الرئيسية / أمازيغيات / ما يشبه البورتريه محمد واكرار سيرة شاعر مختلف -رشيد أوترحوت

ما يشبه البورتريه محمد واكرار سيرة شاعر مختلف -رشيد أوترحوت

لا يسع أي دارس للأدب وأي منشغل بأسئلة الشعر و القضايا الشائكة و المربكة اللصيقة بالمتخيل الشعري على وجه الخصوص إلا أن يستشعر فائضا من الخجل والكثير من الوجل أيضا وهو يضطر إلى اقتسام ذات المكان الافتراضي مع شاعر اعتبرته و ما أزال شاعرا كبيرا و مجددا في الشعرية الامازيغية المعاصرة، ليس فقط بالنظر إلى منجزه النصي، ولكن اعتبارا أيضا لاختياراته المجازية والذي أعتز، وبانتظام ، بصداقة نصوصه والارتطام اللذيذ والممتع بمهاويه الاستعارية الشامخة .
أذكر تلك السنوات جيدا .. ثمانينات قرن آفل ..
لقد كانت تجربة اللقاء ب( محمد واكرار) ، في مقاهينا السرية و مسالكنا المعتمة و خشبات مسرح هواة عويص ، تجربة استثنائية بكل المقاييس لأنها كانت مفارقة لأوهام المثقفين ونائية عن حلقات المريدين الذين يحولون استحقاق المعرفة وصداقة الشعر إلى بطاقة زيارة أو اصطفاء إخواني .
كان اللقاء ب(محمد واكرار ) ، الذي استهل مشروعه الشعري غير بعيد عن تلك السنوات المجيدة ،لقاءا تأسيسيا لأن الأمر كان يتصل في جوهره باختبارات القراءة المهولة و الاقتراب الجسور من النص الجديد واللغة الجديدة والمنهج الجديد وزواج ذلك القلق الفلسفي العميق و المخصب الذي يجعل الكتابة ، والكتابة باللسان الامازيغي حصرا ، استحالة مارقة أو ممكنا يرقد على غيوم المحال .ما أزال أذكر شذرته الأولى بذات المحبة العرفانية :
( أوسيغ أولك
حييلغ أبريد اخاتار
تلي تيقيقت
تكيز تافوكت أر يغاريون ) .
وهي الشذرة التي شرفني بسماعها في سنة من تلك السنوات في تلك ال(أمسرنات) الشرسة .
لقد شكل ذلك اللقاء، بحق، المدخل الأول لقراءة نصوص مختلفة والاحتكاك بحساسيات السلالة الشعرية الرجيمة التي تحتفي بلعنات الكتابة الجديدة بألسن متعددة ولغات مختلفة.ومند تلك اللحظة الملفوفة، الآن، في شغاف ذاكرة بعيدة كان ( محمد واكرار )مراهنا مجنونا على قصيدة منفلتة من عصاب هوية مغلقة وشغوفا بشعرية كونية متعددة الأعلام و اللغات والتجارب حيث لا تجد فارقا كبيرا بين (رامبو ) و( سيدي حمو أو طالب ) ولا بين ( بيسوا ) و( أبو بكر أنشاد ) ولا بين ( بودلير ) و( علي صدقي أزايكو )..
ورغم أن ( محمد واكرار) لا يريد بالمرة أن يصبح شيخا و لا يحتاج حتما إلى مريدين ، فإني تعلمت ، تلك السنوات ، أنا ضحية تنشئة تعريبية غاشمة ،أن لغتي الامازيغية التي خلتها حروفا عتيقة وطرسا متآكلا وجثة على قيد الحياة قادرة على أن تمنحنا أبهى ما في الخيال الشعري : لغة و استعارات ومجازات . ومع توالي نصوصه الفادحة و اختياراته التركيبية والبلاغية المذهلة تأكدت أن الكتابة بذخائر اللسان الامازيغي معضلة عصية و أن الانشغال بمضايقها الفاتنة إشكالية على قدر وافر من التعقيد و التركيب وأن الاشتغال على صناعة مجاز أمازيغي جديد ومجدد هو من صميم الانطولوجيا .و هو ما أشار إليه (أزايكو) في تقديمه الذكي لديوان ( تينيتين ) حين أكد أن الكتابة بالامازيغية ، في مغرب هنا و الآن ، ليس من قبيل اللعب الرومانسي المفرد و لا من شاكلة استعادة نوستالجية للغة الأم المكبوتة ولا من نوع نزوات ذاتية و اختيارات فردية لمبدعين منعزلين عن شرطهم التاريخي و سياقهم السياسي العام الذي يروم ، بتكنولوجيات مادية ورمزية متعددة ،إعدام هوية كاملة بلغاتها ورموزها و مجازاتها . ولكن الرهان على الكتابة بالامازيغية ، كتابة حديثة و جديدة مفارقة لشعريات الشفاهة البدوية ،هو رهان على جسارة أساسية و تنفيذ لمهمة إستراتيجية في مجال الدفاع عن الحق الثقافي و السياسي للأمازيغ
وبهذه المواصفات كاملة تشكلت لدي صورتي المتخيلة عن ( محمد واكرار ) ، وهي صورة غير بعيدة عن مجاز شعري آسر أبدعه ( علي صدقي أزايكو ) و استثمره شاعرنا (محمد واكرار) بالكثير من الألق و العنفوان الشعريين ، واعني به مجاز ( أهياض ) :
( يوف يان إيكان أهياض
أيطفير تيتبيرين
أينا غيلا اوحواش نسن كيس
يافوظ زيكان
يوف يان إيكان أهياض
أور ايتلغ أوسان
يوف يان إيكان أهياض
أدور إيمون ديفيس
يوف يان إيكان أهياض
أور ايتادج أوال
أن كيس ايسمغي تيكاس
ايمغورنت غولنس ) .
إن ( محمد واكرار ) (أهياض) حديث جدا ومديني جدا . انه الكاتب المشدود إلى الكتابة والكتابة وحدها والمبدع الوفي للتخيل الحرون والعمل العنيف والغامض.الكاتب الذي يطلق كل ما لا يقود نحو الكتابة . ولمثل هذا الاعتبار وغيره ، أغبط (واكرار) كثيرا على صداقته الوفية للرعونة اللازمة للكتابة الجديدة . لذلك أتصوره ينام بمفرده ، دونما حاجة لليل القطيع ، على أرائك السؤال الشعري المعضل .
واستنادا إلى هذا ( البورتريه ) المتخيل ، و بقراءة مختلفة لما كتبه قبل ( تينيتين /2004 ) و بعد (ايسمداي / 2016 ) يبدو أن شاعرنا يكتب قليلا وباقتصاد شديد قياسا إلى إمكاناته التخيلية وكفاءاته التركيبية و الأسلوبية الغنية و ذلك لأنه يعتبر الكتابة الشعرية بامازيغية باذخة و حديثة تجربة على درجات كبرى من الجسارة و الاستثناء معا . وبسبب ذلك أخاله يقرا كثيرا ويتفرغ ، بتؤدة لذيذة ،لورشة الكتابة المفتوحة على وعود الغيب ويترك القصيدة أشبه بأورغازم يأتي ولا يأتي .
ومن السهولة بمكان التأكد أن ( محمد واكرار) ، وعلى مدى أكثر من ثلاثة عقود من الورشة الشعرية الدءوبة و الحارقة ، كتب ثلاثين نصا بدءا ب 1984 إلى 2014 بمعدل نص شعري واحد في سنة كاملة من الكد الخيالي و قلق التركيب الجديد . وهي نصوص تتراوح بين الشذرة الشعرية ( قصيدة : تيمليلاي تتألف من 11 سطرا شعريا و قصيدة : امازيغ ونص : اكادير نصان شذريان قصيران لا يتجاوزان بضعة اسطر على صفحة واحدة أو أقل منها ) و النص الطويل ( قصيدة : تينو تتألف من 342سطرا شعريا)
ولأنه اقترح ديوانه الشعري الأول متأخرا ، بعض الشيء ، عما ألفه الرأي العام الأدبي بالمغرب ، فقد أكد لي ما يشبه الحدس النظري ألبدئي الذي كنت انظر ، استنادا إليه ،إلى الكتابة الشعرية العميقة خصوصا الكتابة باللسان الامازيغي الذي ما يزال يعاني صعوبات بنيوية و عوائق ثقافية تحول دون تحرر سهل من ثقل الذاكرة الشفوية واستبداد عوائد إنشائية و غنائية عتيقة .ولذلك يبدو الرهان على حداثة شعرية باللغة الامازيغية رهان فائق الصعوبة على تجديد اللغة الشعرية وصناعة نحو مجازي جديد.
وبالرغم من أن عديد ( الشعراء) في المغرب المعاصر يتكاثرون كأعقاب السجائر ويكتبون في دقيقة وينشرون في اليوم و يطبعون الديوان في شهر وفي السنة يكونون ضيوفا على ( التلفزيون ) ، فإن
( محمد واكرار ) من جبلة أخرى وحساسية شعرية برهانات مختلفة تماما ، لا من حيث انجازه الشعري أو وعيه النظري . انه حريص على عزلته و منصرف إلى إقامته السرية حيث الكتابة ب(صمت مهيب) دون زعيق إعلامي ولا افتعال رومانسي لوجود رسمي ولا مؤسساتي .

احالات
– مقدمة من دراسة مستفيضة حول التجربة الشعرية لمحمد واكرار بعنوان ( من الشفاهة إلى الكتابة أو من ( أسايس) إلى ( المدينة ) : مداخل في حداثة الشعرية الامازيغية المعاصرة – (محمد واكرار) نموذجا
ضمن مؤلفي ( مسالك العلامات : مقاربات في الشعر والفنون والتاريخ السياسي للامازيغ) – منشورات منظمة تاماينوت- 2021
– للشاعر ( محمد واكرار) أربعة دواوين شعرية :
– تينيتين ( الوحم ) /2004 – منشورات المعهد الملكي للثقافة الامازيغية – الرباط .
-تينو ( لي ) /2010 – منشورات جمعية مسرح الغد – اكادير
-افنوزنس نكر نيمان د تانكا ( الخلية بين الروح و المادة) – 2013 – منشورات جمعية مسرح الغد – اكادير
-ايسمداي ( مذاقات ) /2016- منشورات بيت الشعر – الرباط
– من قصيدته : أبريد اختار ( الطريق الكبير) أو ( الواسع)
من ديوان : تينينيت – 2004
ترجمة شعرية شخصية : (حملت ذخيرتي الثقيلة / وسلكت الطريق الكبير /كانت الظهيرة قائضة
وكانت الشمس تجلس على الكتفين ) . /
– حي شعبي من أحياء اكادير حيث ولد الشاعر وكبر وتعلم أبجديات الحياة و الشعر معا .
– الملفت في تجربة ( محمد واكرار ) هو هذه العزلة الشعرية الاستثنائية التي يرعاها بالكثير من المحبة و التعب . فنصوصه لا تجد لها ما يكفي من حفاوة الاستقبال لدي ذويه من متكلمي اللسان الامازيغي ، بل ربما إن علاقة تجربته الشعرية بالشعرية الامازيغية عموما هي تجربة موسومة بالاغتراب و النأي. ولذلك نعتقد أن نشر ديوانه الأخير ضمن منشورات دار نشر محترمة بالمغرب معروفة باهتمامها البالغ بالشعر المكتوب باللغة العربية من قبيل (بيت الشعر) اعتراف أدبي و جمالي بشاعر امازيغي لم يجد ذات الاهتمام من مؤسسات توهمنا باحتضان الكتابة باللغة الامازيغية . و هذا الاغتراب أخاله امرأ بنيويا مرتبطا بطبيعة الخيال الشعري و طرائق صناعة المجاز الامازيغي الجديد و ليس حالة انفعالية و لا توجسا عاطفيا مرتبطا برغبة ذاتية أو تسولا لاعتراف خارج عن جدارة المتخيل واستحقاق النص .
– ( أهياض) لفظة امازيعية تدل على الآبق و التائه و كثير الترحال و الانتقال (Un troubadour ) .
– ازايكو ، علي صدقي : ديوان ايزمولن – 1988 .
– لهذا لم استغرب كثيرا حينما اخبرني ( واكرار ) قبل سنوات عديدة عن استقالته من مهنته كمحاسب و رغبته في التفرغ الكامل للشعر .
– دون اخذ الديوان الأخير ( ايسمداي /2016) بعين الاعتبار .
– كتب نصه الأول سنة ( 1984 ) بعنوان : امازيع بينما صدر ديوانه الأول سنة (2004) .

كاتب وباحث من المغرب

عن madarate

شاهد أيضاً

مظاهر الهجاء في شعر الرحل الأمازيغ بوادي نون – أحمد بلاج

مقدمة إنّ الشيء الذي يميّز كلّ شعب ما هو ثقافته وتراثه، هذه الثقافة تعتبر من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *