الأميرة رودانة… (الجزء الأول) الحسن الگامَح
لماذا الشعر…؟
(أفتح طريقا من أگادير إلى رودانة،
ورودانة في القلب قصيدة
استوت بين أوتار الوله
تعانقني على بساط البوح إمتاعا
لا تستغرب يا واقفا عليَّ
تحاول أن تذكرني بتاريخ قد امتد وهاجا
تحسبني غريبا
ما عشق الانبساط والواحات
قد شقت الأرض وديانا إبداعا
إني أتيت إلى هنا كي
أستريح من تعب الفوضى
وقد أغلقتُ كل الأبواب في صبيحة أنواعا
هي رودانة القلبِ
وأميرة ترابط بين مقلتيَّ عشقا
لا أعده إلا ولها يسابق خطوي إشعاعا)1
حين استدعاني صديق لزيارة تارودانت في أواخر الثمانينات، كنت حينا استقررت في أكادير، لم أتردد أبدا، بل لبيت الطلب على الفور لحبي الكبير لاكتشاف الأماكن والمدن، كانت الطريق الرابط بين المدينتين مكتظة بالكلمات تتراقص بين أناملي وترفض أن أكتبها، وأنا مستلق في سيارة أجرة (طاكسي كبير)، منتشي بزيارتي الأولى إلى مدينة قرأت عنها الكثير قبل أن أراها: مراكش الصغيرة… عاصمة السعديين… مدينة قصب السكر… مدينة الأسوار العالية والأبواب العتيقة… مدينة البساطة والزيتون والنخيل… وقبة العلماء والشعراء، كل هذا جعلني متلهفا لزيارتها وقضاء عطلة نهاية الأسبوع فيها . لم يخالجني أي شك أني سأفتح صفحة جديدة من الكتابة بمجرد أن لمست أقدامي أرضها… وتنفست هوائها المعطر بعبق التاريخ، وأنا العاشق التاريخ بكل تجلياته التراثية.
(أفتح بابا عليك يا رودانة
لا شيء يأخذني منك
جئتك زائرا عاشقا
يحمل بين ثناياه عشق القصيدْ
والبحث بين التراث
عن نكه الحياة ذات الأبعاد الأصيلةِ
قبل أن أمتد بين الحديث والجديدْ
أنت فاتحة القول والسلام
ومشتهى العين في كل نظرة
خاطفة أو عميقة بين ظلال المدى البعيدْ)2
يأخذني (باب السلسلة) العتيق المنفتح على شارع طويل وأمامه باب القصبة، وعلى شماله دار البارود المغلقة دوما، وتمضي بين الدروب إلى أن تعانقك ساحة أسراك، (ساحة جامع الفنا الرودانية) يحلو الجلوس فيها مساء وأنت تنتشي بفنجان قهوة أو ترتشف كأس شاي منعنع، وتغازل الكلمات والاستعارات ساعات، وتتأمل في العابرين الساحة أو العارضين فرجة ارتجالا، ودخان المشوي يتصاعد في الأعالي، والسوق القديم على يسارك يزين العين بالألوان والسحور… والنفس بالعطور… والقلب بالكلام الطيب والابتسام، كل شيء هنا في هذه الساحة المشتهاةِ يُحيلك على عصر التأسيس الأول والأسوار تشيد من ثلاث جدار تنيرها الأبراج المربعة والأبواب الخمس، وقصور القصبة والجامع الكبير وصومعته العالية يصدح فيها التكبيرُ… والناس من كل الجهات يأتون إليه من كل فج عميق يناديهم التنويرُ.
(أفتح بابا عليك يا رودانة
وأنا المشته الذي لا يرى فيك إلا مشتهى
وقد أنرت لي طريق عرشك
لعلي أستوي عاشقا جاء قاصدا لظاكِ
فهل منْ مزيدْ؟
إني اخترت الوصول إليك راغبا فيك
مستنيرا بتاريخك المبجل
لا تحجب الشمس عني رؤاكِ
فهل هناك من مريد أم أنا الوحيدْ؟
لا تجعلي بيني وبينك أسوارا ولا حجابا
افتحي لي أبوابك الخمسةَ أحبابا
دعيني أجول بين مفاتنكِ
شاعرا هزه الوصل إليك
بين ثناياهُ ينطق الولهُ المجيدْ)3
هي رودانة خريطة مفتوحة على كل البقاع وإن “الأبناء ذهبوا” كما تردد الشفاه أمازيغيا (تاروا، دانت) بعد غزت الفيضانات الوادين، لكني أميلُ إلى رودانة الأميرة التي سكنت القلب بين استعارات القول… ونبض العشق، وامتدت على السهل خضراء تزينها أشجار الزيتون وواحات النخيل. والماء الجاري المتلألئ الآتي من جبال الأطلس عذبا رقراقا. هي لا تحتاج لمن يصفها فهي الموصوفة بالحسن والجمال… والبساطة والانبساط… والخضرة والفرجة… وهي لا تحتاج لمن يكتب عنها شعرا لأنها هي القصيدة:
((رُدانة) رَدَن التاريخُ محتدها
بالفخر أرضعها من عزَّة الحلبِ
سليلة الدهر والأمجادُ حافلة
أخبارها همسةٌ في أسطر الكتبِ
سائل مآثرها ينبئك صامتها
فربما أفصحت في منطق ذرب)4
المراجع
1-2- 3: نص بعنوان الأميرة رودانة سنة 1989
4-الشاعر أحمد بزيد الكنساني : تاريخ تارودانت في العصر الحديث عهد الدولة السعدية- منشورات منتدى الأدب -تارودانت 2006
شاعر من المغرب