الرئيسية / أمازيغيات / واكرار الشاعر المتجدد – أمينة إيقس

واكرار الشاعر المتجدد – أمينة إيقس

لم يكن يوماً شاعراً أمازيغياً عادياً يحشد المفردات لِيُذلها على عتبات أرض اللغة، لقد كان منذ البدء ومازال ذلك الشاعر ” أمديازْ ” المبدع الخلاق المقرونة كلمته ” تاكوري ” بالدهشة . ذاك الشاعر البوهيميُ ” أمْكْسَا ” الذي تقوده البديهة و الارتجال إلى أعلى مرتفعات الروح صاعدا بها من بئر الصدر ليتحقق المنجز الشعري الأمازيغي الحداثي العظيم .
معجمه البدوي المجهد باستعارات الحنين ، المنفلت من كل الرقابات المستبدة ، وديكتاتوريات اليقين الفجة ، كان علامة فارقة في أرض لغة تامزغا ، في أدبها و ثقافتها و كل تفاصيلها الباذخة بالوميض الذي لا حد له. سهل ممتنع بديع، ورصانة بحجم ما يحمله قلبه من بساطة و عمق عظيمين.
محمد وكرار ابن حي أمصرنات العظيم ، نظَّر للكتابة من داخل الكتابة فأينعت مفرداته بالبيان الشفاف حاملة هَمَّه و هِمَّته. محبرته كانت معينا لا ينضب بالرؤى، ويراعه كان بحجم مِشرط الجراح الذي يحفر في أعماقنا ليستأصل منا ما يدمي العقل و القلب و الروح .
عندما أُصِبتُ بقصيدته أول مرة أحسست و كأنني في حضرة نغمةشعرية أمازيغية منفلتة تسكن الدواخل و الصميم ، نغمة مفتونة بعوالم الجمال لا تشبه غير نفسها وهي تنساب عبر شقوق الجراح كنبع خرافي يُشفي الغليل و العليل .
محمد وكرار فلتة شعرية نبيهة لا تستنسخ تجربة ابداعية بعينها و إنما هي النسخة الأصلية الأصيلة بامتياز. عشق الحاج بلعيد و أبو بكر أنشاد و سيدي حمو الطالب ، إفتتن بالرواس ومجموعات إزنزارن و أسمان و أرشاش ، فأسس لنفسه في خضم كل هذا التعدد الخلاق مكانا بارزاً في الموجة الشعرية الأمازيغية الجديدة و الحديثة مع الشاعر مبارك بولكيد وصدقي أزايكو و آخرين . تجربته مع الراحل عموري مبارك كانت درساً في التآلف بين المفردة البيان والنغمة الساحرة المكتملة البنيان ، بين الصورة الشعرية البليغة المعالم و الهارمونيا الخلاقة التي تستنفر حواسنا جميعها لتصير لقلوبنا نبضاً و بلسما و يراع، ولأن قصيدته شفافة مرصعة بإيقاع البساطة والعمق معاً فهي شكلت أجمل حليفٍ للوتر و النغم، وأجمل ما يمكن أن تنطق به حنجرة المغني لهذا كانت تجربته مع الراحل عموري مبارك ملهمةً وتستحق الإنتباه لأنها جمعت بين عنصرين أساسين في أي عملية إبداعية : الكلمة والنغمة و الصوت الجميل الحسن. أخبرنا التاريخ أن لا أحد استطاع أن يُدير جوقة أعماق البشر برشاقة قائد الأوركسترا غير الفنان، الموسيقي والشاعر، بعبقريتهم استطاعوا أن يُربكوا فينا ما تقدم و ما تأخر من الجاهز و العادي والمبتذل . كيف لا وهم أبناء الدهشة ، صانعوا الضوء المحكومين بالإبداع منذ الأزل ، الرافضين دوماً للطمأنينة البليدة ، المعانقين بالفطرة للتمزق والحيرة والقلق الوجودي المستبد بملكوت الروح، المتمردينمع سبق الإصرار على العيش الآمن المطمئن، والمستسلم للحرية والمجازفة .
محمد وكرار قامة شعرية من هذه الطينة المباركة التي لا تمل و لا تكل من إدمان النظر إلى أعلى إلى فوق دون ملل و لا كلل ، و دونما وجل وخجل من فتنة الأمام المعبد بالسراب في مهب الوجهة . فريد من نوعه، بسيط في تجليه الحر، وباذخ في رزانته ورصانته، جامح بلغته إلى أقاصي الهديل و كل ما هو صافٍ و شفاف في ملكوت المبنى و المعنى . لقد غرد عالياً وعلى الوجه الأكثر كمالاً قصيدته التي صارت في زمن المحنة حكمة ، و في حضرة الظلمة ومضة تبدد العتمات المحدقة بسماوات الروح . لم أرى في قصيدته غير هذا الإدمان الحاد للقلق المستبد ، والحالة القصوى للطمأنينة ، لم أراه في مفرداته إلا و هو ينهض من غده مبكرا تائهاً بين مسودة الأمس وانتظارات المضارع ، يرى ما لا يراه غيره ، فيمضي لغربته مبتسماً متأبطا قصيدته وسفرته الصبورة في ليل المعنى ، ينسكب مع جدول الوقت ليروي الحكاية / القصيدة كيفما عاشها وعاشته ، وكيفما كان لها وقع الغبطة وهي تنط من المحبرة راضية مرضية لتفترش معه بياض التكوين عارية من كل شيء الا من صدقها و جسارتها وبيت قصيد يمتلك من الجرأة ما يكفي لينتصر النشيد .

شاعرة من المغرب

 

 

 

عن madarate

شاهد أيضاً

مظاهر الهجاء في شعر الرحل الأمازيغ بوادي نون – أحمد بلاج

مقدمة إنّ الشيء الذي يميّز كلّ شعب ما هو ثقافته وتراثه، هذه الثقافة تعتبر من …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *