بورتريه العم الذي فتح باب الكفاح الحسَن الكامَح
قيل لي: من هو العم بوشتى رحمه الله …؟؟
وهذا من باب التعريف لا من باب الـتصنيف… ومن باب التأليف لا من باب التحريف.
قلتُ: هو المرنيسي الأصل والمولد… المكناسي المنشإ.. الجندي المتقاعد (أونسيان كنباطو Anciens combattants)… الجنود الذين دافعوا عن مصالح فرنسا حين كانت مستعمرة المغرب ليخوضوا حربا ليست حربهم لكنهم أجبروا على ذلك.
وهو الحلاق الماهر الذي امتحن هذه الحرفة في الجندية وبعد تقاعده في مكناسة الزيتون لسنوات قبل أن يشد الرحيل إلى بلاد المهجر… وهو أول من استعمل أدوات الحلاقة الكهربائية التي أحضرها معه من الخارج لما كان جنديا هناك، ينتقل من مدينة إلى مدينة ومن بلد إلى بلد، مثله مثل كل الجنود المغاربة الذين حاربوا مع فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية.
(اسلك طريقك
وامض يا بني واثق العزيمة
لا تلتفت خلفا
كن لأخيك السندا
قالت الأم مسعودة
وهي تودعه بعد أن ألح
أن يلحق بالأخ الكبير
رغم أنها أصرت أن يبقى إلى جانبها مددا
لكنه مثل أخيه
لم يترك الفرصة تنفر منهُ
بعناد إلى أن بلغ الأمل المنشدا)
جال بين المدائن جنديا يحمل بندقية على كتفه أينما اشتعلت نيران الحرب، وآلة الحلاقة في يد أخرى حين تضع الحرب أوزارها، لكنه دوما يعود صحبة أخيه الكبير إلى القرية، كي يعانقا أمهما من جديد، ويحملان معهما رضاها المستفيض، فيقضيا عطلتهما بين أحضان القرية وأمهما، ثم يعودا إلى موطن الجندية إلى أن تقاعد، فهاجر مع أخيه وعائلتهما الصغيرة إلى مكناس ليأسسا بيتا هناك جنبا إلى جنب فاتحا دكانا للحلاقة. ولما فتحت أبواب العمل في الخارج هاجر كعامل إلى فرنسا وبعد سنوات سيأخذ معه اسرته الصغيرة مستقرا هناك إلى أن انتهى الأجل. بعد أن بلغ من العمر التسعين إلا حولين. (ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها، والله خبير بما تعملون) صدق الله العظيم.
فهو المكافح الذي لا يتعب في الحياة… وهو المرتبط بالأرض والأم الأرملة التي عانت وقاست ويلات الزمانِ كي تحضنهم وتربيهم بين الأعمامِ في بيت واحد… وهو الصوت المازح يدخل البهجة والسرور على المجالس، وهو كذلك الصارم في كلامه وأفعاله.. لكنه يبقى وجها بشوشا يفرح للقاء الآخرين… الخدوم الذي لا يمل ولا يكل.
كافح في عدة مجالات فلاحا وجنديا ومهنيا وعاملا مهاجرا، وبعد تقاعده من العمل، صخر حياته لأولاده الثمانية مع شريك حياته رحمة الله عليها. فكانا رفيقين في السراء والضراء.. تحملا عبء الحياة معا وجاهدا بأنفسها من أجل تربية أبنائهما. ولأنه لم يستطع أن يقاوم الحياة بعدها سلم الروح لباريها ليلتحق بها إلى السماوات العلى. وبعد كفاح طويل يعود إلى أرض المولد قريبا من بيته القديم ليستقر هناك إلى الأبد جنب شريكه في الحياة.
ويبقى العم بوشتى مثالا للكفاح من أجل لقمة عيش نقية، ومثالا للنضال من أجل الأرض والبلاد.. والأطفال والقيم المثالية.
(نمْ قريرَ العينِ
وأنت هناك تحرسنا من شغب الحياةِ
قد نتعب يوما
فنلقاكَ هناك تمشط الغيوم
وترعى الأحلام
كما كنت ترعى بهائم القرية في ثبات
نمْ جنب جنبكَ في سلام
كما كنتما تنامان في سكينةٍ
تحملان هم الدنى على كتفيكما
وتقطعان المسافات ذهابا وإيابا قبل الممات
نم أيها العم الذي علمنا
أن الحياة كفاحٌ
وأن الحياة فلاحٌ وصلاحٌ
وأن الحياة في زوالٍ بلا نجاة)
فتحية إلى روحه الزكية الطيبة الطاهرة من القلب إلى القلبِ…
وسلاما لروحه سلاما… يكفر عني ما نسيته من تذكير أو تعريف به وهو المعرف الذي لا يحتاج للتعريف.
أكادير:21 ماي 2024