قراءة سيميائية في لوحة الوجه الأحمر للمبدع عمر الريكاني من كردستان العراق. سعيد فرحاوي
المرسل: عمر عدنان الريكاني من كردستان العراق، مبرمج ومصمم كمبيوتر، خريج معهد الفنون الجميلة، خريج قسم الدورة الإعلامية في التلفزيون والإذاعة، حاليا هو طالب كلية التربية الفنية في جامعة جيهان دهوك. عمل كمصور محرر وفيديو، محرر جيريديك، قسم أرشيف في مهرجان دهوك، سليمانية ، وأرييل الدولية للأفلام والسينما، ساهم في أفلام وثائقية ، عمل كرسام ومصمم ومدرب نفسي في منطقية روساز ، عمل كمدير قسم التكنولوجيا والمعلومات في شركة. حائز على شهادة شكر من اتحاد العراقيين بعد مشاركة في ندوة ، خاصة في كاميرا سنة 2014 ، شهادة شكر وتقدير من الإدارة العامة للثقافة والفنون –دهوك ،شهادات تقدير من منظمات بعد العمل في عمل تطوعي 2015 ، شهادة تقدير في مجال إنتاج الأفلام والتليفزيون نوفاكت التي مولها الاتحاد الأوربي ، شهادات من جامعات عدة، مشاركة في دورات وتكوينات ، كتب كتاب (تعلم كما تعلمت)، كتب مجموعة من الخواطر ، فتح أربع معارض تشكيلية في مجال لوحات وتصميم وكرافيك. كل هذا وعمره لم يتعد ستة وعشرون سنة. أكيد أنه قادم بخطى جد منظمة ’ شاب يعرف ما يريد.
ماهية الرسالة وهويتها.
رسالة بدون عنوان، تقربنا بألوان دالة من وجه امرأة تترقب، تنظر نحو المجهول بانحناءة جد دالة على محتويات نفسية عميقة ، تخفيها رموز مركبة بتواز تام. والحديث في هوية الصورة لن يخرج عن المسار الثقافي العام الذي يحكم طبيعة نظرة المجتمع القاسية والمقلقة للمرأة المثقلة بهموم لا حصر لها، مما جعل صاحب اللوحة ملزما أن يختار لغة الصورة بألوان متنافرة، متداخلة ومنسجمة في لغة التأمل، سعيا منه في جعل لغة التشكيل فنا قادرا أن يساير أحلام المرأة المنهارة، بتصوير ثقافي فني جعل الكتابة التشكيلية أن تواكب كل ما نلتقطه في واقعنا اليومي من انهيارات، جعل منها مادة دسمة قابلة أن تتضمن إيحاءات ورموز تخفي ما تخفي في عمقها، كما تكشف عن ما تريد بشكل المداد التقريري الذي قوى طرحنا، فدفع بنا أن نجتاز السطحي لنقرأ ما وراء السطور.
دلالة الانساق التركيبية في صورة مبدع من كردستان:
النسق السطحي:
لوحة تبدو سطحيا تصويرا واقعيا لوجه امرأة منحنية بملامح دالة على اضطراب ما. لكن في الواقع ليست الصورة تصويرا فوتوغرافيا حرفيا للواقع، بل هي إخضاع هذا الواقع لإرادة ثقافية عميقة يخفيها المبدع للتعبير عن موقف ما، فتجعلنا أمام عمل يتكلم بمرارة صاحبها من خلال سيكولوجية متحكم فيها، تخفي دلالتها أصوات الألوان وطريقة تفصيل محتويات الحياة الجامدة في وجدانها. هذا ما يمكن أن نقوله في البعد السطحي لنسق صورة كيفها المبدع بعدة عناصر بنائية لتصلنا بجمرها حارقة بتعابير مختلفة، ذاك ما نحاول البحث فيه من خلال هذه المرافقة للوحة قالت الكثير في عمل أخفى نظامه في لغة الألوان والأحجام وطريقة تمفصلات الحجم وصنع الحياة في لوحة لا تتحرك لكنها تحكي وتتكلم.
النسق العميق:
سنركز على خاصيتين في عملية تحليل النسق العميق للوحة نجهل اسمها وتاريخ إنتاجها ، سنقف عند دلالة الحجم وطريقة بناء اللوحة إيقونيا، ثم نبحث في دلالة الألوان المعتمدة والغايات من توظيفها لفهم المعنى المتمفصل بتركيب جد متناسق.
دلالة الحجم :
احتل الوجه نسبة كبيرة في اللوحة، وهي إشارة أننا نستطيع فهم ماهية الشخصية المدروسة من خلال سمات تمظهر الشكل التام للوجه، بنظرة عميقة تخفي عبوسها بسطح دال، بملامح مضطربة تنحني من الأيسر نحو الأيمن، ولغة الإنحناء بتوظيف هذه الخاصية الرمزية في المتداول التشكيلي يفيد اللاإستقرار، كما يحيل على الارتباك والقلق والحزن، كما يدل على قوة الاضطراب والهيجان ، مع الإشارة إلى العنف ،رغم أن المبدع أراد أن يخفي هذا القلق بتوظيف بعض الخصائص البنائية المثيرة ، منها جمال تمركز مواد الاثارة الشهوانية لدى المرأة، باستغلال بعض عناصر فتونتها كانفتاح العينين ودلالتهما الاباحية المحركة لمشاعر الكبث الذكوري المتوثر، ثم طريقة تصوير الفم بلغة شبقية ذات بعد جنسي مثير. كتأويل من دلالة الإشارات السابقة نشير أن اللوحة في بعدها الدلالي العميق تخفي أسرار الوجع الخفي للمرأة المضطربة المرتبكة المصابة بصداع هستيريا مبالغ في تصميم عمقها المجروح، ويكون بذلك المبدع قد استطاع بتعبير الألوان أن يتمثل هذه الفوضى النفسية التي ترمز إليها دلالة الموقع أو رمزية توظيف الحجم كهندسة دلالية قادرة على إيصال الخبر ورسم ملامح الفكرة المحورية الدالة إيقونيا عن شكل من أشكال العنف الداخلي والوعي الشقي التي تدل عليه سيكولوجية المرأة في المجتمعات المتخلفة.
دلالة الألوان ووظيفتها البنائية في رسم تمفصلات المعنى في لوحة عمر عدنان الريكاني.
اللون الطاغي على اللوحة هو الأحمر ،ارتبط بالفم للزينة ولإخفاء الموضوع المحوري ، موضوع القلق والاضطراب، في الفم تحقق الأحمر ناصعا، فبدأ ينقص شيئا فشيئا بدون أن يخفي صيغة توزعه في مناطق محورية من الرأس، وعلى اليد المتكأ عليها تزيد الصورة من تعميق دلالتها ،كما تميزت الانحناءة ببعدين مهمين : البعد الأول التركيز على الانحناء كدلالة على القلق المصاحب للتأمل في محاور تعنيها كامرأة غير مرتاحة لقضايا ما تعيشها في حياة غير مسعفة، وهي مسألة طبيعية إن نظرنا إلى تاريخ المرأة المليء بإشكالات إنسانية غير مرتاحة ،كانت المسؤولة والسبب، بنسبة كبيرة، في عدة تمزقات نفسية واجتماعية، في علاقتها بإنسان آخر، حول دورها التاريخي ، فكان السبب الأول في جعلها كائنا تابعا غير متحرر، جاءت اللوحة برسالتها لتنقل هذا الضياع، ترسم ملامح ثقافة فعلت فيها الكثير، فظهر أثرها جليا، لتجعل منها كائنا غير محترم في تاريخ طويل من المعاناة البشرية، لا تقل عن معاناة الأبارتايد والعنصرية بكافة أصنافها. الدلالة الثانية التي تدل عليها خاصية اللون الأحمر على مستوى اليد هي خاصية الإثارة الجمالية، خاصة أن المبدع لم يخف قيمة الرسالة التي تحاول بشتى الأشكال أن تخرج التشكيل من طابعه الكلاسيكي، الذي ركز كثيرا على المحاكاة والتقديم بين محتويات الواقع وتشكلات اللوحة الفنية دلالة اللون الأحمر وهيمنته على مستوى كبير في تكوين اللوحة يجرنا إلى فهم دلالة الدمار والنيران والحركة المثيرة، كما يحيل على الظلام والغربة وغياب الاستقرار، وهي مسألة طبيعية لأنه جعل من قضية المرأة موضوع حرب أبدي، من أجل استرجاع حقها كاملا بالصيغة التي تحترم البعد البشري المنهار. إن هيمنة اللوحة الأحمر في أماكن متنوعة من الصورة للتعبير عن القلق الدائم لدى إنسان شاءته مروة بزي أن ينجلي بأحلام وردية ، كما توقعه هيجان نورالدين حنيف الصوت المسؤول، بدرجات كبيرة، في تغيير مجريات الحياة بهدف توقيف بوصلته، ليصبح صوت الأمل معلقا في حلقات مهمة من الحرب النسائية مع عدو مستعار يفعل فيها كل شيء، من أجل تحويلها إلى كائن خلق للمتعة، تلبية لحاجاته المكبوتة .
إلى جانب اللون الأحمر تشتت اللون الأسود على ملامح الشعر ليملأ ما تبقى من الصورة جماليا، في نسق متماسك و متكامل، وهو لون الظلام والكآبة، الذي يشير إلى الجهل والخشونة والاضطراب ، وهي كلها محاور لونية تتجاوب وطبيعة المحور العام التي شاءها المبدع فكرة في تورطه الفني.
تقييم شخصي:
الصورة بشكل عام ، وفي مجال الفن التشكيلي بشكل خاص، لا تمثل نقلا حرفيا للواقع ، بقدر ما تمثل تمثلا وإدراكا واعيا من الفنان ، تجعله يخرج من الواقع ، بنظرة دقيقة ، ليعود إليه حاملا مشعلا أساسه التحرر والتجرد : التحرر ، عندما يبحث عن استقلالية تؤهله ليتأمل ويرى العالم بعين مغايرة عن عيون الناس ، والتجرد ، عندما يختلف ليصبح واعيا بأن دوره تشكل ضرورة تبليغ رسالة فنية ، موضوعها الإنسان المنهك المتعب ، الذي جعل من صوت الفنان لغة تتكلم باسمه. هذا ما جعل الفنان عمر الريكاني أن يمتطي حلم الآخرين الغائب والمضطهد ، ليعيد صياغته بجمال خاص ،فيصبح تصورا بلون الصباغة التي تخفي شروط نفيها يصيغ متنوعة من الإبداع.
ناقد في الجماليات من المغرب