الرئيسية / الأعداد / العدد السادس والخمسون / ملف خاص باللغة العربية: كل سنة وأنتِ أبهى يا بهية اللغات – المختار النواري*

ملف خاص باللغة العربية: كل سنة وأنتِ أبهى يا بهية اللغات – المختار النواري*

كل سنة وأنتِ أبهى يا بهية اللغات المختار النواري

كل سنة وأنت أبهى..
يا بهية اللغات..

يأتي عام بالإقبال، ويولي عام بالإدبار، وقبلهما ولت العقود والأجيال والقرون، ولسان العربية رطب بناطقيها، عذب بمطلقيها، صخب بمفلقيها، رحب بمرتقيها، صعب بمذلقيها، نخب بمسقييها، سُحُب بمبرقيها.
وفي كل قرن تدرك الأمجاد،
وتكسف وجوه الأقران والأنداد،
وتبز باقتدار باحات الرعاع والأسياد،
وترفع عاليا نباهة الجدود والأولاد.

ترصعت كلماتها بالتأليف الرباني، وتزينت مفرداتها بالمعجم الدياني، واحلولت بالمعنى القرآني، فكان أثره عليها محمودا، وجديده فيها مشهودا، وحفظها لها وعليها مذكورا غير منكور، وفضلها عليها مشهورا غير مقدور. أُلِّف بها أول كتاب موسوم العنوان، مرتب الأبواب، متكامل المبادئ والأعتاب. نزل بين ظهراني العرب، فألجمها بحسن بيانه؛ وتحداها، فأعجزها بمتين بنيانه؛ وبرع في تركيبها، فجلاها بمحكم سلطانه.
وأنطق نبيه – صلى الله عليه وسلم – باللسان الفصيح، وأسند بينته بالعقل الرجيح، فتكامل له الحسنيان، وتساوق له البيانان: بيان اللفظ، وبيان المعنى. واشتمل على نبل المقصد، وبهاء المبنى، وسيق إليه جمال المرصد، ونضارة الحسنى ..
إليك لغتنا العربية..
يا بهية فهية شهية..

كل سنة وأنتِ أندى
يا ندية العطيات

عمرت أعمارا، وتأبدت قرونا، وخلدت سنونا، فما قاربك الهرم، ولا رضيت بالخرف، ولا بليت بالسرف، بل جئت بالطُّرف، وأعنت بالخلف، ونبذت الكُلف، وسايرت التطورات، واستنعت بالمصطلحات، وتجددت أطوارا، وغيرت أفكارا، وناسبت كل حدث جديد، وماشيت كل فكر عتيد، واستلنت الحديد، واستقصرت المديد، وطوعت كل جبار عنيد. استوعبت المعاني المختلفة، ورصفت الأفكار المتآلفة ووشيت المضامين المتعارفة، وولدت منها ما لم يأت به زمان، وروقت ما لم تطرف به عينان، وأبدعت ما لم تصطك به أذنان، وحققت ما كان يحلم به كل إنسان. الجديد فيك وليد، والقديم منك عهيد، والطارف عندك سديد، والتليد لديك
استبرع بوارع الأفكار، واستفرغ بواكر الأذكار

سَعْدَيْك لغتنا العربية..
يا عطية ندية..

كل سنة وأنتِ أحلى..
يا حلوة الحِليات..
ما شيبك طول العمر،
ولا أرداك أرذله،

بل انت أهرمت الهرم، وأشخت الشيخوخة، وهزمت العمر ذكورة وأنوثة..
وتزينت بقشيب اللفظ، فأنهكت فتوة الشباب؛ وعربدت على الأفواه، حتى غوّرت اللعاب؛ وصدحت بصِنْج الحرف، فأفحمت رنين الرباب؛ وشحذت الألسنة بناصح قولك، وفللت شحوذ اللباب؛ ونادمت القلوب بطروب الشعر، فأسهرت ليال عِذاب؛ وأغويت ببريق نثرك العقول غواية العطشان بالسراب؛ وفتنت برخيم صوتك ترانيم اللحون فتنة المحب بذكر الصحاب.

لبيك لغتنا العربية..
يا حلوة حَلِيَّة..

كل سنة وأنتِ أسْنى..
يا سنية السَّمِيّات..
جمعت ألوانا،
ووشيت أفنانا،
وحشرت فنونا،
وحشدت فتونا،
وأغشيت عيونا،
وأنشيت جنون..
حنانيك لغتنا العربية..
يا سنية السميات..

كل سنة وأنتِ أجلى..
يا جَلِيّة الرَّسْمات..
لم يكن تخطيطك نقشا في الحجر،
ولا نقفا في الشجر،
ولا حفرا في الألواح، ولا هذيا في الأدواح،
وإنما كان رسما يتبتّل، وشكلا يتحمّل، وصورا تتنمّق، ووشيا يتزوّق، وسبلا تتفرق، وأبعادا تتعمق..
أنطقتِ حروفك
وإن كانت عصماء
وأبنت خطوطك
وما كانت خرساء..
وأقمتِ من ألفاتك منشرع الحراب؛
وجرّدتِ من لاماتك شامخ الكعاب؛
ودحوتِ من باءاتك منبسط التراب، والباء كالتاء؛
ورَصَفتِ من ثاءاتك مكوَّم الهضاب، والثاء كالشين؛
وبسّمتِ من جيماتك منثغر أظمى، والجيم كالخاء والحاء؛
وأدلقتِ من راءاتك مزالق السيل، والراء كالزاي؛
ومشطتِ من سيناتك ظفائر الريح، والسين كالأسنان؛
وحُكْتِ من طاءاتك مُقوَّر القِباب، والطاء كالظاء؛ وكالصاد الضاد؛
وشَدهتْ عِيناتك منفتح الجفون، والعين كالغين؛
وأطلعتِ من فاءاتك أعناقا متوثبة، والفاء كالجيداء؛
ونصبتِ من كافاتك هيكل أبي الهول، والكاف كجثو الركب؛
وأدرتِ من ميماتك دملج المعصم، والميم كالواو؛
وغوَّرتِ من نوناتك منقعر القصع، والنون ككَسْر الياء؛
وتوّجتِ من هاءاتك عمائم الولدان، والهاء هيبة..
فما كان الخط شكلا يتبهرج،
ولكن روحا تتخلج،
وعمقا يتفلج..
فِديْك لغتنا العربية..
يا جلية الرَّسْمات…

كل سنة وأنت أعلى..
يا علية اللغات..

 

ناقد من المغرب

عن madarate

شاهد أيضاً

محمد عنيبة الحمري: توقف النزيف لينزف التوقف – المختار النواري                   

محمد عنيبة الحمري توقف النزيف لينزف التوقف المختار النواري   وأخيرا.. آنَ لنزيف الشعر أن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *