izwur as,

Ar asn immal iqaëiän d lksawi odlnin,

Hann iãpa is kullu lupn middn tisvaëin,

Tawi d gisn willi akæ ur ilazm ntta ad sawl,

Mad s ar imil addrn mddn yan abla lafoal nns.

 

ومن شعر جانطي ما أصبح بمنزلة المثل والقول السائر (awal iddrn) بين الناس إلى اليوم حيث أبدع وهو يصف الاضطرابات السياسية التي عرفها المغرب قبيل الاستقلال:

 

Ixlä umda ur yad isfaw islm aman,

Tili lmujja lli d akæ yusin islman,

 

لقد آلم جانطي مآل أحوال الناس وأخلاقهم وقيمهم فقال:

 

Tizi ad a middn ra nsrwat açalim,

Ran imvarn tadunt، ulli mmutnt akæ.

Nkki giv igidr ikkatn tisærin,

Vilad ka ad iyi tmdimt a itimalliwin.

 

ليقول في مقطع آخر:

 

Issutl av ulåmaä i wuccn assasn,

Ilip aosawiy ad asin tallunt,

Ilip uãkay ad d iäë f uccn asin t,

Ajjat anv ukan tajjim awal inw,

Ur akæ nçäaë ad t id nqqway v lpaft.

 

وأهم ما أثار انتباهي في إبداعه الشعري قصيدته حول سوس التي عنونها ب: “ءانف ءسوس” بمعنى “تنحّ عن سوس”؛ يقول فيها:

سوس زود ءارعم ؤرجّون ئفّغ لبوعيّات

ءانف ئسوس ءاكّ ؤرئسّوس صّاليح ءايكا سوس

ويضيف قائلا:

ؤرانغ ئملك ؤرومي س ئفادّن ؤلا لبارود

ؤرانغ ئملك ءامر س ئقاريضن هاتي ئهلك ءاغ

ماداغ نيت عنان ئييسان ءولا ئنكليز غ ؤفوس؟

فلقد صرّح الشاعر الحسين جانطي بأنّ المستعمر لم يتغلّب علينا بقوّة جيشه ولا بعتاده الحربي، بل تغلّب علينا فقط بنقوده، ما جدوى الخيول والأسلحة بأيدينا؟

كما تموقف الرايس من هذا النوع من السلوك، واعتبر سالكه منحرفا عن سنّة النبي محمد صلّى الله عليه وسلم، كما حدّد مصيره في جهنّم؛ يقول منبّها إلى ذلك:

ئس ءاغ ؤر ئنّا النابي يان ئدرون د ؤكافري،

ءاسنّاغ ئمّوت لجحيم ءاراد زرّان([22]).

 

محمد ألبنسير: صوت من سنوات الجمر والرصاص؛

 

بحصول المغرب على الاستقلال انتقلت وظيفة الشعر إلى مساءلة أوضاع المواطن والمجتمع، وكان لزاما على الشاعر أن يتّخذ موقفا من السياسة والدولة والمجتمع، فاختار أن يتحدّث بلسان الطبقات المقهورة في المدن والقرى في السهل والجبل؛ إنّها الطبقات التي عانت مرارة ظلم الاستعماروالاستغلال، وهلّلت لبزوغ شمس الحرية، لكنّها أصيبت بالخيبة وهي تكتشف أنّ غنائم الاستقلال كانت من نصيب جهات وفئات دون عامة الشعب، فتحوّلت ممارسة القهر من يد المحتل إلى أياد كان يفترض فيها الإخلاص للوطن والتفاني في خدمة المواطنين والرأفة بهم. من هذا المنطلق نشأ الشعر النضالي الملتزم بهموم المواطن المسحوق، والمدافع عن هويته وثقافته المهمّشة سياسيا، تعليميا وإعلاميا؛ ولا نجد في هذا الميدان منازعا للرايس محمد الدمسيري (ألبنسير)، ولا متطاولا على سبقه وجُرأته وتفرّده. لقد كان غزير الإنتاج في هذا المجال، وكان جمهوره ينتظر جديده الشعري بلهف، وينتظر بالضبط الموضوع الذي سيطرقه وكأنه من كبريات الصحف والمنابر الإعلامية الناقدة؛ لذلك عانى الدمسيري من الاعتقال والمضايقات بسبب شعره الذي كرّسه للتنديد بالرشوة والمحسوبية، وغلاء المعيشة والاحتكار والمضاربات؛ واستنكر الظلم والاعتقال السياسي والشطط في استعمال السلطة، كما انتقد ابتزاز المواطن البسيط، وثار على إقصاء الثقافة واللغة والفنّ الأمازيغي من الحق في الإعلام العمومي مندّدا في المحافل والأفراح والمناسبات بسيادة ثقافة وفنّ ولغة واحدة؛ لا ينازعها في الحظوة غيرُها؛ متّخذا الكلمة وسيلته، وقول الحقّ شعاره مهما كان الثمن في وقت كان الناس يخشون أن يُساءلوا عن أحلامهم؛ يقول:

 

Vaylli iga ëbbi d lpaqq ad s ar ttiniv.

 

وتكبر المخاطر؛ في زمن تكالب فيه المنفّذون من منعدمي الضمائر والمتعودين على السلب والنهب دون رقابة أو حساب؛ هؤلاء يستغلون كلّ أزمة تمرّ بها البلاد لابتزاز المواطنين وظلمهم، يقول:

 

Ufan id wacc azmz acku lap akuëay,

Yan imyarn jjibb iãpan ad tn ttaærn,

Ad ukan yaf azmz lksut ad ra ak ikkis.

 

ولا يخفى أنّ الأزمات السياسية والاجتماعية التي عرفها المغرب في السبعينيات والثمانينيات أدّت إلى استياء شعبي عام من السياسات المتّبعة واضطرابات اجتماعية واجهتها الدولة بالعنف، ولم تسلم من تأثيرها أيّة جهة أو فئة من جهات البلاد وشرائحها وطبقاتها؛ ويبقى المواطن قاربا شاردا تجرفه السيول حيثما سارت، وتتلاعب به الأمواج العاتية التي يتحكّم في مدّها وجزرها المخزن ونخبته السياسية المُطيعة آنذاك، فلا تزيد معاناة الشعب إلّا تفاقما وتأزُّما، يقول:

 

Ikka d lpzn tamazirt ikka kullu sus,

Asif ingi ääuë ad ismun akæ lvllat,

Kullu kra d d mmaggarn illa v lxaïaë.

 

وكثيرا ما تحدّث الدمسيري بضمير المتكلّم (نحن= نْكّني)، وبصيغة الجمع عن المواطن/ الشعب، في إشارة إلى الذات الجماعية التي تصارع من أجل الحرية ولقمة العيش الكريمة. إنّ المواطن العادي غالبا ما كان ضحية سذاجته وأُميته، لذلك تعوزُه الوسائل والوعي الممنهج لمواجهة قوى القهر؛ والشاعر هو الذي امتلك أهم الوسائل، وهي “سلطة القول” التي بإمكانها الحديث بلسان الجماعة والبوح بآلامها وآمالها، بحاجياتها ومطالبها دون تمييز يخصّ لسانها أو لونها أو منطقة تواجدها؛ فالضمير جماعي والشعور مشترك والإنسان مطلق يجب الدفاع عنه وعن إنسانيته، يقول:

 

Nga tihray mddn gan fllatnv afus,

Tann iãpan zznzn tt lasn taäuï nns.

 

وهنا نرى أنّ الدمسيري لا يحطّ من قيمة الذات الجماعية حينما يصفها بالسذاجة:

 

App inu nga ccåna da ttvalav is npëc.

 

وبسهولة الانقياد:

Nga tihray.

وسهولة الاستغلال:

 

Nga zund lfanid…

Nga zund aduku…

App inu nga tamudit…

 

 

 

وغيرها من الأوصاف، ولكنّه إنّما يريد أن ينتقد رؤية المنفّذين والمستغلّين والجلّادين عن طريق بسطها وتشريحها؛ والواضح كذلك أنّ ما في هذا النوع من الشعر من التوعية والإيقاظ أهم وأقوى ممّا فيه من جلد الذات وتأنيبها. إنّ في وصف الذات بالصمت والسبات وسهولة الانقياد هو في الواقع دعوة إلى النقيض من أجل التغيير، دعوة إلى التفكير والوعي واليقظة والتمرّد، وعدم الانسياق وراء الخطاب السائد، يقول:

 

Nga ëëaäyu macc ëçant akæ tsura nnav,

Waxxa ukan ttxrbaqv ur nssipl yan.

 

فإذا تساوى صوت المواطن وصَمته، وكان حضوره كغيابه، تأكّد تهميش المسؤولين له وإهمالهم لما أنيط بهم من رعاية مصالحه؛ في مقابل انهماكهم في مصالحهم الذاتية؛ وهذه دعوة إلى إذكاء الوعي السياسي والاجتماعي، وإلى الكلام والنضال ومواجهة الاستغلال والتهميش والإقصاء، أي مواجهة ما يُراد له أن يكون مصيرا اجتماعيا حتميا للطبقات المقهورة. وتعد قصيدة “الدقيق” (agårn) التي تتجاوز أبياتها المائتين مثالا في شعر الشجب والاستنكار لوضع اجتماعي صعب؛ تسمُه الفوارق والغلاء والفقر وعلاقات الاستغلال. وهي القصيدة التي مورس التضييق بسببها على الدمسيري، وكانت متداولة بشكل سرّي لأنّ المنتج مُنع من توزيعها؛ يقول فيها:

 

Iga vad mad v ittuham yan، nv akæ allan,

Ur jju noaqql ssrbis ad yili f ugårn,

Ula tumçin ad igan xmsmiyat ryal,

Ula jju d maÏica ad d nsva s sttin ryal,

Xizzu d baïaïa d uxsay ufn tammnt,

Iga lmskin v tuççumï n ssuq lyatim,

Tanna s hlli nn iga ifassn lap asn tt,

Tpëëa lxnct n ugårn، ttuti ttaman nns.

 

كما تعتبر قصيدة “المسجد” (timzgida) أهمّ ما أنتجه الدمسيري في نقد الابتزاز الذي يمارس لدى البعض أحيانا على المواطن البسيط من طرف السلطة وأعوانها في القرى والبوادي التي تعاني أصلا من الفقر والتهميش والتأخّر في البنيات الأساسية، ناهيك عمّا تعانيه بين الفينة والأخرى من الآثار القاسية للجفاف؛ والقصيدة ألقيت أول مرّة في إحدى السهرات ولم تعرف طريقها إلى التسجيل، وقد استُنطق بسببها الدمـسيري ولا زالـت متداولة بين الناس إلى اليوم، بل إنّ من عشّاق الشاعر من يحفظها مثل غيرها من روائعه الكثيرة، يقول في جزء منها:

 

App a ääëbt n dduë ad avar ad nn akæ utnt,

Mddn pasbn talluzin tltalaf i yat,

Imma tarwa wanna d dar smmus icca mas,

Ur ifëp yan izznzan waxxa nit iⵙⵓⵇ,

Ur ifëp usbbab، ur ifëp ufllap,

Iga ssuq zud ëëuäa ur ar t ittiri yan,

Wanna txaⵚⵚⴰ lmäaët ixiããi t ugårn,

Ar ittikãuä iv d ugåan ad kfin imikk,

Ur ifulki vikad ur t akæ inni limam.

 

فاطمة تبعمرانت: صوت الإنسان الأمازيغي؛

شهد مغرب الاستقلال بدءا من ستينيات القرن الماضي انبثاق أولى للتنظيمات الأمازيغية المدافعة عن اللغة والثقافة الأمازيغيتين، وتوالى ميلاد الجمعيات الأمازيغية تباعا، وعرف الخطاب الأمازيغي طريقه إلى مختلف المجالات ومنها المجال الإبداعي. لقد كان ألبنسير سبّاقا إلى الانتباه لجدلية تهميش المناطق الأمازيغية بالهوية واللسان، وخلّد من خلال عشرات القصائد معاناة الإنسان الأمازيغي ومنها قوله:

willi v nrja lmziyt ur iyi salan,

var lpsabat d lbankat ad tn yiwin,

yuf as kilu n ibawn ntta taclpit.

وقال أيضا:

nga tablaät، mddn gan siti lucaëat,

a wanna d yusin aggun ioiyyn fllav,

isgåasn ayad nga loaql v ifrxan,

ad iyi k mln a baba mlin av innatnv,

iv ira kra ad div içi mlav asn ttarix,

a yissan ma s ur igi lmlk amr wainnav.

 

لتواصل فاطمة تبعمرانت مسيرة التعبير عن المطالب الأمازيغية كمجال من مجالات تطور القصيدة الأمازيغية تبعا لتطور المجتمع وقضاياه، تقول مستهجنة استمرار إطلاق البربرية على لسان ملايين المغاربة رغم أنّهم ارتضوا لأنفسهم اسم “أمازيغ”، وللغتهم اسم “الأمازيغية”:

 

Yan yallan ad dik allav acku timuäan inu d tinnk ayad mi nalla,

(…)

Uhuy ur rad ak nclp uhuy awalv nnv ur as ism lbaëbaëiya,

Ad nga d imazivn; willi d ifln I ttarix awal,

fln as d lmona.

 

لقد تماهت تبعمرانت، لم لا؟ وهي المتردّدة على الجمعيات الأمازيغية المتأثّرة بخطابها، بل إنّها تتلمذت على يد مناضليها، تماهت مع الخطاب الأمازيغي، وأسّست لقصيدة حديثة تستلهم من التنوعات الأمازيغية الأخرى وتوظّف معاجمها مؤمنة بوحدة اللغة والثقافة الأمازيغيتين، ووحدة الماضي والمصير الأمازيغيين؛ تقول ناعية معتوب الونّاس[23] شهيد الحركة الأمازيغية بالجزائر:

 

Ikks uçllay i tfilit villi v bbin var vaman,

Illuzza kullu lmëjan wala lluban a ifalan,

Aëjafllah ukan ikks unbdad i tllvatin,

Ifl d ulawn pznn، içëi var izzurra s waman,

Max awddi، max ma f ijëa vikad a yan ipnnan?

Iz d awal ifulkin ad igan loib i yan t innan?

Tamlla n ëbbi f walli ifln lozz mqqar tn lap.

 

كما جسّدت أيضا هذه الفنانة نموذجا فريدا في عالم الفنّ الغنائي الأمازيغي، وشكّلت طيلة مسارها الحافل نقلة نوعية في الخطاب الشعري الأمازيغي، ويحفل “الربيرتوار” الغنائي لفاطمة شاهو بالعديد من الروائع التي لا يمكن حصرها في مداخلة. واخترت من رصيدها الغنائي أغنية شكّلت ثورة وتمرّدا على عدد من المسلّمات، وأماطت اللثام عن مواضيع لم يكن أحد قبلها من الروايس يستطيع الاقتراب منها وعلى رأسها تاريخ شمال إفريقيا، والمعتقد وغيرها كثير…

 

الثورة على المعتقد؛

كان المرحوم الشاعر الكبير علي صدقي أزايكو سبّاقا لإثارة موضوع المعتقد شعرا، فإبليس عند أزايكو ثائر؛ وتعدّ “أروكي” قمّة الثورة على المفاهيم والمسلّمات عنده إذ يقول:

 

Ittut ufgan imuåas ur ar sul allan,

Iqqama d yan uruåi sul ukan immav,

Iga waç macc illa ginv immav nssngi t,

Gan as iblis ibalisn ad t iäin iffav,

Lliv inna: uhuy; ur iri ad ig ismg i wiyyaä,

Ibbaqqi، ig asafu krzn ulawn ddrnin.

 

وبينما يعتبر أزايكو إبليس جزءا منّا جميعا، ثائرا على المسلّمة الدينية؛ تعتبر تبعمرانت أنّ مفهوم إبليس وافد، ولم يكن له وجود بيننا، ثائرة هي الأخرى على المسلّم به بين عامة الناس، مذكّرة أنّ حالنا قبل محطّة تاريخية معيّنة كان يطبعه العيش الكريم؛ تقول:

 

lhna d lozz ad v noic، ur nusi tadallit,

iblis ur yadlli t akæ nssn ur illi darnv,

var willi d izzan akal nttni ka ad da d imun.

 

الثورة على الوضع؛

في القصيدة نفسها توقّفت تبعمرانت كثيرا عند حالنا اليوم، فخاطبت ضميرنا الجمعي موردة أنّه بعد أن عرف الوافدون قدرنا استغفلونا واستعبدونا؛ فصارت تردّد ما يلي:

 

imziln wida k ifln algamu lli d iwin,

var cuwwën agåinn imi nnk igadda ditun,

ar çëëan ida v illa yils nnun adrn as.

بل امتدّت يد المحو لكل موروثنا الجميل؛ ممّا جعلها تثور ضد ذلك قائلة:

ikkis ak idrnan ula almugåar ad ilin,

iv ka yanni ddrst v usays inna awn dl tnt.

 

والأدهى أنّ حال المرأة ساء؛ وهي تتحول إلى متاع يجب حجبه عن الناس؛ تقول معلنة رفضها لذلك:

 

id matun ad asnt akæ nqqn alln najji tnt,

ad d ur tettagåa nnqqët ad ndl tiwnziwin,

nmäl taçëçit lli s nssn akal n darun.

 

كشف حقيقة المبشّرين بالدين الجديد؛

تتوقّف تبعمرانت عند ما يصطلح عليه بالفتح، فتكشف حقيقة الفاتحين وكون كل أهدافهم تلخّصت في الأراضي الخصبة بينما السكان الأصليون وأصحاب الأرض الحقيقيون طردوا نحو الجبال؛ تقول:

 

yuzn yi d ëbbi ikfa anv akal n darun,

ajji luäa ad gis iliv acku nufa d aman,

ad flv i bab n wakal idrarn zud aruc.

 

وكي تتحقّق الأهداف مجتمعة، يوظّف الترغيب تارة والترهيب أخرى، فيتمّ إلهاء الناس بكل الأمور الجانبية عن قضاياهم الأساسية، وعندما تنكشف العملية يهجرون:

 

lgnawi sidi mimun ad piyyën lguman,

nlup nn aggu fln akæ iålifn taddarin.

 

 

الأمل بعد اليأس؛

 

رغم الألم، رغم الحقيقة، هناك أمل؛ تعبّر عنه تبعمرانت في تطلّعها لغد أفضل فتقول:

 

macc nkki rad nniv i tizzwit urri d imal,

ajji yi ka ad ur allav imma tgglgl tiï,

imma yat tmda n waman ad iga wul igllin.

ur kullu gigi munent; ur disnt ngarav,

apwac ini dis imun usmammi d tnggifin,

d upwac d tiddi d tilluna d wawal n darnv,

ad ira wul ad nnun is isul igllin.

شكّل الشعر لدى الأمازيغ مجالا خصبا للتعبير عمّا يعتري المجتمع من قضايا وتناقضات؛ وتماهت قصيـدة الـروايس مـع متغيّرات المجتمــع وأحــداثه فجسّـد ألبنسير النموذج الأبرز للشاعر اللصيق بقضايا الناس حيث خصّص لكل همّ من همومهم قصيدة؛ نذكر منها قصيدتي “أكّورن، تيمزكيدا” agårn  timzgida,، وغيرهما كثير… وجسّدت فاطمة تبعمرانت نموذجا آخر وانعكاسا لتجديد آخر لتسجّل ذلك الصوت النسائي الأكثر جرأة في عالم الروايس موقفة من عدد من الطابوهات؛ منها المعتقد والتاريخ وأوضاع سكان شمال إفريقيا الأصليين في قصيدتها “بابا يوبا”  bab yuba .

إنّ كلّ ما ذكر في هذا العرض المتواضع ما هو إلّا استمرار وتجدد عرفتهما قصيدة الروايس بسوس سواء على مستوى المضمون           أو الشكل([24])، والتي انطلقت في البداية بمنطق الريادة عند مدرسة الحاج بلعيد المشهورة في مجال الغناء والموسيقى بأوزانها الخفيفة التي تأثّر بها عموما فنّ أحواش، وخصوصا فنّ “تيرّويسا” بسوس، فلشعر الحاج بلعيد- كما يعلم ذلك متتبّعو قصائده الغنائية- خصائص فنّية تهيكلها بنى هيكلية، لغوية، تصويرية، وإيقاعية؛ فبالنسبة للبنية الهيكليةعنده تمّ التركيز فيها على الأشكال التي يأتي فيها الشعر الأمازيغي كالنتفة، والقطعة، والقصيدة القصيرة، والقصيدة المتوسطة، والقصيدة المطولة. ويلاحظ أنّ القصيدة لديه تخضع لتقسيم ثلاثي هو: “أستارا”([25]) الذي يعني التجول، ويرادفه لفظ “أسمورّي” الذي يعني أنّ الرايس يوقّـع عـلى آلتـه الموسيقـية قبـل أن يضبـط الــوزن الـذي سينظـم عـليه أغنـيـته، و”ؤرارن”([26]) التي تعني الغناء دون العزف الموسيقي المرافق له لحظة إبداعه، و”تامسّوست([27])” التي تعتبر المرحلة الأخيرة في الغناء، وتؤدّى بإيقاع سريع يتمّ بها الختم؛ لنستنتج بعد ذلك أنّ بناء القصيدة عنده يسير وفق بناء هندسي ثلاثي العناصر، وهي: المقدمة، والعرض، والخاتمة.

وتجدر الإشارة أيضا إلى أنّ أهم خاصية تجمع بين المدارس الغنائية المشار إليها في هذا العرض هي الاهتمام في مجال الإبداع بما يسمى: التذوّق الجمالي في مجال الغناء؛ فالرايس في سوس قديما أو حديثا اعتنى بهذه المسألة التي اقتنع بها، ولم تنشأ لديه من فراغ باعتبارها قوة اجتماعية كما أشار إلى ذلك الباحث علي الزهيم الجلوي في تقديمه لكتاب “تيرّويسا” الجزء الثاني .

ومن مظاهر التميّز في فنّ “تيرّويسا” بسوس ولوج المرأة لهذا العالم منذ القديم؛ حيث برزت في الساحة الفنّية أسماء نساء (فاطمة تكورّامت[28]؛ الرايسة مباركة التيزنيتية[29]؛ الرايسة صفية أولت تلوات[30]؛ الرايسة رقية الدمسيرية[31]؛ الرايسة فاطمة تبعمرانت[32]؛ الرايسة فاطمة تاشتوكت[33]…) ليبقى السؤال المطروح في هذا السياق هو لماذا العزوف، وهذا الاعتزال لدى البعض منهن في مجال الغناء؟

 

([1])- شفيق محمد، من أجل مغارب مغاربية بالأولوية، إصدارات مركز طارق بن زياد، طبعة 2000، ص 20.

([2])- نفسه.

([3])- شريف. عبد الله، الشعر الأمازيغي في الريف بين الشفاهية والكتابة، مجلة آفاق، عدد 72، نونبر 2006، ص 95.

([4])- أفقير. محمد، الأدب الأمازيغي من الشفاهة إلى التدوين، مجلة آفاق، العدد 72، نونبر 2006، ص 59.

([5])- نفسه.

([6])- من أجل مغارب مغاربية بالأولوية، ص 97.

([7])- ركوك علال، أدب المقاومة المغربية من خلال بعض المرجعيات، نشر المندوبية السامية لقدماء المقاومين، الطبعة الأولى 2000، ص. ص 229 – 233.

([8])- أمرير عمر، الشعر الأمازيغي المنسوب إلى سيدي حمو الطالب، مطبعة التيسير، 1987م، ص 3.

([9])- شفيق. محمد، لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين، دار الكلام، ط3، 2000، ص 58.

([10])- السوسي. محمد المختار، خلال جزولة، ج3، المطبعة المهدية- تطوان، ص 120،

([11])- نفسه.

([12])- يعرف بالعديد من الأسماء كسيدي حمو الطالب، بوسالم، سيدي حمو           باب ن أومارك…، أورد جونصون والمختار السوسي أنه عاش خلال القرنين 17و18.

[13] – يرجى الاطّلاع على أرشيف هذه الدراسات الكولونيالية حول الثقافة

الأمازيغية عموما بما فيها الأدب بالخزانة العامة الرباط، أو كذلك ما وجد عند بعض البيوتات العلمية المهتمة بهذا الجانب بمغربنا الحبيب.

([14])- الحسين المجاهد، مادة أمارك، معلمة المغرب، مطابع سلا، 1989م، منشورات الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر– 2/669.

([15])- الأهواني عبد العزيز، أمثال العوام في الأندلس، تح: د. محمد بن شريفة، القسم الثاني، طبعة فاس، س: 1971م، ص: 287.

([16])- منها على سبيل المثال لا الحصر؛ مدرسة تاشتوكت التي من روادها إبراهيم أشتوك وسعيد أشتوك وبيهتّي وجانطي…؛ مدرسة مزوضة، مدرسة تلوات، مدرسة الحاج محمد الدمسيرى ومدرسة الحاج محمد بن يحيى أو تزناخت وغيرها من المدارس الأخرى…

([17])- ولكاش محمد، “تيرّويسا”، نبش في التراث والذاكرة عند رواد وأعلام الموسيقى الأمازيغية، الجزء 2، طبع SOUSS IMPRESSION EDITION السنة 2013، ص: 9.

 

([18])- الرايس الحاج بلعيد، حياته وقصائد مختارة من شعره، محمد مستاوي، سلسلة أعلام الأدب المغربي الأمازيغي 2، مطبعة النجاح الجديدة، ط: 1/1996م،  – أمزال أحمد، “أمانار”، ديوان شعري 1968/- أمرير عمر، “الشعر المغربي الأمازيغي، مطابع دار الكتاب الدار البيضاء، 1395هـ- 1975م/- أمالو، من الفنون الشعبية المغربية”، مطابع دار الكتاب، الدار البيضاء، 1398هـ – 1978م.

([19])- هذا المقطع من الشعر المروي غير المسجّل، احتفظت لنا به ذاكرة المرحوم مزّي الحاج الحسين ئكيدر؛ وقد اختير له عنوان: “طّما” بمعنى الطمع.

([20])- قصيدة مشهورة تعرف لدى الجميع ب: “الضابيط”؛ وقد أشار إليها الأستاذ عمر أمرير في “الشعر الأمازيغي… (مرجع سابق).

([21])- مستاوي محمد، منتخبات من شعر المقاوم الرايس الحسين جانطي، منشورات تاوسنا، الطبعة الأولى 2015، ص: 5. /- أمرير عمر(1978م)، “أمالو” ص: 35. /- «شاعر يموت في صمت”، عنوان مقال بجريدة العلم، 2 فبراير 1976م.

 

([22])- منتخبات من شعر المقاوم الرايس الحسين جانطي (مرجع سابق) ص. ص: 17- 18.

[23] مغن وشاعر وجندي جزائري متمرد، مزداد بقرية في القبايل تدعى: ” تاوريرت ن موسي”؛ نشأ في بيت جدته مع أمه وكان أبوه بالمهجر بفرنسا يرسل لهم المعاش. كان في صغره طفلا مشاكسا؛ قتل بالرصاص في غضب أكتوبر 1988 حيث كان لابد من رصاص في مختلف ثنيات الجسد المعطوب يخرس ألسنة المتقولين ويعلمهم بعض من دروس الإقدام والحرص على الشرف. سيرته الذاتية غنية بتجارب حياتية قاسية لخّصها في كتابه المعنون ب: “المتمرد”. ينظرهذا المؤلف الذي ترجمه الأستاذ المقتدر عبد الله زارو. ومما سجّل في الصفحة 3 من هذا الكتاب قولة المناضل معطوب الوناس التالية: ” لو لم يكن القبائليون متفقون مع ما أدافع عنه والقيم التي أعبر عنها ما تعبؤوا تلك التعبئة المشهودة لمجرد سماعهم باختطافي. أخرجوني من الجحيم ومعركتنا واحدة”.

([24])- من مظاهره مثلا ما تمّ توظيفه على مستوى الإيقاع؛ حيث استعمل ما اصطلح عليه ب: “أعصري” و”أكناو”، أو مثلا استعمال (الطامطام) عند الرايس أحمد بيزماون في السبعينات، أو توظيف الدف عند الدمسيري وغير ذلك …

([25])- أبيدار محمد، القصيدة الأمازيغية السوسية دراسة نصية؛ رسالة دبلوم الدراسات العليا بجامعة القاضي عياض، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، شعبة اللغة العربية السلك الثالث، تخصص: أدب مغربي أندلسي، السنة 1419هـ- 1420هـ الموافق لـ: 1998م- 1999م، ص 136.

([26])- نفسه، ص 85.

([27])-  شفيق محمد، المعجم العربي الأمازيغي، الجزء الأول، أكاديمية المملكة المغربية الرباط، 1993م، ص. ص 308- 309.

[28] –  الفنانة الأمازيغية الرايسة فاطمة بلعيد المعروفة فنيا بالرايسة فاطمة تكورامت منحذرة من دوار “إبلولن” قبيلة إلبنسيرن إقليم شيشاوة بالأطلس الكبير؛ انتقلت إلى مراكش وتعرّفت على فن الروايس. اكتشفها الرايس محمد أعراب وكان بمثابة أستاذها، كما رافقت العديد من كبار الروايس أمثال: ” محمد أكرام وأحمد أمنتاك وسعيد أشتوك وصفية أولت تلوات وعمر واهروش”؛ سجّلت أروع أغنية لها تحت عنوان: “أسييح أتونزا” المشهورة بها بكازافيزيون الدار البيضاء. غنّت في العديد من المناسبات والمهرجانات داخل الوطن وخارجه؛ خاصة بفرنسا التي زارتها مرتين. اعتزلت الفن أواخر الستينات وتزوجت وكونت أسرتها وعاشت في مراكش ثم استقرت مؤخرا ببلدة “أمزميز” نواحي مراكش. وقد تمّ تكريمها مؤخرا سنة 2016 باستوديوهات راديو بلوس بمشاركة جمعية تاليلت والنقابة المغربية للمهن الموسيقية. محمد أرجدال باحث في سلك الدكتوراه تخصص الأمازيغية؛ فريق البحث في اللغة والثقافة الأمازيغية المنضوي تحت لواء مختبرL.L.C. I بجامعة ابن زهر كلية الآداب والعلوم الإنسانية أكادير. ولمزيد من التفاصيل حول فن ترايسين يمكن الاطلاع على بحث ماستر ناقشته الطالبة مباركة حنبلي 2016 تحت إشراف ذ. الحسين بويعقوبي بعنوان: “راقصات فن الروايس، دراسة سوسيوأنثروبولوجية لفنانات الهامش” وذلك بجامعة ابن زهر كلية الآداب والعلوم الإنسانية أكادير.

[29] – الرايسة مباركة التيزنيتية من الجيل الأول ومن أشهرترايسين بمدينة تيزنيت؛ وهي بنت عبد السلام الزمراني العسكري؛ اشتهرت بعزفها على آلة “لوطار” حيث أحيت مجموعة من الحفلات والأعراس وتمّ تسجيل بعض أغانيها بالإذاعة الوطنيةوقد عرفت بأغنيتها التي مدحت فيها الأميرة للّا عائشة بنت السلطان محمد الخامس مطلعها:

للّا عائشة أكم بدرغ إيني سولغ// إيغ مّوتغ رآكم بدرن إخسانينو

توفيت 2010 أو 2011 حسب تصريح محمد وخزان. وقد أشار إليها إشارة قليلة الأستاذ أحمد بومزكو إلى جانب ترايسين أخر فيما يخص الذاكرة الفنية في مؤلف جماعي حول تيزنيت تحت عنوان:”تيزنيت: الذاكرة الجماعية” ص: 200. وللتفاصيل حول فن ترايسين ينظر مقال للباحث أبي القاسم أفولاي الخطيرتحت عنوان: DES CHANTEUSES ETDES DANSEUSES AMAZIGHES: VECTEURES DE CULTURE EN MILIEU URBAIN. (AWAL, Cahiers d’études berbères, n°40-41,2009/2010, pp.9-22).

[30] – إسمها صفية بنت محمد أيت بن حدو، اقترن إسمها بمنطقة “تلوات” نواحي ورزازات التي ازدادت بها سنة 1946؛ ولجت عالم الغناء 1959 وعمرها 13 سنة آنذاك حيث كانت تشارك رفقة نساء يكبرنها سنا في ترديد أحواش، بينما الرجال يضربون على الدفوف والطبول. من أشهر أغانيها: “واسيّيح أتاونزا”؛ توفيت 2017 بمسقط رأسها. ينظر كتاب: “تيرّويسا” لمحمد والكاش، وكذا مقال حول مسار هذه المرحومة بهسبريس لميمون أم العيد من أكادير المنشور يوم السبت 13ماي 2017.

[31] – ولدت رقية شوال أو الدمسيرية كما تلقب سنة 1948م في دمسيرة القريبة من شيشاوة؛ عاشت طفولة صعبة لأنها فقدت أمها في سن الرابعة وتعرضت لسوء المعاملة من قبل زوجة والدها حيث أجبروها على الزواج مبكرا. فبعد فترة وجيزة هربت إلى مدينة الدار البيضاء قبل سن الرابعة عشر عاما. وقد عبّرت معظم أغانيها عن معاناتها كما أنها غنّت في مجالات متعددة دينية اجتماعية عاطفية وغيرها… ينظر: https: ar.wikipedia .org  هسيريس/فن وثقافة؛ الرابسة رقية الدمسيرية: بدايتي لم تكن سهلة ولم تفرش لي الورود. حاورتها: فاطمة الزهراء الزعيم الاثنين 18 يوليوز 2011.

[32] – ترجمتها واردة فيما سيأتي حينما سيتم الحديث عنها.

[33]– فاطمة الزهير المعروفة بفاطمة تاشتوكت؛ فنانة أمازيغية سوسي من تادّرت أيت عميرة إقليم شتوكة أيت باها؛ فازت متألقة بعدة جوائز في مجال فن الغناء نظرا لموهبتها الرائعة وصوتها الأمازيغي العذب الجذاب. حصلت على الجائزة الوطنية للثقافة الأمازيغية التي يمنحها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في مجال الغناء للروايس. أنتجت العديد من الألبومات والأشرطة الغنائية القديمة والجديدة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: “أيمي”؛”أيمي نو أحنا” و”أح أيان تميارت” ينظر:

فاطمة تاشتوكت؛ بطاقة تعريفية وأشهر أعمالها الفنية.       https//e-amazigh.blogspot.com

عن madarate

شاهد أيضاً

مظاهر الهجاء في شعر الرحل الأمازيغ بوادي نون – أحمد بلاج

مقدمة إنّ الشيء الذي يميّز كلّ شعب ما هو ثقافته وتراثه، هذه الثقافة تعتبر من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *