الرئيسية / أمازيغيات / محمد أبزيكا المثقف العضوي أو صراع الأنساق، بين الحداثيين والتقليديين – محمد بقوح

محمد أبزيكا المثقف العضوي أو صراع الأنساق، بين الحداثيين والتقليديين – محمد بقوح

 

1 – مع (محمد أبزيكا).. كعلامة بارزة عقلانية حرّة، وليست طبيعية، للنسق الحداثي المتحوّل.

 

أن تكون مع (محمد أبزيكا) يعني أن تتخذ موقفا، أي، أن تحمل همّ الفكر النقدي، الذي نعته نيتشه في إحدى كتاباته، ب ” فلسفة المطرقة “، وهو حتما فكر الهدم والبناء، تحقيقا للوثبة المتغيرة المرادة في المدينة أو المجتمع. و في نهاية المطاف، هو فكر نتاج عمل العقل التفكيكي التأسيسي، الذي يزعج البعض بقوة جدليته القصوى، و لكونه أيضا يعتمد الحوار الفكري الحر، كأداة أساسية وحيدة، و لا شيء غير الحوار البناء، لتأكيد نوع فعّال من الحياة الفردية و الجماعية، و الدفاع المستميت إلى حد المقاومة أحيانا، على نمط معين من الوجود الإيجابي، للناس البسطاء، ممن ينعتون في الغالب بالسذاجة، لكن هم الأقوياء في عمقهم غير المرئي، إن تصالحوا مع ذواتهم، و استثمروا ما أمكن قدراتهم في داخلهم، تجاه العلم و المعرفة و الابداع، لصالح الوطن و الانسان، و منهم التلاميذ و الطلبة و النساء، و المثقفين و العمال و الفلاحين .. إلخ، الذين كانوا ولا يزالون يعدون عن حق التربة الخصبة، لتكوين واقع المستقبل القوي، في أي مجتمع كيفما كان نوعه.

 

إذن، كل هذا يعني أن تكون، بالتعبير العكسي، ضد من هم يتبنون التفكير الثقافي الدائري، والفكر المسطح بتعبير دولوز، الذي هو وظيفة عمل النسق التقليدي الثابت، المهووس بفكر الهيمنة، باعتبار أن الحركة والخطوط، خاصة منها الصاعدة، هي التي تضمن اليوم تطور الحياة المرغوب فيها، بل تضمن البقاء الحقيقي للوجود الفعلي في الوجود. وما ينطبق على الأفراد، يمكن أن ينطبق على الجماعات والمدن والدول أيضا.

هكذا، ربما نفهم لماذا كان الأستاذ الجليل (محمد أبزيكا)، بالرغم من طابع الحركة الدائمة حركة الموج، التي لازمت تفكيره المتحرّر، في حياته الفكرية والنضالية والمهنية التربوية، ضحية الفكر الثابت المقرور، والعقل الانفعالي المتشدد، الأمر الذي جعله، كمفكر مبدع نوعي، ومثقف ثوري متنوّر، في صراع مستمر مع القوى الظلامية، واستبداد السلطوية المخزنية، في العهد المغربي السابق.

هكذا يؤسسُ النسق الفكري التنويري، وليس الثقافي، المدعم بالمرجعية الحداثية التاريخية الحية، من خلال قواه التقدمية اليسارية، الفاعلة في الحقل المجتمعي، لمدينة أيت ملول وأكادير الكبرى، اختياره الأنجع، في القضية المتصارع حولها، والصراع هنا

مسألة صحية، بشرط أن يُلتزم بأصول الفكر، ولا شيء غير الفكر، حقيقة مفادها أن المثقف المغربي التقدمي العصامي المتميز، والفاعل الجمعوي الأمازيغي العضوي النشيط، وفق المنظور الجرامشي لمعنى الثقافة: الأستاذ (محمد أبزيكا)، هو رجل الساعة للمكان المناسب.. الرجل الذي يستحق، عن جدارة، نيل شرف إطلاق تسميته الكريمة، على بناية (المركب الثقافي) الجديد، الذي عرفه فضاء مدينة أيت ملول، في الآونة الأخيرة، تشريفا لهذا الرجل، المناضل ورجل التعليم، وتكريما للخدمات الثقافية والتربوية والابداعية، التي قدمها لصالح مدينته الكبرى: أكادير، بل

لصالح بلده المغرب ككل، باعتبار فكره الحداثي المتميز، ونضاله السياسي الطموح، في إطار صفوف حزب مغربي تقدمي عتيد، هو عمل لا يمكن فصله، عن العمل الكلي للثقافة الحداثية، والمتغيرات الاجتماعية والديمقراطية المتقدمة، التي كانت في طور التشكل والتكون، في نهاية الثمانينات حتى نهاية التسعينات بالمغرب الحديث.

لقد كان (محمد أبزيكا)، كمناضل سياسي وكمثقف تقدمي وديمقراطي، وكجمعوي فعّال ونشيط، منخرطا بكل المقاييس، وبشكل تام، لا يمكن أن يرفض، إلا من قبل متعنّت أو جاهل

للتاريخ، في حركية التحول الحضاري والتاريخي التدريجي، الذي يعيشه المجتمع المغربي في حينه.. رغم ما لقيه الرجل آنذاك في حياته العملية والاجتماعية، من إكراهات وتشويش وتهميش لا حد له، بسبب وضوح رؤاه، وجرأة مواقفه ونشاطه الثقافي والسياسي المستميت.

 

2 – ضد (محمد أبزيكا).. كإفراز طبيعي، وليس عقلاني، لنسق تقليدي ثابت

والآن، في المقابل، نطرح التساؤل التالي:

ما هي الآليات أو الحجج، التي يستند إليها طرح النسق التفكير التقليدي المحافظ، الذي رفض، وانتقد بشدة أطروحة تسمية ” المركب الثقافي ” لمدينة أيت ملول، ب اسم المثقف: (محمد أبزيكا)؟

حسب علمنا، فأطروحة النسق التقليدي، الرافضة لاختيار أطروحة النسق الأول، اعتمدت على توجيه أيديولوجي واضح، أملته عليه مرجعيته الفكرية المحافظة الدينية والاسلامية، باعتبار قواها الفاعلين ثقافيا وجمعويا، ينتمون إلى الحزب الاسلامي. غير أن ميزان القوى، في سياق هذا الصراع الاعتباطي، الدائر بين النسقين المتناقضين، يميل إلى ترجيح كفة الفاعلين التقدميين والديمقراطيين، المدعمين بجماهير المدينة، وبكل الفاعلين والقوى الحيّة في المدينة، لأن القوى المحافظة المضادة، واضح أنها اعترضت على تسمية (محمد أبزيكا)، فقط لأسباب جزئية واستثنائية، ولا يعد بالجزء هنا ولا بالاستثناء، وبالتالي، فلا تخص تلك الأسباب الشخصية، سوى (محمد أبزيكا) نفسه، كشخص مسؤول.. في حياته طبعا، وليس كفاعل فكري حرّ، وكإنسان ديمقراطي يفكر، كان له تأثير واضح في صناعة الرأي، وانتفعت مدينته وأبناؤها بتضحياته التربوية والثقافية والسياسية والابداعية، وأيضا كان بمثابة علامة فكرية مُنتجة، أعطت لمحيطها المجتمعي الصغير والكبير الشيء الكثير.

 

3 – وأخيرا، لا يسعنا سوى أن نساند حركة الشباب الحداثية والديمقراطية، ليس في مدينتنا بآيت ملول المغربية، بل في كل بقع العالم، لأنها الحقيقة المعترفة بالإنسان، كقوة حقيقية مختلفة ومتغيرة، ليست متطابقة.، وبالتاريخ، كوقائع تتحول وتتغير، في سيرورة دائمة.، وبالحوار، كأداة بشرية للتدبير الجيد لكل أنواع الاختلافات والنزاعات الممكنة، تحقيقا لثقافة قوة السلم والسلام.

فهي إذن – نقصد الحركية الحداثية الديموقراطية، صانعة للمستقبل المغربي، بل البشري ككل، بعيد عن فعل الاقصاء والتعصّب والحروب.

نستحضر هنا والآن تصريحا للمفكر السوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو، في إحدى حواراته الفكرية، اعتبر فيه الفيلسوف فوكو مثقفا متكاملا فعليا، لأنه كان يمارس الثقافة، بالمعنى المزدوج: النظري والأكاديمي، ارتباطا بالدور الواقعي العملي النضالي السياسي والفكري. في حين، اعتبر الفيلسوف الوجودي سارتر، ” مثقفا ساذجا وبليدا “، لأنه غلّب الجانب الأيديولوجي النظري، على المستوى العملي النضالي.

وبهذا المعنى، أ لا يستحق، بعد هذا كله، سّي (محمد أبزيكا)، كمثقف عضوي، ورجل تعليم عصامي، ثم كأستاذ جامعي، يؤطر الطلبة تعليميا وتربويا، ومبدعا.. يكتب، ويقرأ أشعاره، وشعر محمود درويش، ومعين بسيسو.. في دور الشباب بمدينته (الحي الحسني أكادير)، ومناضل سياسي منضبط، يخدم الأجندة السياسية التقدمية لحزبه (الاتحاد الاشتراكي)، وفاعل جمعوي وحقوقي نشيط (جمعية الشعلة)، في الميدان الاجتماعي والثقافي.. أن تكرمه مدينتُه راهنا، بأن يطلق اسمه على إحدى بناياتها الثقافية الوليدة، إن كتب لها البقاء؟؟

إن هذا الرجل، بهذه المواصفات الإنسانية، والمهام الفكرية الطموحة، والملامح الإبداعية الغزيرة، التي يمكننا اختزالها حقيقة بكونه كان (رجلا موهوبا وطاقة لا تنضب).. رجل مثقف من العيار الثقيل، في نظرنا على الأقل، يستحق، أن يصنع له تمثال من أغلى المعادن، في مدينته..

بل نتوقع لو أمضى هذا الرجل حياته تلك، في بلد آخر، أو لو حظي بحياة أخرى، في مجتمع يعترف بالإنسان الفاعل والمنتج، غير المجتمع الذي أنجبه، في حياته الأولى.. لكان مصير تكريمه وتخليده الرمزي مختلفا، وغير هذا المصير الذي نراه ونعيشه اليوم في مدينته، وهو مغيب قسريا عنها ذلك الغياب الأبدي.!!

إن الرجل بحق، يستحق أكثر بكثير من أن توضع تسميته (محمد أبزيكا)، على صفحة خشبية، تعلق في مدخل بوابة بناية اسمنتية … تدعى المركب الثقافي؟؟

كاتب المغرب

عن madarate

شاهد أيضاً

مظاهر الهجاء في شعر الرحل الأمازيغ بوادي نون – أحمد بلاج

مقدمة إنّ الشيء الذي يميّز كلّ شعب ما هو ثقافته وتراثه، هذه الثقافة تعتبر من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *