“من يعيد لعينيك كحل النَّدى؟” ديوان للشاعر علال الحجام إسماعيل هموني
أن تجالس كتابا؛ معناه؛ أن تعيش الترحال… و السفر… و المتعة… وأناقة التفكير. مجالسة الكتاب فتح في العتمات؛ وسعى في اللامعلوم حتى تتبين الخيوط ، أبيضها من أسودها. حين تسمع للكتاب، فأنت تسمع التعدد؛ و ترى بأذنك ما لا تراه عينك. ترى جيشا من التفكير مدججا بالمعاني التي عكفت عليها لن تجمعها بوحدك. على حد التخوم تجد ما فاتك من الفواصل؛ و تقبض ما ظل هاربا من وعيك. حين تتخطى تلك التخوم يتربص بك اللاوعي فتغشاك عوالم التخييل ولا ترى سوى ما غمغم فيك وأنت طفل؛ ولا تسمع سوى من تراسل فيك وأنت أبعد من طفولة.
أن تقرأ كتابا، تستعيد الأصوات التي انطمرت في شقوق غائرة؛ و تسترد اللحون التي دهستها الألسن حتى تشابهت كالحجر.
ههنا نجلس لنقرأ؛ ندع الكتاب يقودنا إلى حيث يريد؛ نشخص بأبصارنا ؛ نتبعه ونحن نتحسس وعينا؛ ندرك المسافات الفاصلة بيننا وبينه؛ وندغم أشكال الوعي التي تتفارز في صيغ التواشج أو التوالج من الأساليب؛ وأفانين التبالغ الجمالية.
عندها فقط؛ ندرك / نعلم أننا نقرأ، وأننا في جلسة لا تنتهك حرماتها إلا صمتا؛ وأنفاس صاعدة نحو الأعالي؛ وأخرى هابطة نحو أعماق في قاع الوقت.
كأننا في صلاة مقدسة؛ متمرسة بالخشوع؛ والامتثال النقي لصوت القداسات. نعيش النداء؛ ونقيم في الاصطفاء؛ ونولد مرات في البهاء .
نأتي من المستقبل؛ ونحن نقبض يد الحاضر غير خائفين ولا خائبين…
كتاب العدد: ديوان “من يعيد لعينيك كحل النَّدى؟” الشاعر علال الحجام
الشاعر/ الأكاديمي علال الحجام طينة أخرى في خارطة الشعر المغربي الحديث؛ وآخريته متأتية من امتلاك نبيه للتراث الشعري القديم من غير خضوع لسلطانه السلفي أو تماه مع أضلاعه التقليدية؛ و هي آخرية تسوخ عميقا في أسواق الحداثة الشعرية بحثا عن المفارق الذي يؤسس للشعرية من غير تماثل أو تماه مشين.
شعرية علال الحجام فاتنة حد أناقة اللغة الشعرية نفسها؛ باذخة ترسو على أقدام راسخة في الاختلاف المؤتلف .لا تنسخ غيرها؛ ولا تشبه إلا نفسها. لا تضارع نظائرها؛ ولا تتبع ظلالا تفارقها. لا تخبو حين تشتعل؛ و تتقد سوى من أعشابها البرية التي تسقيها من جمرات خمرها.
هذا الشاعر الذي يصدح من أرخبيل مائز يمتلك فيه ناصية البدء؛ و يقود بلاغة العراء إلى التحلل من سلطان العقل.
تلك هي الشعرية الناتئة جمالا؛ التي لن تئدها موائد النقاد ولا ترهات البهاليل..
أقف على هذا الكلام من خلال ديوانه الأنيق:
فهذي البلاد التي خذلت دوحتي
في اندلاع الأعاصير
ليست بلادي.
ص:13
لست ألوم ؛ لكني أبوح بحرقة الأنواء
عبر مفازة النسيان.
ص:22
يضيق القلب بالجرح
وشرخ الجرح يتسع:
لماذا يمحي فرحي
ويكبر حوله الوجع؟
ص: 25
وأنا لا أغير جلدي
كما يعلم النخل والتمر؛ والنحل يفضح ما في السريرة
إني مقيم كما تعرفين
على سعفة واحده …
ص: 30
إنما نحن … نحن معا
في مجرتنا واحد أحد
نحن روحان تنصهران لظى نافرا
والهوى جسد .
ص: 32
لا تشك من وطن لم يزل
في الدياجير
بعض أياديه يفتح زنزانة القهر للأنبياء…
ص:100
هو ذا رحم الأرض يحضنني… سمه عسل في فمي
غير أني أخاف على ثمراته منه وأعشقه
عجلات كوابيسه ليست تؤتمن …
فهي تعجن شيح الفيافي
وطين المرافئ معا
بدم القمم …
ص: 105
ديوان علال الحجام “من يعيد لعينيك كحل النَّدى؟” دار توبقال الدار البيضاء سنة 2010
شاعر وناقد من المغرب