أكد ألان روب غرييه على أن الوصف لم يعد رسما للأشكال و الموجودات فقط،بل آلية لها دلالتها وأثرها على المتلقي.لأن أهمية تلك الصفحات الوصفية،لا تكمن في الأشياء الموصوفة فحسب،بل في حركية الوصف وديناميته.لهذا،ركز فيليب هامون في أغلب أعماله على نظرية الوصف.مما مكنه من تحويل الوصف من جزئية موازية للسرد،إلى تقنية بنائية.تندرج ضمن مختلف عناصر النص السردي.لتشمل مجمل المحيط الثقافي للعملية التوصيفية. استقطب الوصف من خلالها،قدرات الكاتب و القارئ وأحوالهما النفسية.بهذا التصور،سنتناول مستويات الوصف ووظائفه في المجموعة القصصية ”أمنية واحدة لا غير”للقاصة سلوى أيت علي الصادرة في طبعتها الأولى عن منشورات دار واو للنشر والتويع،بمصر،2021،في 88صفحة..
مستويات الوصف في مجموعة”أمنية واحدة لا غير” شكل الوصف في المجموعة القصصية”أمنية واحدة لاغير”للقاصة سلوى أيت علي،حيزا بارزا،على الرغم من كونه يتفاوت من حیث الاتساع أو الامتداد النصي.حيث ارتبط الوصف في هذا النص السردي بحيوات الشخصيات،العلاقات القائمة بينهم،ومع مختلف الفضاءات السردية.إن التركيز على الشخصية.مما يوحي بأن السارد يخبرنا منذ البداية أن السرد سيرتبط في مجمله بهذا الشخصيات.وذلك من خلال حياتها الخاصة والعامة وعلاقاتها مع بعضها.لكن مع تطور المسار السردي،يكتشف القارئ أن صيغ الوصف في هذه النصوص السردية،تتوزع على المستوى التركيبي بین الكلمة الواحدة والمركب النحوي،والمقطع الوصفي المكتمل.يبرز تقديم السارد لهذه الشخصيات على طول المسار السردي للنص الروائي. أما التفاوت على مستوى البنیة الخطیة للنص السردي، فعادة ما یكون متناسبا مع إیقاعیة حدث الحكایة المهيمن.یركز الوصف على لحظات استرخاء وسكون الشخصيات،بینما نجده یتمازج حد التداخل الشدید مع السرد في لحظات الاضطراب والصراع الناتج عن الفعل ورد الفعل بين الشخصيات.جعل هذا الإيقاع السردي العملية الوصفية في مجموعة”أمنية واحدة لا غير”،ممزوجة بوصف مفصل للظروف الاجتماعیة والاقتصادیة الخاصة بشخصيات النصوص القصصية.مما جعل الوصف في هذه النصوص السردية،موزعا بين مستويات عدة:الوصف بالقول،والوصف بالفعل،والوصف بالرؤية.ذلك أن لكل نوع من هذه الأنواع،خصوصیات تمیزه بالنظر إلى مسوغات الوصف أولا و مقوماته،وطبیعة العناصر المساهمة في بنائه ثانيا.
1.الوصف عن طریق القول
تجلى هذا الوصف في العديد من مقاطع النص السردي.تقوم هذه المقاطع في مجملها على وصف معنوي،مجسد في تعداد الدوافع النفسیة.كما یدل على التفصیل الحياتي للشخصيات.تجلى ذلك في مجموعة”أمنية واحدة لا غير”على سبيل المثال في النصوص التالية:الحلم الأحمر(ص:12)،صحوة متأخرة(ص:36)،هذيان قاتل(ص:52)،…الخ.عملت هذه النصوص الوصفية على توسيع دائرته الدلالة.يقول السارد في نص الحلم الأحمر،ص:12:( اتجهت نحو المطبخ وهي مشوشة البال،مفزوعة الأفكار،تستوطن عقلها الكلمات التي اجتاحت مسمعها،تحاول تجميع ما نطقه زوجها).جاءت الملفوظات السردية في هذا المقطع السردي مؤطرة بملفوظات سردیة موجزة وفق صیغة تناوبیة(وصف،سرد).على الرغم من أن هذه الهیمنة الوصفیة تجسد السرد من خلال ورود الأفعال التالية(اتجهت،اجتاحت،تجميع…الخ)،فإنها وسمت هذه الأفعال بطابع حركي.جعلها أكثر انخراطا في تطوير المسار السردي للنص القصصي بشكل عام.لذلك لا يشكل الوصف ظرفا طارئا ولا عائقا لحركة السرد.مما یمكن من تحديد الفرق الأساسي بین سرد الأفعال ووصفها.فقد جاء السرد في المجموعة القصصية”أمنية واحدة لا غير”،عكس وصف الأفعال الذي أخذ فيه الترتيب سمة نظام الوصف السردي الثابت.إلا في حالة قصد السارد/ القاصة الضمنية منه تقويض صفة من الصفات المرتبطة بشخصية من شخصيات النص السردي القصصي.
2.الوصف عن طريق الفعل
يؤشر الوصف الهوميري(نسبة لهوميروس)على الحركة والنظام.تجلى ذلك في نص”أأمنية واحدة لا غير”من خلال سلسلة من الأفعال المتعاقبة التي تتطلبها العملية السردية.لعل هذا ما جعل فيليب هامون يؤكد على أنه النموذج الوحيد المقبول للوصف.يتخذ هذا النوع من الوصف شكل أفعال،أو برنامج أفعال قابل للتعيين.تزخر مجموعة’أمنية واحدة لا غير”بعدد غير قليل من هذا النوع من الوصف.يبرز هذا الأخير بشكل جلي من خلال العديد من الصفحات.نذكر من بينها:ص37،ص45،…الخ.يقول السارد في نص”علبة المناديل”ص:45( الجو صحو اليوم،يسمح بأخذ فسحة للترويح عن النفس وإخراجها من مأساتها.ارتديت قميصي الأبيض الشفاف المفضل بين كل ملابسي،رششت عليه من عطري القديم،الذي لم أغيره عنوة، كأني أحكم على نفسي بالهلاك التدريجي).حيث يصف السارد حركات الشخصیة.وذلك من خلال أفعال نحوية في تتابع تفصل مراحل إنجاز العملية السردي (ارتديت،رششت،أحكم…الخ).إلا أن هذا النوع من الوصف،لیس حكرا على حركة شخصيات النص السردي وأفعالهم،بل یشمل أشكالا متعددة.ترتبط أحيانا بالمناظر الخارجية ومختلف الفضاءات.
3.الوصف عن طریق الرؤية
الوصف عن طریق الرؤیة عبارة عن وصف مرتبط بإحدى الحواس الخمس.توكل فيه الرؤیة إلى شخصیة مشاركة في أحداث النص السردي.حيث يتم الانتقال من السرد إلى الوصف بنوع من الإيهام بواقعية الموصوف.یتحول من خلاله نسق الأشیاء و الأجزاء و الصفات التي تشكل العنصر المتعین وصفه إلى مشهد أو منظر أو لوحة أو فرجة.لكن،یشترط في الشخصیة الناظرة الكفاءة أو القدرة على النظر بمعنى الخلو من العیوب في الرؤیة(العین).وهنا یمكن تبریر دقة الجزئیة في المشهد الطبیعي بالإشارة إلى النظر الثاقب للشخصیة و مضاعفتها لرؤیتها بأدوات بصریة(النظارات،المنظار).أو بأن تكون موجودة في مكان مناسب.تزخر كذلك مجموعة”أمنية واحدة لاغير”بالعديد من المقاطع الوصفية المبنية عن طريق الرؤية.خاصة نص”أمنية واحدة لا غير”(الصفحة :33).يتضح من خلال فاتحة هذا النص القصصي،سهولة التعرف على حدود الوصف.وذلك من خلال فعل الرؤية.بمعنى أن الوصف يتحقق من خلال الرؤية المفوض بها إلى شخصية مشاركة قي أحداث النص السردي.كما قد ترتبط بالسارد باعتباره الشخصية التي تقوم بالوصف المبأر على حد تعبير جيرار جينيت.يقول السارد:(حركت عيني يمنة وشمالا،رغبة مني في تثبيت الفرح في قلبي الراقص داخل صدري من شدة ابتهاجي)
وظائف الوصف في مجموعة ”أمنية واحدة لا غير”
یساهم الوصف في بناء دلالة النص من قبل المتلقي.فإذا ما ركز السارد/الكاتب و أوقف المتلقي عند إحدى هذه العناصر،فإن ذلك يقود إلى التساؤل عن وظیفة(وظائف)هذا العنصر.لكن على الرغم تباين الدراسات واختلافها،فإن هناك شبه إجماع على أهمية الوظائف التالية:
1.الوظیفة السردیة
یلجأ السارد من خلال هذه الوظیفة إلى توقیف مسار السرد و تعطیل حركته لیصف شخصا أو مكان أو مكونا من مكونات النص السردي.لا تعد هذه الوقفة عنصرا زائدا،بل لها وظيفة سردية.یضئ من خلالها السارد أحداث النص.ذلك أن المقطع الوصفي أو اللوحة،تمتع بنوع من باستقلال نسبي مؤكد في الجمالیة الأسلوبية.أما التصور الكلاسيكي،فاعتبره معزولا بواسطة بیاضات.تمكنه من الناحیة التكوینیة،أن یكون قد صیغ قبل أو بعد المتتالیات السردیة التي یندرج فی بنيته العامة.لذلك،یقتضي أن یكون المقطع الوصفي في خدمة السرد.ولا یمكن أن یكون النص السردي خاليا منه.يقول السارد ف يالنص القصصي”يتيم الوطنين”ص:17( على مشارف غابة موحشة،قضينا ليلة كاملة،نعد الثواني لانقضائها ومعانقة الحلم.كنا عل أهبة الاستعداد لتلقي أية إشارة من المشرف على عملية الموت و الحياة.أضحى في كل لحظة كأنه إله يمنح النجاة لمن يريد،ويرمي برغبته من يريد في عداد المفقودين).
2.الوظیفة الإشارية
يربط الوصف من خلال هذه العلاقة بين الجانب التخييلي في العملية السردية والجانب الواقعي/المرجعي.ذلك أن أغلب شخصيات مجموعة”أمنية واحدة لا غير” وأحداثها،تؤشر على معطيات اجتماعية وأسرية. 3.الوظیفة الرمزیة
قد یكون الوصف قابلا لقراءات عدة،وحاملا لمعان قریبة ظاهرة و أخرى بعیدة مضمرة.لأن كل قراءة تطلعنا على سیاقات النص التي قد تعكس بالضرورة وعیا بالواقع المعیش.أو تحیل إلى واقع معین من صنع السارد/الكاتب أو رؤيته للأشياء.منح الوصف دورا توحیدیا.یبرز في مستوى البعد المرجعي للشيء الموصوف وأما الدور الثاني التجزیئي،فیتعلق بالمستوى اللفظي أو الكتابي.