الرئيسية / الأعداد / حسن العلوي مفهوم و ديوان (عْصَرْتَكْ دمعة) : بنية التجاذبات وآليات إنتاج البرامج السردية  – سعيد فرحاوي

حسن العلوي مفهوم و ديوان (عْصَرْتَكْ دمعة) : بنية التجاذبات وآليات إنتاج البرامج السردية  – سعيد فرحاوي

 

حسن العلوي مفهوم و ديوان (عْصَرْتَكْ دمعة) : بنية التجاذبات وآليات إنتاج البرامج السردية 

سعيد فرحاوي*

 

يظهر ديوان الشاعر حسن العلوي مفهوم ، ملغوما و غير واضح الدلالة ، لا يمكن

للقارئ ان يتفطن و أن يمتلك المفاتيح الأولى لفهم المقصود من (عْصَرْتكْ دَمْعَة) ، فيبقى السؤال معلقا : هل يعني بذلك الدموع  أو الأحزان و القلق ، أم يتكلم عن القصائد  موضوع معصرته أم  ماذا ؟ ، فقط مانمتلكه الآن ، من خلال العتبة الأولى / الغلاف ، أن الشاعر يحيلنا على وجه يمطر دمعات من عين  برموش جميلة ، ينحني نحو الأسفل  بحزام متصل ، عبارة عن قطعة تهبط من الرأس  إلى أسفل الغلاف حاملة  دمعة ، وهي إشارة أولية ستدخلنا في أسئلة الديوان المليئة بالدموع ، و ما تتصل به من قلق و ألم و معاناة . فمنذ أول إشارة نصية تحيل عليها مجموعة من العلامات ، هي عبارة عن تمظهرات تحيل  بشكل واضح على معان متعددة . فيظهر العنوان بمعجم دال ، و اللوحة بإشارة علاماتية مكشوفة ، هنا ستبدأ بوادر الكتابة تطرح صورا دالة  عن ما سيأتي به عمق الديوان .

ستكون مقاربتنا محايدة ، لا تسقط تأويلات معينة  في غياب قرائن دالة و مقولات منطقية تقنع القارئ بنتائج التحليل ، لذلك سنعتبرها بداية ، بمنطلق أساسه مبني على درجة الصفر في الكتابة والقراءة معا :

1 – درجة الصفر في الكتابة : و تعني أن الديوان لم يتحدد بعد ، و لم يكشف عن أوراقه ، لهذا ستكون الفرضية التالية هي المعيار المعتمد : ماذا عصر الشاعر؟ و ما طبيعة هذه الدمعات التي عصرها ؟ و لماذا عصرها ؟ ثم من عصر من ؟ هل الشاعر هو الذي عصر النصوص أم النصوص هي التي عصرته ؟ ، وفقا لمقولة الفرزدق ( قلع ضرس أهون من كتابة بيت شعري ) . ؟ و كيف عصر الكاتب كتابته حتى خرجت دمعات و صيحات تنبش في  عنف كتابة تسعى منذ البداية أن تكون مرة و حارقة ؟

2 – درجة الصفر في القراءة : و منها سنبحث في عمق هذا العصر الذي انولد  حارقا ، حيث يظهر الديوان في  بدايته معصورا ، كما سنكشف عن أجوبة مقنعة تخرجنا من متاهة الأسئلة  الإشكالية ، التي يغيب الجواب عنها منذ العتبات الأولى ، لهذا ، يستدعي قراءة تأملية لكل نص على حدة بتأن و بتأمل كبير، حتى يتسنى لنا الوصول إلى حل يعيننا  على فك ألغاز العنوان المشفرة .

عمل يستدعي منا الزيادة في التنقيب والبحث وتحليل ما  تخفيه النصوص لفهم معاني الدموع التي عصرها الشاعر وأراد أن يشاركنا جمالها .

فبالعودة إلى النص الأول ، النص المفتاح ( زْهَرْ بْلادِي ) ، بضمير الأنا ، يفتتح  الشاعر قصيدته محددا طبيعة القطب المعني في خطابه الشعري :

– العنوان : عصرتك .

– القصيدة الأولى : ( زْهَرْ بْلَادِي ) ، حيث يفتتح الشاعر النص قائلا:

 

( هَزِّيتْ زَهرِي فُوقْ كْتافِي

وُغَادَرْت  جْنانْ كان جْنانِي … ) . ص 5

. من هنا يمكن استخلاص ما يلي :

– الذات الشاعرية  هي : الأنا  .  – الموضوع هو : ( هزيت زهري فوق كتافي. (

– المكان هو بلادي + الجنان.

– الزمن هوالحاضر :هزيت + غادرت.

– السبب أو الدافع فهو  :

( انْبَرِّي عْلى جْنانْ ثاني )

– الحالة النفسية تتجلىفي :

( مْشيتْ هايَم  خَطْوي امْفافِي … ) .

فالأسطر الشعرية كلها تنطلق بالأفعال الدالة عن الحاضر : (هزيت … غادرت … مشيت … غادي … ) ، و هي خطاب موجه من أنا / مرسل ، إلى مرسل إليه مختف  يفترضه الشاعر و يوجه إليه خطابه محددا الزمن ،  كما حدد الموضوع ، المكان ، والحالة النفسية . فهو منذ البداية يعري عن حاله  كاشفا عن عناصر برنامجه السردي كاملا. وهي صور لها صلة بمحتوى الدموع التي عصرها عصرا و كشف عنها كشفا ، بشكل مثير للجدل . هذه المراحل البناية التي تؤسس مستهل خطابه الشعري ، تدفع بنا إلى الحديث عن طبيعة البرنامج السردية ، و كيف اشتغل عليها  ليبني مجريات تمفصلات الدلالة .

اعتمد الشاعر على بنية الأفعال  لخلق دينامية قوية تدل على قوة الحركة و التجاذبات ، و السبب من وراء ذلك هو قوة و عنف الموضوع الذي جعل من الشاعر أن يعصره  عصرات . لذلك جاء البرنامج السردي واضحا بكافة عناصره التي سنحددها في الخطاطة التالية :

– عامل الذات — الأنا / الضمير الدال على الشاعر .

– موضوع القيمة — ( انْبرِّي على جْنانْ ثاني ) ، و الدالة على الرغبة في تغيير المكان .

– العامل المعاكس — موت  و بهتان أوراق الجنان القديم.

كما يقول :

( حيث فَ جْناني ماتْ جْدُورو

بْهاتْ وَرْقو كَاسو حَافِي

وَ اصْبحْ عَرْفو يَابَسْ وُ قَانِي )

 

– العامل المساعد — الأمل والرغبة في التغيير والتحديد.

كما يقول :

( نَزْرَعْ زرعِي يَحْيا مْنَ جْديدْ

نَسْقيهْ هَمِّي وُ آهْ التَّنْهيدْ ) .

و هو استشعار الشاعر صفة الزهر ليلبسه لباسا إنسانيا ، فيصبح هو الموضوع المعني في كل المعادلات ، و كأنه لا يعنيه الموضوع الحدث ، فيضع نفسه موضع الوسيط بين قضايا يشكو منها الزهر ، و بين الزهر بصفته الشخص المتضرر، و هكذا يتخلص الشاعر من محتويات ما ، يجادل هذا الشخص المسمى الزّْهر . هذه التقنية مكنت الشاعر من اللعب بكل قواه الجمالية بقضايا مثيرة للجدل ، فخرج من الأسلوب العادي المتداول في دارجتنا المغربية  ليغير الوجهة صوب تقنية فنية ، بها يتحرر من معاناة  يومية تعني الإنسان في علاقته بهمومه المعيشية. فعوض أن يقول : ماعندي زهر  …

يتحول إلى صيغة أخرى ليبحث عن زهر الزهر ، و مشاكل الزهر و كأن صاحبها لا يعنيه الموضوع الذي تكلم و يتكلم عنه في قصيدة  ( زهر بلادي ) ، و بذلك نصبح أمام ثلاث حالات من الزهر:

1- زهر الشاعر كذات و كصفة.

2 – زهر الزهر ، و هنا يصبح الزهر ، موضوع النقاش ، فيأتي شخصية خارج الذات الشاعرية.

3- زهر بلادي ، و هنا عمم الشاعر الموضوع  فأصبح الزهر المعني في الخطاب ، هو زهر البلاد ككل .

نحن، إذن ، أمام ثلاثة انواع من الزهر، و في الإشتغال عليها ، لا تشعر بالتغيير من زهر إلى آخر، لتصبح القضية كبيرة ، أكبر مما يظنه الإنسان العادي و البسيط.

هذا التنوع في صفة الزهر ، يقوي من عوامل الذات ، فنصبح أمام ثلاثة برامج سردية تتفاعل  و  تتحاور لتنتج برنامجا عاما و هو برنامج العامل الرئيسي  الذي يظهر و يختفي ، و ربما يكون أكبر من الزهر الذات أو من  الزهر الصفة ، أو حتى الزهر الشاعر ، كما هو أكبر من الزهر الوطن ، أو كما نسميه الزهر الضمير ، أو القيمة المثلى ، أو القضية المطلق ، أو الأنا الأعلى التي تراقب و تتابع بحكامة و بحكمة كل مجريات الوجود . فتنجلي بصيغة النبل ، حيث لا تقبل الرداءة ، كما ترفض الهشاشة و الأعطاب المجتمعية التي تقود نحو الضياع والتلف .

  • نية البرامج السردية في قصيدة ( زهر بلادي ) :

بعد تأملنا في قصيدة زهر بلادي ،  في النص الأول نجد أن  لعبة بناء الدلالة  تتنوع  في ثلاث برنامج سردية / programme  narative      ، و التي  يمكننا تحديدها على الشكل التالي :

1 – برنامح السردي الأول :

و هو برنامج سردي لدي الباث : ( غَادي انْبَرِّي عْلى جْنان ثانَي … )  ص5.

هنا عامل الذات الباث / Actant  sujet

له موضوع قيمة يسعى تحقيقها ، و هي عبارة عن انتقال من حالة أولية ، وتتمثل في مرحلة بالنقص /  État de manque،  إلى المرحلة النهائية وهي مرحلة تجاوز االشعور بالنقص / Liquudationt de manque ، وتحقيق الهدف أو الطموح ، ليصبح في وضعية سيتصل فيها بموضوع قيمته / objet de valeur.

هذا الإنتقال سنحدده بالتفصيل في الخطاطة التالية:

– عامل الذات الباث :

و موضوع  قيمته ، الحصول على جنان مغاير عن الأول .

– عامل الذات المساعد الأول  : حمل الزهر فوق الكتف ، و بعدها تغيير المكان.

– عامل الذات المساعد الثاني  : و موضوعه + الزهر.

– عامل الذات المعاكس :  الجنان القديم لم يعد ملائما لتطلعاته .

 

2 – البرنامج السردي الثاني الخاص بالزهر :

– عامل الذات يتجاوز الكيد + البحث عن السرور + تجاوز الهم + رفع الرأس + استرجاع العزة

، هذه المعطيات يدل عليها المقطع الشعري التالي :

( هَذا زَهْري يَشْكي من ݣِيدْ

مَا شَافْ نْهار فيهْ سْرورو

لَبّْسوهْ الْهم شَاعَلْ اعْوافِي

رَدّو  بَزَّزْ راسو حانِي … )  ص 6.

– العامل المساعد الباث المعاكس :

و للخروج من هذه الوضعيات ، دخل الشاعر في حوار روحي مع زهره ، طبعا ، بعد أن  طلب الزهر من الشاعر المساعدة للخروج من العبودية نحو الإنعتاق وتجاوز الوحل  . يقول :

( مَلِّي ما صاب دْوا يْشافي

جَا تْحَامَى بِي وُ تْرجّاني

ݣَالْ لِّي عْتَقْني رَاني صافي

مَا لْݣِيت وَالي فاضتْ اجْفاني… ) ص7.

فبحثا عن مخرج لمعضلته  ، دخل الشاعر في حوار روحي مع زهره لإيجاد حل مشترك ، يشفي غليله و غليل  ضيم  و هم  هذا الزهرالعنيد ، ماداما هما معا متلازمين ( الشاعر والزهر ) ، يمتلكان  برنامجا سرديا واحدا مشتركا بينهما ، و لتوضج ذلك يقول في الصفحة 7:

( ݣَلْتْ لُو زهري وَخَّ انت عْنيدْ

فْ وَسْط تْرابكْ  مَربوطْ بْ ݣِيدْ

رَا انت عندي عْزيزْ مَقْدارو

فِيك احْلامي تُوبْها وافِي … ).

فتصبح للشاعر رؤية متماسكة مع رؤية الزهر، لذلك  سيصبح همهما مشتركا و حلمها متقاربا ، و بهذا يمكن أن يصبح برنامجهما مترابطا و مشتركا ، فيصبح عامل الذات جماعيا على الشكل التالي :

– عامل الذات الباث : الشاعر + عامل ذات الزهر.

– موضوع قيمتهما : هو البحث عن العز+ إعادة الإعتبار للذات المهملة +  تجاوز التشريد + العزة.

فتصبح القوة متقاسمة ، و الرغبة واحدة ،  و الهدف مشتركا . لتشكل كلها عاملا مساعدا لتجاوز النقص.

أما العامل المعاكس فهو نفسه المعاكس السابق الذي  نعته بضمير الغائب و ذلك بعدم ذكر اسمه و لا صفاته ، وهي دلالة على عدم الإعتراف به  فتركه مجهولا و نكرة.

3 – البرنامج السردي الثالث ، و المتمثل في  زهر لبلاد ، و الذي يمكننا تحديده على الشكل التالي:

– عامل الذات : زهر لبلاد.

– عامل الموضوع : الإصلاح و التغيير.

– العامل المساعد : الشاعر.

– العامل المعاكس : هم الذين أحرقوا الجنان وجعلوا عروقه يابسة ( الفساد )

  • خلاصة عبارة عن استنتاجات تعني حقول البرامج السردية:

حاول الشاعر، من خلال لعبة البرامج السردية المتنوعة ، توزيع الطموحات حسب عوامل ذوات مختلفة ، مرة يكون الشاعر  هو عامل ذات له موضوع قيمة (التحول و الإنتقال) رفقه زهره سعيا نحو غد أفضل  ،  و مرة أخرى يدخل في حوار مع برنامج زهره الذي هو الآخر يعاني ، فيشتكي بحثا عن حلم مفتقد، ثم برنامج ثالث جعل فيه البلاد هي عامل الذات المركزي بصفتها الأم الحاضنة ، الجامعة شمل و هموم أبنائها جميعا ، لذلك جعل العنوان دالا عن البرنامج الأصلي و المركزي ، و الذي سماه ( زهر بلادي ) ؛ عنوان يشكل وحده نصا كاملا و جامعا و شاملا لكل الأطروحات الذي يقدمها الباث بصفته  الوصي في عملية إنتاج كل ما له صلة بجزئيات متماسكة و مداخلة.

فيصبح الهم مشتركا بين المكونات الثلاث ، والتي يمكن حصرها في الخطاطة التالية:

– الباث (الشاعر) = ا لزهر= البلاد.

فيشكلون بذلك وحدة متداخلة ، كل واحد يعني الآخر و يتكلم بلسانه.  – صورة الزهر في النصوص الأخرى وعلاقتها بالنص الأول ، لتشكيل رؤية توضح طبيعة الدمعة التي عصرها الشاعر في ديوانه ( عصرتك دمعة )     .

كما قلت سابقا العنوان وحده يشكل نصا خاصا ومقطعا دالا عن خصوصيات صغرى أخفاها الشاعر و حاول توزيعها في النصوص ككل ، لهذا جاء الزهر في جل النصوص بقيمة مهيمنة ، بل هي القيمة الأساس في الديوان ككل ، ليصبح هو التيمة المحورية في  كل النصوص التي ظهرت بصور مغايرة ، فمرة جاء ملتصقا حاضنا قلب الشاعر : (هزيت  زهري فوق اكتافي … )  ص 5.

و مرة أخرى يظهر الزهر بمكون آخر يصبح فيه الشاعر هو الحاضن و الراغب في إسعاده:

( نزرع زهري يحيا مْنَ جْديد… ) ص 5.

حيث يتقدم الزهر  بأسلوب الطلب و الترجي ، طالبا من الشاعر إنقاده:

( قال لي عْتَقْني راني صافي… )  ص 6.

بعدها يتحول الشاعر في نص آخر ليحدثنا عن ميلاد هذا الزهر و ما رافقه من مشاكل و ويلات فيقول :

( تْزادْ الزّْهرْ … مَا ݣَمَّطْناهْ … ) ص 9.

فالملاحظ  هنا ، هو  تحويل الضمير من المفرد المتكلم إلى الأنا الجماعية ، ليصبح الكل معنيا في خطاب شعري عام يريد فيه الشاعر تحميل المسؤولية للكل بصفتهم مسؤولين عن الحال و الأحوال . يقول في الصفحة 9 :

( تْزَادْ الزّْهَرْ …

مَا ݣَمَّطْناهْ…

…مَا سَمِّيناهْ

مَا بَخَّرْناه… ْ

مَا رَضَّعْناهْ …

مَا سَكَّتْناه… ْ

بْدَا يَحْبَا

مَا وَرِّيناهْ …

بْدَايَدَّا

مَا مَشِّيناهْ …

طَاحْ وُ نَاضْ

مَا عَوَنّاهْ …

بْدَا يَهْضَرْ

مَا خَلِّيناهْ …

فَكّْ الْخَطّْ

مَا عَلَّمْناهْ …

كْبَرْ وَ رْشَدْ

مَا وَجَّهْناهْ …

وُ فْوَسْطْ الْحَمْلَة

حَطِّيناهْ … )

و النتيجة كما قول :

( اصْبح قَشَّة

تْلوحْها لَرْياحْ

وَلَّى خُبزَة.

فْ كَفْ الطَّرَّاحْ

تْݣَلَّبْ فيه.

ولا يَرْتاحْ )

إلى أن يصل بقوله  :

( مَا شافْ اسْعادْ

مَا شاف افْراحْ … ) ص 10.

هي خلاصة إذن ناتجة عن غيابنا الفردي والجماعي التي جعلت من حال زهرنا في وضع لا يطاق.

نفس الخطاب يتكرر بصيغ مغايرة في نص ( غْرازْ لَحْروفْ ) ، حيث يقول في آخر سطر شعري من القصيدة :

( وُحَلْمو فْ غَدَّا يْكون سَعْدو جْبَحْ ) . ص 13.

هذا دون أن نترك الفرصة تمر لنتكلم عن  صيحته القوية الدالة بعنف على علاقته بموضوع سعده المصاب بالخيبات التي لا حصر لها . يقول في قصيدته ( وا يا سَعْدي ) في الصفحة 14 :

( فِين نْصِيبَكْ وَا يا سَعْدي

مَا انت قَبْلي وَ لا بَعْدي

عْيٌيت نْبَرِّي نْقلَّبْ وحدِي

وَ لا جْبَرْتَكْ يَشْوينِي فِيكْ … )

و هي إحالة دالة عن الضياع والإفتقاد . فيقول :

( نْياب ذْياب فَارْسانا

وُ نَازْلة فِينا تْهَنْشرْ

مَا هِي فِيكْ رَحْمَانا

وَلا بِينا تْݣولْ تَغْفرْ

يَمْتى يَصْفى فِيك مَانَا

وّ اغْصانْ سْعادْنا تْخَضَّرْ … ) ص 22/23 .

 

فدلالة السلب ، كلها تشكل الإشارات الدالة على الإفتقاد و الشعور بالألم الناتج عن الضياع  و الشعور بالنقص.

 

أما في نص ( حْكايَةْ حُرَّة) بالصفحة 27  فيقول الشاعر :

( الناس تَشْطحْ وَ تْغَنِّي

وُ هي تَبكي بْسَعْدْها مْوَنِّي … )

هذه الإحالات على رفض الواقع  و الثورة عليه ، نجدها في نصوص أخرى  تتكلم عن الزهر بمرادفات تدل على الزهر بصفات مختلفة ، كما هو الشأن في نص ( خَرْبوشَة )  بالصفحة 31 حيث يقول :

( وُ ݣَلتْ ليها رْجايا فَ الدّارْ

تْعود زْنيݣَة وُ عامْرة نُوّارْ )

فهنا دائما ، الكلام محصور في الأمل المفقود والإحساس بشعور الخيبة ، مع طلب الرغبة في التغيير بدواعي متعددة.

ففي نص ( مَا فِيك أَمَانْ )  بالصفحة 32 نجد الشاعر يقول :

( مَلِّي الْواحدْ فيك يَدْزَادْ

غْواتو يِسَمعوه لَعْبادْ

وِ يْݣولو جانا بَاسْعادْ

يَا الدّنيا مَا فيك امَانْ )

دائما هو الحديث عن السعد أو الزهر في صيحة الخيبة و الشعور بالنقص . نفس الشيء ، نجده في الصفحة 34 من نفس القصيدة حيث يستحضر السعد الضائع  و التائه بنفس الظن و بنفس الرؤية حين يقول في ص 37 :

( هَايَمْ غادي تابع سَعدُو

وَ حْمارسَعْدو مْتَلّفْ ݣودُو … )

و في قصيدة ( زِيد عْلى بَلْعِيدْ ) .

يقول في الصفحة 39  :

( فَ بْحر سعدو     مُوجو عَادَمْ

يَجْرِي وِيطيحْ       عَزْمو جَاتَمْ ) …

و بنفس الظن ، يقول كذلك في نفس الصفحة :

( يبْكي سَعْدو    غادي ضدُّو

يَنْذَبْ حظو       يَلْطمْ خَدُّو )

و في قصيدة ( آحْ عْليك )  بالصفحة 39 يستمر حسن العلوي بنفس الرؤية السابقة ، حيث يقول :

( لا حَدّْ فِينا نَتّݣْ لُوتادْ

بَاش تْمَرْحي

تْفَرْحي بَ اسْعَادْ )

و في نفس القصيدة الصفحة 41 يقول :

( يَمْتَى تْفَرْحي وَقْتَكْ يَسْعادْ )

أما في نص ( كْلامْ الْحَقّْ ) بالصفحة 56 ، يزيد من تأكيد عمق هذه الخاصية  و وظيفتها في بناء معالم التيه و قوة الإفتقاد في بناء معالم النصوص ، يقول :

( رْجانَا فَ الْخَلْقْ

بِينا يَرفَقْ )

فيصبح الحل النهائي عند الشاعر هو العودة إلى الله ، القوة الوحيدة القادرة على استرجاع الحق وإعادة الإعتبار للزهر المتسكع في كل دوامات المتاهة و الإفتقاد .

و في نص ( الدّْجاجَة التَّرَّاسَة ) ، نجد العمق من قيمة السعد ، عندما عاد إلى الثقافة الشعبية بحكاياتها الجميلة ليغني قيمة موضوعه ، و يكون بذلك قد استعار من كل الحقول ما يضفي الشرعية على موضوعه ليقنع القارئ الضمني بقصصه الشعرية المتنوعة ، لذا  يقول في الصفحة 58 :

( الدّْجاجَة تَشْري وَدُّو

تَتْمَنَّى يُوفِي بْوَعْدُو

ݣَالْ لِيها كُلٍّها وُ سَعْدُو

يِلَا عَاشْ النّْسَرْ عَاشُو اوْلادُو )

ليأتي في آخر قصيدة عنونها ب ( مَرْكَبْ الْمَحْنَة ) ليدل على عمق المعاني و شكل تمفصلاتها بلغة جمالية ، محددا أن الحياة برمتها مجرد مركب ، لكنه مركب كله محن و عذاب ، فيه تضيع الفرص و تتصدى لموازين السعد الذي سماه زهر بلا قيمة و بلا معنى، يقول في هذه القصيدة في الصفحة رقم 79 ، كخلاصة تبين استمرار الشاعر في التصدي لكل مظاهر الفساد و الإقصاء و التهميش ، واعدا بالتسلح بحرفه إلى آخر رمق من عمره :

( مَا بْغيتْ نارْ اتْحَرْݣَكْ

وَ لا مَنْشارْ يِحَسْكَكْ

بْغيتْ الزّْهَرْ فْ شَجْرَكْ

يَتْمَرْ طِيبُو فِينا

 

انْتَ مَرْكَبْنا غَالِي

نَفْدِيكْ بَالْحَرْفْ دْيَالِي

نْغَنِّيكْ مَوّالْ يِشالِي

حَتّى نَرْحَلْ كْفِينَة )

فيصبح الأمل معلقا على الحرف ، بصفته القوة الوحيدة الممكنة التي يتغنى بها الشاعر و يتباهى ليرد الإعتبار لمركبه ، الذي هو وطنه ، هو زهره ، هو ذاته الشاعرة ، لذلك تصبح كل هذه الألوان المحروقة عبارة عن قصائد   تكلم فيها الشاعر عن مواضيع محرقته التي عصرها في هذا الديوان دمعات و آهات ترتب صفوف الألم و توزع كل المجالات التي رسمت معالم الغربة و الإغتراب في وجود حصره الشاعر في سعد غير تام ، بلا هوية ، مجرد فكرة نكرة نسبها إلى ذاته . فكانت النتيجة ضرورة  عصر الذات عصرات و دمعات .

 

ناقد من المغرب 

 

 

 

 

عن madarate

شاهد أيضاً

أمسية تكريم فعاليات نسائية ضمن أمسية شعرية رمضانية تخليدا لليوم العالمي للمرأة – حسناء آيت المودن

أمسية تكريم فعاليات نسائية ضمن أمسية شعرية رمضانية تخليدا لليوم العالمي للمرأة حسناء آيت المودن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *