الرئيسية / الأعداد / العدد السادس والخمسون / كتاب في الشعرية العربية : محمد بنيس الشعر والشر قي الشعرية العربية – إسماعيل هموني*

كتاب في الشعرية العربية : محمد بنيس الشعر والشر قي الشعرية العربية – إسماعيل هموني*

كتاب في الشعرية العربية : محمد بنيس الشعر والشر قي الشعرية العربية إسماعيل هموني

 

أن تجالس كتابا؛ معناه؛ أن تعيش الترحال… والسفر… والمتعة… وأناقة التفكير. مجالسة الكتاب فتح في العتمات؛ وسعى في اللامعلوم حتى تتبين الخيوط، أبيضها من أسودها. حين تسمع للكتاب، فأنت تسمع التعدد؛ وترى بأذنك ما لا تراه عينك. ترى جيشا من التفكير مدججا بالمعاني التي عكفت عليها لن تجمعها بوحدك. على حد التخوم تجد ما فاتك من الفواصل؛ وتقبض ما ظل هاربا من وعيك. حين تتخطى تلك التخوم يتربص بك اللاوعي فتغشاك عوالم التخييل ولا ترى سوى ما غمغم فيك وأنت طفل؛ ولا تسمع سوى من تراسل فيك وأنت أبعد من طفولة.

أن تقرأ كتابا، تستعيد الأصوات التي انطمرت في شقوق غائرة؛ وتسترد اللحون التي دهستها الألسن حتى تشابهت كالحجر.

ههنا نجلس لنقرأ؛ ندع الكتاب يقودنا إلى حيث يريد؛ نشخص بأبصارنا؛ نتبعه ونحن نتحسس وعينا؛ ندرك المسافات الفاصلة بيننا وبينه؛ وندغم أشكال الوعي التي تتفارز في صيغ التواشج أو التوالج من الأساليب؛ وأفانين التبالغ الجمالية.

عندها فقط؛ ندرك / نعلم أننا نقرأ، وأننا في جلسة لا تنتهك حرماتها إلا صمتا؛ وأنفاس صاعدة نحو الأعالي؛ وأخرى هابطة نحو أعماق في قاع الوقت.

كأننا في صلاة مقدسة؛ متمرسة بالخشوع؛ والامتثال النقي لصوت القداسات. نعيش النداء؛ ونقيم في الاصطفاء؛ ونولد مرات في البهاء.

نأتي من المستقبل؛ ونحن نقبض يد الحاضر غير خائفين ولا خائبين…

 

 

كتاب في الشعرية العربية : محمد بنيس الشعر والشر قي الشعرية العربية

هل بات الشر صفة محايثة للشعر، منذ أن كرسها الأصمعي في قولته الشهيرة عن حسان بن ثابت: ” الشعر باب نكد إذا دخل الخير لان”؟

هل الشعر توأم الشيطنة والأبلسة لا تستقيم حياته ونشوته سوى في حدائق النار أو الجحيم؟ لأنه فريد في طبعه؛ مختلف في تشكله ؛ يخاتل الحقائق ؛ ويرشها بالخيال حتى يحولها أشكالا حية وكائنات لا يمل من جمالها .

ذه الأسئلة وغيرها يستعيدها محمد  بنيس ؛ وهو الشاعر والمنظر والأكاديمي؛ في تأمل يروم استكشاف غوامضها؛ وحاجاته إلى طرقها مجددا بحذر ملحوظ مفتوح على الزمن وأثره في نحت ما ينبغي أن يترسب من اقتناع ؛ ومحاورة ؛

وتقاسم .

ومما جاء في ثنايا الكتاب :

■ فالشعر عمارة ؛ بابها الشر. أي أن الشر هو الذي يؤدي إلى الشعر. العمارة ؛ البناء الكامل ؛ المكتمل ؛ الباذخ . الشعر بابه الشر وطريقه الشر . (ص:39)

■ معنى كلمة “الشر” يأتي هنا مطابقا لقيم القصيدة الجاهلية ؛ التي لاتوجد بدون أغراضها الشعرية . ولايمكن إعطاء كلمة  “الشر” معنى اخلاقيا ؛ لأنه يتعارض مع قيم القصيدة الحاهلية .(ص:42)

■ لذلك فإن شعر زهير شر؛ لأنه يقول الشعر وفق أغراض القصيدة الجاهلية . (ص:43)

■ تخثيص الأصمعي الشعر بأنه نكد؛ وبأن بابه الشر ؛ يفيد أن النظر إليهما من جهة القيم الأخلاقية يقود إلى تدمير الشعر؛ إضرام النار في القصائد أمام الملأ؛ تبروءا منه ورغبة عنه إلى الأبد. وهو ما لا يستسيغه أي شخص يتعلق بالشعر؛ مثل تعلق الأصمعي به حفظا ورواية. لذلك فإن تخصيص الشعر بالنكد والشر ليس حكما بل هو تعريف له وتحديد لخصائصه النصية والجمالية . مجرد تعريف وتحديد لكل ما يطلق عليه كلمة ” شعر”. هذا هو الشعر عند العرب .

يقول لنا الأصمعي : نكد وبابه الشر. لا حيلة مع حقيقة هذا  الشعر وطبيعته. (ص: 48)

 

■… أن موقف القرآن من الشعر ينحصر في الذي يختلف به عن الشعر ؛ ولا يدل على رفض الشعر أو الحط من شأنه. واختلاف القرآن عن الشعر لا يسمح بالفاضلة بينهما؛ بقدر ما يوجب أن تكون المفاضلة بين القرآن والتوراة. (ص:58)

■ أكثر من ذلك ؛ لم يدرك أحد من هؤلاء الفقهاء سر الاختلاف بين القرآن والشعر . فهم لم يفهموا معنى أن يكون في القرآن كلام  موزون (شعر) ؛ولكن القرآن ليس شعرا. هذه خصيصة القرآن التي لم يفطن إليها كل من رفعوا الأسوار لحماية القرآن من الشعر؛  وهم لا يميزون بين أن يكون الشعر مثل القرآن وبين أن يكون  مختلفا عن القرآن. فما يكسب القرآن نسيجه الخاص هو نسقه  لا عناصره؛ مستقلة عن نسقها. فالنصوص ؛ كيفما كانت؛ تنبني  من التداخلات النصية؛ ولكن النسق الخاص بكل نص هو ما يميزه عن سواه من النصوص ؛ ويحقق له اختلافه الذي يستقل به. (ص: 216)

 

  • ● قراءة ممتعة●●

ناقد من المغرب

 

عن madarate

شاهد أيضاً

مليكة البوزيدي مسار بلغة الضفتين المغرب اسبانيا – محمد بنفارس

هايجين قرأت لهن/ لهم مليكة البوزيدي مسار بلغة الضفتين المغرب – اسبانيا محمد بنفارس   …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *