أگادير فتنة الدنى… (الجزء السادس والأخير) الحسن الگامَح*
لماذا الشعر…؟
هكذا يطيب لي أن أذكر أگادير، ولأن فعل التذكر يحتاج إلى مراعاة الزمان والمكان، فالزمان مسترسل لا يتقطع، منذ أن يبدأ فعل التذكر وتبدأ الذاكرة في إعادة شريط البداية منذ الزيارة الأولى… والنظرة الأولى… والخفقة الأولى، لذلك نحتاج إلى زمان لإعادة زمان مضى، ونعيد ترتيبه زمانا آخر عبر البياض أو في الذاكرة.
ولأن الأمكنة تكتبنا كما تكتبنا القصيدة عراة من كل الفواصل والإشارات، في زمان محدد، زمان له زمانه كذلك. هكذا نغوص في عوالم تذكر الأماكن، ولأن أكادير منفتحة على كل الأزمنة المضية والحالية، ففعل التذكر يأتي إليك مسرعا على طبق ذهبي، يقول لك: هيت لك…
(أكاديرُ…
أشق الفيافي محملا بالقوافي
كي آتيك شاعرا عاشقا
يتوق إليك كلما غاب عنك أميالا
كي يعانق كنهك أطيافا
يطيب لي أن أكتب ذاتي
ممتدة بين أحضانك نصا قابلا للتأويل أصنافا
كما يحلو لي
أن أتيه بين موجاتكِ على شط اللقى
والجنب يكتب نبضي أطرافا
فهل لك الآن أن توحدي بيني وبينكِ
ونروض العمر قصيدة قبل أن ينطفئ إسرافا)
هكذا هي أگادير قابلة في كل لحظة أن تتحول إلى قصيدة منفتحة على كل تأويل تصوغها الحروف حضارة وجمالا… هكذا هي أگادير نصا يخاطب الوجدان إحساسا نابعا من دواخل الذات يصرف الكلمات استعارات وصورا شعرية… هكذا هي أگادير تكشف عن خفاياها من الباطوار في اتجاه تالبورجت (القديمة والجديدة) وإحشاش (القديمة والجديدة) وصعودا إلى أگادير أوفلا حيث القصيدة مكتوبة بدم الشهداء من دافعوا عن أمجادها وتربتها لما الغاشي حاول أن يسوقها إليه جارية، يستمتع بجمالها وأنعمها، ومن ماتوا في ليلة ظلماء لما اهتز البحر زلزالا جاعلا عاليها سافلها في رمشة عين.. فضاعت المدينة بين الأنقاض وانتشرت المقابر كأنها شجر الصبار… لتكتب تاريخا جديدا وهي منبعثة من رمادها عمرانا وفاتنة تخلب الأفئدة… يحج إليها الزوار من كل صوب وحدب، كي يكتبوا ذواتهم بين رمالها وموجاتها وجمالها الأخاذ.
(أكادير….
يحن القلبُ إليك
مرتعشا حين يذكر ماضيك الحزين
وأنت عروس هذا الأمكنة الممتدة
في هذه البلاد شرقا وغربا ائتلافا
فكيف لا أسوق الأحرف في هذا البوح إليكِ
متوهجة بين شطك الشاسع جنوبا وشمالا
كي أعري عن المكنون اعترافا…؟
ها أنذا أعيد كتابة القصيدة من جديد
بعد ثلاث عقود ونصف العقد ولا أتعب
كأني سيزيف
يحمل صخر الكتابة في وجل على كتفي
وأمضي بين دهاليز الكلمات
غير مبال بالعمر يمضي استكشافا)
هكذا أصوغك، فاعذريني إن أخطأت ولم أف بوعدي أن أكتبك قصيدة العمر أزمانا
هكذا أصوغك، فاعذريني إن خانتي الكلمات والاستعارات ولم أمنحك حقك كي تكوني سيدة المكان.
فهل يا ترى حققت ما وعدتك به حين طرقت بابك وفتحتِ لي قلبك، أنك لي قصيدة الجنانِ…؟
أگادير: 15 شتنبر 2017
رئيس التحرير وشاعر من المغرب