الرئيسية / ملف الزجل / حوار خاص مع الباحث والمبدع محمد بوستة أجراه معه الشاعر الحسَن الگامَح

حوار خاص مع الباحث والمبدع محمد بوستة أجراه معه الشاعر الحسَن الگامَح

  • كيف يرى الزجال محمد بوستة الزجل أو الشعر بالعامية؟

أود في البداية أن أنقل خالص الشكر والتقدير لكل الأعضاء المشرفين على مجلة مدارات الثقافية، لما يولونه من اهتمام بصنوف الإبداع والمعرفة، ولحضورهم الدائم في الحقل الثقافي والفكري داخل الوطن وخارجه.

إن الناظر في المشهد الشعري المغربي المعاصر سيدرك أن ثمة أربعة أنماط من الإبداع يمكن التمييز بينها من منظور اللغة المستعملة: النمط الأول هو الشعر المغربي المكتوب باللغة العربية المعربة “الفصحى”، والثاني هو الشعر الذي يتوسل اللغات الأجنبية، أما الثالث فهو الزجل الذي أداته العامية. ويهمنا في هذا السياق أن نؤكد أن النمط الأخير المرتبط بالزجل، عرف تحولات متنوعة منذ فجر ظهوره، وقد أكسبته هذه التحولات المتنوعة عبر تاريخ الكتابة باللغة العامية خصوبةً وتجددا على مستوى المضامين والمقومات الفنية، ومثلت حقبة التسعينيات من القرن الماضي حلقة هامة حقق خلالها تطورا ملموسا على مستوى مظاهر شعريته، حتى صار اليوم صنفا إبداعيا ذا صيت فني ومضموني، من تجلياته دخول الزجل المغربي الحديث إلى رحاب شعرية المكتوب منذ زمن، وتخلصه من شرنقة الطور الشفوي وما يطبعه من آفات الضياع والنسيان لاعتماده على الذاكرة، وامتلاك القصيدة الزجلية الحديثة لإطار مواز يتشكل من عتبات تفيض دلالة وجمالية، وهي في مجموعها علامات سيميائية (لغوية وإيقونية) تبرز أن شعرية القصيدة الزجلية الحديثة بالمغرب عبارة عن نسيج يتنامى انطلاقا من العتبات النصية المشبعة بكثافة رمزية تستثير المتلقي، وتستحثه لممارسة التفكيك والتأويل قصد العبور إلى عمق النص الزجلي وإضاءة زوايا مضمونه وشكله.، علاوة على تفاعل الزجال مع نصوص التراث الثقافي الوطني والعربي والعالمي، وتمثله لرموزه وأساطيره، ثم تشبعه بأنماط المعرفة المختلفة، هذه المعرفة التي فاقمت في ذهنيته القلق والسؤال، ودعته إلى قراءة ثقافة أمته وثقافة العالم من حوله، والغوص في جوهر التراث الإنساني عامة ومحاولة إدراك أسرار التشكيل الشعري وسائر الفنون الأخرى، لما لهذا كله من أثر فني ودلالي على الممارسة النصية الزجلية عموما.

2) من أين استمدت تجربتك الزجلية …؟ وكيف دخلت بحر الكتابة الزجلية …؟ ولماذا اخترت الكتابة بالعامية …؟

يعود اختياري للكتابة باللغة العامية إلى الأثر الجمالي الذي تركه في ذهني ميلي إلى الاستماع لقصائد الملحون، ولأغاني المجموعات الغنائية، لا سيما جيل جيلالة وناس الغيوان والمشاهب… فمن هذا النبع الخصب تشكل هيامي بجمالية اللغة العامية وخصوبتها وقدرتها على صنع الدهشة وبناء المعنى. ولكن لا بد أن أشير إلى أن ذاكرة كل طفل تتأثر بالمسكوكات اللغوية، وبترانيم الجدة، وبما يطرق الأذن من تعابير مجازية تترك أثرها القوي في الوجدان. وهذا نبع آخر فياض، غرفت من معينه أشياء كثيرة قوت صلتي باللغة العامية، وزادت من هيامي بها، وأسلمتني إلى “عفاريت” الإبداع، فعرفت أولى قصائدي طريقها إلى الورقة منذ مرحلة الدراسة الإعدادية.

ومع توالي السنين ازداد الرباط قوة مع اللغة العامية حين اتسعت دائرة الرؤية إليها من خلال إطارات تنظيمية، أقصد بها الرابطة المغربية للزجل والاتحاد المغربي للزجل، وما كانا ينظمانه من مهرجانات وملتقيات. غير أن البحث الأكاديمي كان له تأثير آخر في علاقتي باللغة العامية؛ إذ فتح عيني على خصائص جمالية ومضمونية تزخر بها الدارجة المغربية، وتثبت الاقتناع بأن الجمال ليس حكرا على لغة دون أخرى، بل إنه يسكن جميع اللغات، وأن الشعر موجود بالطبع في أهل كل لسان على حد تعبير ابن خلدون.

3- أين يلتقي الزجل بالشعر الفصيح … ؟ وأين يلتقيان … ؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال ألفت الانتباه إلى أني لا أنظر إلى الفصاحة بوصفها هي المميزة لغويا بين الزجل المكتوب بالعامية والشعر المكتوب باللغة العربية المعربة؛ لأن الفصاحة سمة وصفة، كما يمكن أن نجدها في اللغة العربية المعربة، نجدها في العامية، وهذا هو السر في كتابتي كل ما يتصل بهذا اللفظ بين مزدوجتين. ولذلك، فأن التمييز بين الشعر والزجل من منظور صفتي الفصاحة والعامية فيه نظر، لذلك وجب التفكير في تدقيق التسمية، لأن عبارة “الشعر الفصيح” ليس معناها أن الفصاحة حكر على هذا الشعر، ففي الزجل كذلك ألفاظ فصيحة، كما أن عبارة “الزجل العامي” لا تعني أن الشعر الفصيح خالٍ  من ألفاظ العامية، ولربما يصير من الملائم الحديث عن شعر معرب تهيمن فيه الفصحى في مقابل زجل غير معرب تهيمن فيه العامية؛ لأن سمة الإعراب هي المميزة بينهما، وفي هذا ورد قول ابن قزمان عند حديثه عن الزجل:

وقد جردته من الإعراب             كما تجرد السيف من القراب.

ولقد تناولت علاقة الزجل بالشعر “الفصيح” في كتابي “حركة الزجل المغربي الحديث” الذي صدر في جزءين، وذلك في مبحث تحت عنوان:”سؤال اللغة في حركة الزجل المغربي الحديث”. وبينت أن العلاقة بين “الفصحى” والعامية هي إشكالية قديمة أسالت مدادا غزيرا. ورغم ذلك توصلت من خلال ما قرأته في هذا المجال، ومن خلال تأملي في النصوص الزجلية إلى أن العلاقة بين الزجل والشعر ليست على طرفي نقيض. وأشرت إلى ما كانت تشهده فضاءات جامعة محمد الخامس والمدرسة المحمدية للمهندسين وغيرها من حركة طالِبِيَّة، في شكل تجمعات وحلقات يحركها النضال والتوجه اليساري، ويعلو فيها صوت الشعر المعرب والزجل جنبا إلى جنب يتناغم مع مطالب منظمة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب التي تم حظرها سنة 1973، ويلهب حماس الجماهير الطلابية محتجا على واقع الاستبداد والظلم والتعذيب والفقر، وداعيا إلى الانتفاضة في وجه القمع والعنف والتهميش والقهر.

كما أشرت في كتابي: “شعرية القصيدة الزجلية المغربية الحديثة” إلى أن الزجل لا يضيره أن تكون وسيلته في الإبداع العربية المغربية الدارجة، كما أن الشعر “الفصيح” لا يشرف منزلة لمجرد أن لغته هي اللغة العربية “الفصحى”. فالزجل فن راق، وتوسله العامية في الإبداع لا يفقده رقيه وفنيته، وكذلك الشعر المعرب لا تنفعه لغته “الفصيحة” إذا كان في الأصل خاليا من مقومات الإبداع والجمال. فالمزية في اعتقادنا، لا تقاس باتخاذ اللغة العربية أداة للإبداع ودرء العامية جانبا؛ لأنه لا وجود للغات نبيلة تصلح للإبداع وأخرى وضيعة لا تصلح له. إن الفيصل في ذلك هو قدرة هذا المبدع أو ذاك على التلطف في التعبير عن المشاعر والانفعالات، وعلى طرق المعاني المطلوبة والسمو بصناعتها من خلال أسلوب جميل وطريف، تتعالق فيه المفردات على نحو من التأليف بديع ممتع، ثم تنسكب في قالب من الإيقاع عذب ومنسجم، وهذا كما يمكن أن يتحقق بالعربية “الفصيحة”، يتحقق كذلك بغيرها كالعامية والأمازيغية واللغات الأخرى.

وقد تحدث عباس الجراري عن مقومات فريدة تتميز بها اللغة العامية فقال: «تنطوي اللغة العامية بطبيعتها على شفافية وفعالية ومرونة وحيوية تجعلها قادرة وباستمرار على امتصاص المعاني والأفكار الجديدة واكتساب الألفاظ والتراكيب الوافدة، يساعدها في ذلك عدم تقيدها بقواعد وقوانين متجمدة تحول دون تكيفها مع الواقع واستقبال كل الروافد واحتضان أي جديد». ولم ينفرد الجراري بهذا الرأي، بل وجدناه يتكرر عند أغلب المهتمين بالزجل المغربي والمتذوقين لحلاوته، أمثال محمد الفاسي وعبد الرحمان الملحوني ومحمد بنشريفة وأحمد سهوم وغيرهم.

فالزجل المغربي منذ بداياته الأولى طبع بإيقاعات الحياة اليومية، وتغلغل إلى أعماق الخواطر والنفوس يهزها هزا، لما فيه من صدق التعبير وجميله، ومن حرارة العاطفة والتصوير والأخيلة وتشخيص أحوال المجتمع وتقاليده وأعرافه. ولعل هذا ما يجعل الزجل في كثير من الأحيان، بفضل صياغته العامية، «أقدر من “الفصحى” على التقاط التفاصيل الجزئية لحياة الشعب والتعبير عن اللاوعي أو اللاشعور الجمعي، وما يكمن في ضمير الشعب من أفكار وآراء قد لا يستطيع أن يعبر عنها من خلال أدبه “الفصيح”، ولكنه يستطيع ذلك من خلال أدبه العامي، ومن خلال لغته العامية بما تملكه من وسائل تعبير، ومن خلال الرموز التي تختبئ وراءها المعاني الكامنة في ضمير الشعب».

وتنبغي الإشارة إلى كون الزجل المغربي منذ القديم عرف ما يمكن أن نصطلح عليه بظاهرة الازدواج اللغوي؛ إذ لم تكن لغة الملحون كلها عامية مائة بالمائة، لأن شعراء الملحون كانوا يدخلون في كلامهم كثيرا من الكلمات “الفصيحة” بعد إجرائها على الأسلوب العامي. وعلى هذا النهج سار أغلب مبدعي القصيدة الزجلية الحديثة بالمغرب، وفي طليعتهم الزجال ادريس أمغار مسناوي والزجال أحمد لمسيح وغيرهما…

4) كيف ترى التجربة الزجلية في السنوات الأخيرة …؟

تعرف التجربة الزجلية في السنوات الأخيرة دينامية لم تشهد مثيلا لها من قبل، إلا فيما سمي لدى العارفين بفن الملحون والزجل عامة «الصّابا دْ لشياخْ »، أي موسمهم الزاهر والخصب لكثرة ما نبغ فيه من الزجالين، وهو موسم يمتد من النصف الثاني من القرن الثاني عشر الهجري إلى أوائل القرن العشرين الميلادي كما جاء في كتاب القصيدة لعباس الجراري. ومما لا شك فيه أن الزجل المغربي الحديث، وهو يخطو هذه الخطوات الشجاعة إلى الأمام، لا يجادل أحد في كونه تحول إلى نص ممتع يوقظ مكامن اللذة، ويستحث القراء لما يجدون فيه من غذاء فني وروحي ومعرفي.. والحق أن الزجل المغربي منذ التسعينيات استطاع أن يسير بالموازاة مع الشعر المعرب في الخط التجديدي نفسه؛ هذا الخط الذي مكنه من مراكمة الكثير من سمات شعريته وأدبيته… غير أن النصفة تقتضي منا أن نسجل أن هذا الغيث الغزير الذي جادت به سماء الإبداع الزجلي منذ التسعينيات إلى اليوم، لا يخلو من بعض النصوص التي تعكر صفوه وعذوبته وتنحو به إلى الهشاشة، إذ ليس كل الغيث صحوا كما يقال. ولعل شيئا من هذا طال الشعر المعرب كذلك…

ويمكن القول إن سنوات التسعينيات والألفية الثالثة بالمغرب، قد أنتجت لنا جيلا جديدا من الزجالين المبدعين، لهم مهارات في تطويع العامية والارتقاء بها إلى مستويات الإمتاع والخلق والابتكار، جيلا تخلص من سنوات الصمت والكمون التي امتدت قبل العقد التسعيني، ليجد نفسه بعد ذلك في سياق ثقافي واجتماعي وسياسي وإبداعي يستحثه للظهور وشحذ آلياته اللغوية العامية لاقتحام عالم الكتابة باعتباره شرطا وجوديا لكل مبدع كيفما كانت لغة إبداعه. ويعتبر اقتحام الزجال المغربي الحديث لعالم الكتابة، ومن ثم لعالم الطباعة والنشر، نقلة فريدة قادته إلى التخلص من طور هيمنة الشعرية الشفوية، لينخرط بكل وعي في طور جديد نصطلح عليه شعرية المكتوب، وهذا مظهر آخر من مظاهر تطور الخطاب الزجلي الحديث اليوم، يضاف إلى ما تحقق على مستوى توظيف الصورة الشعرية والأسطورة والإيقاع وغير ذلك من المقومات الجمالية والمضمونية…

5) تعددت التجارب الزجلية في المغرب، وفي المغرب العربي، هل يمكننا أن نتحدث عن تأسيس تجربة جديدة بعيدة عن الكتابة الزجلية الأولى قبل الثمانينات …؟

تعددت التجارب الزجلية في المغرب خاصة وفي المغرب الكبير عامة. وهذا التعدد لا ينفي وجود تناص وتفاعل بين الجديد والقديم. فثمة دائما في كل جديد ترسبات قديمة قد تكون ظاهرة أو مضمرة، والدارسون المتتبعون هم من يستطيعون كشف ذلك.  وفي هذا السياق الإبداعي الشعري الذي سجل فيه الزجل المغربي الحديث تنوعا وتطورا في التجارب، لا يجب أن نغفل ذكر أن القصيدة الزجلية الحديثة بالمغرب تزامنت مع موجة قصيدة النثر التي اجتاحت التجربة الشعرية الجديدة في المغرب عموما. مع العلم أن هذه الموجة عرفت انطلاقتها عقب الثمانينيات وتقوت شوكتها في التسعينيات، حتى أن الكثير من النقاد رأى أن عهد قصيدة التفعيلة المبنية على تنوع القافية والروي قد ولّى، وفسح المجال لتألق قصيدة النثر الرافضة لقيود الوزن والإيقاع، والمتجهة إلى إنتاج شعر مرسل. ويبدو أن الزجالين أفادوا من معين هذا التحول، فجاءت قصائد بعضهم متحررة من الأوزان التقليدية للملحون.

وقد أشرت في خاتمة الجزء الثاني من كتابي “حركة الزجل المغربي الحديث” إلى إمكانية الحديث عن تجارب/ مدارس متنوعة في الزجل المغربي المعاصر مثل مدرسة “احمر” التي يمثلها إدريس بن العطار، وعبد الكريم اليانوس ومليكة فتح الإسلام وغيرهم، مدرسة “تيفلت” التي تضم إلى جانب إدريس مسناوي زجالين آخرين منهم إدريس الزاوي، واحميدة بلبالي، والميلودي العياشي، وإدريس فكري وغيرهم، ومدرسة تطوان التي على رأسها حسن المفتي وحسني الوزاني ومالك بنونة وغيرهم…

هذا التنوع في التجارب موجود أيضا في التجربة الإبداعية بالعامية في كثير من أقطار المغرب الكبير والمشرق العربي، ولا يخفى على المهتمين ما تجود به القرائح في مصر ولبنان، وفي الجزائر وغيرها…

6) هل يمكن أن يكتسح الزجل يوما الشعر الفصيح….

حدث إبان الصراع الذي نشب بين أنصار العامية وأنصار “الفصحى” في القرن الماضي أن توجس بعض أنصار اللغة (الفصحى) خيفة وزعموا أن لغتهم الرصينة سائرة إلى الزوال بسبب ارتفاع وتيرة الدعوة إلى العامية في مطلع القرن الماضي. ولكن توفيق الحكيم أعلن موقفا مضادا حين لاحظ أن العامية هي المعرضة حقا للزوال وليست (الفصحى)، لأن الفارق بينها وبين (الفصحى) يضيق يوما بعد يوم، وهي آخذة في الارتفاع إلى المستوى الفصيح. وهذا الارتفاع نحو منزلة الفصيح هو الذي قاده؛ أي توفيق الحكيم إلى بلورة مقولة “اللغة الثالثة أو الوسطى” التي لا تجافي قواعد (الفصحى)، ولا تتنافى مع طبائع الناس وحياتهم، بحيث يفهمها كل جيل وكل قطر وكل إقليم .

ومن زاوية نظري الشخصية، أقلع دائما عن إصدار أحكام مسبقة، لأن التكهن باكتساح الزجل للشعر “الفصيح” يجب أن يتم من منطلق استحضار الدراسات اللسانية وتحليل الخطاب والتداولية؛ حيث الاهتمام باللغات وبوضعياتها التواصلية. وما تشهده الساحة اللغوية اليوم فيه تفاعل بين العامية واللغة المعربة، وقد أشرت إلى ذلك في كتابي “حركة الزجل المغربي الحديث” ضمن مبحث “سؤال اللغة”. ويهمني، بدل الانخراط في عملية تخمين ما اللون الذي سيكون مكتسحا، أن أطرح أسئلة من قبيل: ما هي الحدود الفاصلة بين ما هو عامي صرف وبين ما هو معرب؟ كيف يمكن بلوغ مراتب الجمالية لدى المبدعين بغض النظر عن اللغة المستعملة؟ هل هناك لغة تقصر عن تمكين المبدع من تحقيق الفنية والجمالية وبلاغة القول؟ ما المعايير التي بها نستطيع الحكم باكتساح قول أدبي لآخر؟

وعموما إن اللغة العامية أداة تعبيرية قادرة على تشخيص هموم الناس وقضاياهم، لأنها لغتهم اليومية التي فطروا عليها وتشربتها عقولهم وقلوبهم منذ الصغر. والإبداع بها يضاهي في كثير من الأحيان الإبداع باللغة العربية المعربة؛ ولكن، يجب أن نعلم جميعا أن الجمال لا يسكن لغة دون أخرى، وإنما هو كامن في جميع اللغات، تفتقه مهارة المبدع وهو يستعمل الكلمات من أجل الخلق والابتكار وصناعة المعاني…

  • 7) مشاريعي المستقبلية:

بالنظر لتنوع القضايا النظرية والنقدية والجمالية المرتبطة بالممارسة النصية لفن الزجل، يحذونا أمل مستقبلي، نرجو أن يشارك فيه المهتمون بفن الزجل، قصد إضاءة حلقات أخرى تظل في حاجة ماسة لمزيد من الدراسة والتحليل، وتستحثنا لتعميق النظر ومضاعفة التفكر في آليات اشتغال فن الزجل. ومنها ظاهرة الانتقال من الإبداع باللغة المعربة إلى الإبداع باللغة العامية أو العكس، وظاهرة تنامي صوت الأنثى في تجربة الزجل المغربي منذ التسعينيات، وقضية الاتجاهات المعرفية والجمالية لحركة الزجل المغربي الحديث بما في ذلك الاتجاه الصوفي والفلسفي والغنائي والأسطوري، وتنوع المدارس الزجلية الذي لفت انتباهنا في المنجز النصي، علاوة على ظاهرة الزجل المغربي في المهجر، وقضية الصورة الشعرية في التجربة الزجلية العامية مقارنة بنظيرتها في التجربة الشعرية المعربة، وعلاقة الزجل المغربي بخطاب السلطة، والبحث في تاريخيته لتبين مواقع تطوره وجموده، وإشكالية الكتابة الإملائية غير الموحدة بين الزجالين، ومشروع التفكير في الإطار الموسيقي لهذا الفن وصياغة عروض يتميز بكفاية وصفية لمختلف تقطيعاته، ومسألة تلقي الخطاب الزجلي في المواقع الإلكترونية وبلاغة الجمهور، وتحولات القراءة والكتابة الزجلية في مسار الثورة الرقمية، وخصائص قصيدة الزجل النثرية.. وغير ذلك من القضايا التي نراها جديرة بالبحث والدراسة والاستقصاء…

  • 8) كيف يرى محمد يوستة الزجال محمد بوستة ، وماذا حقق … وماذا ينتظره …؟؟

يصعب على المرء أن يتحدث عن نفسه، لأن أصدق الصور عن الذات تلتقط بعيون الآخرين المنصفين. ولكن يمكن القول إن محمد بوستة كائن إنساني يميل إلى الهدوء والروية والتفكر… وهو عادة ما يغلب الجوانب الإنسانية في علاقاته مع الآخرين، مع ما يجلبه ذلك من عوائق في كثير من الأحيان…ولمحمد بوستة في مجال الإبداع الزجلي مآرب إنسانية وجمالية، حقق بعضها، ولا يزال العراك الفني مع اللغة مستمرا لتحقيق بعضها الآخر…

لقد وهبنا الله نعمة الحياة، ويجدر بنا جميعا استثمارها لنبذ العنف والفساد والتضليل والتهميش والميز بمختلف ألوانه… ولزرع قيم الخير والصفاء والنبل… ولفتح قنوات التواصل والحوار…  وأعتقد أن مدخل الإبداع من مداخل إغناء مختلف هذه القيم قصد الرقي بمفهوم الإنسان من حيث هو إنسان… ويحق لي أن أفخر بما حققته من إنجازات في مسيرتي التدريسية والتأطيرية والإبداعية، وفيما نسجته من علاقات راقية… ويبقى الأمل مشرئبا إلى بذل مزيد من التضحية قصد إفادة الإنسانية…

  • ورقة تعريفية عن الزجال محمد بوستة

محمد بوستة باحث مغربي في الآداب والثقافة الشعبية وقضايا التربية والتكوين، حصل على شهادة استكمال الدروس في الأدب الحديث من كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، وعلى الماستر في تخصص علوم النص وتحليل الخطاب، وعلى شهادة الدكتوراه في الآداب من كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن زهر، أكادير. من أعماله الإبداعية ديوان “غيمة الفجر” الفائز سنة 2015 بالجائزة الأولى في مسابقة جرسيف للزجل.

ومن مؤلفاته:

– كتاب “شعرية القصيدة الزجلية المغربية الحديثة، دراسة في ديوان “مقام الطير” للزجال إدريس أمغار مسناوي”؛ 2014؛

– كتاب حركة الزجل المغربي الحديث: الأسئلة النظرية والمنهجية، 2021؛

– كتاب حركة الزجل المغربي الحديث: البنيات النصية والدلالية، 2021؛

– كتاب بيداغوجيا التدريس المتمركزة على المتعلم في مادة اللغة العربية، 2022؛ (بالاشتراك مع الباحث كريم بلاد)؛

لمحمد بوستة مقالات ودراسات نقدية منشورة بجرائد ومجلات مغربية، وبكتب جماعية.. شارك في عدة ملتقيات وندوات ومهرجانات ومؤتمرات وطنية ودولية مهتمة بالأدب ونقده، يعمل حاليا مفتشا تربويا في التعليم الثانوي التأهيلي لمادة اللغة العربية…

 

 

عن madarate

شاهد أيضاً

حوار مع الزجال فؤاد البياز القاسمي حاوره الشاعر الحسَن الگامَح

حوار مع الزجال فؤاد البياز القاسمي حاوره الشاعر الحسَن الگامَح     كيف يرى الزجال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *