بورتريه شيخ الملحون الذي لم يشخ أبدا الحسَن الكامَح
قيل لي: من هو عمر بوري رحمه الله …؟؟
وهذا من باب التعريف لا من باب الـتصنيف… ومن باب التأليف لا من باب التحريف.
قلتُ: هو الفيلالي الأصل… الروداني المولد… الجزار المهنة… الملحوني الهوية والتعلق والنظم والإنشاد.
عشق الملحون صغيرا وكيف لا وأبوه وجده كانا من المهتمين به…؟ فكيف لا وهو من تعلم على يد أكبر شيوخ الملحون بتارودانت…؟ فكان حافظا لأشعار الملحون.
فهو العصامي الذي لم يدرس إلا في المسيد إلا قليلا… وهو القوي الذاكرة يحفظ القصائد الطوال دون أن ينسى منها حرفا… وهو الناظم الذي لم يتعب من النظم في سهر ليلا طويلا… وهو المنشد ذو الصوت الدافئ والنبرة القوية لا يبخل على جلسائه أو عشاقه أن يتحفهم بما جدت قريحته من شعر الملحون… ومن سير أهل الملحون… بيته مفتوح للبعيد والقريب… كريم في عطائه… حكيم في صمته…
فهو شيخ الملحون بتارودانت بلا منازع… وهو القلب النابض بين أسوارها العتيقة.. وبواباتها المتعددة.
(أقرأ صمتك حكمةً
لا مثيل لها
وأنت جالس في مكانك المعتاد
تنظم ما تيسر لك من قول وأقوالِ
وأنت المستغني عن الشهرة
وقد تعاليت عن كراس
كي تمضي في طريقك عاشقا للحكمة والأمثالِ
لا أقول شيخا
بل شيخ الشيوخ
من تربع على عرش الملحون
برودانة الأميرة، شاعرها وسيدها بلا زوالِ
فتحت الصدر للبعيد
فكنت حاتمها الطائي
وحضنت القريب فكنت الأب الأبي
لا تعطي كي يقال جوادا في تعالِ)
وليس هناك من وصف تارودانت مثله حين قال إحدى قصائده:
(فَـالـْبَابْ ادْكـَاكـَنْ يَمْنُه وِيسَـارُه
مْقَـابْلِينْ سَاحَة مَسْـرَحْ البْصَرْ
وَاسْـوَارْ اتْـحَـصّنْ لـُو وْكـَــارُه
وَابْـرَاجْ عَـالـْيَا شَهْوَة فَالمَنْظرْ
وَاشـْرَارْفْ كِـيفْ التَّـاجْ سَارُوا
إِلـَى اتْـزِيدْ عَـنُّـه شَعْرَة يَخْسَرْ)
وصف دقيق لمدينة سكنته طول حياته أكثر من ثمانية عقود، ينظم فيها شعرا ويرفعها عاليا بين المدن الأخرى إبداعا ونظما، فكرمته مدن أخرى شيخا لا يشيخ مهما بلغ بع العمر عتيا… أو تناقلت أشعاره بين الألسن منشَدا وملحنا… هو عمر بوري الشيخ الذي تواضع شعرا وإبداعا فرفعه الله عاليا بين كل عشاق الملحون.
(أقرأ صمتك حكمةً
لا مثيل لها
وأجول بين القصائد أختار ما يهزني ليال طوالِ
أجول بين الكلمات والاستعارات
وقد تساوت بين أناملي عشقا ارتقى بي
في جنان الخيالِ
يا شيخنا توحدت فيك من الصفاتِ
ما في غيرك تفرقت
وأنت الكريم الذي علمنا أن الصمت حكمةً
إن نطق الشعر معتليا عرش الجمالِ
كمْ من قصيدة سمت بنا بين النجوم
وأنت نجم تارودانت من يضيء الملحون في إجلالِ)
فتحية إلى روحه الزكية من القلب إلى القلبِ…
وسلاما لروحه سلاما… يكفر عني ما نسيته من تذكير أو تعريف به وهو المعرف الذي لا يحتاج للتعريف.
أكادير:30 أبريل 2024