كتاب: انتعاشة اللغة كتابة في الترجمة عبدالسلام بنعبدالعالي
أن تجالس كتابا؛ معناه؛ أن تعيش الترحال… والسفر… والمتعة… وأناقة التفكير. مجالسة الكتاب فتح في العتمات؛ وسعى في اللامعلوم حتى تتبين الخيوط، أبيضها من أسودها. حين تسمع للكتاب، فأنت تسمع التعدد؛ وترى بأذنك ما لا تراه عينك. ترى جيشا من التفكير مدججا بالمعاني التي عكفت عليها لن تجمعها بوحدك. على حد التخوم تجد ما فاتك من الفواصل؛ وتقبض ما ظل هاربا من وعيك. حين تتخطى تلك التخوم يتربص بك اللاوعي فتغشاك عوالم التخييل ولا ترى سوى ما غمغم فيك وأنت طفل؛ ولا تسمع سوى من تراسل فيك وأنت أبعد من طفولة.
أن تقرأ كتابا، تستعيد الأصوات التي انطمرت في شقوق غائرة؛ وتسترد اللحون التي دهستها الألسن حتى تشابهت كالحجر.
ههنا نجلس لنقرأ؛ ندع الكتاب يقودنا إلى حيث يريد؛ نشخص بأبصارنا؛ نتبعه ونحن نتحسس وعينا؛ ندرك المسافات الفاصلة بيننا وبينه؛ وندغم أشكال الوعي التي تتفارز في صيغ التواشج أو التوالج من الأساليب؛ وأفانين التبالغ الجمالية.
عندها فقط؛ ندرك / نعلم أننا نقرأ، وأننا في جلسة لا تنتهك حرماتها إلا صمتا؛ وأنفاس صاعدة نحو الأعالي؛ وأخرى هابطة نحو أعماق في قاع الوقت.
كأننا في صلاة مقدسة؛ متمرسة بالخشوع؛ والامتثال النقي لصوت القداسات. نعيش النداء؛ ونقيم في الاصطفاء؛ ونولد مرات في البهاء.
نأتي من المستقبل؛ ونحن نقبض يد الحاضر غير خائفين ولا خائبين…
- كتاب في الفلسفة ..
لن تجد من يعلمك الفلسفة بأناقة الحرية أكثر من د. عبدالسلام بنعبدالعالي. في كتابه هذا عن الترجمة ؛ تجد الفلسفة في عمق الترجمة بتلقائية لا مثيل لها؛ وتجد الترجمة تاريخا للفلسفة . بل
تتعلم أن الترجمة لم تعد (خيانة) او استعصاء على القبض على الأصل أو المعنى الأول للنص. الترجمة إنتعاشة و إنقاذ للنص ؛ والنص لا يحيا إلا لأنه قابل للترجمة؛ وغير للترجمة في الوقت ذاته .
كما يقول كيليطو في مقدمة الكتاب. لم تعد الترجمة نقلا من/ إلى ؛
فقد أضحت عملية داخل اللغة نفسها . يتساءل بنعبد العالي – كما يقول كيليطو – : “هل هناك وحدة حتى في لغة ما بعينها؟ “ويجيب: “كلنا يعيش لغات في اللغة”.
من ألق أفكار هذا الكتاب ما يأتي :
■ إن لغة العالم هي الترجمة . (ص:11)
■ إنسان التعددية ليس ذاك الذي يتكلم عدة لغات ؛ وإنما ذلك الكائن السندبادي الذي “يوجد ” بين لغات ؛ بين ثقافات. معنى ذلك أننا لن نكون في عالم مشترك ؛ لن نكون معا في عالم بلغة واحدة.
فالتعدد اللغوي هو السبيل إلى الوحدة المشتركة . (ص:24)
■ إنها ( الترجمة) ؛ إذا؛ تدبير للتعدد؛ وهي ما يرعى عملية خلق الفوارق ؛ ويغذي الوحدة ؛ وينعشها: يغذي وحدة اللغة ووحدة النسخة الأصل. (ص:25)
■ إن النص الأصلي لا يتكلم في لغته الخاصة فحسب؛ بل هو يتكلم ايضا عبر الترجمة . (…) إنها بعده الكوني . يغدو النص كونيا بحق ؛ أي يخاطب البشر في كل العصور ؛ بقدر ما يكون مترجما في اللغات العديدة. (ص:26)
■ فالنص ؛ لا يفتأ يتكلم ؛ وهو يتكلم لغات عديدة . إنه يتمتع بنوع من الحركية ؛ ويفصح عن الرغبة في الخروج عن ذاته؛ وهجرة موطنه؛ وتغيير لغته. (ص:26)
■ فالترجمة ترعى الاختلاف ؛ وهو يجد فيها حياته ومرتعه؛ من حيث إن النص لا يصبح جاهزا للترجمة إلا إذا اخذ يكشف عن رغبته في الخروج عن ذاته؛ وعشقه إلى أن يخالف نفسه؛ وحنينه
إلى أن يسكن لغة أخرى؛ ويرحل عن موطنه.
فالنص لابد أن بغير لباسه ؛ ويبدل لغته؛ وإلا كف عن التحول والتجدد والحياة . (ص:36)
■ أن يكون راعي الاختلاف ؛ ليس اختلاف لغته مع غيرها من اللغات فحسب ؛ وإنما ؛ أيضا؛ وربما أساسا ؛ اختلاف لغته مع ذاتها .(ص:36)
■ الترجمة ضيافة؛ لكنها ضيافة غريب. (ص:49)
- ● قراءة ممتعة●●
ناقد من المغرب