الرئيسية / الأعداد / ملف خاص باللغة العربية: معلقة الناي عبد الله الطني*

ملف خاص باللغة العربية: معلقة الناي عبد الله الطني*

معلقة الناي

عبد الله الطني*

(من باريس إلى كل عشاق العربية فوق كوكب الأرض)

 

(1)

هكذا يشتهيني الوجودُ

وهكذا أشتهي

أنا ابن الضادِ وروحِ الضاد

تسكنني المعلقاتُ منذ كم قرن وعام

نايُ العربية مَوَّالي

وعكاضي لا ولن ينتهي

(2)

كيف انتفضتْ باريسُ الوَلْهَى

بسحر نايٍ كنتُ أعزفهُ

مِنْ واهنةٍ

متعبةٍ بحمل القرونِ

والأجيال والأطيافِ والسلالات

من مغرورةٍ

لكل زائر تهذي تَحْكِي

عن تاريخ الملاحم فيها والبطولات

إلى طفلة عذراء تعزف لي

بكمانها الذهبي أَرَقَّ الأغنيات

تماماً تماماً

كما كانت تعزف لي بغدادُ الرشيدِ

تَقْطِف لي وردةً من ضفائرها

وتَصْدَحُ لي أهلاً أهلاً بالعكاضيِّ

أهلا بابن ربيعةَ العائدِ من غُنْجِ الفَلَوَات

هاتني شدىً من عكاضك الذي أَشتهيته بلا حدود

(أعطني الناي وغني

فالغنا سرُّ الوجود)1

(3)

توقف نهر السين المُنْسَابِ

ذاك الملتوي على خصر ياريسَ الوريفِ

مثل أفعى امزونيةِ الشهوات

يَتَأَبَّط أسرارَ الأعالي والقرونِ

وانثنى ثَمِلاً يَتَأَمَّلُني

ويَقْرَأُ ما بعيوني

كَانَ كمن يبحث في قَسَمَاتي

عن فَوْرَة المُتَنَبِّي

وجراحاتِ الحَمَدَاني

كان كمن يَسْتَلُّ مَلِيّاً

مِن ْجُنْحِ عَباءتهِ الخضراء

شذراتٍ من غُنَّةِ هِيكُو  تَلْمَعُ فوق الماء

كانت حكمةُ فِرْلِينَ مُحَايِدَةً مثل سراب

أو مثل قوانين الدهرِ العابرِ للأزمان

تضع الكائنَ منا بين هلالين وتنساب

(4)

كان لَمَرْتِينُ وبُدْلِيرُ

ثَمِلَيْنِ يُطِلاَّنِ من الموج

للكأس على الكأس رَنينٌ وغناء

على نَخَبِ القادم من مكناس

وكان القادمُ يقرأُ مَخْطُوطاَ عربياً

يَحْكِي سُنَنَ المَدِّ وآثارَ الجَزْرِ

بين الأطلس والأَلْزاس

(5)

أَوْمَأَ لي السين تعال

أعطاني من رغو الموج كؤوساً برضاه

قلتٌ له أهلا أهلا

شربتُ وغَنَّيْت

وفي شفتي نايُ العربية يَنْصُرُني

أَرقَطُ حامٍ من فرط هواه

تَوَلَّهْتُ على شفة النَّايِ

تَوَلَّهَ صَدْرُ القَصَبِ المَحْمُومِ

يَتَكَلَّمُها حرفاً حرفاً رَنَّاتُ الضاد

كان كمن يَمْدَح أو يَرْثِي

أو يغزل للعشاق وصالاً

كان كمن يرتق صُلْبَ التاريخِ ويَحْلُمُ بالأمجاد

ناخَ الكلُّ بسحر النَّايِ

واختلطَ العشقُ عليه

وأفْلَتَ كأسَ الرَّاءِ العُجْمِيَّةِ بين يديه

إنْثَنَى نحوي مُلْيِيرُ وحَيَّاني

أَقْسَمَ لي عانَقَني قال:

(واللهِ لقد أَيْقَظَني هذا النايُ من الأسر  وشافاني

ذَكَّرَني بأصلي

وأصلِ السلالاتِ والحروفِ والمعاني)

(6)

قلتُ له:

(أوَ لم تكن للأسلاف سوى لغةٍ واحدةٍ

يُوصِلُها هذا النايُ الحَرْفُ السُّمَرِيُّ العربيُّ من القلب إلى القلب العطشان

قروناً وقروناً يابُدْلِيرُ وما تَعِبَ القَصَبُ الموسومُ برائحة القرآن

وما تَعِبَ النَّايُ وما  تَعِبَ الحرف

كأنَّ العربيةَ ياصاحبي

لغةُ الأزمان وتاجُ الأوطانِ بَيَانُ البرهان)

(7)

هَزَّنِي مُلْيِيرُ من جانبي مبتهجاً:

أجل، ما أجمل نايُ الضاد المَنْضُود

(أعطني النايَ وغَنِّي

فالغِنَا سِرُّ الوجود)1

——–

  • بيت شعري لجبران خليل

شاعر من المغرب

عن madarate

شاهد أيضاً

في مقاربة الهايكو من ثرثرة القراءة إلى تكثيف المقاربة ) محمد بنفارس

في مقاربة الهايكو من ثرثرة القراءة إلى تكثيف المقاربة محمد بنفارس* 1/ في التقديم:  في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *