الرئيسية / اهتزازات / البيضاء باب مفتوح على الإبداع (الجزء الثالث) الحسن الكامح

البيضاء باب مفتوح على الإبداع (الجزء الثالث) الحسن الكامح

لماذا الشعر…؟؟

في البيضاء كان يحلو لي التجوال بدراجتي الهوائية، أو على أقدامي، أحاول قراءة هذه المدينة التي جئتها خائفا مما يحكى عنها: غول يأكل الغريب. لكني في البيضاء اكتشفت، أن هذه المدينة تفتح ذراعيها لكل وافد وكل عابر وزائر، مدينة لا حدود لها وأنت تخترق شوارعها على قدميك أو في الحافلة ذات المركبتين، في البيضاء اتضح لي جليا أن معالمها كثيرة وضخمة، وأنه من الصعب الكتابة عنها، لأنك لا تستطيع الإلمام بها بنص شعري واحد، وكانت النصوص متفرقة هنا وهناك، في مقهى فرنسا التي كنت أجلس فيها من حين إلى حين لكي ألتقي بابن الخال، أو لأبتعد عن الدراسة وكنفها، وأصدقاء الدراسة. أو على الشط بعين الذياب، فكنت أخط نصوصا متفرقة:

(أي نص أيها البيضاء يكتبكِ

وأنت شامخة في العلى

متسعة من المحيط إلى البعادِ

أي نص يليق بكِ

وأنت متفردةٌ لا شبيه لكِ

تحتلينَ فضاء هذه البلادِ؟؟؟

سأترك الحبر ليكتبك

كالماء المتلألئ في البحر

الذي يحيط بخاصرة البعادِ

أنت لا استعارة توحد أطرافكِ

ولا عبارة ترتقي بك في الأبعادِ)

كانت النصوص آنية، تأتي في لحظة حين أسترخي على كرسي وفنجان قهوة أمامي ( فمنذ شبابي وأنا أعشق القهوة في الفناجين لا في الكؤوس، لذلك كل النصوص التي كتبت عن القهوة، دائما مرتبطة بالفنجان، وأعشق تغيير الفناجين، لا أداوم على فنجان واحد، هكذا كان عشقي للقهوة وما زال) أحاول أن ألم بالمدينة من خلال نص شامل، لكني لم أتوفق أبدا، لأن البيضاء كما قال لي صديق: (البيضاء جمع في مفرد، تختزن مدنا في مدن). لذلك كانت النصوص لا تستطيع اختزال المدينة بكاملها:

(من أين يبدأ سربُ الكلامِ

وأين ينتهي…

أفي الصبحِ حيث تشرق البيضاء فاتنةً

أم حين تسود سطوة الظلامِ؟

أجوب أطرافها

أتيه في شوارعها

لكن رحلتي لا تنتهي

نسر تائه بين الغمامِ

قالتْ لي وأنا في بداية الكلامِ

لا تتوقف بين استعاراتي

وأنت شاعر لم ينتهي منه لغزُ الكلامِ)

كلما قلتُ اكتشفتها أجدني في بداية الرحلة فاقد بوصلة الأمانِ، أغوص في معالمها من جديد، تدهشني مفاتنها في النهار والناس في صراع مع الوقت، لا يبالون بما يحيط بهم نعم الجمالِ، تستهويني من جديد في كل رحلةٍ، والناس أضاعوا وقتهم في البحث عن لقمة أفضل، ومكانة أرقى، والبيضاء تستقبل كل عاشق جاء لتقديم البيعة لها، كأنها سلطانة لا ترفض أي زائر أو عابر أو شاعر مثلي، يبحث عن نكه الجمالِ، وحقيقتها التاريخية بين التراث وفي الكتب التي أنتقيها من المكتبات بالحبوس.

(للحبوس أن تكتب

في أريحية قصيدة الجمالِ

ومن حقها أن تحتفي في كل ثانية

بالتاريخ الذي سواها

أيقونة فتنة للعينِ والخيالِ

قلتُ: سأستريح هنا

أشرب قهوة في فنجانٍ

ولا أعير اهتماما بالوقت يمضي

يحدثني عن آيات الكمالِ

وللحبوس أن تقرأني كما تشتهي

صعلوكا جاء في آخر النهار

يبحث عن لؤلؤة شيدتها سواعد الرجالِ)

رغم كل ما كتبت من نصوص متفرقة لم أرتح أبدا حتى جاء النص: ” البيضاء لي” من حيث لا أدري، وأنا أعاين الموجاتِ تتحطم مع الصخور والأسوار وتعانق المسجد المتلألئ ليل نهار، ثم تستريح بين أقدامه العديدة، الداعمة للأمن والسلام. نص في عدة نصوص، ونصوص تتوحد في نص مثل البيضاء التي جئتها في منتص الثمانينات القرن الماضي، لتأخذني لحضنها فيتولد بيننا عشق المكانِ، هي تكتبني حين آتيها، وأكتبها أنا قبل آتيها عاشقا وبعد أن أتركها سلطانة تبايعها كل مدن البلادِ

(من حقك أن تتدللي

لأنك سلطانة هذه البقاعِ

ومن حقك أن ترتقي في العلياءِ

وأنت أخاذةٌ العيون في كل ثانيةٍ

وحاضنة القلوبِ في لحظة الاستمتاعِ

كيفَ لي أن أقول في حضرتكِ

أنك فتحت صدرك لكل عابر

فانزوى جنبك

يرتوي من حليبك

كي ينسى حرقة الأوجاع

وكل عاشق

رمى خلفه كل المدائنِ والقرى

وارتمى تحت قدميكِ

كي ينعم بالرغيفِ الحافي

ويغوص في حبك بالإجماعِ)

 

 

 

أكادير: 30 أكتوبر 2020

عن madarate

شاهد أيضاً

مراكش التي… (الجزء الثالث) – الحسن الگامَح

  لماذا الشعر…؟؟ (يا مراكش افسحي الطريق افتحي أبوابك العتيقهْ فقد أن الأوان أقرأ في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *