النسقُ الدّيني في رواية “متتالية حياة” للروائي المصري أحمد طايل
واثق الحسناوي.
افتتح الكاتبُ الرّوائي المصري أحمد طايل روايته “متالية حياة”، من اصدار دار فصحى للنشر والتوزيع ، القاهرة، د.ت. بافتتاحية كلاسيكية وبأسلوب سردي وصفي زمني بسيط خال من المناورة والتعقيد، وبلغةٍ بسيطةٍ يفهمُها القارِئ العادي- وحَسنا ما فَعل- إذ أن لكلِّ جمهورٍ اسلوبه و لغته الخاصة به، إذ عالج موضوعةَ اجتماعيةَ او مشكلةَ تُعدُّ مسلّمة قارّة في قرى مصر آلا وهي مشكلة الصراع والتنازع بين الإخوّة حول الورث. كما يفتتحُ صنّاع المسلسلات المصرية الدرامية القديمة، بقوله : (( منذ عام او اكثر وهو يتبع منهجا بروتوكوليا يوميا)) .
وتدورُ احداثُ القصّة وشخصياتها في الرّواية، حولَ محاولة قتل مجاهد مِن قِبل اخويه (بخيت وعزب)، طلباً للمال وطمَعا في الارض والورث، وطَرْدْ زوجته (صبيحة) وابنيه (محمد وصلاح) وبنته (سميحة) من قرية “الصوامعة” الى قرية “الديابات” واحتضانها مِن قِبل عائلة العُمدة “مَسعد” وزوجته “مَحاسن” وتبنيهما للأولاد مِن حيث التعليم والزّواج وتأمين مستقبلهم ، حتى عثورهم على والدهم “مجاهد” الذي أُصيب بفقدان الذاكرة جرّاءَ هدم السّور الذي كان ينام تحته، مِن قِبل “عامر” و”خفاجي”، بتحريض من إخوة “مجاهد” “بخيت” و”عزب” .
الكاتبُ (طايل) كانَ موفقا في عملية توزيع الأدوار على الشّخصيات بشكلٍ متساوٍ، وهو يُداخل ويُمازج ويُلاقح الأدوار المشهدية في السرد، متنقلا بين الشّخصيات، بوصفها تارة وحوارها تارة أخرى، ليعرفَ المتلقي بالقصّة والأحداث عبرَ المسيرة السردية وبإيقاع بطيء تارة وسريع تارة أخرى، بحسب ما تفتضيه آلية السرد الروائي، وحبكة الحكاية، التي بدأت بشكلٍ معقدٍ، بطرد الزوجة ” صبيحة” وأولادها ،ثم صعوبة تربية وتعليم الأولاد، حتى كبروا وامّنوا مستقبلهم مع رحلة البحث عن “مجاهد”، اذ تنحل العقد شيئا فشيئا، حتى نهاية القصّة بالعثور على قَتَلة مجاهد ومكاشفتهم والصفح عنهم . فتعاقبَ على السّرد الرّاوي عبر الوصف تارة والشّخصيات البطلة تارة أخرى .حتى جاءَ السردُ أشبه بتصويرِ مسلسلٍ درامي، يتنقلُ فيه الكاتبُ بعدسةِ كامرته ما بين الاحداث والشّخصيات، معللاً الاحداث تارة، وتاركا مجالا للمتلقي أن يُبدي رأيه تارة أخرى، ليكونَ قارئا تفاعليا ومشارِكا في صنعِ ونسجِ التوقعات، عبر لغةٍ سرديةٍ مكثفةٍ وبسيطةٍ في الوقت نفسه، وكأن الكاتبَ يَعي ما يقول ويفعل، ويوظّف ويستعمل، وينحت في روايته .ففواعلُ الشّخصيات الخيّرة البطلة والمساعدة: ( الحاجّة أنيسة، والعُمدة مَسعد العيسوي، وزوجته محاسن ،والحاج رضوان، ،والابن صلاح ،والاخ ماجد ، والزوجة صبيحة والوزير مروان عمارة)، اما الشّخصيات الشّريرة والمُعيقة : ( اخوة مجاهد بخيت وعزب، وقتلته عامر واخوه خفاجي). وقد مثّل دورَ الشّخصيات النامية الأولاد كلٌّ مِن ( محمد وصلاح وسميحة)، فهي شخصياتٌ متحركةٌ وناميةٌ ومتحوّلة، ومتنقلة باتجاه حلّ عقدة الحُبكة.
النسقُ الثقافيّ الدينيّ:
لقد تمثّل النسقُ الثقافي الديني، بتعدد وتكرار مفردة المسجد المرادفة والملتصة بمفردة الصلاة في عدّة مواضعٍ، سنذكر منها -على سبيل المثال – لغاية في نفس الكاتب “احمد طايل” وهي ترسيخ التراث المصري، وتثبيت عقيدته الدينية، واظهارها كعقيدة لها شعائر وطقوس مقدّسة ومحترمة عند معظم المصريين، والقروين بخاصة. كما اكدت روح المفارقة مِن انه على الرّغم من التزام قرية “الصوامعة” وعائلة “مجاهد عبد الوهاب الفقي” بالدِّين الاسلامي إلا ان ذلك لا يمنع مِن انحراف ابنائها، لقتل أخيهم طمعا بالميراث. في الصراع الوجودي الازلي ما بين الإخوة ابتداءً من قصّة “هابيل” و”قابيل” الى وقتِ كتابةِ هذه المَقال.
فقد كرّر الرّاوي كلمةَ الصّلاة رابطا ايّها بالمسجد في عدّة مواضعٍ من روايته، كقوله: (( يسرع لصلاة بالمسجد ،يؤدي صلاته ويسرع بعدها للعمل ص ))، وقوله: (( كان الخوف عليه واضحا بكل تصرفاته حتى حين يصلي )). وقوله : (( بعض من الرّجال والفتيان يهرولون بطريقهم الى المسجد لصلاة الفَجر ))…
من خلال ما تقدّم، نلمس النّسق الدِّيني في تعلّق العُمدة “مسعد” في آداء الصّلاة وفي أوقاتها ودعوته الى جميع من في الدار للصلاة ، كذلك محاولة “صلاح” لبناء مسجد الصالحين في القرية ،وتذكرة “مجاهد” للمسجد في قرية “الصوامعة” في أول دخوله لها بعد غيابٍ طويل من فَقْد الذاكرة.
اذاً، من خلال ما تقدّم نجد ان ثيمة الصَّلاة المرتبطة بثيمة المسجد، لم تَغب عن فكر الكاتب / الرّاوي مِن بداية الرّواية الى نهايتها؛ ما شكّل محورا ونسقا ثقافيا مهمّا في الرّواية؛ كونه نسقا اجتماعيا مصريا مسلَّما به وقارّا في المجتمع المصري، وهو ما حاول ترسيخه الرّوائي “أحمد طايل” في رواياته كلّها، إيمانا منه بذلك الدِّين والتّراث الاصيل. وكأنّما الكاتب أراد أن يومئ الى القارئ بأنّه على الرّغم مِن تدين أهل القرية، لكن هذا الإيمان قد يَضعف أمام المال والارض بغريزة الطمع والجشع البشرية عند النفوس الجاهلة والشريرة، لكن هذا لا يعكسُ حالَ جميع أهالي القرى المصرية البُسطاء الودودين المتدينين المُحافظينَ على الصَّلاة بأوقاتها عِبر الذّهاب الى المَساجد والتّكاتف لبنائِها .