هَلَّ الهلال…(1/ 2)
المختار النواري
هَلَّ علينا رمضان فأهْلاً بالهلال..
هَلَّ علينا رمضان بطلعته البشوشة متهللا..
فهَلَّت أسارير العباد بحسن البشر، وتطلعت إلى حلاوة الذكر..
هَلَّ علينا هلال رمضان فأنار الفضاء، وازينت السماء..
واستنارت الوجوه في الأرض..
هَلَّ الهلال فازدانت السماء بقوس فضي..
أو بحاجب لمّاع، أو بثغر مضيء..
قد رأيت أنا فيه هذا، وللرائي أن يرى في صورته ما يريد، وله من فسحة الخيال ما يملأ مدّ البصر من الأرض إلى السماء. وما يغطي به الامتداد من الحجر إلى الماء، وما يساعده على صروف الحياة من أدوات يستعين بها، ووسائل يعتني بها، لعله يمر بين صعابها مرور الهلال في السماء، أو ينسل في سلوكه بين مطباتها انسلال الهلال بين الغيوم.
الهلال في اللغة:
للهلال في اللغة عدة معاني، تداخل الوجود بقوة، وتفعل في عناصره الأساسية، سماء وأرضا، وإنسانا وحيوانا، وماء وترابا. تجعله تلك المعاني يخرق من السماء إلى الأرض، ويسكن بها الإنسان، ويجسد بها الحيوان، ويحرك بها الجماد، فيقولبه بالصورة التي يريد، ويُجري بها الماء، فيسيل، أو يحتضنه الصخر، فيحاصر.
معنى الجرم السماوي:
يحضر الهلال في السماء، ولعلها منطلقه الأول، فيُرى بعيدا، فريدا في محيطه الداجي الأسود، جميلا مضيئا، يكسف ما يحيط به من كواكب ونجوم، ويبزها بنموه البطيء، المرهون بيد الزمان، فيزداد حجمه ليلة بعد أخرى، ويقول بأن زمن الوجود هو ليلي، ويعطي على ذلك دليل النمو التدريجي، وليس أبدا نهاري، وأن الشمس ليست سيدة الزمان ولا المكان، فهي راحلة متنقلة، منبثقة مبهرة، حارقة مضرة، تطلع بسرعة أقل ما يقال عن طلوعها أنه شروق ونور (أنارت) وبزوغ، وتغرب بسرعة أقل ما يقال عنه أنه غروب أو غياب أو شفوف أو أفول أو تواري أو وجوب أو سقوط، وليس لها ذلك النمو التدريجي. وليست الشمس سيدة الزمان، فهي لا تقيس الزمان لوحدها، وإنما بمساعدة نقيضها الظل، فضلا عن كون مقياسها الزماني نهاري، لا يتجاوز ساعات النهار، بينما مقياس القمر بالأيام، ويستضمر تحته المقياس الشمسي، الذي ينحصر في النهار والساعات، كما أنه يدلل على أنه سيد السماء في الليل، وسيد الكواكب والنجوم، ويجعل البشر يعرفونه كبارا وصغارا، متعلمين وجاهلين، علماء وعاديين، في الوقت الذي قد لا يعرفون غيره مما يرونه ليلا من كواكب السماء ونجومها. تتأمله العيون ولا يغشيها، وتتمدد تحت ضوئه الأجساد ولا يحرقها، وتهتدي بنوره السراة فلا يضلهم، ويختفي تحته المبتلون فلا يفضحهم، ويستظل بشعاعه المتبتلون فيُنْصِحهم.
الهلال تعليم على البداية الزمنية، وتحديد للأولية بما تعنيه من انطلاق للعد وتحديد له، وانطلاق الزمان وتوقيت له، وما يبنى عليهما من أعمال مؤقتة بهما، ليلة أولى وليلتان وثلاث ليال وسبع، وقرنوه بشدة إضاءته (حتى يبهر ضوؤه… حتى يكمل نوره… حتى يتبين ضوؤه… حَتَّى يُحَجَّرَ…).
جاء في المعجم: “الهِلالُ: غرَّة الْقَمَر أول الشَّهْر، وَقيل: يُسمى هِلالاً لليلتين من الشَّهْر، ثمَّ لَا يُسمى إِلَى أَن يعود فِي الشَّهْر الثَّانِي، وَقيل: يُسمى بِهِ ثَلَاث لَيَال، ثمَّ يُسمى قمرا، وَقيل: يسماه حَتَّى يحْجر، وَقيل: يُسمى هلالاً إِلَى أَن يبهر ضوؤه سَواد اللَّيْل، وَهَذَا لَا يكون إِلَّا فِي اللَّيْلَة السَّابِعَة، قَالَ أَبُو إِسْحَاق: وَالَّذِي عِنْدِي وَمَا عَلَيْهِ الْأَكْثَر أَن يُسمى هِلالاً ابْن لَيْلَتَيْنِ، فَإِنَّهُ فِي الثَّالِثَة يتَبَيَّن ضوؤه. وَالْجمع أهِلَّةٌ”. [المحكم والمحيط الأعظم: 4/ 100 ـ 101.] وَقَالَ بعض أهل اللُّغَة يُقَال لَهُ هِلَالٌ لليلتين ثمَّ يُقَال بعدُ قَمَرٌ وَقَالَ بَعضهم يُقَال لَهُ هِلَالٌ إِلَى أَن يَكْمُلَ نورُه وَذَلِكَ لسبع لَيَال والأوّلُ أشبه وَأكْثر وَقد أبنتُ ذَلِك فِي بَاب أَسمَاء الْقَمَر وَصِفَاته. [المخصص: 5/ 211.] “ابْن السّكيت أوَّلُ مَا يُرَى القَمرُ – فَهُوَ الهِلَال لَيْلَةَ يَهِلُّ ثمَّ يكون كَذَلِك لليلة ولليلتين ولثلاث قَالَ أَبُو إِسْحَق يُسَمَّى هِلَالاً ثلاثَ ليالٍ – ثمَّ يُسَمَّى قَمَراً قَالَ وَقَالَ بَعضهم يُسَمَّى هِلالاً حَتَّى يُحَجَّرَ وَقيل يُسَمَّى هِلَالاً إِلَى أَن يَبْهَرَ ضوؤُه سوادَ اللَّيْل وَهَذَا لَا يكون إِلَّا فِي اللَّيْلَة السَّابِعَة وَالْجمع أَهِلُّةٌ”. [المخصص: 2/ 376.] والهلالُ يُرَى فِي أول اللَّيْل فَتَصِير اللَّيْلَة مَعَ الْيَوْم الَّذِي بعْدهَا يَوْمًا فِي حِسَاب أَيَّام الشَّهْر وَاللَّيْلَة هِيَ السابقةُ فَجرى الحكم لَهَا فِي اللَّفْظ. [المخصص: 5/ 204.]
ورَسْم الهلال قاطع في استحقاقه التسمية أم لا، باث في المدة التي قد يستغرقها. ولكن لعلوقهم برسمه، وبإيحاءاته الكثيرة، وبجماله حتى، أصروا أن ترافقه التسمية لأطول فترة ممكنة ـ سبعة أيام ـ وذاك ما يعادل ربع الشهر.
فمن معنى الهلال في اللغة ما يتراءى للرائي من ضوء القمر في السماء في زمن معين من الشهر، أولا “ثمَّ لَا يُسمى إِلَى أَن يعود فِي الشَّهْر الثَّانِي”، [المحكم والمحيط الأعظم: 4/ 100 ـ 101.] وكأنه قوسان يحفان الشهر (الشهر)، أو مدته الزمنية على التدقيق، بداية وإعلان بداية موالية، التي ما هي إلا اعتراف ضمني بالنهاية. ولا أدري لم سميت علامة الترقيم بالقوس اسما حربيا، ليس اسما زمنيا في أقرب إدراك ـ هلال ـ أو اسما جماليا في أبعد إدراك؟! ألأن الكتابة حرب، والصفحة ساحة معركة، والأقلام رماح؟ أنحتاج في الكتابة إلى دفاع وحماية؟ فما نضعه بين قوسين يُحمى مما قبله ومما بعده؛ أم أنه يُحاصَر حتى لا يطغى بسطوته على ما قبله أو على ما بعده؟ هل الهلال رسم سماوي أو بلغة الخط كتابة سماوية، تعلم منها الإنسان رموزا للرسم والخط والنقش؟ ألم تكن الطبيعة في الأصل معلمة الإنسان؟ ألم تكن المكنونات والأسرار الإلهية في الطبيعة مقصودة ليتعلم منها الإنسان؟
وفسر اللغويون تسميته بالهلال تفسيرات منها ما قَالَه أَبو الْعَبَّاسِ: وَسُمِّيَ الهلالُ هِلالًا لأَن النَّاسَ يَرْفَعُونَ أَصواتهم بالإِخبار عَنْهُ. (لسان العرب: 11/ 703.) والهلالُ مُشْتَقّ من قَوْلهم أهَلَّ بِالْعُمْرَةِ وَالْحج إِذا رفع صَوته فيهمَا بِالتَّلْبِيَةِ فَقيل لَهُ هِلَالٌ لِأَن النَّاس يُهِلُّون إِذا رَأَوْهُ يُقَال أُهِلَّ الهلالُ واسْتُهِلَّ وَلَا يُقَال أَهَلَّ وَيُقَال أَهْلَلْنَا – إِذا دَخَلْنَا فِي الْهلَال وَقَالَ بعض أهل اللُّغَة يُقَال لَهُ هِلَالٌ لليلتين ثمَّ يُقَال بعدُ قَمَرٌ وَقَالَ بَعضهم يُقَال لَهُ هِلَالٌ إِلَى أَن يَكْمُلَ نورُه وَذَلِكَ لسبع لَيَال والأوّلُ أشبه وَأكْثر”. [المخصص: 5/ 211.]
فهو مرتبط بالممارسات الدينية المقدسة، حَجّا ورمضانا، وغيره من الشهور، ومؤقِّتا لمناسبات دينية كثيرة، بل ومرتبطا بسلوكات حياتية معاشية واجتماعية. إنه يتغلغل في حياة الناس وسلوكهم وممارساتهم، أفلا يُحتاج للتباشر به، ورفع الصوت إعلانا بقدومه، حتى اشتقت أسماء ممارسات دينية منه (التهليل ـ الهيللة)، وسمي كل رفع للصوت إهلالا.
وللهلال معنى الإنسان كلا أو جزءا:
كلا إذا قيل: “الهِلالُ: الْغُلَامُ الحسَن الْوَجْهِ”؛ [اللسان: 11/ 704.]
جزءا إذا قيل: “الهِلالُ: الْبَيَاضُ الَّذِي يَظْهَرُ فِي أُصول الأَظْفار”. [المحكم والمحيط الأعظم: 4/ 102. المخصص: 1/ 148. اللسان: 11/ 704.] “وَهُوَ بَيَاض يظْهر وَيعود”. [المخصص: 1/ 148.] “وهِلالُ الإِصبعِ: المُطيفُ بِالظُّفْرِ”. [اللسان: 11/ 704.]
فما يشبه الهلال يحتل من الإنسان أوله كما يحتل الهلال ذلك من الشهر، يشبهه في الصفة ـ نورا وبهاء ـ إذ أول ما يطلع من الإنسان طلعته ـ وجهه ـ ولم يقل رأسه لأن الوجه بإشراقته يغطي خلفه سواد الشعر، الذي يملأ المنابت ـ قفا وقنة ـ وشرطوا الصفة في الغلام ـ غير المنبت، أو الأمرد كما يسمى ـ وقرنوه بصفة الملاحة والجمال (الحسن الوجه).
وما يشبه الهلال استحضروه بعكس صفة الأولية إلى الآخرية، فحمل الإنسان من رسم الهلال شيئا في أصابعه، وهو المحيط بأصول أظفاره، ويكون أبيض مخالفا لباقي لون الظفر، وهو من علامات الصحة عموما وصحة الأصابع والأظفار، فإذا انكسف حمل إنذارا بأن شيئا ما ليس على ما يرام. وهو في عموم الإنسان ملمحا من ملامح الصحة والجمال، وكلما زاد نقاء وصفاء، كلما كان أجلب للنظر، وأريح للنفس، ومثار إعجاب.
وللهلال معنى حيواني:
فهو يشير من الحيوان إلى كائنين عرفهما العربي في صحرائه، أحدهما نافع والآخر ضار، هما البعير أو الحية. والنافع منهما ـ البعير ـ يضر نفسه من حيث ينفع الناس، فهو بكثرة سفاده ونزوه على النوق يهزل حتى يتقوس كالهلال.
فالهِلالُ: “الجمَل الَّذِي قَدْ ضرَب حَتَّى أَدَّاه ذلك إِلى الهُزال والتقوُّس”، [المحكم والمحيط الأعظم: 4/ 102. المخصص: 2/ 166. اللسان: 11/ 703.] “والتَّقْوِيس والمُسْنِف الضامِرُ”. [المخصص: 2/ 166.] اللَّيْثُ: يُقَالُ لِلْبَعِيرِ إِذا اسْتَقْوَس وحَنا ظهرُه وَالْتَزَقَ بَطْنُهُ هُزالًا وإِحْناقاً: قَدْ هُلِّلَ الْبَعِيرُ تَهْلِيلًا؛ قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
إِذا ارْفَضَّ أَطرافُ السِّياطِ، وهُلِّلَتْ جُـرُومُ المَـطايا، عَـذَّبَـتْـهُنّ صَيْـدَحُ
وَمَعْنَى هُلِّلَتْ أَي انحنتْ كأَنها الأَهِلَّة دِقَّةً وضُمْراً. وهِلالُ الْبَعِيرِ: مَا اسْتَقْوَسَ مِنْهُ عِنْدَ ضُمْره؛ قَالَ ابْنُ هَرِمَةَ:
وطارِقِ هَمٍّ قَدْ قَرَيْتُ هِلالَهُ، … يَخُبُّ، إِذا اعْتَلَّ المَطِيُّ، ويَرْسِمُ [يَرْسُمُ]. [اللسان: 11/ 703.]
والضار منهما ـ الحية ـ ينفع نفسه من حيث يضر الناس بدفاعه عن وجوده، وضمان بقائه، فلا يُبقي على غيره.
والهلال: الْحَيَّة؛ [المخصص: 2/ 313. 3/ 62.] أو “الْحَيَّة مَا كَانَ، وَقيل: الذّكر من الْحَيَّات”؛ [المحكم والمحيط الأعظم: 4/ 102.] وقيل: “الحيّةُ الذّكُر”؛ [العين: 3/ 353.] وقيل أيضا: “هُوَ فَرْخُ الحَيَّة”؛ أو “ضَرْب من الحَيَّات إِذا سَلَخَت فَهِيَ هِلَال”؛ [المخصص: 1/ 50.]
وللهلال معنى الأداة الصناعية:
تفيد معنى المساعدة، لأن الأدوات في أصلها ما اختلقت إلا لتيسر الحياة على الإنسان، فهي تساعده على قضاء المآرب التي يسعى إليها. وقد تكون متخذة شكل الهلال:
ـ فهي مساعدة على ضبط حمله والتحكم فيه: “الهِلالُ: الحديدة الَّتِي تضم مَا بَين حنوي الرحل”؛ [المحكم والمحيط الأعظم: 4/ 102.]
ـ أو هي مساعدة على إعاقة حركة الحيوان: الهِلالُ: شَيْءٌ تُعرقَبُ بِهِ الحميرُ؛ [المحكم والمحيط الأعظم: 4/ 102.اللسان: 11/ 704.]
ـ وقد لا تتخذ شكل الهلال ولكنها تبقى مساعدة على الدفاع عن النفس، فتكون أداة محددة الأعلى: “الهِلَال حَرْبة على صِفّال هِلاِل”؛ وعند الْأَصْمَعِي هي “المِخْزَق، عُود فِي طَرَفه مِسْمار مُحَدَّد”. [المخصص: 2/ 24.]
وللهلال معنى الجماد الصخري:
وللهلال معنى الصخر المرصوص بشكل هندسي قريب من هلال السماء:
وعن الأصمعي: الهِلال: الْحِجَارَة المرصوف بَعْضهَا إِلَى بعض. [المحكم والمحيط الأعظم: 4/ 102. المخصص: 3/ 61 ـ 62. اللسان: 11/ 704.]
وله أيضا معنى البناء الكامل، الذي يتخذ هندسة الهلال:
فالحِصْنُ: الْهلَال. [المحكم والمحيط الأعظم: 3/ 154. المخصص: 2/ 377.]
وللهلال معنى الصخر من خلال حضوره في الأثاث المنزلي: باعتبار ما كان، فالشكل الهندسي الدائري الكامل هو ما سيكونه الهلال، أو الصورة الهندسية التي يتحول إليها شيئا فشيئا، ومن الأثاث المنزلي ما يكون دائريا:
الهلالُ: الرَّحَى؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الرَّاجِزِ:
ويَطْـحَنُ الأَبْـطالَ والقَـتِـيرا طَحْنَ الهِلالِ البُرَّ والشَّعِيرَا [اللسان: 11/ 704.]
فإذا حدث طارئ وتهددته الآفات، انكسر وانقلب شكله الدائري إلى نصف دائري بقسمة مناصافة أو غير مناصفة فتعود الدائرة ـ القمر ـ إلى أصلها ـ الهلال ـ
الهِلالُ: نصف الرحى. [المحكم والمحيط الأعظم: 4/ 102. المخصص: 3/ 62. اللسان: 11/ 704.] والهِلالُ أيضا: “الْقطعَة تنكسر من الرّحى”. [المخصص: 4/ 35.] أو “طَرَفُ الرَّحَى إِذا انْكَسَرَ مِنْهُ… قَالَ ابن الأعرابي: وَيُقَالُ للرَّحى هِلال إِذا انْكَسَرَتْ”. [اللسان: 11/ 704.]
وللهلال معنى الصخر المفتت فيصبح غبارا، حينما تشكل الطبيعة منه أشكالا هندسية، لعل أحدها الغبار، وكلما لُوِّن بالسواد كلما كان شكله أبين للعين:
الهِلالُ: الْغُبَار. [المحكم والمحيط الأعظم: 4/ 102. اللسان: 11/ 704.] وَقِيلَ: الهِلالُ قِطْعَةٌ مِنَ الغُبار. [المخصص: 3/ 43. اللسان: 11/ 704.] وعند صَاحب الْعين الديجور: “الْغُبَار الْأسود”. [المخصص: 3/ 43.]
وللهلال معنى الماء:
إما في صلته بالصخر فالحوض الطبيعي من الماء يجمع بين ماء وصخر
قال ابن دريد: الهِلالُ: بَقِيَّة المَاء فِي الْحَوْض. [المحكم والمحيط الأعظم: 4/ 102. المخصص: 2/ 446. اللسان: 11/ 704.] وعن ابْن الأَعرابي: والهِلالُ مَا يَبْقَى فِي الْحَوْضِ مِنَ الْمَاءِ الصَّافِي؛ قَالَ الأَزهري: وَقِيلَ لَهُ هِلالٌ لأَن الْغَدِيرَ عِنْدَ امْتِلَائِهِ مِنَ الْمَاءِ يَسْتَدِيرُ، وإِذا قلَّ مَاؤُهُ ذَهَبَتِ الاستدارةُ وَصَارَ الْمَاءُ فِي نَاحِيَةٍ مِنْهُ”. [اللسان: 11/ 704.]
وقد يحافظ الغدير الممتلئ بصورته الأصلية في إسمه، فبعد أن كان قليلا على شكل هلال ها هو ذا كثيرا ممتدا دائريا أو مستطيلا أو متداخل الأشكال، ولكن إسمه يبقى فيه شيء من الأصل ـ الهلال ـ فيسمى هلاهلا، فعن اللَّيْثُ: الهُلاهِلُ مِنْ وَصْفِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ الصَّافِي”. [اللسان: 11/ 704.]
أو في صلته بالسماء
ولسقوط المطر معاني مما في الهلال فمصدره السماء، وهو بداية دورة الحياة السنوية، وقد يتشكل في انصبابه مع دفع الريح له أشكالا، أحدها الهلال
هَلَّ السَّحَاب بالمطر، وهَلَّ الْمَطَر هَلاًّ، وانهَلَّ واستهَلَّ وَهُوَ شدَّة انصبابه. والهلالُ: الدفعة مِنْهُ، [المحكم والمحيط الأعظم: 4/ 100.] وَقيل: هُوَ أول مَا يصيبك مِنْهُ”، [المحكم والمحيط الأعظم: 4/ 100. المخصص: 2/ 434.] وَالْجمع أهِلَّة، على الْقيَاس، وأهاليلُ نادرة. [المحكم والمحيط الأعظم: 4/ 100.]
إن هذا الاستعراض لما في اللغة من معاني الهلال ودلالاته، يرصد لنا قطبين دلاليين أساسيين فيه: الأول تعلم الإنسان من الطبيعة الأشكال الهندسية في مراحل تكونها إلى درجة اكتمالها (القمر وأطواره = الدائرة وأجزاؤها)؛ الثاني أن التعلم يكون لغاية نفعية (الأدوات)، أو لغاية جمالية، فمن إعجاب الإنسان بجمال الهلال الهندسي يسقط إسمه على كل ما يراه متخذا شكله، متقوسا بالتحول (البعير)، أو بالطبيعة (الحية ـ الماء في الحوض ـ ماء المطر)؛ أو بالمحاكاة فمن تعلم الإنسان من الهلال اتخاذه شكله الهندسي ومحاكاته فيما يصنع من هندسة معمارية، أو أداتية،
[يُتبع بالجزء الثاني: الهلال في الثقافة والأدب]
ناقد من المغرب