الأميرة رودانة: تيوت قصيدة السحر والجمال … (الجزء الثالث) – الحسن الگامَح
لماذا الشعر…؟
(عن أرض تنبت سحرا
أبحثُ بين ثنايا التاريخ
وأمضي أتصفح التاريخ عمرا
عن أرض تكتب بين أحضانها قصيدة
لها عبق الجمال ممتد بين الواحات
والماء قد استوى أريجا ينطق الروح شعرا
هي تيوت قصيدة السحر
التي فتحت صدرها لي فاتنة
تكتبني على بساط البياض صبرا:
تريث يا شاعرا
أنت في حضني
فاسمع لنشيدي ولا تكثر القول سِفرا)1
ما زالتْ صورتها أمامي لوحة فوتوغرافية لم تلتقط بعد، وقصيدة شعرية نابعة من عمق التاريخ لم تكتب بعدُ،
ما زلت أذكر كيف فتحت ذراعيها لي في رحلة شعرية لاكتشاف أغوارها وأسرارها، وأنا أشق المسافات تلو المسافات واسمها لا يبرح لساني لحنا أندلسيا يغازلها.
كانت فاتنة وهي كذلك، لها سحر خاص لا مثيلَ له بين مدن هذه الأرض، سوت الجمال على شكلها فامتدت على بساط شاسع تلفها واحات النخيل والماء الزلال يشقها ويسقي هذا النخيل الباسق الضارب في التاريخ، ويروي عشاقها الذي بنوا بيوتا عتيقة بالطين والجير والأحجار في الأول، ثم غيروا المواد بتقدم السنوات، ورياضات في صحنها نافورة وأشجار الليمون، أرضها بالفسيفساء الملونة تزينتْ وأسقفها بالجبس المنقوش تجملتْ، وعيدانها واقفة ضد النسيان تحكي للتاريخ أسرارها.
((تيوت يا أرض الخصب
يا واحات النبض في القلبِ
يأتيها الماء متعبدا ليسقيها برضى الرب سلاما
تيوت منْ أعطاك ما أعطاك…؟
من جمال لا يزالُ فراديا
وإن لم يكن ربانيا، فقد أعصي ربي
وآتيك متيما أشرب خمر الشعر مداما
تيوت يعجز اللسانُ أن يبوح بعشقك
فكيف أصوغ الجمال جمالا
وكيف أقرأ النور وهو يعري الظلاما…؟؟
سأختارك من غيرك
لأركن فيك عاشقا
قدْ هام فيك يزرع في أرضك السلاما )2
وأنت تجول في أرضها بين دروبها الضيقة يأتيك صوت أطفال يتلون القرآن جماعات، فلا يتركك فضولك الاكتشافي أن تفتح الباب وتدخل إلى إحدى المدارس العتيقة: أطفال هنا وهناك في حلقة حول شيخ يحفظون القرآن أو الأحاديث، يجلسون على حصير تآكلت أعضاؤه فصار قابلا للتفتت، وما إن يأتيك الآذان من صومعة معلنا الصلاة، حتى ترى الأطفال يركضون لجمع الألواح، والجري إلى المسجد القديم جنب المدرسة العتيقة، هنا لازالت بصمات شيوخ مروا من هنا لقنوا وعلموا حتى جاءهم اليقين فرحلوا إلى دار البقاء.
وقبل أن تضمك واحة النخيل الشاسعة عليك أن تقف أما صهريج مائي، وأشعة الشمس تعكس ظلك على سطح الماء:
من أين جاء هذا الماء واستقر هنا، معلنا العصيان على الجفافِ، ليمر عبر السواقي…؟
ما زالت مطاحن مائية للزيتون تقاوم الزمان، رغم ما أصابها من إهمال، وهي التي كان يجتمع حولها السكان كل سنة لاستخراج الزيت الأصيل.
وما زالت أغصان هذه الأشجار ملتفة فيما بينها كأنها شجرة واحدة اتحدت ضد أشعة الشمس وضد الحرارة، قد يستهويك الجلوس هنا وشرب كأس شاي لتستمتع بروعة المكان، تحت هذه الظلال الوارفة، لكن فضولك الاكتشافي لم يشبع من هذا الجمال، فالواحة لم تطرق بابها ولم تتجول بين نخيلها الباسق الشاهد على فتنة المكان وروعة الجنان،
(أنتِ يا ساحرةً لا يكتب الشعرُ عنك
بل يأتيك راكعا يطلب العفو
كي تكتبيه سحرا وتسقطين عنك الكلاما
أنتِ هذا المكان الضارب في الزمانِ
لا تحتاجين لضوء
كي يرسمك على جدار الذات
بل أنت الضوء المنبعث الآن أمامي
يفتح الذاتَ اكتشافا واعترافا
على أنشودة
سبحان ربي يرددها في قلبي النبض إماما)3
مراجع:
- قصيدة السحر والجمال
- قصيدة: أرض الخصب تيوت
- قصيدة: أرض الخصب تيوت