معلقة زايان مرثية بيوس (غزال الغابة وايقونة الأعالي) عبد الله الطني
(إلى روح حبيبي عبد الإله وإلى أهله وأحبابه ومريديه وأصدقائه من بلاد زيان والقبائل والمدائن كلها)
(1)
بيوس
هو عاشق اللوحِ والحرفِ
والبَرِّ والبحرِ
والغابةِ والنهرِ
والينابيع والأعالي
هو جميلُ الأمس واليومِ
وما يَلِيه
وما الموت سوى وَهْمٌ يفصل بين الفصول
(2)
ها هي الشمس تطلعُ الآن
وعاشقُها المُتَيَّمُ بالأنوار
كيف غافلها العاشق واحتواه بالجفون
وأغمض عينيه
والشمس بعينيه
أجمل ما ترون
(3)
ها هي الرياح تحلق حزناً
والطائرُ الموهوبُ الذي
كان يَفْهَمُ سرها ونجواها
رفرف ما استطاع
ولَمَّا تَعِبَت أحلامُ الرياح
طوى أحلامه وجناحيه
ليستريحَ قليلا
لِيُنصِتَ للملاحم الخالدات حواليه
هل تسمعونها الآن من حولنا
كلُّ طيور الغابة والأعالي
تشدو وتصلي عليه
من أخبر الطيور أن صِنْوَها
اختار النشيد البعيد
المرحوم حبيبي عبد الإله
(4)
يا أهلَه ومريديه
ها هي الأرض من تحتنا الآن تواسيكم
وتقول اعذروني
أنا ما ضممتُ عاشقكم
إلا خوفاً من العشاق عليه
(5)
تَأَوّهِي تَوَلَّهي
تَأَجَّجي تَوَاشَجي
تَعَالَقي تَرَقرَقي
تَكَوْثَري تَجَوْهَري
بكل ما في الأرض وما فيك
اِفتحي الكَف كي أُعزيك
أيتها المنابعُ
وأشُدُّ بالدمع والحرفِ
والموالِ الحزينِ على أعاليك
وأعزيكِ في النبض العاشق
والينوع الأغزر فيك
(6)
أُعزيك أُعزيك
أيتها المنحدراتُ الراحلاتُ
بالنهر الذي كم كان يحلو له
وهو يقصد الازرقَ المطلق
أن يمر ويرسو حواليك
فوحده النهر كان
يعرف أنك البحر قبل البحر
وأن كل الحكمة كانت بين ضفتيك
(7)
أُعزيك أُعزيك
يا أبَ بيوس
ولو كنت تحت ثراك
أيها الفارس الحارس حورياتِ الغابةِ
والأيائلَ والغزالات
ها هو فتاك ضناك
قد قطع الظلال إليك
محملا بزهور الغابة والنهرِ
ليكمل الحكاية الجميلة بين يديك
(8)
أعزي اليمامَ الذي
كان يقل مقلتيه
إلى آخر ما يشتهي اليمامُ
عيني على اليمام عيني عليه
(9)
أعزي البيان أعزي الكلام
ذاك الذي
كان يفيض من قلبهِ ولسانهِ
كما الغيمات كانت تفيض
وكم كان بيننا
وكم تأجل من كلام
هكذا نموت عطاشى
ولا حدَّ فينا للكلام
سلامٌ سلامٌ سلام
على روحه المسكونةِ بالبياض الذي
كان يكتبه بِلَظاه
رحل الكاتبُ
وما انتهى المدادُ ولا انتهى البياض
سلامٌ سلام سلامْ
على روح الطائي الهُمَام
ذاك الذي كان يُفْرِش لي
كلما قطعتُ النهر إليه
كل ريش جناحيه
وكلّ زهورِ النهر وأكثر
وكلّ قلبه الزياني الباذخ المُزهر
وكلَّ مواويل الأمازيغِ الكرام
سلام سلام
فأغني له أغنيةَ التحدي
كما كان يعشق كما كان يريد
وكما كنا معا
نَوَدُّ أن نَحْيَا ونموت
وكنا معاً نغنيها:
(تحكي امي أني يا بيوس
وُلِدتُ بين يديها
مبتسماً مبتسماَ
وأُرفرِفُ بين ذراعيها
أُرَنِّقُ أَصعَدُ أنزل
مبتسماً مبسماَ
وتحكي خليلتي أنها طالما
رأتني في الحلم في عز النوم مبتسماً مبتسماَ
فلا تستغربوا يا أصدقائي
إن رأيتموني يوم دفني
أُحَدِّقُ فيكم وفي الموتِ
مبتسماً مبتسماً)
وبعدها نتعانق
ونرقص مثل أطفالٍ
نَدُكُّ الأرض بالأقدام
قدماً قدماَ ولا نبالي
(10)
حبيبي، بيوس
يا كِتابَ الغابةِ
وايقونة الأعالي
كيف يصب البرق الوامض في الغيمات
وتصب الغيمات بحضن النهر
والنهرُ بِلُجِّ البحر
والوتر المحموم بعمق الروح
وأنتَ اخترت ما اخترت
يا بيوس الفائضُ
أن تصبَّ فينا بكل ما فيك
وتستريح
(11)
أعزي اَكلْمامَ اَزْكَازا
وحين يخرص الوقت الأخضرُ
يُرْغِي يتكلم صدرُ البحيرةِ
(أهلا.. أهلا..)
كلما رأى بيوسَ جميل الوافدين
وأعزي وِيوانَ والبجعات المُلونات اللواتي كانت كلما رأتهُ
وحدهُ تحوم حول هالته
أكثرَ من مرة ومرتين
(12)
أعزيكم تِيدَارَ اِزَيَان
يا أهل الظل والشمس والعنفوان
أعزيكم في فارس التجلي والكلام
ذاك الذي قال ما قال فيكم
ولم يَقل كل ما بجواه
في عشق أساميكم
العاشقُ الذي عاش ومات
يكتب عن أمجاد حاضرِكم وماضيكم
عن الأطفال الذين بايعوه بيوسهم
عن شُعَّالة النار فوق أكتافهم
وعن أفراح الطين
تحت أقدامهم
عن اِينَايِرِهِم
عن زمان اسلافهم
عن الذي لا ولن يموت
رغم أنهم تَوَارَوْا
في غبار التاريخ عن آخرهم
(13)
أعزي الوردِيَّ الأحسن في رُبَانَا
سيد القبائل كلها
أعزي خيماته الوريفاتِ التي
كم نَصَبَ الأحسن لي وللحكيمِ
وأعزي المُنصفَ والعبدلاويَ وحمو وسالمَ الفيلاليَ والمَنُوزِيَّ
أعزي أحمد الحميدَ عاشق الفلوات
وياسين هدهد أم الربيع
أعزي البهيَ العليَ فنيش
كبيرُ المواقف والمحطات
أعزي الذي
كان يسميه الوزيرَ الاسْمَرِيَّ أزارو
والعمرانيَ و التُّودِيَّ ورضوانَ واعراب
عقيلَ وإسماعيلَ، سليمانَ وجابِرَ
وبلقيسَ المكلومةَ في ألوان جناحيه
والتي كنت دوما أسمّيها
القَايْدَة ابنةَ حمو الزياني
وسناءَ ومجدةَ والشاهدَ من هناك
وكل الأسماء الحسنى
في عقد بيوسَ الماسيَ الذهبي
أعزي الوجوه التي رأيتها وأراها
وسجاياك الآن يا بيوس عليها
أعزيني الآن فيكَ أعزيها
(14)
لكن، قل لي بربك قل لي
يا حبيبَ مُريديك
لماذا أسرعتَ في الغياب
وكنا قد اتفقنا
أن نرفع خيمتنا للكتاب
للشعر وللأحلام هناك
ونصالحَ بين الحكمة والوترة
لماذا أسرعت في الغياب
وحورياتُ أُمِّ الربيع
قد غَيَّرتْ فساتينها المائيةَ البليلة
فقط من أجل أن تراك
كيف بين يوم وليلة
غافلتَ الطيورَ والزهورَ والحورياتِ والمريدين
وأحيدوسَ الشَجِيَّ
وفرسانَ القبائل والخيول؟
كيف غافلتَ يُبْسَ الأرض وضيق العبارة
واخترتَ المطلقَ والإشارة
وأن لاَ تنام
سوى خلف البرق والغيوم
(15)
وكيف أَنْقَضْتَ وَعْدَك أن لا تموت
ياجميل الأسماء
سوى تحت أرزتك المُشتهاة
وبتربة الأجداد والأولياء
حيث تموت طيورُ الأطلس والأعالي
والغيماتُ التي
عَلَّمَتكَ الكتابة بالريح والماء؟
(17)
قال الراحل من هناك
بين غيمتين مبتسما:
(وهل تَدْرِ نفسٌ يا صاحبي
أين تعشق أو تموت؟
وهل بين التُّرب والترب في الأرض مسافة؟
مِنَ البحر الى الْغابَةِ
ومن منفاي الأخير إليكم
لا مسافةَ يا اهلي لا مسافة
أنا الذي
كم عَلّمَني الطني الشاعرُ عَرَّافُ المنابع
مراتٍ ومرات
أن لا عشق بلا تيهٍ وموت
والعشقُ حَرقُ الكتاب
والموتُ عشقا بين دفتيه
(18)
إلَيْكُمُوهُ إليكموه
مات حبيبي يَدٌ على القلب
ويدٌ على الحرف والماء
مات وأنتم بعينيه
إليكموهُ اليكموه
حتى وإن تعب الطينُ بذاك الجسد
فروحه لا زالت كما كانت
تُرفرف بيننا
وما مات النشيد الطافح في شفتيه
إليكموه أليكموه
شاعر من المغرب