الرئيسية / الأعداد / العدد الخامس والخمسون / حوار مع المبدع المغربي سعيد الباز – حاوره الشاعر الحسن الگامَح

حوار مع المبدع المغربي سعيد الباز – حاوره الشاعر الحسن الگامَح

حوار مع المبدع المغربي سعيد الباز حاوره الشاعر الحسن الگامَح

 

  1. كيف يرى المبدع سعيد الباز الكتابة بصفة عامة؟

السؤال يستدرجنا إلى عمومية الكتابة، التي في جوهرها خصيصة إنسانية عندما يتعلق الأمر بنقل الوعي الإنساني إلى مستوى الكتابة. إنّ النقوش التي خلفها الإنسان القديم تدخل في مجال الكتابة قبل اللغة نفسها. كلّ ما أنشأه الإنسان على المستوى المعماري كان كتابة من الأهرامات إلى معابد أولومب وما صحبها من أساطير ما زال إلى اليوم تداولها على عدة مستويات. أنظر إلى المسألة بشكل مغاير: إنّ الكتابة هي في الأساس بديل عن الكتابة المعمارية، رغم تواصلها لقرون عديدة لنشأة التاريخ. ألم يكن مؤسس علم التاريخ هو هيرودوت اليوناني بعد زيارته إلى مصر القديمة. لذلك، على المستوى الخصوصي كان لديّ منذ البداية قناعة أنني مجرّد بنّاء في صيرورة تاريخية أضع لبنة في صرح أكبر منّي، لا أعرف بالضرورة هل أنا على الطريق الصحيح، أم كنت مجرّد عابر في زمن عابر.

هناك مسألة أخرى، تتعلق بخطورة الكتابة ومسؤوليتها اتّجاه الكتابة نفسها. قد يحلو للبعض أن يقولوا الكاتب شاهد عن العصر، وهذا الأمر يعود بنا إلى الأساس الذي انبنت عليه الكتابة باعتبارها تأريخا، الحقيقة أن الكاتب مؤرخ مضاد للمؤرخ. الكاتب يشتغل على المستوى العمودي والمؤرخ عمله منحصر في المستوى العمودي. لذلك، على مستوى الشعر لن تفهم أبدا لماذا كان أرثور رامبو رائد ثورة شعرية عبر العالم وانتهى به الأمر تاجر سلاح ومتورّم الساق في جحيم عدن اليمنية.

رأيتُ الكتابة على مستوى التعبير أنّها الصوت المعبر عن اللحظة التاريخية بنبض مرتبط أساسا بحياتي وبثقافتي المغربية وبكل روافدها الشعبية، ما أكتبه أريد منه أن يكون مغربيا. إطلاعي على الشعر العربي وتخصصي فيه كان بمثابة معرفة تاريخية، حاولتُ أن أكتب قصيدة تؤسس لنفسها مدخلا إلى الذات، في وقت شاع فيها الشعر المنبري، والإيقاع الذي يتوجّه إلى الأذن قبل الإدراك والوعي، المتكتل خلف ما هو جماعي وأيديولوجي وغير مختلف عنه، وبتدقيق أكبر بحثت عن الفرادة والصوت الخاص بعيدا عن القيود المفروضة، بشكل قبلي مثل تلك القوافي المرصوصة بعناية والتقابلات اللفظية التي تعجب المتلقي لتنهال التصفيقات أو تلك التلوينات الصوتية التي أغرم بها جمهور الشعر. الشاعر والكاتب ينبغي له أن يضع مسافة بينه وبين البهلوان، فالكتابة شأن خطير.

  1. من أين استمدت تجربة الكتابة، وكيف دخلت بحر الكتابة؟ وما أوّل نص كتبته؟

أعتقد أنّ الأمور سارت بطريقة متدرجة، كنت منذ صباي قارئا نهما. كان والدي محبا للكتب التي أفرد لها غرفة كاملة، وانتقلت معه من بلد إلى آخر. كان يرسلها قبل أثاثه إلى المنزل الجديد من بلد إلى آخر. أنا عشتُ في أجواء هذه الغرفة. وكلما زرتُ بيت العائلة فإنّي أهرع إليها أتلمس المجلدات وتعود بي الذكريات إلى لحظات بعينها كما لو كان الأمر يتعلّق بشريط سينمائي قديم، في تلك الأجواء تحقق لي تواصل بالشعر العربي الجاهلي وما تبعته من عصور وزادني تعلقا به أنّه شعر البداوة والصحراء وأنا عشتُ معظم طفولتي بين الدار البيضاء وسوس وأصقاع الصحراء. لذلك، حصل لديّ إحساس مبكر بأنّ ما يختمر في ذهني من صور شعرية يجد له مخرجا في لغة بدت لي أنّ لديها معجما خاصا في تركيبته يعود إلى نمط هذه الحياة الرتيبة، وبرز لي أنّ كلّ ما يتواتر من كلمات وجمل له علاقة بالزمن والتحولات الإنسانية المفارقة والبحث الملحّ عن جدوى الحياة والمعنى المتخفي خلف ظواهر الأشياء. لكنّي اكتشفتُ بالصدفة ومن مقاعد الدرس لدى أستاذة بلجيكية في مدينة إنزكان في بداية دراستي الثانوية قراءة لشعر شارل بودلير وبعد أن استفرغتُ وقتا في قراءته فاجأتني بآرثور رامبو وبعده لوتريامون. حينها ارتسمت طريق أخرى وبدأت نصوصي الشعرية تخطّ لها مسارا مختلفا تماما… كان النص الأوّل الذي نُشر في بداية الثمانينات تحت عنوان “كتيبة الموت” عن فريديريكو لوركا، دون أن أذكره، ملمحا إلى أنّ الشعر الجقيقي شأن خطير جدا، ومن الأجدى للمرء إذا أراد السلامة أن يربأ بنفسه عن اقترافه.

  1. ما الكتب الذي أثر في تجربتك الإبداعية؟

إذا كان في الإمكان لي أن أرتّب هذه الكتب، لأنّها فعلا كتب كثيرة تجاذبتها مراحل مختلفة ومتعددة يمكنني أن أصنفها على النحو التالي:

عالميا، أستطيع القول أنّ الشاعر الأمريكي “والت وايتمان” بديوانه الفريد (أوراق العشب) باتّساع أفقه الشعري والإنساني جعلني قارئا أفهم أنّ الشعر كونيّ في أساسه ورسالته أوسع ما يفهمه عادة الشعراء المحاصرون بانتماءاتهم الضيقة. هناك أيضا، آرثور رامبو الفرنسي بقفزته الهائلة التي حطّمت كل الأسوار المسيّجة، وبنت لنفسها جسورا بديلة في اتجاه الضوء وفي اتجاه قصيدة المستقبل. هناك تاليا، فرناندو بيسوا الشاعر البرتغالي الذي ورّطنا في شبحيته المزمنة وأصواته الشعرية التي كان يستبدلها كالقمصان والقبعات وربطات العنق المختلفة، حريصا مع ذلك على أن تختزله صورة شمسية حائلة اللون. كان يردد دوما أنا لستُ شاعرا، أنا في معظم الأحوال مجرّد كاتب أشعار… لقد كان لديه ما يكفي من حزن ومكر برتغاليين.

عربيا، اكتشفتُ بشكل مبكر الشاعر الأشوري العراقي سركون بولص بديوانه “الوصول إلى مدينة أين” لقد اقتادني رغم عنّي إلى فهم الشعر في جذره الأول المتمثل في المغامرة أوّلا، وإلى العودة إلى الأساطير الشعرية غي دلالاتها الأساسية والمحورية، وفهمتُ حينها كيف تلبسته شعرية امرئ القيس وأبي تمام وشخصيات البسطاء من الناس على المستوى نفسه.

مغربيا، تعرّفتُ على الشاعر أحمد بركات وديوانه “لن أساعد الزلزال” في لحظات مذهلة في مدينة فاس وتواصلنا في مراسلات متقطعة. تعلمتُ منه أنّ الشعر صنو الدهشة الأولى، أن تمارس شغبك في حضن الكلمات، وألّا تكترث بأشياء العالم والخطوط القبلية التي يمارسها الغباء كعادته بدهائه المفرط. أخيرا، لا يمكن ألّا نذكر مبارك وساط وديوانه “على درج المياة العميقة” الذي قدّم لنا قصيدة مغربية مغايرة ومشرعة تماما على نافذتين متجاورتين تُفضيان معا إلى مشهد متوحّد ومتناغم بشكل آسر: نافذة تشدّها إلى جمالية اللغة العربية بمتانتها ورصانتها وأسرارها الخفية، ونافذة أخرى تسرح بها في عوالم الشعر الغربي بمنجزه الأكثر حداثة، خاصة الفرنسي في إرثه السوريالي، حيث يرفد أحدهما الآخر مثل رفيقي طريق.

  1. مع تطور التكنولوجيا، هل يمكن أن نستغني عن الكتابة؟

أظن أنّ لا خشية على الكتابة والإبداع عموما، لأنّها تنبع من عمق الإنسان. لاحظنا كيف تطورت الأجناس الأدبية، واستبدلت أدوارها، وخلقت أشكالا بديلة… لكنّها في النهاية ليست سوى قوالب فنية تنحو نحو الابتكار والتجديد. القصيدة لم تتخذ لنفسها شكلا واحدا أو أحاديا في عصر واحد، فما بالك في الحقب التاريخية المتعاقبة. ما أخشاه حقيقة، وقد عبرتُ عنه مرارا، هو اللغة التي تشهد تحولات متسارعة من التشظي، وهيمنة الصورة، ما يجعل بعض الأصناف الأدبية، أن تكون مقبلة على الاندثار خاصة الشعر، الذي سيكون مرغما على الهجرة القسرية إلى أشكال أخرى في التعبير والأداء الشعري يتقلص فيها دور اللغة الجمالي ومركزيته في القصيدة.

  1. ما رأيك في الكتابة النسوية؟

أنا في العادة لا أناقش موضوع الكتابة النسوية من زاوية وجودها من عدمها. أنا أعتبرها ضرورة حتمية في حياة كل أدب وإبداع. وإذا أردنا أن نكون موضوعيين لابدّ أن نقرّ بأن كلّ مبدع حقيقي لا يمكنه إلّا أن يكون مناصرا لكلّ الحريات، وأولاها تحديدا حرية المرأة وتمكينها من حقوقها الأساسية، وأهمها حقها في التعبير الأدبي والفني.

  1. كيف يرى الإنسان سعيد الباز المبدع سعيد الباز؟

أراهما رفيقين متلازمين كلّ واحد يتفهم الآخر.. يلتقيان أحيانا ويفترقان حسب الظروف. أرى الإنسان متواضعا إلى حدّ الاختفاء في تجنبه للحشود وثقافتها الرعناء، حريصا على عزلته وإيقاع حياته. أرى المبدع مغامرا يمقت كلّ مهادنة وانصياع إلى ما هو مرسوم قبلا من عادات وحدود تسيّج إنسانيته. عندما تستعصي الألفة بينهما، كما تفعل دوما كلّ مرآة حين ننظر إليها مليا، فهي لا ترتكب في العادة الأخطاء. فيعودان كما في السابق رفيقين متلازمين كلّ واحد يتفهّم الآخر…

ورقة عن المبدع سعيد الباز

 

 الإصدارات:

  • ضجر الموتى … وزارة الثقافة . المغرب .

–  بأقل اكتراث ممكن دار النشر الفنيك

–  العديد من الترجمات لشعراء :

  • فرناندو بيسوا
  • ألان بوسكي
  • شعراء اللعنة
  • جاك بريفيل المغمور …

– عضو تحرير مجلة / البحور الألف.

– مشارك في / الغارة الشعرية / الخراطيش الشعرية.

– عضو في اتحاد كتاب المغرب.

– حائز على جائزة بيت الشعر/ المغرب.

– مقالات مختلفة في العديد من الدوريات والمجلات والجرائد العربية والمغربية.

 

 

بأقّل اكتراث ممكن  سعيد الباز

 

1
من عادتي ترتيب الصباح
مثل بستانيّ مصاب بالخرف
من عادتي وضع فنجان القهوة
بشكل
كارثيّ
على حافة المرمدة
تدخين السيجارة بالمقلوب
والتساؤل أكثر من مرّة
عن السبب
الحقيقيّ
في أن يأتي الصباح
مكللا بكلّ هذا الضوء
لا تسبقه
سوى فضيحة أشواك
مصابة بعادة الوضوح.

2

تلك الأنفاس
الملتصقة في رهبةٍ بزجاج النافذة
تلك الشراشف
المرتبكة الأوضاع فوق سرير النائم
ذلك الدولاب
المتحامل على نفسه
من أجل أن يتعامد مع الجدار
وذلك السقف
الذي يحلو له أن يتشابه
مع مرآة البهو.
مخلوقات تجهد نفسها
بإقناعك أحيانًا
بأنّ ما من حاجة لمغادرة
الغرف.

3

في السابق
كان بإمكانك أن تكون جدّيًا
وصالحًا لشيء
مثل فزّاعة الحقل
حين هجرها الحصادون
وعادت ملهاة للأولاد.
الآن،
صرت أعمى القرية
الذي يتمتم
فيما يقعي بجانبه المساء.

4

لم أكن سيّئا إلى ذلك الحدّ
كانت يدي
قد ألفت ليّ عنق الفطنة
قبل مصافحة اليأس
وزرع الشكوك في الأسرّة
قبل
انهيار النوم
من الطابق العاشر لليقظة.
ففي الغرف المنسية
عادة ما نصادف الشخص
الذي يدير وجهه
باتّجاه الجدار
وبمودّة رفيق الطريق
يديم النظر
في ما يُظنّ أنّه النافذة
أو أيّ مكان آخر
في حاجة ما، إلى الأفق.

5

كان على هذا العالم
أن يكون مجرّد غرفة
بنزيل مغروز مثل مسمار
في حائط،
بلا شرفة، وبلا جيران.
سوى
صورة شخص ينظر عميقًا
باتّجاه الجدار.

6

أبسبب أعشاش الطيور
أم بسبب المستظلّين
أم بسبب الوقوف
امتلكت هذه الشجرة العالية
هذا القدر من الحنوّ؟

7

الحياة قد لا تعلّمك
كيف تروّض الأفعى
في أسرّة الآخرين.
الحياة قد لا تعلّمك
كيف تعبّ السمّ
من أقداح الآخرين.
الحياة خطيرة
يا صديقي
لا تعلّمك
سوى شحذ مزيد من السكاكين
بشريان الوقت
الحياة يا صديقي
خطيرة جدّا
إلى حدّ أنّ الموت
قد يصادفك في أحد
الممرات
في هيئة شخص أليف
فتخاله أكثر أمانًا.

 

عن madarate

شاهد أيضاً

عبدالاله الشاهيدي وشعرية  الأحلام المؤجلة في لوحة تعيد النظر في مفهوم الخلق- سعيد فرحاوي

عبدالاله الشاهيدي وشعرية  الأحلام المؤجلة في لوحة تعيد النظر في مفهوم الخلق سعيد فرحاوي   …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *