جمالية الكتابة السطرية عند إسماعيل هموني في “رسائل الحب” المختار النواري
كانت الرسائل، ولا زالت، حتى وإن أفقدتها وسائل التواصل التكنولوجي شيئا من دفئها وقوتها، وعمقها ونكهتها الإنسانية، مجالا أدبيا وفنيا، لرصد ما يربط بين البشر من روابط حبيب المحبة، ووديد الود، وصَفِي الصفاء، وخُلَّص الإخلاص؛ وأواصر العلاقات الإنسانية المختلفة، والمصالح المتباينة، والمساعي المتجاذبة، والمنافع المتضاربة.
ولقد راكم الإبداع الإنساني في مختلف الثقافات واللغات، وعبر كافة العصور والأحقاب، كتابات رسائلية رائعة، وتحفا فنية بديعة، تعكس صور الإنسان في رقتها الشفيفة، ونبالتها العفيفة، وقوتها الضاربة، وشدتها الصاخبة، وغضبتها المزمجرة، ولفحتها المزمهرة.
واتخذ هذا الإبداع الإنساني في مجال الكتابة الرسائلية في مختلف الآداب، وعند سائر الأمم، أشكالا كتابية، نثرية وشعرية، لها قواعدها وقوالبها، واسسها واساليبها. وكان أنضج ما يكون ذلك عند الأمة العربية الإسلامية، بسبب استمداد الرسالة قواعدها الفنية، وتقاليدها البلاغية، من القرآن الكريم، والبلاغة الربانية، والبراعة النبوية، اللتين كانتا فتقا فَجَّر الكُتّاب نبعه، ومجالا أخصبوا رَبْعه، ومجرى أغزروا صَبَّه، وطَرْقا نغّموا ضَرْبه، ومَهْرا مهَّروا خَبَبه، وسرجا ألانوا ظهره، وبَلْجا فصَّحوا نوره.
وكان لهذا الفن، في قديم أدبنا وحديثه، رجالاته الكبار، وأصواته الجهار، أمثال علي بن أبي طالب ومعاوية وابن عباس والحسن بن علي وأخيه الحسين والحجاج بن يوسف والحسن البصري عبد الحميد الكاتب وابن المقفع والجاحظ وأحمد بن يوسف والحسن بن سهل وسعيد بن حُمَيْد وابن الفرات والصابي والقاضي الفاضل والرافعي والعقاد ومي زياده وجبران ونعيمه وأنسي الحاج وغادة السمان ودرويش…
وينضم إلى هذه الحلقة، في مطلع قرننا، الرسائلي الفذ، الذي لا يخطئه العد، الجليل القدير، البليغ الرصيع، الفصيح البديع، إسماعيل هموني.
في سنة 2016 أصدر هذا الرجل كتابا رسائليا عنوانه “رسائل الحب”، ضم خمسا وثمانين (85) رسالة، راعت الحجم، فراوحت بين توسطه وقصره إلى حد الإنهاك (رسالة من ثلاث كلمات صص 23. 114).
مميزات الشكل الكتابي في “رسائل الحب“:
اختار لرسائل الحب صاحبُها شكلا متميزا في كل شيء، يمكن عده ثورة كتابية على الأشكال الكتابية، والقواعد الفنية المتعارفة، في مجال فن الرسائل، شخصيها ورسميها. وتميز الشكل الكتابي، الذي اختاره إسماعيل هموني، بمميزات منها:
– منطق الحجم: حكم رسائل إسماعيل هموني، فكان منطق الصفحة الواحدة يحكمها بقوة، ويغلب عليها، وقليلا ما خرجت عنه بعض الرسائل، وهي محدودة على أي حال (12 رسالة). وكان خروجها لا يكاد يتجاوز الصفحة الا بأسطر قليلة: ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة أو ثمانية. وهي تقول للقارئ أنها ما كان يراد لها ذلك لولا طفرة الإبداع، وقوة المعنى، وفيضانه بشكل لم يكن من الممكن التحكم فيه. والدليل أن الكاتب سرعان ما يعيد الأمور إلى منطقها الغالب، فيخضعها للصفحة، وربما زاد في الضغط عليها حتى تراجعت الى الأسطر القليلة: الستة والخمسة والأربعة؛ والمحدودة جدا: الثلاثة، والسطران، والسطر الواحد.
ـ منطق المجموعة الرسائلية: بحيث توزعت. أحجام المجموعات التسع والعشرين (29) على أربع فئات: فئة الخمسة رسائل: واكتفت بمجموعة واحدة؛ فئة الأربعة رسائل: وضمت سبع (7) مجموعات؛ فئة الثلاث رسائل: واشتملت على ست عشرة 16 مجموعة؛ فئة الرسالتين: واكتفت بخمس مجموعات.
ـ منطق الرسالة: بحيث احتوت المجموعات التسع والعشرين (29) على خمس وثمانين (85) رسالة، تفاوتت كل رسالة عن غيرها في الحجم، على الرغم من العنوان الموحد (أكتب إليكِ)، الذي شملها. وكان من الممكن التمييز ما بينها على مستوى عدد الأسطر، التي تكونت منها كل رسالة، ما دام السطر في هذه الرسائل قد غدا بنية كتابية، تتأسس عليها هندسة كل نص، وتسهم في خلق شاعريته، وتراوح أسطر الرسائل بين أقصى حدها (22 سطرا)، وأدنى حدها (سطر واحد).
ـ منطق الصفحة: حاول كاتب الرسائل إسماعيل هموني، محكوما مرة أخرى بشعرية تنضيد الكتابة الشعرية، أن يخصص لكل رسالة صفحة، ما دامت قادرة على احتوائها، ومقتصرا على الصفحة، حتى وإن تدنى عدد أسطر الرسالة، وإلى أدنى حد ممكن (السطر الواحد)، وحتى وإن تضاعف عدد كلماته إلى أدنى حد كذلك (ثلاث كلمات: صص 23. 114). ولذلك جاءت معظم الرسائل (73 رسالة) محشورة في صفحة واحدة، وإلى حدود 16 سطرا. ولم تخرج عن هذا الكم إلا رسالة واحدة، لتحكم باقي الأحجام فوقها – ذات الأسطر 17 وإلى 22 سطرا – بالصفحتين. وكان مجموعها اثنتي عشرة 12 رسالة. ولذلك أتت مجموعة رسائل هذا الكتاب متراوحة بين الصفحة في الغالب، والصفحتين فيما لا يتجاوز عشرها إلا قليلا.
فكان منطق الحجم من خلال صوره الثلاث: منطق المجموعة من الرسائل؛ ومنطق الرسالة؛ ومنطق الصفحة؛ محكمات حكمت الهندسة التصميمية لهذا المصنف الرسائلي.
السطر عمود المنهج التصنيفي:
أبى إسماعيل هموني في مجموعته الرسائلية هاته – رسائل الحب – أن يخضع لمنطق الكتابة النثرية، المحتكمة للفقرة، فلا يُعتبر السطر سطرا إلا بقدر ما تحتويه الفقرة، ولا يُحتسب إلا ضمنها، ولا يعتد بنهايته هو، وإن قلت كلماته عن حجم السطر، وإن اقتصر على كلمة واحدة، فلا يعاد للسطر على اعتبار أن سطرا قبله انتهى، وإنما اعتبارا لأن فقرة انتهت، وأعلنت بداية فقرة جديدة ببداية سطر جديد. فكانت ثورة إسماعيل هموني السطرية في كتابة الرسائل تقضي بأن ينتهي السطر، لا لتبدأ فقرة جديدة، وإنما ليبدأ سطر جديد، متمما لما قبله، ومرتبطا به ارتباطا تركيبيا ودلاليا، أو منفصلا عما بعده، وأن يكون مستقلا عنه، حتى وإن كان هذا الأخير متمما له. فكانت نهاية الأسطر تُحدَّد إما بالنقطة، وإما بالفراغ في آخرها. ولقد انبنى المحكم السطري عند إسماعيل هموني على مميزات، اصطنعها لنفسه، وكانت مشروعا في تصفيف الكتابة، اختاره لجنس الرسائل. ومن ملامحه:
ـ نسف منطق الفقرة: فلا ينقسم النص جملة تقسيما فقريا، تحدده الفراغات في بداية الفقرات، وتحكمه النقطة، والعودة للسطر في نهاية كل فقرة. ولا تواصل الكتابة حتى نهاية السطر، ومواصلتها في بداية السطر، والتوقف حيثما انتهت من السطر، وإنهاؤها بالنقطة.
ـ بناء سطري يحكم بتوسيط الكتابة داخل السطر، وامتدادها حسب حجم السطر، مع الحرص على التوسيط دائما، فإذا ملأت السطر تواصلت فيما بعده بالتوسيط أيضا، وإن ملأته كذلك استمرت على أن ينتهي ما بقي متوسطا السطر، وإن كان نصف سطر، أو ربعه، أو كلمتين أو كلمة واحدة.
ـ اعتماد التوسيط يفرض أن لا تكون هناك بدايات واحدة للأسطر، ولا نهايات واحدة لها، بل تعطي اختلافا في حجم الأسطر واختلافا في بداياتها ونهاياتها مما يعطي للشكل الخارجي للنص تنويعا يقتضي مخالفة غيره مخالفة ظاهرة وحتمية.
ـ اختلاف حجم الأسطر اختلافا بينا داخل النص الواحد.
ـ تفرد كل نص بشكله الخارجي مما يسمح بغنى تنويع أشكال النصوص تنويعا كثيرا ومثيرا.
ـ مادة السطر هي التي تحكم نظام الكتابة وتخضعه لها، وليس العكس، وتقرر متى يبدأ السطر؟ وأين ينتهي؟ وكم سيشغل من المساحة؟ فكل سطر حر في اختيار موقع بدايته، وموقع نهايته، وحجمه، وتموقعه مما قبله، ومما بعده.
اعتماد المنهجية السطرية:
يمكن أن تبنى الرسالة بناء هندسيا، يخضع لتقطيع سطري، يمكن أن تبدا الرسالة بسطر قصير، أو تختتم به، أو أن يتوسطها، أو أن تتوزع الأسطر على أسطر قصيرة في نظام محكم ودقيق وبديع.
اعتماد السطر كهندسة بنائية للرسائل تعدى حدود الشعر، ليقتحم عالم الرسائل، وكانت هذه خطوة جريئة للشاعر – كاتب الرسائل، التي كتبها بنفس شعري، ويمكن أن نقول بأنه يبني شعرية النص في هذه الرسائل من خلال هندستها.
ومن عجائب هذه الهندسة أن هناك توالي لأسطر، تتشكل من كلمة واحدة. وباعتماد هذه الهندسة، يمكن للكاتب أن يخلق بناءات سطرية متميزة، تخص كل نص، لا يشبه منها الواحد الآخر.
السطر يشكل هندسة أساسية في بناء القصيدة، ويتجلى ذلك من خلال اعتماده في كتابة نصوص الرسائل بشكل متقطع، قد يفتتح الرسالة، أو يتوسطها، وفي مراحل مختلفة، وقد تنهى به، وقد تكون الرسالة عبارة عن سطر. فجمالية قصر السطر، واتخاذه القالب الشعري، يؤكد ويثبت مرة أخرى توخي الشاعر نهج شعرية السطر في الرسالة. إنها الشعرية السطرية.
توالي الأسطر القصيرة داخل الرسالة بشكل مترابط يعطيها جمالية هندسية خاصة.
لا تستطيع رسالة أن تخلو من السطور القصيرة لكي تكسر نظام سطريتها. وهكذا نجد أن الرسائل، التي تخلو من السطر القصير شبه منعدمة. وإذا تحققت فإنها لا تكاد تطيل، إذ لا تتجاوز ثلاثة أسطر (صفحه 66).
تتخذ الرسالة بنية القصيدة الشعرية وشكلها الهندسي، حينما تتوالى جميع أسطرها قصيرة (الصفحه 94. 98). وتذهب إلى أبعد حد في هندستها الشعرية حينما تكون القصيدة رسالة قصيرة وبأسطر قصيرة كذلك، تجاور بين قصر الأسطر وبين قصر النص (الصفحة 103).
الشعرية السطرية:
ومن ملامح حضور شعرية “السطر الكلمة”، ومظاهرها الجمالية، في رسائل إسماعيل هموني، صور مختلفة، والمتجلية في:
1 ـ فاتحة الرسالة: أو سطرها الأول بعد العنوان، وتكون له جمالية بصرية خاصة، حينما تتوسط كلمة وحيدة السطر، وتحاول لفت النظر إليها، ومطالبة القارئ بإعطائها عناية خاصة، وتقديرا متميزا. كما أنها بتوحدها في السطر، تثبت قوتها الدلالية، وقدرتها على الاستقلالية، وتشكيلها وحدة خاصة، لا تتوقف قوتها عند قدرتها على الاكتفاء بذاتها، وإنما تتجاوزها إلى التأثير على ما بعدها، وتحكمها في رسم بداية مميزة لنص الرسالة كله، وإخضاعه لسطوته، وتوجيهه الوجهة التي تشاء، والمنحى الذي تريد.
2ـ بدايات الرسالة: أو أسطرها الأولى غير السطر الأول، ونتوقف بها عند السطر الثالث، وغدت بذلك الكلمة السطر ظاهرة توقف القارئ عليها، وتشده إليها بحجمها وتموقعها، ثم بدلالتها، التي تفرض على كاتبها، وقبل قارئها، أن ينتقي لها كلمات أكثر إيحاء وشاعرية، وأقوى وقعا، وأليق تلقيا من لدن القارئ.
3ـ توسط الرسالة: أتت أسطر كلمات متوسطة الرسالة، مشكلة لجمالية بصرية عجيبة، وآخذة بمرأى الناظر إليها، حائزة على تقديره وإعجابه. ولشد ما يكبر هذا الإعجاب البصري، والجمال الهندسي، حينما تتموقع الكلمة السطر وسط القصيدة بتنصيف هندسي دقيق. وقد لا يعني التوسط القسمة العادلة بين طرفي القصيدة، وإنما قد يعني أيضا مقاربة الوسط بزيادة أو نقصان قليل عليه.
وقد تتضاعف الجمالية البصرية، والبهاء التخطيطي، حينما ينضاف إلى التوسط التوالي بتتابع سطرين من كلمتين.
وللتوسط منطق آخر، قد لا يبقى محكوما على الدوام بحجم الرسالة، وإنما قد يحتكم إلى حجم الصفحة، حينما تتجاوز الرسالة الصفحة، تتموقع الكلمة السطر وسط الصفحة.
وتتعالى القيمة الفنية والبعد الجمالي للكلمة السطر، حينما تجمع بين أكثر من تمظهر جمالي، فتكون حاضرة في بدايات الرسالة (السطر الثاني)، وفي وسطها أيضا، حينما لا يتعدى حجم الرسالة ثلاثة أسطر، ويحمل التموقع عكس الدلالة، التي تشع بها الكلمة السطر (73).
4ـ احتلال الكلمة السطر نهايات الرسائل:
بكونها آخر الرسالة أو آخر السطر من الرسالة وآخر كلمة منها، فهي بذلك تتخذ هذه الصفة المزدوجة، التي تسكن بها وزنها الجمالي وكثلتها الفنية، وتصر على أن تتميز بنفسها، على اعتبار أنها أنهت الرسالة، وكانت آخر ما يقف عليه الكاتب والقارئ منها، وآخر ما يغادره عليها، بل وتعطي تميزا لرسالة بعزلها عن غيرها من الرسائل، اعتبارا لكونها رسالة ختمت بالكلمة السطر، وليس كل الرسائل التسع والثمانون (89) حازت هذه الميزة، وإنما قلة منها، كان لها ذلك التميز. وعُلِّمت بتلك الصفة، ولا تتجاوز خمس عشْرة (15) رسالة.
إن جعل الكلمة تعلن النهاية، التي لا سماح للإضافة بعدها، وفتح باب التأويل فيما قيل، فليس للقارئ إلا التأويل بإصرار الكاتب على وضع نقطة النهاية (20. 33. 44. 61. 67. 93. 94. 106. 123. 127. 134). إن تموقع الكلمة في نهاية النص لا يعني أنها دائما نهاية للنص، وإعلان عن غلقه، وصك أبوابه، وإنما لا يكون ذلك إلا بإصرار الكاتب على وضع نقطة النهاية، التي لا سماح للإضافة بعدها، والتحول من الكتابة إلى فتح باب التأويل لما قيل. فلم يترك الكاتب للقارئ إلا التأويل،
وقد يبقى باب الكتابة مفتوحا، ويُشرَك القارئ فيه. وتتعدد الإسهامات الكتابية للقراء بتعددهم، واختلاف مشاربهم وثقافتهم ومستوياتهم وحمولاتهم وأزمنتهم وأمكنتهم، ويصر الكاتب على ذلك، ويكتب وصيته بجوازه، حينما يصر على أن يضع بعد الكلمة السطر نقطا للبتر ثلاث (67. 94. 123. 128. 132). فذاك سماح بتعدد المؤلفين، وإقحام للقارئ بأن يتقمص دور المؤلف، ويتمم ما بدأه مؤلف غيره، واعتراف بعدم تمام نص الرسالة، وفتحه أمام التتمات المتعددة والمختلفة، فلا نبقى بإزاء مؤلف، وإنما مؤلفون، ولا أمام نص واحد، وإنما نصوص، وإن توحدت بداياتها وأواسطها، إلا أن نهايتها ستكون مختلفة.
وبغلبة الخاصية الاسمية على نهاية الرسائل بالكلمات السطرية، تتخذ خاصية موحدة ومميزة، تضيف غنى لدلالاتها المختلفة السابقة.
لمعة دالة:
لم يكن يحلم السطر يوما ما بتفرده بكلمة واحدة، وينتج لنا الظاهرة الكتابية الفريدة: “الكلمة السطر”، إلا في العنوان، مما منحها شيئا من القداسة الموضعية، والجلال التموقعي، باحتفاء البياض بها من كلا الجانبين: يمنة ويسرة، وربما لفها من كل الجوانب: من فوق وتحت. وأعطاها تقديرا في احتلالها مواقع متميزة من الذاكرة، أو في إحالاتها المرجعية، واختزالها للمضامين الغزيرة، وأعطاها جلال التوحد، وبهاء الفرادة، وشموخ الانعزال، وعزة الوحدة. فلما فجرت التحولات الحديثة نظام الكتابة الشعرية، وأدخلت عليها نظام السطر، فتحت آفاقه العديدة أمام المحاولات الكتابية، وفجرتها تفجيرا إبداعيا، أباح لها جميع الصور والأشكال والأحجام الممكنة، فبرعت في تشكيله الهندسي أيما براعة، ومهدت كل تلك المحاولات السبيل أمام غزو الشعرية السطرية لمختلف الألوان الكتابية، شعرية وغير شعرية، فنية وتواصلية، مباشرة وإيحائية، أصيلة واستعارية. ومن تلك الألوان الكتابية، التي استفادت من الشعرية السطرية الكتابة الرسائلية، فتنمطت بأشكال هندسية، عادية وغير عادية، متعارفة ومستجدة، نثرية وشعرية، رسمية وحميمية. وحضرت “الكلمة – السطر”، التي جاز أن تقلب في متن الرسالة إلى “السطر – الكلمة”، في مواقع مختلفة من الرسالة، نمطت شعريتها، وأسست لصورها الجمالية، ومن زوايا مختلفة تموقعية أولا، ومعجمية ثانيا، وإيحائية ثالثا، وسياقية رابعا، وصرفية اشتقاقية خامسا، وكمية عددية بالتفرد والتوالي، لمرة أو لعديد من المرات، سادسا.
ولا يستطيع عمود صحفي بحجمه الضيق، أن يتسع لبعض ما يميز هذا الشكل الكتابي، فكيف بكله؟ ولذلك آثرنا الاقتصار على ميزة واحدة، سميتها الكتابة السطرية، وآمل أن أكون موفقا في ملامسة إحدى أهم خاصيات الكتابة الرسائلية عند إسماعيل هموني، التي هي بحق ثورة تجديدية على الأشكال الكتابية المألوفة.
المصادر والمراجع:
ـ رسائل الحب، إسماعيل هموني، منشورات جمعية النجاح للتنمية الاجتماعية بالعيون، الطبعة الأولى، 2016م، المطبعة والوراقة الوطنية، مراكش، المغرب.
ـ أدب المراسلات، مجلة عالم الفكر، المجلد 14، العدد 3، أكتوبر ـ نوفمبر ـ ديسمبر، 1983م.
ـ أدب المراسلات في فرنسا، ضحى شيحه، عالم الفكر المجلد 14، العدد 3، أكتوبر ـ نوفمبر ـ ديسمبر، 1983م.
ـ أدبية النص النثري عتد الجاحظ، صالح بن رمضان، ط. 1، 1990م، دار المسيرة، بيروت.
ـ إنشاء الكتابة عند العرب، عبد الحميد جيده، ط. 1، 1986م، دار الشمال للطباعة والنشر والتوزيع طرابلس، سوريا.
ـ بلاغة الكتاب في العصر العباسي، محمد نبيه حجاب، ط. 1، 1385ه/ 1965م، المطبعة الفنية الحديثة، د. م.
ـ البناء الفني لأحاديث ابن دريد، أحمد درويش، مجلة فصول، المجلد الثالث عشر، ع. 3، خريف 1994م.
ـ بيبليوغرافيا الدرسات الرسائلية، المختار النواري، ط. 1، 2021م، أكادير برانت، أكادير، المغرب.
ـ بيبليوغرافيا الرسائل، المختار النواري، ط. 1، 2021م، أكادير برانت، أكادير، المغرب.
ـ تحول الرسالة وبزوغ شكل قصصي في رسالة الغفران، ألفت كمال الروبي، فصول، المجلد الثالث عشر، ع. 3، خريف 1994م.
ـ جمهرة رسائل العرب في عصور العرب الزاهية، أحمد زكي صفوت، د. ط، د. ت، دار المطبوعات العربية للطباعة والنشر والتوزيع،
ـ الخطاطة الكتابة العربية، عبد العزيز الدالي، ط. 2، 1413ه/ 1992م، مكتبة الخانجي، القاهرة، مصر.
ـ دراسات في علم الكتابة العربية، محمود عباس حمودة، د. ط، د. ت، مكتبة غريب، القاهرة، مصر.
ـ رحلة الكتاب العربي إلى ديار الغربة فكرا ومادة، محمد ماهر حمادة، ط. 1، 1412ه/ 1992م، مؤسسة الرسالة، بيروت.
ـ السفارات والرسائل النبوية، محمود شيث خطاب، المورد، المجلد السادس عشر، ع. 1، 1407ه/ 1987م.
ـ صناعة الكتابة، فكتور الكك ووأسعد علي، ط. 3، 1397ه/ 1977م، بيروت، لبنان.
ـ صناعة الكتابة عند العرب، عبد الحميد جيده، ط. 1، 1418ه/ 1998م، دار العلوم العربية، بيروت، لبنان.
ـ فن المراسلة عند مي زيادة، أمل أسعد داعوق، ط. 1، 1982م، دار الآفاق الجديدة بيروت، لبنان.
ـ الفن ومذاهبه في النثر العربي، شةقي ضيف، سلسلة مكتبة الدراسات الأدبية رقم 19، ط. 6، 1971م، دار المعارف، القاهرة، مصر.
ـ فنون صناعة الكتابة، مصطفى الرافعي وعبد الحميد جيده، د. ط، 1406ه/ 1986م، دار الجيل، بيروت، لبنان/ مكتبة السائح، طرابلس، سوريا.
ـ ملامح النثر العباسي، عمر الدقاق، د. ط، د. ت، دار الشرق العربي، بيروت.
ـ النثر الفني عربي النشأة، أحمد الحوفي، اللسان العربي، ع. 2، رمضان 1384ه/ يناير 1965م.
ـ النثر الفني وقضاياه الموضوعية والفنية نموذج الرسائل الشخصية لأبي بكر الخوارزمي، رسالة دكتوراه، إشراف الدكتور الجليل سيدي عباس أرحيلة، إعداد المختار النواري، 2002/ 2003م، كلية الآداب، جامعة القاضي عياض، مراكش، المغرب.
ـ نظرة تاريخية في حركة التأليف عند العرب، أمجد الطرابلسي، ط. 5، 1406ه/ 1986م، دار قرطبة للطباعة والنشر، الدار البيضاء، المغرب.
ناقد من المغرب