الرئيسية / الأعداد /   الشيخ محمد بن سليمان الفاسي: شمس أفلت قبل وقت غروبها – عبدالجليل بدزي

  الشيخ محمد بن سليمان الفاسي: شمس أفلت قبل وقت غروبها – عبدالجليل بدزي

  الشيخ محمد بن سليمان الفاسي: شمس أفلت قبل وقت غروبها

عبدالجليل بدزي*

شيخ من أشياخ الملحون في عهد “صابت لشياخ”[1]، شغل الناس كثيرا، وأعجب به البعض، وكرهه كثيرون، نُسجَت حوله العديد من الروايات منها التي تفتقر إلى أدلة من أجل تأكيدها، خاصة وأنها تتميز بالعجائبية والغرائبية، وروايات أخرى أثِرَتْ عن أشياخ عاصروه، أو جايلوا الذين عاصروه، ولكنها أيضا تحتاج إلى تنقيح، ذلك أنه عندما يغيب التوثيق، وتغيب القراءة الموضوعية للأحداث ولحيوات الناس ــ خاصة الشخصيات العامة منهم ــ، يفسح المجال أمام التأويلات واختلاق الحكايات التي غالبا ما تكون مجانبة للمنطق والصواب، مما يؤسطر الشخصية أو الحدث، ويبعده عن الإدراك الموضوعي، وهي أشياء عندما نتعرض لبعضها هنا، فليس في ذلك ادعاء بأننا سنقول فيها القول الفصل، أبدا، فذاك ليس هو الهدف من هذه الورقات، ولكن فقط لكي نقرب صورة الشيخ ما أمكن من الحضور الموضوعي في أذهان الناس، ليستطيعوا أن يعقلوه كشخصية حقيقية وواقعية، بعيدة عن التناقضات التي تسير وراء الأقوال المتضاربة حوله دون تمحيص، وهو ما نعتبره مساهمة منا في محاولة تطهير هذا الموروث وما يحيط بمجاله من خرافات وشعوذات يمجها العقل، ويرفضها منطق المتلقي، الذي تصبح نظرته للملحون وثقافته نظرة تحمل في طياتها الكثير من التشكيك والقدح، معتبرا هذه الثقافة التي يقدمها منتوجا شعبيا بسيطا وبائسا، لا يصلح إلا للفرجة والترويح عن النفس، في مقابل ثقافة عالمة جديرة بالاحترام والتقدير، وقادرة على استيعاب كل قضايا الجماهير وتقديم حلول معقولة ومنطقية لها، وهي مسألة لا أجد موقعا لتقديم موقف حولها آنيا، باعتبار الغاية التي استهدفتها منذ بداية الخوض في مواضيع التراث عامة وفن الملحون على الخصوص، والتي تبتعد كليا عن الخوض في هذه المسألة العميقة جدا، لهذا وعود على بدء، أخلص إلى أن هذه الأخبار الكثيرة والمتناقضة حول الشيخ المقصود في هذا الموضوع، هي أخبار ذات فائدة كبيرة، ذلك أنها تؤكد لنا على هذا الشيخ كان عبقرية فذة، ومبدعا متميزا جعل الأنظار تلتفت إليه، وآمال التطوير والتجديد في مجال النظم تتعلق به، إنه الشيخ محمد بن ادريس بن سليمان.

هو شاعر مجيد من أهل فاس، ولد أواخر عهد السلطان محمد بن عبد الله[2] سنة ست وثمانين ومائة وألف هجرية (1186هـ)، وتوفي على عهد السلطان المولى سليمان[3] سنة تسعة عشرة ومائتين وألف هجرية (1219هـ)، بعد أن أصيب بمرض تضخم القلب، مات أبوه وتركه طفلا، فتكفلت أمه بتربيته، حيث أدخلته الكتاب ليحفظ القرآن، وبعدها التحق بجامعة القرويين التي نهل منها ما تيسر له من العلم، زيادة على علاقة الصداقة التي كانت تربطه آنذاك بالشيخ الكبير محمد بن علي ولد أرزين[4]، والذي عرفه على الشاعر الكبير وأستاذ الجيل وشيخ أشياخ مدينة فاس لوقته الحاج محمد النجار[5]، فجاء عبقرية فذة في نظم قصائد فن الملحون ـ كما أشرنا ـ مع ظروف لم تسمح له أن يُظهر كل إمكانياته في الخلق والإبداع، وذلك لأسباب كثيرة أختزلها في معطيين اثنين:

1/  انشغاله بالتهاجي مع خصومه الكثيرين، والذين قيل أنهم بلغوا أربعين شاعرا وأكثر، وكما لا يخفى على القارئ أن الدخول في معارك جانبية يحد من القدرة على الانطلاق والتحليق في مجال تحقيق الرسالة الأصلية التي يجري وراءها المبدع، وتتمحور لدى الشيخ ابن سليمان حول وضع بصمة متميزة خاصة به على مستوى نظم قصائد الملحون، الشيء الذي يؤكده نظمه لقصيدة “السنسلة”[6] التي سلسل بها أشياخ عصره، حيث رغم انتمائه لعوالم الملحون، إلا أنه كان مجددا في الكثير مما كتب وأبدع شكلا ومضمونا، وهو الشيء الذي لم ترتح له العقليات التقليدية التي تشتغل بالميدان، فعارضه أشياخ وقته وهاجموه بقوة، وكانت النتيجة اشتعال نار التهاجي بينه وبين هذه العقليات المتحجرة، مما حد من انطلاقته وتحليقه في مجال الإبداع، وفوت علينا فرصة التمتع بتجديداته وابتكاراته التي تظهر من خلال ما خلف من قصائد، على أنها تمثل تحولا على مستوى الشكل والمضمون في مجال نظم الشعر الملحون، رغم أن غالبية إنتاجه قد ضاع نتيجة إحراق أمه للعديد من قصائده بعد وفاته، ولم يبق مما نظم سوى الذي ألقي على الناس فحفظوه، أو الذي كتب على جدران وأثات بيته.

2/ والسبب الثاني الذي حد من انطلاقة ابن سليمان التجديدية، وأوقف إبداعاته، تمثل في موته المبكر، حيث يُجمع كل المهتمين على أنه قد فارق الحياة على عهد السلطان المولى سليمان، وعمره قد تجاوز الثلاثين سنة بقليل، حوالي (ثلاثة وثلاثين سنة).

قال عنه الأستاذ المرحوم عبد الله شقرون، “… أمير شعراء الملحون في كل زمان ومكان بدون خلاف ولا نزاع …”[7] ، وعلى الرغم من الاختلاف الحاصل بين المهتمين حول الحالة الاجتماعية لأسرته، حيث “هناك من الأشياخ من يرى أن أباه كان رجلا رقيق الحال، يشتغل (بالدرازة)، ويرى آخرون أن أباه كان من أكبر أغنياء وأعيان فاس…”[8]، ورغم هذا الاختلاف حول هذه النقطة، إلا أننا نطمئن للآراء التي تؤكد أن الشاعر “…عاش… في فاس عيشة الترف والدلع والدلال والبذخ… سهر الليالي وأفناها تمتعا ماجنا قبل أن تفنيه هي الأخرى ألما وتوجعا … وصعقا…”[9] ، وهذا الرأي هو الذي يرى أن والد الشاعر كان ثريا من أعيان مدينة فاس، وقد نشأ ابنه في بيت عز وثراء، وورث عن والده حبه لحياة الطرب وعشق الملحون ولقاء أشياخه الكبار، ولا يستبعد أن يكون لقاؤه الأول بأستاذه محمد بن علي ولد أرزين في بيت الأسرة، حيث بدأ يتلقى على يديه مبادئ هذا الفن وأصوله، ويتعرف إلى أشياخه، ولما مات والده، ترك له ثروة طائلة وهو في ريعان الشباب، فانطبق عليه قول الشاعر أبو العتاهية[10] يصف مثل حالته:

 

إن الشباب والفراغ والجِدهْ * مفسدة للمرء أي مفسدهْ[11]

والحقيقة أن موت والده ترتب عنه أمران حاسمان في حياته:

 

1/ حدوث القطيعة بينه وبين شيخه محمد بن علي ولد أرزين، ووصول الأمر بينهما إلى مستوى الهجاء الفاحش، والذي استمر طيلة حياة الشيخ ابن سليمان القصيرة، وكان يفحش له ولخصومه الآخرين في القول حتى لقب لحدة لسانه ب “الشـّْلِيمَانْ”[12]، فترتب عن ذلك قولة سارت مثلا بين أهل الملحون تقول:”الشّلِيمَانْ وَلَا اكـْلَامْ ابْنْ سْلِيمَانْ”، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل بالغ ابن سليمان في التنكيل بأستاذه حين تنكر له، وأنكر فضله في تلقينه أصول فن الملحون، مشيرا إلى أن شيخه الحقيقي وأستاذه هو الحاج محمد النجار، وفي ذلك يقول في قصيدته “التوبة” التي حربتها:

أرَاسِي لَا تَشْقَى * يَا الطـَّامَعْ لَابُدّ مْنَ الفْرَاقْ * لَا تَامَنْ فَالدّنْيَا بْنَاسْهَا غَرَّارَا[13]

ويقول في القسم الأخير منها مشيرا إلى أن شيخه هو الحاج محمد النجار:

     أحَفّاظِي نَسْقَا*

وَارْتْوَى مَنْ مَايَا * فَنّْ فِي اطـْرِيزْ المَايَة * للغْشِيمْ دَرْتْ أوُصَايَة *

كِيفْ وَصَّاوْا اللـِّي قَبْلِي عْلَى الغْدَرْ * مَنْ اصْمِيمْ القَلْبْ وَالصّْدَر*

وَاللي هُو قَارِي * إِوَرَّخْ ارْمُوزِي وَاشْعَارِي * مَا اخْفَى شِيخِي نَجَّارِي *

لـْبِيبْ دِيوَانْ * وِيقُولْ ابْنْ سْلِيمَانْ

قـُلـُوا المَنْ اجْحَدْ مَا نَبَّتْ غُصْنُه أورَاقْ *

مَالـُه ضَاعْ اخْطِيَة * وُجَاحَدْ الشعَارَا

ومع ذلك، نؤكد على أن الشيخ محمد بن سليمان كان ينصف شيخه محمد بن علي ولد أرزين أحيانا، ويعترف بفضله بين الفينة والأخرى وبشاعريته التي لا تجارى، وذلك على غرار قوله:

رَجْلِي عْلى اقْفَاتْ العُكـْلِي * حُجَّة إلى اوْطِيتْ ابن علي[14]

2/ الأمر الثاني الحاسم في حياة  الشيخ ابن سليمان بعد وفاة والده، انطلاقة الشاب الغر في الحياة انطلاقة اللاهي العابث، حيث أصبح ماجنا مسرفا حتى تعب قلبه ومرض، ومات من جراء ذلك وهو ابن الثلاث وثلاثين سنة كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

وقد تضاربت الروايات حول عمره عند موته، هل مات وهو شاب جاوز الثلاثين سنة بقليل، أم امتد به العمر حتى جاوز السبعين سنة كما يقول البعض، ورغم أن إجماع الأشياخ والمهتمين كان على صغر سن الشاعر لحظة وافته المنية، حيث يقول الدكتور عباس الجراري مشيرا إلى هذه المسألة “… فلم يلبث ـ وهو في أول الشباب ـ أن انطلق للحياة اللاهية الماجنة في غلو وإسراف كانت نتيجتهما أن أصيب بداء القلب الذي أودى بحياته ولما يتجاوز الثلاثين من عمره…”[15]، أما الشيخ الحاج أحمد سهوم فيقول في هذه النازلة “…فلكأنني به يحس بإحساسه الصادق، أن هذا الحب القوي، العنيف المتنمر سيودي بحياته لا محالة، وكذلك كان، فلقد بكته حضيرة الملحون ولما ينتهي العقد الثالث من عمره، رحمه الله من شاب…”[16]. وهذا رأي غالبية الأشياخ والمهتمين، والذين يؤكدون على وفاة الشيخ في ريعان شبابه.

إلا أن هناك أقوال شذت عن هذه القاعدة، يشير من خلالها البعض إلى أن ابن سليمان لم يمت وهو صغير السن، بل كان عند موته قد جاوز التسعين سنة، مشيرين إلى أنه  لا يعقل أن يكون هذا الشيخ الذي ذاع صيته على الألسن، واكتسب شهرة كبيرة، حتى اعترف له أشياخ وقته بالبراعة، خاصة عندما أخرسهم بقصائده الطنانة التي تحمل بصمة التجديد واختراق القواعد التقليدية ـ على سبيل المثال قصيدة “السنسلة” ـ يقولون أنه لا يمكن لمثل هذا الشيخ أن يكون قد مات في سن مبكرة، وقصائده تشهد على براعته المبهرة في النظم، فكيف تعلم كل هذا؟ ومتى اكتسب هذه الخبرة الكبيرة في هذا الميدان؟، ويستدلون على أنه لم يمت إلا بعد أن بلغ من الكبر عتيا، واستشهدوا على أقوالهم بما جاء في قصيدتين للشيخ ابن سليمان نفسه، استنتجوا منهما ـ كما يقولون ـ أن الشيخ لم يمت إلا بعد أن شارف على الثمانين سنة من عمره، القصيدة الأولى هي قصيدة “القلب”، والتي يقول في حربتها:

وَعْلَاشْ هَكْذَا صَابَرْ يَا قَلـْبِي * غِيرْ سَلـَّمْ فَطـْرِيقْ الحُبّْ مَا تْرَى بَاسْ[17]

حيث يقول في قسمها السادس:

قال ينا سيدي كَانُوا ازْمَانْ لـَجْوَادْ يِرَفـْعُوا شَانْ كـُلّْ نَاظـَمْ *

وَاليُومْ رِيتْ قوْلْ الشَّاعَرْ مَهْمُولْ * فـْجِيلْنَا غَابُوا هَلْ لعْقُولْ * مَا بْقَى مَنْ يَصْغَى للقولْ

أمَهْبَلـْنِي[18] فِي عَامْ شَرْط[19] فَأبَجَدْ بَالتَّحْقِيقْ * قَلبِي عَاشَقْ وَهْلْ الغْرَامْ طبْعِي عَرْفـُوهْ ارْقِيقْ

غِيرْ السَّاكـَنْ مَدْهِي عْلى اشْغَالـُه

شَغْلِي امْدِيحْ طهَ وَالهَزْلْ عْلِيهْ جَايْرْ أُوكَانْ * نَعْمْ الغْنِي الجُوَّادِي

يُوقِي مَنْ الهْزَلْ عَثْرَاتِي حَتَّى انْرُومْ لرْمَاسْ

ويستنتج أصحاب القول بأن ابن سليمان قد مات عن سن عالية، أن الشاعر قد أشار إلى تاريخ نظمه لقصيدة القلب بعام (شرط)، وهو الذي يوافق تسعة ومائتين وألف هجرية (1209هـ)، وأنه كان شابا غرا عندما نظم هذا النص، حيث لا يتجاوز عمره الثالثة والعشرين سنة، وعن ذلك يقول في سياق القصيدة: (أمهبلني في عام شرط)، وكلمة (أمهبلني) مأخوذة من (لهبال) وهو (الحمق) حسب اللهجة المغربية، وفي ذلك إشارة إلى أنه كان يصف نفسه بالشاب الغر الصغير السن، والذي لم تحنكه التجارب، وقد حدد السنة هاته بالحروف الأبجدية من خلال كلمة (شرط)، والتي عندما نخضعها ل(حِسَابِ الجُمَّلِ)[20] الذي كان يستعمله أشياخ الملحون كثيرا وكان شائعا بينهم، فإننا نحصل على التالي: فالكلمة الرمز هنا تتكون من ثلاثة حروف هي (ش ـ رـ ط)، حيث (حرف الشين) قيمته ألف (1000)، و(حرف الراء) يساوي مائتين (200)، أما (حرف الطاء) فقيمته تسعة (09)، ومجموع هذه الحروف التي تحدد لنا تاريخ كتابة النص هو تسعة ومائتين وألف، هكذا بالأعداد ( 1209 هـ) كما رصد ذلك المرحوم دلال الحسيكة الذي أخذنا عنه هذا النص، لكن برجوعنا إلى القصيدة، ومقاربتنا لهذا المقطع فيها، فإننا لم نجد ما يشير من خلاله الشيخ ابن سليمان إلى أنه كتب هذا النص في هذا التاريخ، حيث أشار فقط ـ حسب ما هو واضح ـ إلى أنه كان شابا غرا في هذه الفترة التاريخية، وقد يكون كتب هذا في أواخر حياته أو في أي فترة من فترات حياته على سبيل الإخبار فقط، كما لا نجد ما ينفي أن يكون قد كتبه أيضا في بداية حياته، مما يجعلنا لا نطمئن كثيرا لكون هذا النص قد كتب بالفعل في هذا التاريخ، ذلك أن هذا التاريخ يؤكد فقط على الفترة الزمنية التي كان فيها الشيخ شابا غرا بدون تجربة.

أما القصيدة الثانية فهي قصيدة “التوبة”، والتي اعتبرت من أواخر ما كتب ابن سليمان حسب الأشياخ والحفاظ والمهتمين بمجال الملحون، ويقول في حربتها:

أرَاسِي لَا تَشْقَى * يَا الطـَّامَعْ لَابُدّ مْنَ الفْرَاقْ * لَا تَامَنْ فَالدّنْيَا بْنَاسْهَا غَرَّارَا

حيث يقول في قسمها الأخير:

أحَــفّـــاظِــي نَــسْــقَـــا

وَارْتْوَى مَنْ مَايَا * فَنّْ فِي اطـْرِيزْ المَايَة * للغْشِيمْ دَرْتْ أوُصَايَة *

كِيفْ وَصَّاوْا اللـِّي قَبْلِي عْلَى الغْدَرْ * مَنْ اصْمِيمْ القَلْبْ وَالصّْدَر*

وَاللي هُو قَارِي * إِوَرَّخْ ارْمُوزِي وَاشْعَارِي * مَا اخْفَى شِيخِي نَجَّارِي *

لـْبِيبْ دِيوَانْ * وِيقُولْ ابْنْ سْلِيمَانْ

قـُلـُوا المَنْ اجْحَدْ مَا نَبَّتْ غُصْنُه أورَاقْ * مَالـُه ضَاعْ اخْطِيَة *

وُجَـــاحَــــدْ الـشـــعَـــارَا

وهذا النص ـ كما يزعم البعض من أنصار قولة أن الشيخ ابن سليمان مات وهو طاعن في السن ـ يحمل إشارة على تاريخ نظمه كما هو الشأن بالنسبة للنص السابق، وهذه الإشارة/الرمز تمثلوها في قوله: (إورخ ارموزي واشعاري)، حيث اختاروا من هذه الجملة كلمة (واشعاري) معتبرينها الكلمة التي يلمح بها الشيخ لتاريخ نظم هذا النص، وبواسطتها يستدلون على قولهم بأن الشيخ عاش طويلا، حيث بعد تفكيك شفرتها حسب طريقة حساب الجمل، يصلون  إلى النتيجة التالية: (حرف الواو) قيمته ستة (06)، و(حرف الشين) يساوي ألف (1000)، أما (حرف العين) فقيمته سبعين (70)، و(حرف الراء) يساوي مائتين (200)، وعند تجميع الحاصل من هذه الأعداد، نحصل على تاريخ نظم هذا النص وهو ستة وسبعون ومائتين وألف، هكذا بالأرقام (1276هـ).

وبالمحصلة يصل أصحاب هذا الرأي إلى أن الشيخ ابن سليمان مات عن سن عالية، اعتبارا من الوضع الزمني الفارق بين تاريخ نظم القصيدتين: قصيدة “القلب”، التي يشير من خلالها إلى أنه كان صغير السن (أمهبلني)، مستخلصين من خلال الرمز إلى تاريخ نظمها، والذي حددوه في (1209هـ)، وقد سبق لنا التعليق على ذلك في موضع سابق من هذا المبحث، وقصيدة “التوبة” والتي نظمها حسب ما استخلصه أصحاب دعوى أن الشيخ لم يمت صغير السن سنة (1276هـ)، ليكون الفرق بين نظم قصيدة “القلب” ونظم قصيدة “التوبة” هو سبع وستون سنة (67 سنة)، وإذا أضفنا إليها بالتقدير مدة طفولته وسنة شروعه في النظم، محددين هذه الفترة مثلا في ثلاث وعشرين سنة (23 سنة) ، والمدة التي عاشها بعد نظم قصيدة التوبة اعتبارا من أنها من آخر ما نظم، ونحصر هذه المدة في عامين بالتقريب (02 سنتين)، ليكون المجموع خمس وعشرون سنة (25 سنة)، نضيفها إلى سبعة وستين سنة السابقة (67 سنة)، عندها يصبح عمر الشيخ عندما مات ـ حسب القائلين بكونه مات شيخا ـ حوالي اثنين وتسعين سنة، (92 سنة)، وكما تلاحظون فالحساب جد مضبوط يستند إلى قراءة منطقية، لولا أن هناك بعض الملاحظات التي يصعب معها اعتماده كوسيلة لتحديد عمر الشاعر عند موته، ومن هذه الملاحظات نذكر:

1/ أن تحديد كلمة الإشارة إلى الاسم أو التاريخ في نصوص الملحون لها ضوابط تجعل المهتمين والدارسين لا يختلفون حولها، حيث إذا رجعنا للطريقة التي يستعملها أشياخ الملحون في هذا الصدد، فإننا نلاحظ أبعادا فنية رائعة، وبلاغة في اختيار كلمة الرمز، دون أن يفقد الكلام دلالته، ويبقى محافظا على تماسكه وترابطه وجماليته، مما يجعله مقنعا للقراء بيسر بما يلمح إليه دونما حاجة إلى اجتهادات ولي عنق النصوص والتعسف عليها حتى نخضعها لما نتصوره من آراء نعتبرها صحيحة وكانت غائبة عن السابقين من المهتمين والدارسين لأدب الملحون، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لننظر في قول الشيخ في قصيدة القلب: (أمهبلني في عام شرط)، حيث نستنتج من الكلام دلالة مضبوطة وواضحة مفادها أن الشاعر يقول لنا بأنه في عام (شرط) كان لا يزال غرا بدون تجربة دون إشارة إلى شيء آخر، وكلمة (شرط) رغم كونها بدون دلالة مباشرة هنا، فإنها لا تشكل نشازا اعتبارا من كونها توحي للقارئ بضرورة الوقوف عندها وتأويلها، حتى نولد المعنى الذي يقصده الشاعر عندما أوردها، وهو ما نخلص معه بعد عرضها على حساب الجمل على أن الشاعر يشير إلى أنه كان شابا غرا سنة (1209هـ) وهو التاريخ المستنتج من تلك الكلمة الرمز، فهل تخضع كلمة (واشعاري) لنفس الشروط؟، وما المانع من اعتبارها هي الأخرى تشير إلى تاريخ كتابة قصيدة “التوبة” التي وردت فيها؟.

بداية لابد من وضع هذا الخطاب في سياقه التاريخي، حيث نطل على النص انطلاقا من نفسية قائله وعلاقته بمحيطه، ذلك أن الرجل كان بنفسية مأزومة جراء حدة في طباعه على عادة كل المبدعين، وأن هذه النفسية زادت مشاكلها من خلال كثرة صراعاته وخصوماته مع أشياخ عصره الذين لم يستطيعوا فهمه، وأخطر مشكلة واجهته واعتبرت كعقبة أمامه هي تلك الخصومة بينه وبين صديقه وشيخه الشيخ محمد بن علي ولد أرزين، والتي امتدت حتى وصلت حد القطيعة وتَنَكـُّرِ التلميذ لأستاذه، ومحاولته إقناع الكل بأن شيخه الحقيقي ليس ولد أرزين ولكنه الحاج محمد النجار، مما جعله يخاطب كل من لم يرد أن يقبل منه هذا الكلام قائلا: (وَاللـِّي هُو قَارِي * يِوَرَّخْ ارْمُوزِي وَاشْعَارِي * مَا اخْفَى شِيخِي نَجَّارِي)، أي {على كل قارئ فاهم للشعر أن يؤرخ أي يكتب ويقيد ما صرحت به في أشعاري بأن شيخي لا يخفى على أحد، إنه الحاج محمد النجار وليس ابن علي ولد أرزين}، فهو لم يكن يقصد أنْ يطلب من اللي هو قاري كي يؤرخ له أشعاره ويستخرج تاريخها، على غرار ما فعل الذين اعتبروا كلمة (واشعاري) مؤشرا على تاريخ نظم هذه القصيدة، واجتهدوا في ضم حرف لا ينتمي للكلمة وهو حرف (الواو) الذي يعتبر هنا حرف عطف للتفسير، أي أن الكلمة بعده تشرح الكلمة قبلها، وذلك حتى يكون الحساب تاما حسب ما يعتقدون وهو (1276 هـ)، ويبنون على ذلك قناعتهم التي تشير إلى أن الشيخ محمد بن سليمان مات وهو شيخ مسن جاوز التسعين سنة، وهي كلها مزاعم مبنية على أدلة سهل نفيها بالحجة والمنطق السليم، ثم نتساءل مع أصحاب هذا الرأي قائلين: على ماذا استندتم عندما اجتزأتم كلمة (واشعاري) من السياق لكي تشيروا من خلالها إلى تاريخ نظم النص؟ خاصة وأن الكلمة مرتبطة دلاليا بكلمة سابقة (ارموزي) مما يجعلهما تتكاملان لتشيرا معا إلى المعنى الذي يرمي إليه الشاعر، ثم لماذا لا نأخذ مثلا كلمة (ارموزي) بدلا من كلمة (واشعاري)؟ والأصوب إن كانت ستكون قراءة في هذا الجانب أن نأخذ الكلمتين معا (ارموزي واشعاري)، حيث يقول الشيخ ابن سليمان: (واللي هو قاري + إيورخ ارموزي واشعاري)، فنحن سواء أخذنا كلمة (ارموزي)، أو كلمة (اشعاري) بدون واو، أو أخذنا الكلمتين معا لا نستطيع أن نصل إلى شيء مما استخلصه هؤلاء، مما يكشف على أن كلمة (إورخ ارموزي واشعاري)، فيها إشارة إلى رغبة الشاعر في حث قارئ شعره على أن يعرف السياق التاريخي الذي قيل فيه، كما يحثه في الشطرة الأخرى أن يعرف من هو أستاذه وشيخه كما أشرنا إلى ذلك سابقا، وهذا لرغبة الشيخ ابن سليمان في أن يقطع كل العلاقات بينه وبين شيخه ولد أرزين، وينفي نفيا قاطعا أن تكون له به أي صلة.

2/ وأضيف هنا ملاحظة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، ذلك أننا إذا اعتبرنا أن الشيخ ابن سليمان كتب قصيدته الأولى (مرسول فاطمة) وله من العمر اثنان وعشرون سنة (22 سنة)، ونفترض أنه بعد سنة كتب قصيدة (القلب) التي تنبه المرحوم دلال الحسيكة إلى التاريخ المشار إليه فيها من طرف الشاعر بواسطة الكلمة الرمز: (شرط) وأوضح أنه يشير إلى سنة (1209هـ)، وكان عمره آنذاك ثلاث وعشرون سنة (23 سنة)، ثم كتب في أواخر حياته قصيدته (التوبة) والتي أشار القائلون بموت الشيخ مسنا إلى أنه كتبها سنة ست وسبعون ومائتين وألف (1276 هـ)، وأنه سيعيش بعدها حوالي سنتين (02 سنتين)، سنخلص إلى أن الشيخ ابن سليمان قد ولد سنة ست وثمانين ومائة وألف (1186هـ) على عهد السلطان محمد بن عبد الله محمد الثالث، ونظم آخر قصائده سنة (1276هـ) أي سنة موت السلطان مولاي عبد الرحمن، نضيف إلى هذا التاريخ حوالي سنتين عاشهما بعد كتابة قصيدته هاته، ليكون موته على عهد السلطان محمد بن عبد الرحمن أي محمد الرابع، وذلك عن سن اثنان وتسعون سنة، فهل يا ترى عاش الشيخ محمد بنسليمان حتى عهد المولى عبد الرحمن وابنه السلطان محمد بن عبد الرحمن؟، ومنهم يا ترى الشعراء الذين عاصرهم وكانوا على عهده آنذاك؟، إن هذه النتيجة غير مقبولة نهائيا، ولا تخضع لا للتاريخ ولا للمنطق، ليبقى الصواب هو ما شهد به رجال الملحون وأشياخه الماهدون، والمتمثل في أن الشيخ بنسليمان ولد حوالي عام 1186هـ على عهد السلطان محمد بن عبد الله، وبدأ قول الشعر وهو شاب غر على عهد السلطان المولى سليمان، وتوفي في عهده عام (1219هـ) وعمره ثلاث وثلاثون سنة (33 سنة).

3/ الملاحظة الثالثة تتمثل في إجماع كل المهتمين الذين ترجموا لابن سليمان إضافة إلى أشياخ الملحون والمهتمين به، الكل يؤكد على أن هذا الشيخ قد مات وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة، مع تأكيدنا على أن الإجماع لا يحسم شيئا ولا يقوم دليلا على صحة الرأي النقيض إن وجدت الأدلة السليمة طبعا، هذا إذا لم يكن هذا الإجماع تضييقا على حرية البحث، وإغلاقا للمجال أمام الاجتهاد الجاد الذي قد يكشف حقائق غمُضت عن السابقين، ولكن رجالات الملحون وأشياخه يتميزون بأخذ علمهم عن طريق الرواية عمن سبقهم من الأشياخ، حيث يأخذ السابق عن اللاحق، وهكذا لابد أن تكون معلومة موت الشيخ ابن سليمان في شبابه قد انحدرت لنا عن طريق أشياخ جايلوه أو كانوا قريبين من مرحلته.

4/ المسألة الرابعة التي تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الشيخ ابن سليمان مات وهو صغير السن، هو ما أشار إليه شيخه محمد بن علي ولد أرزين في قصيدته “الكاموس”، والتي تعتبر آخر قصيدة هجائية قالها فيه، بل من الباحثين من يؤكد على أنها كانت السبب في موته، نظرا لما فيها من هجاء مدقع، ويروى أن ابن سليمان عندما سمعها جن جنونه حتى أنه بدأ يكتب هجاء ابن علي على جدران بيته وفوق فراشه، وقد مات بعدها بأيام قليلة، يقول ابن علي في هذه القصيدة مخاطبا ابن سليمان:

مَا كَانْ لِي فـْظـَنّْـي الـْغَـدَّارْ يِغِيـبْ * وُبَالشّرّْ إِيكَافِي الخِيرْ لـَصْحَابُوا

مَطـْلـُوبْ عَادْ لِي وَأنَا لِيهْ اطـْلِيبْ * كِيفْ الذيبْ امْصيْدُه مَنْ اشْعَابُه

ضَرْبِي الكُلّْ شَارَة نِيَّاشْ اصْـوِيبْ * مَـا خـُوفِـي إِلّا نْـيَـتـَّمْ اشـْبَـابُــه

من خلال هذه الأبيات، نلاحظ كيف يخاطب الشيخ محمد بن علي ولد أرزين الشيخ محمد ابن اسليمان، ويقول عنه في النص: (ما خوفي إلا نيتم اشبابُه)، وهي إشارة صريحة إلى أن لحظة نظم هذا النص من طرف الشيخ ابن علي ولد أرزين كان الشيخ ابن سليمان شابا صغير السن، وأنه مات كمدا أياما قليلة كما أشرنا بعد اطلاعه على هذا النص، ألا يكفي هذا دليلا على أن الشيخ قد مات في ريعان شبابه؟.

والقضايا الخلافية حول حياة وشخصية الشيخ محمد بن سليمان لم تقف عند هذه النقطة، بل طالت أيضا أسباب وفاته، حيث ذهب فيها المهتمون مذاهب شتى، ملتقطين بعض الإشارات لباحثين ماهدين أشاروا إلى أن ابن سليمان رثى نفسه قبل موته[21]، وذلك من خلال قوله في حربة قصيدته “الوردة”:

لا اتلوموني في ذا الحال جيت نشهد وانودي * يا اعدولي فالموت اسبابي خال فوردة

وهذا ما دفع ببعض الذين تعرضوا للقصيدة انطلاقا من هذه القولة إلى الترويج لكون ابن سليمان كان مريضا بالسل، وكان يعرف أن أجله قد أزف، وسيموت قريبا، ويستدلون على ذلك بقولهم: (أعدولي فالموت اسبابي خال فوردة)، فاعتبروا حسب تقديرهم أن (الوردة) هي رئة الشاعر، وأن (الخال) هي النقطة السوداء التي تشير للمرض الذي أصاب رئته، وبدأوا في تأويل ألفاظ النص وصيغه ومعانيه لكي تلائم وتساير مفهومهم ذاك، والذي ينطلق من كون موضوع قصيدة “الوردة” هو رثاء الشاعر لنفسه وتحديد سبب وفاته.

ولو أننا عدنا لهذا النص وقرأناه بطريقة موضوعية مضبوطة، سنجده بعيدا كل البعد عما يشير إليه هؤلاء، وأنه لا علاقة له بما يشيرون إليه من ربطهم له بموت الشاعر وسببها ورثاء نفسه فيه قبل موته، بل النص عشاقي محض، وكل المعاني المولدة من أساليبه موجودة سواء في الشعر العربي القديم، أو تم تداولها بين رجالات الملحون قبل الشيخ ابن سليمان وتم توظيفها من طرفه، بل إن منها ما هو عالمي كما هو الشأن بالنسبة لسهام الحب، والتي انطلقت من الأسطورة العالمية (سهم كيوبيد) المعروفة، وحتى لا نكون ممن يلقون القول على عواهنه، فإننا سنعود للنص، ونقاربه بطريقة موضوعية، معتمدين على المشيرات الدالة التي تضعه في خانته السليمة، وهكذا نجد القصيدة تنقسم منهجيا إلى ست حركات هي كالتالي:

الحركة الأولى: [تتضمنها حربة القصيدة أو لازمتها]، فالشاعر من خلال هذه (الحربة) توجه بالخطاب للذين جاؤوا لعيادته أثناء مرضه، وأخذوا يلومونه على الحال التي وصل إليها، وأن عليه الاهتمام أكثر بصحته مخافة أن يموت وينقضي أجله سدى، يعترض الشاعر على أقوال لوامه راجيا منهم أن يقصروا في لومهم، ويكفيهم أن يكونوا شهود عيان وهو يحتضر أمامهم، وعليهم أيضا أن يعرفوا أن السبب في موته شيء واحد وهو حبه الجارف لفتاة جميلة بخال فوق خدها المتوهج الجميل، والذي يشبه الوردة المتفتحة، وهو في هذا التعبير الأخير قد لجأ أولا للاستعارة، حيث شبه خد المحبوبة بالوردة المنقطة بنقاط سوداء تزيدها بهاء وجمالا، وحذف خد المعشوقة ببعد استعاري لتصبح الاستعارة[22] تصريحية، كما لجأ أيضا إلى الكناية[23]، حيث لم يذكر المحبوبة، بل كنى عنها بالوردة، وهي كناية الموصوف، مادام قد أطلق اللفظ وأراد من ورائه موصوفا، وهذا تطبيق بلاغي غاية في الروعة والبهاء.

الحركة الثانية: [ونحصرها في القسم الأول من القصيدة]، حيث جسد الشيخ ابن سليمان معاناته مع هذا الحب، وصورها بشكل مادي، حتى يدركها عاذلوه ويقلعوا عن لومه، فقد صور الآلام التي يكابدها جراء هذا الحب بضربات النبال التي تَصْدُرُ عن رام متمرس لا تخطئ سهامه، متوسلا هنا أيضا بالاستعارة، عندما شبه هُدُبَ (أشفار) عيون المحبوبة ب(السهام)، و(حواجبها) ب(القوس)، والرامي المتمرس هو المعشوقة ذاتُها، وحذف المشبه لتصبح الاستعارة تصريحية، وليت الأمر وقف عند رشق ذاته بسهم فقط، بل إن هذه السهام تكاثرت وتتابعت من كل جهة حتى أنهكت جسده المكلوم، وأصبح حاله كما قال الشاعر العباسي أبو الطيب المتنبي[24]:

رماني الدهــر بالأرزاء حتى ** فـؤادي فـي غـشاء مـن نبـال

فصــرت إذا أصابتـني سهــام ** تكسرت النصال على النصال

وهــان فــما أبالــي بالــرزايا ** لأني مــا انتـفـعــت بأن أبالي

وهي صورة مألوفة لدي الشعراء عبر كل العصور، خاصة في مجال الغزل، حيث نجد الشاعر امرؤ القيس[25] يخاطب معشوقته فاطمة قائلا:

أ فاطـم مهــلا بعــد هـذا التــذلل ** وإن كنت قد أزمعت صرمي فاجملي

أغــرك منــي أن حبــك قــاتــلي ** وأنــك مهما تأمري القــلــب يفـعــل

وما ذرفــت عيناك إلا لتضربــي ** بسهــميــك في أعشار قـلــب مقـتـل

أما الشيخ التهامي المدغري[26]، فقد توسل بنفس الصورة في قصيدته “العين الحرشة” قائلا:

أنَا نْظرْتْ العِينْ الحَرْشَة قَتَّالة * تَجْرَحْ يَا وَعْدِي بْلَا نْصَلْ * مَنْ ضِيقْ النّيشَانْ تَرْمِي نَبْلَة

وعلى نفس الخطى سار الشيخ ابن سليمان في قصيدته رغبة منه في أن يفهم لائميه عظم آلامه، وذلك عندما يقول هكذا أنا في حالة الغرام، شبيه بذاك الذي أثخنته النبال بالجراح، والمدة التي حددت لي من طرف الطبيب قصد الشفاء قد انتهت، ولا أجد من علاج لهذه الحالة سوى وصال المحبوبة، يقول الشيخ في هذا القسم:

القسم الأول:

آهْ مَنْ رَشْكاتْ نْبَالْ القْوَاسْ وَالحَاجَبْ صَرْدِي * مَنْ يَدّْ رَامِي دَكتْ نَشّابِـي جَاتْ مْجَهْـدَا

كـُلّْ قُوسْ مْطـَلـَّعْ شَدّْ لوتَارْ مَنْصُوبْ القَصْدِي * عْـلَاشْ مَا نَشكِي طالْ عْذَابِي هَـذِي مُدَّا

هَكـذَا رَانِي فِي حَـالْ الغْـرَامْ يَتّْصَرَّفْ وَعْــدِي * يَا اطـْبِيبِـي فَالضَّــرّْ احْسَابِي رَاهْ اتْعَــدَّا

لَا ادْوَى مَنْ غِيـرْ التّقبِيلْ أو لمْصَالْ الشّهْـدِي * رَادْ وَعْمَلْ فَالكاسْ اشْرَابِي جَاتْ المُودَّا

الحركة الثالثة: [ونرصدها من خلال القسم الثاني من القصيدة]، وقد سعى الشيخ في هذه الوحدة إلى وضع صورة دقيقة لهذه المحبوبة التي كان صادقا في حبها، دون أن يتوجه إليها مباشرة، وفي ذلك ما فيه من العفة وصيانة الفتاة من الابتذال وتداول اسمها على الألسن، لذلك كنى عنها ب(الوردة)، مشيرا إلى أن جمالها تفتح في غصن عال، مما يفهم معه منعتها وصعوبة الوصول إليها (فاتحة في غصن اسما…)، وهذا الغصن السامي موجود في (رياض/عرصة) عالي منيع الحصون، أي أن هذه الفتاة التي يعشقها الشاعر إضافة إلى كونها ذات جمال وكمال، فهي إلى جانب ذلك عزيزة الجانب، من بيت سلطة وحصانة، ودون الوصول إليها الموت، مع ما توحي به كلمة (عالي من سعدي) من إشارات إلى عذرية حب الشاعر الذي فرح واعتبر حظه وافرا كونه أحب هذه الفتاة التي لا يستطيع الوصول إليها أحد مهما كان، وحتى هو في حد ذاته لا يستطيع الوصول إليها، وكم كان بودنا أن نخرج بالنص إلى مجالات مغايرة عن طريق التأويل، وأن ندخل به في اهتمامات الشاعر ومشاكله الحياتية، لولا ما يمنعنا من وضوح دلالته، زيادة على أن الشيخ ابن سليمان قد حدد مجاله بوضوح متناه قطع بواسطته العلاقة مع أي تأويل كما  سيأتي في هذه القراءة بحول الله تعالى، وعموما فالشيخ الأستاذ أحمد سهوم رحمه الله تعالى، يضع النص أيضا في إطار عشاقيات ابن سليمان، ويعتبر محبوبته التي ذكرها متمنعة مذكورة في نصوص أخرى لهذا الشيخ، الشيء الذي يدل دلالة قطعية على أن حب ابن سليمان كان حبا عذريا صادقا، وهو من التجارب القليلة في الشعر الملحون[27].

ويستمر الشيخ في هذا القسم من القصيدة مشيرا إلى كونه مستعد للتضحية بالغالي والنفيس، وبكل شيء من أجل الوصول لهذه المحبوبة التي سلبت لبه، وأسقمت حاله، وهو بذلك مستعد للتنازل عن أمواله بل ومهجته لأجل أن ترضى فتاته وصاله، يقول في القسم الثاني من قصيدته:

فَاتْحَة فِي غُصْنْ سْمَا فِي رْيَاضْ عَالِي مَنْ سَعْدِي * زَانْهَا رَشّْ الخَالْ غْرَابِي مَنْ غِيرْ انْدَا

صَانْهَا وَحْضَاهَا ضَلّْ الشّفَارْ بَاللحْـظ الهَـنْــدِي * كِيفْ جَبْتْ إِيمَايَرْ تُوصَابِي فِي مَا نَبْـدَا

فَاشْ جَانِي جَرْحِي وَنَا المَالْ وَارْقَـبْتِي نَــهْـدِي * لِينْ نَتّهَرَّبْ عَــنْ مَكتَابِي مَا يْلِي صَــدَّا

غِيرْ جِيتْ انْبَرِّي فَالرُّوحْ قْبَلْ تَخْرَجْ مَنْ جَسْدِي * خَفْـتْ نَاسِي تَلقَـى طـلّابِي تَبْغِي لفْــدَا

الحركة الرابعة: [وتتأطر ضمن القسم الثالث] فبعد كل ما تقدم، يصور لنا الشاعر في هذه الوحدة أو هذا القسم حالته التي أصبح عليها مع هذا الحب القاهر، إذ ليس له من وسيلة للصمود إلا دموعه التي تطفئ بين الفينة والأخرى النار المشتعلة في كبده، وأنه لفقد محبوبته أصبح دائم البكاء كذكر الحمام الذي فقد أنثاه، فظل يبكيها دون توقف، يتقلب بين شدة الحرارة وشدة البرودة، فهو كما يقول دون رغبة منه دخل بحر الهوى وتجربة الحب وهو غر صغير لا يملك تجربة، الشيء الذي جعله ينهار أمامه ويسلم له قيوده، ويشارف منه على الهلاك يقول الشاعر في القسم الثالث من النص:

هَاجْ وَجْدِي وَفـْرَغْ جَهْدِي قـْلَايْـدِي زَادُه سَهْـدِي * طالــتْ عْلِيَ يَا تَشْغَابِــي هَاذْ الفَقْــدَا

كالحْــمَــامْ الفَــرْدِي شَــلّا تْغَــارْدِي وَنَا وَحْــدِي * بَالمْحَبَّة جَنْحَــانِي رَابِي قُلـُــوا عَمْدَا

بَعْدْ صَهْـدِي ثَلجِي بَرْدِي اتْنَاهْـدِي تَحْيِي نَشْـدِي * وَالهْوَى سَدّْ عْلِيَ بَابِي مَا صَبْتْ افْـدَا

دُونْ غَرْضِي جِيتُه مَهْدِي صْغِيرْ لَازَلتْ فْجَهْدِي * دْرَسْنِي مِيرْ دْرِيسْ عْرَابِي هَازَمْ لعْدَا

أما الحركة الخامسة: [فتتحدد انطلاقا من القسم الرابع]، ويفتتحها الشاعر بصورة رائعة تدل على عبقريته، حيث يتساءل عن الريح الطيبة التي يتمنى أن تصل بسفينة حبيبته إلى شط الأمان، وتجده في استقبالها وقد نشر راية النصر والتوفيق، بعد أن تكون بمجيئها قد هزمت جنود النكد والحزن التي أطبقت عليه من شدة الفراق، وفي إشارة لوجهها المضيء كالبرق يتساءل الشيخ عن اللحظة الذي ستطل عليه بهذا الوجه الجميل، فتكون طلتها كالبرق الخاطف الذي تعقبه الرعود، وهي كلها إشارات لهطول المطر الذي يكون سببا في إخصاب الأرض وإعطائها حلة راقية، يستغلها الشاعر في التمتع بمحاسن المحبوبة في أحضان الطبيعة، يقول الشيخ في هذا القسم:

لِمْتَى يَسْعَدْنِي رِيحْ لوصَالْ نَنْشَرْ لـُه بَنْــدِي * لِمْتَى يَهْــزَمْ مِيـــرْ اتْــرَابِي جَنْـــدْ النَّكــدَا

يَا تْرَى يَتْجَرَّدْ بَـرْقْ السّْرُورْ وِيزَكلمْ رَعْدِي * عْلى الزّْهُو يَنْزَلْ مَطرْ سْحَابِي فُوقْ البِيدَا

بِينْ دِيدِي وَالهَنْدِي فِي بْطايْحِي نَجْنِي وَرْدِي * إِيعُودْ نَحْلِي يَرْعَى فَخْصَابِي بَعْـدْ الرَّكـدَا

الهْوَى يَا مَنْ لَا هَـزُّه غْــرَامْ يَتْمِيدْ الـْرَمْدِي * سِيــرْتِي مَغْلـُوبْ الغَــلّابِي صَبْــرِي عَــدَّا

 

وبخصوص الحركة السادسة: [فقد تضمنها القسم الأخير من القصيدة والذي يطلق عليه اسم الزرب[28]]، حيث خصص الشاعر هذا القسم لمجموعة من الجوانب على عادة أشياخ الملحون، منها ذِكر اسمه (ابن سليمان اسمي فخطابي عسل الشهدة)، كما ذَكر نسبه فرغم أن ميلاده كان بمدينة فاس، إلا أن أصوله من عرب الحجاز، أي من الشرق العربي، ويقطع الطريق في هذا القسم عن كل تأويل للقصيدة وإدخالها في أغراض لم تقصدها، مشيرا إلى أنها قصيدة عشاقية ولا علاقة لها بأي موضوع آخر، يقول ابن سليمان في هذا الصدد: (منسجي عشاقي وأهل الهوى يشهدوا من بعدي)، وهكذا فهو يؤكد على أن القصيدة في العشاقي/ أي الغزل، ولا مجال للزج بها في مواضيع لا يقصدها الشاعر، يقول الشاعر في هذا القسم الأخير:

 

عَنْدْ ضَرْبِـي نَتْخَيَّرْ فَالجْحُودْ وَانْخَـرَّجْ وَنْــدِي * وَالتّْمَامْ انْعَــدَّلْ تَزْرَابِـي صُــورْ الـَّعْـــدَا

أَ الـْحَافَظ إِلى سَالـُـوكْ قـُلْ هَـذِي مَــنْ عَنْـدِي * مَـنْ ادْعَــى لَا يَبْطــا فَجْــوَابِـي وَلَابُــدَّا

دَاوْدِي زَرْدِي عَنْ زَنْدِي فَالعْدَا ثَـارِي نَـفْــدِي * بَنْسْلِيمَانْ اسْمِي فَخْطابِي عَسْلْ الشَّهْـدَا

وَالنّْسَبْ فَاسِي مَنْ عَرْبْ لحْكازْ مَتْيَصَّلْ جَدِّي * يَا ارْحِيمْ الرَّحْمَة عَـنْ آبِي حُسْنْ الوَلـدَا

مَنْسْجِي عَشَّاقِي وَأهْلْ لهْوَى يْشَهْدُو مَنْ بَعْدِي * وَالسّْلَامْ عْلِيهُمْ فَكتَابِي مَنْ طِيبْ اشْـذَا

يَا المُـولى كـُنْ امْعَايَا أونِيسْ فِي غُمَّتْ لحْدِي * يُومْ نَاخُـذْ شَبْرِي فَتْـرَابِي كـُنْ لِي سَنْـدَا

هذا نموذج من إبداعات هذا الشاعر العملاق محمد بن سليمان الفاسي، وما وصلنا من شعره ينم عن عبقرية فذة، فابتكاراته لا تتوقف، ما جعل شعراء عصره يتصدون إليه، ويدخلون معه معاركة ضارية خلفت لنا قصائد هجائية عديدة لا تخلو من فحش أحيانا،  ولو لم ينشغل الشيخ بهذه المعارك الغير المجدية، لكان إنتاجه فتحا جديدا في تاريخ الملحون، يقول الشيخ أحمد سهوم في هذا الصدد:”…لو أن أهل الملحون الذين عاصروا ابن سليمان (…) وصلهم شعره وأحسوا به واستطاعوا أن يفقهوه، لكان ديوان هذا الشاب نقطة تحول هامة في تاريخ الملحون، ولكان الملحون اليوم في أعلا مراتب فن القول الرفيع رحمه الله …”[29].

هذا هو شاعرنا الكبير محمد بن ادريس بن سليمان رحمه الله تعالى، جسد منهك عليل، ونفسية مأزومة، وطباع حادة مع صدق في العواطف، ورقة في الغزل، وانسيابية في السرد وفحش في القول أثناء الهجاء، بهمة عالية يترجمها قوله في قصيدته :”عسل الشهدة/ أو الرعد” كما يسميها المهتمون:

قلبي كبير مشروح اصغير الراس فالولايم * طبعي رهيف فاين توجد مثلي وليس نوهان

حتى نضرك اخيالي * عاد يندم من كان فعيبنا مكثر

 

مراجع تم اعتمادها في البحث:

1/ كتاب القصيدة ـ الدكتور عباس الجراري ـ منشورات مكتبة الطالب/ مطبعة الأمنية ـ الرباط ـ الطبعة الأولى مارس 1970م.

2/ كتاب الملحون المغربي ـ الحاج أحمد سهوم ـ منشورات شؤون جماعية/ مطبعة النجاح الجديدة ـ الدار البيضاء ـ الطبعة الثانية 1993م.

3/ كراسة “الملحون في عهد الازدهار” ـ محمد لعناية ـ

4/ معلمة الملحون ـ القسم الأول من الجزء الأول ـ محمد الفاسي ـ السفر الرابع عشر من مطبوعات الأكاديمية ـ الطبعة الأولى أبريل 1986م.

5/ معلمة الملحون ـ الجزء الثاني ـ القسم الأول ـ معجم لغة الملحون ـ محمد الفاسي ـ الطبعة الأولى 1991م.

6/ معلمة الملحون ـ الجزء الثاني ـ القسم الثاني ـ تراجم شعراء الملحون ـ محمد الفاسي ـ الطبعة الأولى 1992م.

7/ قراءة في معجم مصطلحات الملحون الفنية لعميد الأدب المغربي الأستاذ الدكتور عباس الجراري ـ السعيد بنفرحي ـ مطبعة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع/ الرباط ـ الطبعة الأولى 1437هـ/ 2016م.

8/ شرح المعلقات السبع ـ أبي عبد الله الحسين بن أحمد الزوزني ـ منشورات دار الجيل/ بيروت ـ لبنان

9/ امرؤ القيس أمير شعراء الجاهلية ـ حياته وشعره ـ الدكتور الطاهر أحمد مكي ـ دار المعارف بمصر ـ الطبعة الثانية 1970م.

10/ أمراء الشعر العربي في العصر العباسي ـ أنيس المقدسي ـ دار العلم للملايين/ بيروت ـ الطبعة الثالث عشرة ـ مارس 1980م.

11/ السلطان سيدي محمد بن عبد الله في مواجهة أزمة المخزن والمجتمع ـ الدكتور محمد بوكبوط ـ منشورات الزمن/ العدد 59/ 2015م

12/ بلاد المغرب من الفتح الإسلامي إلى عصر الإمارة ـ ذ. عبد الرزاق عمر ازريكم ـ الطبعة الأولى ـ 2013م.

13/ كتاب “علم البيان” للدكتور عبد العزيز عتيق ـ دار النهضة العربية/ بيروت ـ 1985 ـ

14/ نظرات في شعر الملحون ـ عبد الله شقرون ـ منشورات الملتقى ـ الطبعة الثالثة 2020م.

الإحالات

[1] / “صابت لشياخ”: أي العصر الذهبي لشعر الملحون، حيث شهد الملحون ازدهارا كبيرا وكثر شعراؤه في هذه الفترة، وذلك لاهتمام السلاطين بهم وتقريبهم واتخاذ شعراء البلاط منهم، وقد امتدت هذه الصابة من عهد السلطان محمد بن عبد الله، إلى عهد السلطان محمد بن عبد الرحمن.

[2] / السلطان محمد بن عبد الله بن إسماعيل، وهو المعروف بالسلطان محمد الثالث، ولد سنة 1134هـ، وتولى الملك منذ (1171 إلى 1204هـ) الموافق ل(1757 إلى 1790م)، كان سلطانا مصلحا في عهده عرف المغرب استقرارا سياسيا وازدهارا اقتصاديا ونهضة ثقافية.

[3] / السلطان المولى سليمان : ولد سنة 1180هـ، وتولى الملك سنة 1206هـ، وفاته كانت سنةى1237هـ،ىاشتهر بالعلم والصلاح والتأليف، سارع للقضاء على كل أشكال ومظاهر البدع والخرافات، قرب إليه شعراء الملحون ورفع شأنهم بالمجالسة والجوائز.

[4] / الشيخ “محمد بن علي العمراني” الملقب ب”ولد أرزين”، عاش بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، أصله من تافيلالت حيث ولد في “مسيفة”، حفظ القرآن الكريم وهو صغير السن، وانتقل إلى فاس حيث التحق بجامع القرويين، وتعرف إلى الشيخ محمد النجار، واتخذه صديقا وأستاذا.

[5] / الحاج محمد النجار، شاعر من أهل مراكش، وهو ربيب الشيخ الجيلالي امتيرد وتلميذه، غادر مراكش نحو فاس أيام الجفاف مخافة أن يكون عبئا على زوج أمه، وفي هذه المجينة نبغ وأصبح شيخ أشياخها إلى أن توفي رحمة الله عليه.

[6] / يحكى أن الشيخ ابن سليمان بعد أن اشتد الخصام بينه وبين أشياخ عصره، وأثقلوا عليه، نظم قصيدة في خمسة وعشرين طبعا، وعرضها على الأشياخ آنذاك، وطلب منهم أن ينسجوا على منوالها، فسكتوا ولم يستطع أحد منهم أن يجاريه في ذلك، ومن تم سميت هذه القصيدة ب”السنسلة”، لأنه سلسل بها أشياخ وقته وأفحمهم.

[7] / الأستاذ عبد الله شقرون/ نظرات في الشعر الملحون ـ منشورات المتلقي ـ الطبعة الثالثة 2020 ـ دار القرويين ـ الرباط/ الصفحة 56

[8] / القصيدة أو الزجل بالمغرب ـ الدكتور عباس الجراري ـ منشورات مكتبت الطالب ـ مطبعة الأمنية/ الرباط ـ الطبعة الأولى مارس 1970م ـ الصفحة 625.

[9] / الأستاذ عبد الله شقرون/ مرجع سابق/ الصفحة 56/57.

[10] /  القاسم بن سويد العيني وشهرته أبو العتاهية، (748/828) شاعر عربي مشهور بالزهد، ولد في بلدة “عين التمر” بالعراق، ونشأ بالكوفة، اتهم بالزندقة في بداية حياته، لكننا لا نجد في أشعاره ما يثبت ذلك، واتجاهه للزهد مرده إلى إخفاقه في حب معشوقته عتبة جارية الخليفة المهدي.

[11] / في اللغة: الجِدةُ والوجد والوجدان الحصول على المال الكثير، والمعنى الذي يشير إليه أبو العتاهية هنا هو: كلما كان المرء شابا غرا، وليس له عمل مذكور، والمال يجري بين يديه كما يريد، فتلك أمور تكون وراء فساد أخلاقه وانغماسه في بوائق الأمور.

[12] / الشليمان كلمة معناها السم الزعاف، أي القاتل.

[13] / كل القصائد الملحونة المستشهد بها في هذا البحث هي مأخوذة مما دونه الشيخ دلال الحسيكة رحمه الله، وإذا كانت هناك قصيدة مأخوذة  من أي مرجع آخر فستتم الإشارة إليه.

[14] / مع الإشارة إلى أن بعض الأشياخ اللاحقين ولسبب ما عملوا على قلب هذا البيت هجاء لابن علي حسب ما ورد في كتاب القصيدة للدكتور عباس بن عبد الله الجراري الصفحة 625 حيث قالوا في ذلك:

رَجْلِي عْلى اقفاتْ ابن علي * حُجَّة إلى أوُطِيـتْ ابْنَعْلِي

[15] / الدكتور عباس الجراري ـ مرجع سابق ـ الصفحتين 625/626

[16] / المرحوم الحاج أحمد سهوم ـ كتاب “الملحون المغربي” ـ منشورات “شؤون جماعية” ـ الطبعة الثانية: دجنبر 1993/ الصفحة 154.

[17] / يمكن أن يكون قد نظم هذه القصيدة وهو في سن الثانية والعشرين أو الثالثة والعشرين من عمره، حيث يرى البعض أن (عام شرط) أي 1209هـ، وأن القصيدة هي الثانية التي نظمها بعد قصيدة: “مرسول فاطمة يا ناسي”، رغم أن هذه الإشارة في النص للتاريخ لا تلزمنا باعتبار أن (عام شرط) هو تاريخ نظمها، بل فيه إخبار بالعام الذي كان فيه شابا غرا فقط، وليس هناك ما يمنع من أن يكون قد نظمها في تاريخ آخر.

[18] / بمعنى أنني لازلت شابا غرا صغير السن.

[19] / يشار بكلمة (شرط) وبشكل رمزي إلى تاريخ كان فيه الشاعر لايزال شابا دون تجربة، وللوصول لهذا التاريخ يفك المهتمون هذه الشفرة بواسطة حساب الجُمَّل.

[20] / حساب الجمل: ويقوم لدى أشياخ الملحون على قاعدة من نقطتين: النقطة الأولى هي ترتيب الحروف الأبجدية العربية الثمانية والعشرين ترتيبا خاصا خاضعا ل (أبجد) عوض (أبت)، ثانيا إعطاء كل حرف من هذه الحروف عددا كقيمة له حسب ترتيبه الأبجدي، ويتم الاحتساب على الشكل التالي: (من واحد إلى تسعة) ثم ابتداء من العشرة نحسب بالعقود، أي (عشرة/ عشرين/ ثلاثين … حتى التسعين)، ثم ابتداء من المائة نضاعف العدد حتى الألف، مثال (مائة/ مائتين/ ثلاث مائة ….)، ولتوضيح ذلك نضع بين يديكم الجدول التالي:

 

أَ

1

بَ

2

جَ

3

دْ

4

هـَ

5

وَ

6

زِ

7

حُ

8

طَ

9

يٍّ

10

كَ

20

لَ

30

مْ

40

نٍ

50

صَ

60

عْ

70

فَ

80

ضٍ

90

قُ

100

رِ

200

سَ

300

تْ

400

ثَ

500

خُ

600

ذٍ

700

ظَ

800

غْ

900

شٍ

1000

 

 

[21] / الحاج أحمد سهوم من كتابه الملحون المغربي

[22] / الاستعارة في اللغة: رفع الشيء وتحويله من مكان إلى آخر، يقال استعار فلان سهما من كنانته: رفعه وحوله منها إلى يده، وفي الاصطلاح الأدبي الاستعارة ضرب من المجاز اللغوي علاقته المشابهة دائما، للتوسع أكثر، يمكن الرجوع إلى كتاب “علم البيان” للدكتور عبد العزيز عتيق ـ دار النهضة العربية/ بيروت ـ 1985 ـ الصفحة 167 وما بعدها.

[23] / الكناية في اللغة مصدر كنيت بكذا عن كذا إذا تركت التصريح به. وفي اصطلاح أهل البلاغة: “لفظ أطلق وأرِيد به لازم معناه، مع جواز إرادة ذلك المعنى الأصلي”، الدكتور عبد العزيز عتيق ـ مرجع سابق ـ الصفحة 203.

[24] / أبو الطيب أحمد بن حسين (303/354هـ) الموافق: (916/966م)، شاعر عباسي ولد ونشأ بالكوفة زمن اضطرابات سياسية على عهد الخلافة العباسية، وكان كثير التنقل والترحال بين البادية والحضر، ترجم له الكثير من النقاد والباحثين.

[25] / هو حندج وعدي ومُليْكة، وقد غلب عليه اسم امرؤ القيس، و(القيس) صنم كان يعبد في الجاهلية، وعلى هذا يكون اسمه عبد القيس، ومن ألقابه: أبا الحارث/ أبا وهب/ أبا يزيد/ الملك الضليل/ ذي القروح، قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم:” أشعر الشعراء امرؤ القيس وحامل لوائهم إلى النار”.

[26] / الشيخ التهامي المدغري المسعودي، لا يقال له إلا السي التهامي، أصله من تافيلالت من قبيلة امدغرة، درس على علماء فاس ومراكش، وكان يكتب الشعر باللغة العربية المشرقية، قبل أن يتحول لكتابة قصائد الملحون، فنبغ فيها أيما نبوغ، وجاء في ذلك الميدان بالذرر، التحق بالقصر الملكي كمعلم للقرآن بالنسبة لصبيان القصر ومن بينهم الأمير محمد بن عبد الرحمن الذي أصبح صديقه ونديمه بعد ذلك.

[27] / الحاج أحمد سهوم ـ مرجع سابق ـ الصفحة 153.

[28] / الزرب آخر قسم في القصيدة، وقد يكون (سارحتها) إن كانت لها (سارحة)، يتناول فيه الشاعر بالهجاء خصومه ومعانديه وجاحديه دون ذكر الاسم، وهي قاعدة عامة لا يخرج عليها إلا قلة من شعراء الملحون قد لا يتجاوزون أصابع اليد، وإلى جانب الهجاء، يعترف ويسلم على الأشياخ أصدقائه، ويصلي ويسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكر اسمه، فيكون كمن يحيط البستان أو الرياض بالأشواك لصيانتها من عبث العابثين.

[29] / المرحوم الحاج أحمد سهوم ـ مرجع سابق ـ الصفحة 154.

كاتب وباحث في الملحون من المغرب

 

عن madarate

شاهد أيضاً

أمسية تكريم فعاليات نسائية ضمن أمسية شعرية رمضانية تخليدا لليوم العالمي للمرأة – حسناء آيت المودن

أمسية تكريم فعاليات نسائية ضمن أمسية شعرية رمضانية تخليدا لليوم العالمي للمرأة حسناء آيت المودن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *