إلى أمي في اليوم العالمي للشعر
لماذا الشعر
لم أكن أعرف أني حين كنت أرضع حليب أمي، كنت أرضع معه حب الكلام (الشعر والحكمة)، فأمي ليست شاعرة بالمفهوم للكلمة من قول الشعر، لكن حفظها للأمثال والحكم جعلتني من حين لحين وأنا أكبر في حضنها استنشق جمال الكلام وبلاغته، فأطلب منها أن تعيد المثل مرتين حتى أتمكن من حفظه، وفهم مدلوله، وإن لم أستطع لوحدي أسألها معناه فتشرحه ببساطة شديدة، فبذاكرتها القوية استطاعت أن تحفظ كل ما كان جدي يقول وكل حكماء القرية، من حكايات وأحداث وأمثال وحكم. فورثت منه كل هذا، وهو الإرث الوحيد، لا أرضا ولا شجرة رغم أن جدي ترك الأراضي والدوالي والأشجار المثمرة ( وهذه حكاية أخرى كلما تذكرها أمي تشعر بأنها تعاني من الحرمان).
(هو الشعر في حضنك
ينبع ماء فيرويني عمرا
هو الشعر بين يديكِ ينبتُ زهرا
فيعطرني ليال لا أعدها إلا بحرا
هو الشعر أمي لا يستقيمُ إلا بين ثناياك
مجازا واستعارات
يذكرني بطفولة أثمرت في النهى سفرا)
أول القصائد التي كتبتها طبعا كانت عن أمي، كتبت عنها الكثير، وأشعر في قرارة نفسي، أني لم أكتب ما يكفي، هذا الإحساس أشعر به كلما اقترب اليوم العالمي للشعر واليوم العالمي للأم، قد يكون الأمر بسيطا لكنه يشعرني بأني عاجز عن كتابة نص أرتاحُ فيه، فبمجرد ما أنتهي من نص، أقول هذا هو النص المفقود، لكن بعد مرور أيام قليلة تعاودني نفس الفكرة ونفس العتاب. قد يكون ما كتبت عنها يفوق أكثر من العشرات والعشرات، إلا أن هذا الإحساس يؤلمني ويزعجني، وأتساءلُ كل مرَّة: هل فعلا أننا كشعراء بوأنا أمهاتنا منزلة تستحقها شعرا، أم أننا نمنح فيض أشعارنا إلى شيء آخر ناسين ما تحملته أمهاتنا من متاعب من أجلنا؟
(لا شيء يستحق أن يقالُ
إن لم أعانقك في يومك هذا شعرا
لا شيء يستحق أن يقالُ
وأنت ممددة في فراشك
تدعين لي أن يمنحني الله صبرا
كي أشق المدى
أكتب ما يؤرخ الاسمَ نصرا
لكني أخشى أن يعاقبني التاريخ يوما
إن لم أؤرخك شعرا)
ما زلت أذكر ما كتبت في أيامي الأولى، حين كنت أتعلق بأشجار الكتابة لعلي أتسلق واحدة، لأطل منها على أمي شاعرا صغيرا يحلم أن يمتطي صهوة الشعر ويمضي بعيدا بين الخيال، يعانق آلاء الجمال ويكتب ما يحلو له من مفردات مثنى وثلاث شتى، كأن الوقت لم يمضي مسرعا.
(الأم ليس قصيدة تكتب وتنسى
بل تحفر في القلب وفي النهى،
الأم سنبلة الحياة بمائة حبة
لا تذبل جذورها في الروح ولا تبلى…
الأم طريق إلى الجنة العليا، شعرا أو نثرا)