أكادير فتنة الدنى… (الجزء الخامس) الحسن الگامَح
لماذا الشعر…؟
أكادير موطن العشاق… وموطن من يريدون أن يرتاحوا من عناء الدنى… يمتدون على الشواطئ الذهبية.. أو يجلسون قبالة الموجات وهي تمشط الرمال… أو يتجولون على الساحل، لكن هذا جزء من أكادير المدينة الممتدة في اتجاه البحر شمالا وجنوبا، لأن أكادير هي ذكرى مأساة حزينة لمت بها حين طوت المدينة في زلزال تاريخي دمرها تدميرا شنيعا، وقتل الآلاف من الشهداء.. مخلفا خلفه جرحى بلا عدد.. ومنكوبين بلا مأوى فاحتضنتهم الخيامُ بدل البيوت.
(أكاديرُ…
لا أستسيغ ما يدور حولي من خطاباتٍ
ومن كلام عن ماض يذبَحُني من الوريد إلى الوريدِ
لكني أسافر عبر المعاني
وأتيه بين القوافي
هكذا فال الشيخ المرابط بين البحر والجبلْ
يقرأ آيات الحكي عن تاريخ مضى وانقضى
زلزال هز المدينةَ ليلا
جاعلا عاليها سافلها وبنيانها أنقاضا
حتى خرَّ ما كانَ على التل وما كان في كل مَنْزلِ
كنتُ هناكَ…وكنتَ خلف الأنقاض
أبحث عن بعض مني ضاع بين ثانية وثانيةٍ
وصرتُ وحيدا بلا بيتٍ
أجر خطوي منْ غريبٍ إلى بعيدِ
وأحفظ الأغاني رثاء وأبكي كالجدولِ
كنتُ هناكَ…
وكانتِ الحياة هناكَ
تمشي بيننا تَمْنَحُنا الأمان خلف غابٍ من الأملِ
لكنْ هيهاتَ هيهاتَ
كل شيء في ثانية لم يعد لهُ مقامٌ
وكل قائم لم يعدْ له سلامٌ
وما بكينا بل دفنا موتانا وزرعنا بسمة لم تقتل)
هكذا هي أكادير من قبل قصيدة تكتبني بألم حين أذكر الزلزال، وأنا أجمع شهادة اللاجئين الذين مزقهم الزلزال، ففقدوا أفراد عائلات.. ومأوى دافئا.. لكن الذكرى مؤلمةٌ جدا… وأن تجسدها على البياض مؤلمة أكثر، أكادير جرح عميق في القصيدة، ينزفها يوما بعد يوم، كلما قرأت بصوت خافت كي لا تسمعه الآذان من جديد فتجرح… فتذكر المأساة من جديد لتمزقها إربا إربا. أو بصوت مسموع فيدغدغ الأحاسيس لنشر فيها الخوف من هزة أخرى تعيدنا إلى ما سلف.
(أكادير….
أحنُّ إليهِ
لكني مجرد هيكلٍ
يعزف في أسى على الرباِبِ
وأحبابهُ تحت الترابِ
أغني لهم أغنية الحياة هناك
والموت قد أذبل زهرة الأملِ
سأغني وأغني فغنوا معي
للموتى في القبور
أو تحت الأنقاض والدمار
للجرحى وقدْ أعياهم سوط الانتظارِ
ليل نهار وما جفت أعينهم من دمع القلقْ
غَنُوا معي للأمهات الثكلى يبكين حرقة الفراق
للأطفال اليتامى ملوا سوط الاشتياقِ
للأحباب من راحوا وما تركوا لنا ذكرى
غير عقول بالماضي حيرى
للقصائد الموشومة في البياض
نارها تحرق القلب لا تطفى
والجرح أوسع من أن يشفى
ونحن لا حول لنا ولا قوة بهذا الويل نرضى
ونغني ونغني لعلنا ننسى
كيف ننسى، ونحن صرنا أطلالا جنب الطلل…؟؟)
هكذا تغنى أكادير… هكذا تكتب شعرا وجرحا أدمى القلب فاحترقْ
هكذا نذكر أكادير حين نرى أكادير أوفلا… تالبرجت القديمة… إحشاش القديمة التي صارت مقابر تحضن الموتى بلا عدد.
آه ما أوسع الجرح حين يعتلي عرش القلب والذكريات، فلا تجد القصيدة منفذا للهروب منه.
آه ما أجملك يا أكادير لكن ما أجرحك حين نغوص في ذكريات الزلزال.