حسن العلوي مفهوم و ديوان (عْصَرْتَكْ دمعة) : بنية التجاذبات وآليات إنتاج البرامج السردية
سعيد فرحاوي*
يظهر ديوان الشاعر حسن العلوي مفهوم ، ملغوما و غير واضح الدلالة ، لا يمكن
للقارئ ان يتفطن و أن يمتلك المفاتيح الأولى لفهم المقصود من (عْصَرْتكْ دَمْعَة) ، فيبقى السؤال معلقا : هل يعني بذلك الدموع أو الأحزان و القلق ، أم يتكلم عن القصائد موضوع معصرته أم ماذا ؟ ، فقط مانمتلكه الآن ، من خلال العتبة الأولى / الغلاف ، أن الشاعر يحيلنا على وجه يمطر دمعات من عين برموش جميلة ، ينحني نحو الأسفل بحزام متصل ، عبارة عن قطعة تهبط من الرأس إلى أسفل الغلاف حاملة دمعة ، وهي إشارة أولية ستدخلنا في أسئلة الديوان المليئة بالدموع ، و ما تتصل به من قلق و ألم و معاناة . فمنذ أول إشارة نصية تحيل عليها مجموعة من العلامات ، هي عبارة عن تمظهرات تحيل بشكل واضح على معان متعددة . فيظهر العنوان بمعجم دال ، و اللوحة بإشارة علاماتية مكشوفة ، هنا ستبدأ بوادر الكتابة تطرح صورا دالة عن ما سيأتي به عمق الديوان .
ستكون مقاربتنا محايدة ، لا تسقط تأويلات معينة في غياب قرائن دالة و مقولات منطقية تقنع القارئ بنتائج التحليل ، لذلك سنعتبرها بداية ، بمنطلق أساسه مبني على درجة الصفر في الكتابة والقراءة معا :
1 – درجة الصفر في الكتابة : و تعني أن الديوان لم يتحدد بعد ، و لم يكشف عن أوراقه ، لهذا ستكون الفرضية التالية هي المعيار المعتمد : ماذا عصر الشاعر؟ و ما طبيعة هذه الدمعات التي عصرها ؟ و لماذا عصرها ؟ ثم من عصر من ؟ هل الشاعر هو الذي عصر النصوص أم النصوص هي التي عصرته ؟ ، وفقا لمقولة الفرزدق ( قلع ضرس أهون من كتابة بيت شعري ) . ؟ و كيف عصر الكاتب كتابته حتى خرجت دمعات و صيحات تنبش في عنف كتابة تسعى منذ البداية أن تكون مرة و حارقة ؟
2 – درجة الصفر في القراءة : و منها سنبحث في عمق هذا العصر الذي انولد حارقا ، حيث يظهر الديوان في بدايته معصورا ، كما سنكشف عن أجوبة مقنعة تخرجنا من متاهة الأسئلة الإشكالية ، التي يغيب الجواب عنها منذ العتبات الأولى ، لهذا ، يستدعي قراءة تأملية لكل نص على حدة بتأن و بتأمل كبير، حتى يتسنى لنا الوصول إلى حل يعيننا على فك ألغاز العنوان المشفرة .
عمل يستدعي منا الزيادة في التنقيب والبحث وتحليل ما تخفيه النصوص لفهم معاني الدموع التي عصرها الشاعر وأراد أن يشاركنا جمالها .
فبالعودة إلى النص الأول ، النص المفتاح ( زْهَرْ بْلادِي ) ، بضمير الأنا ، يفتتح الشاعر قصيدته محددا طبيعة القطب المعني في خطابه الشعري :
– العنوان : عصرتك .
– القصيدة الأولى : ( زْهَرْ بْلَادِي ) ، حيث يفتتح الشاعر النص قائلا:
( هَزِّيتْ زَهرِي فُوقْ كْتافِي
وُغَادَرْت جْنانْ كان جْنانِي … ) . ص 5
. من هنا يمكن استخلاص ما يلي :
– الذات الشاعرية هي : الأنا . – الموضوع هو : ( هزيت زهري فوق كتافي. (
– المكان هو بلادي + الجنان.
– الزمن هوالحاضر :هزيت + غادرت.
– السبب أو الدافع فهو :
( انْبَرِّي عْلى جْنانْ ثاني )
– الحالة النفسية تتجلىفي :
( مْشيتْ هايَم خَطْوي امْفافِي … ) .
فالأسطر الشعرية كلها تنطلق بالأفعال الدالة عن الحاضر : (هزيت … غادرت … مشيت … غادي … ) ، و هي خطاب موجه من أنا / مرسل ، إلى مرسل إليه مختف يفترضه الشاعر و يوجه إليه خطابه محددا الزمن ، كما حدد الموضوع ، المكان ، والحالة النفسية . فهو منذ البداية يعري عن حاله كاشفا عن عناصر برنامجه السردي كاملا. وهي صور لها صلة بمحتوى الدموع التي عصرها عصرا و كشف عنها كشفا ، بشكل مثير للجدل . هذه المراحل البناية التي تؤسس مستهل خطابه الشعري ، تدفع بنا إلى الحديث عن طبيعة البرنامج السردية ، و كيف اشتغل عليها ليبني مجريات تمفصلات الدلالة .
اعتمد الشاعر على بنية الأفعال لخلق دينامية قوية تدل على قوة الحركة و التجاذبات ، و السبب من وراء ذلك هو قوة و عنف الموضوع الذي جعل من الشاعر أن يعصره عصرات . لذلك جاء البرنامج السردي واضحا بكافة عناصره التي سنحددها في الخطاطة التالية :
– عامل الذات — الأنا / الضمير الدال على الشاعر .
– موضوع القيمة — ( انْبرِّي على جْنانْ ثاني ) ، و الدالة على الرغبة في تغيير المكان .
– العامل المعاكس — موت و بهتان أوراق الجنان القديم.
كما يقول :
( حيث فَ جْناني ماتْ جْدُورو
بْهاتْ وَرْقو كَاسو حَافِي
وَ اصْبحْ عَرْفو يَابَسْ وُ قَانِي )
– العامل المساعد — الأمل والرغبة في التغيير والتحديد.
كما يقول :
( نَزْرَعْ زرعِي يَحْيا مْنَ جْديدْ
نَسْقيهْ هَمِّي وُ آهْ التَّنْهيدْ ) .
و هو استشعار الشاعر صفة الزهر ليلبسه لباسا إنسانيا ، فيصبح هو الموضوع المعني في كل المعادلات ، و كأنه لا يعنيه الموضوع الحدث ، فيضع نفسه موضع الوسيط بين قضايا يشكو منها الزهر ، و بين الزهر بصفته الشخص المتضرر، و هكذا يتخلص الشاعر من محتويات ما ، يجادل هذا الشخص المسمى الزّْهر . هذه التقنية مكنت الشاعر من اللعب بكل قواه الجمالية بقضايا مثيرة للجدل ، فخرج من الأسلوب العادي المتداول في دارجتنا المغربية ليغير الوجهة صوب تقنية فنية ، بها يتحرر من معاناة يومية تعني الإنسان في علاقته بهمومه المعيشية. فعوض أن يقول : ماعندي زهر …
يتحول إلى صيغة أخرى ليبحث عن زهر الزهر ، و مشاكل الزهر و كأن صاحبها لا يعنيه الموضوع الذي تكلم و يتكلم عنه في قصيدة ( زهر بلادي ) ، و بذلك نصبح أمام ثلاث حالات من الزهر:
1- زهر الشاعر كذات و كصفة.
2 – زهر الزهر ، و هنا يصبح الزهر ، موضوع النقاش ، فيأتي شخصية خارج الذات الشاعرية.
3- زهر بلادي ، و هنا عمم الشاعر الموضوع فأصبح الزهر المعني في الخطاب ، هو زهر البلاد ككل .
نحن، إذن ، أمام ثلاثة انواع من الزهر، و في الإشتغال عليها ، لا تشعر بالتغيير من زهر إلى آخر، لتصبح القضية كبيرة ، أكبر مما يظنه الإنسان العادي و البسيط.
هذا التنوع في صفة الزهر ، يقوي من عوامل الذات ، فنصبح أمام ثلاثة برامج سردية تتفاعل و تتحاور لتنتج برنامجا عاما و هو برنامج العامل الرئيسي الذي يظهر و يختفي ، و ربما يكون أكبر من الزهر الذات أو من الزهر الصفة ، أو حتى الزهر الشاعر ، كما هو أكبر من الزهر الوطن ، أو كما نسميه الزهر الضمير ، أو القيمة المثلى ، أو القضية المطلق ، أو الأنا الأعلى التي تراقب و تتابع بحكامة و بحكمة كل مجريات الوجود . فتنجلي بصيغة النبل ، حيث لا تقبل الرداءة ، كما ترفض الهشاشة و الأعطاب المجتمعية التي تقود نحو الضياع والتلف .
- نية البرامج السردية في قصيدة ( زهر بلادي ) :
بعد تأملنا في قصيدة زهر بلادي ، في النص الأول نجد أن لعبة بناء الدلالة تتنوع في ثلاث برنامج سردية / programme narative ، و التي يمكننا تحديدها على الشكل التالي :
1 – برنامح السردي الأول :
و هو برنامج سردي لدي الباث : ( غَادي انْبَرِّي عْلى جْنان ثانَي … ) ص5.
هنا عامل الذات الباث / Actant sujet
له موضوع قيمة يسعى تحقيقها ، و هي عبارة عن انتقال من حالة أولية ، وتتمثل في مرحلة بالنقص / État de manque، إلى المرحلة النهائية وهي مرحلة تجاوز االشعور بالنقص / Liquudationt de manque ، وتحقيق الهدف أو الطموح ، ليصبح في وضعية سيتصل فيها بموضوع قيمته / objet de valeur.
هذا الإنتقال سنحدده بالتفصيل في الخطاطة التالية:
– عامل الذات الباث :
و موضوع قيمته ، الحصول على جنان مغاير عن الأول .
– عامل الذات المساعد الأول : حمل الزهر فوق الكتف ، و بعدها تغيير المكان.
– عامل الذات المساعد الثاني : و موضوعه + الزهر.
– عامل الذات المعاكس : الجنان القديم لم يعد ملائما لتطلعاته .
2 – البرنامج السردي الثاني الخاص بالزهر :
– عامل الذات يتجاوز الكيد + البحث عن السرور + تجاوز الهم + رفع الرأس + استرجاع العزة
، هذه المعطيات يدل عليها المقطع الشعري التالي :
( هَذا زَهْري يَشْكي من ݣِيدْ
مَا شَافْ نْهار فيهْ سْرورو
لَبّْسوهْ الْهم شَاعَلْ اعْوافِي
رَدّو بَزَّزْ راسو حانِي … ) ص 6.
– العامل المساعد الباث المعاكس :
و للخروج من هذه الوضعيات ، دخل الشاعر في حوار روحي مع زهره ، طبعا ، بعد أن طلب الزهر من الشاعر المساعدة للخروج من العبودية نحو الإنعتاق وتجاوز الوحل . يقول :
( مَلِّي ما صاب دْوا يْشافي
جَا تْحَامَى بِي وُ تْرجّاني
ݣَالْ لِّي عْتَقْني رَاني صافي
مَا لْݣِيت وَالي فاضتْ اجْفاني… ) ص7.
فبحثا عن مخرج لمعضلته ، دخل الشاعر في حوار روحي مع زهره لإيجاد حل مشترك ، يشفي غليله و غليل ضيم و هم هذا الزهرالعنيد ، ماداما هما معا متلازمين ( الشاعر والزهر ) ، يمتلكان برنامجا سرديا واحدا مشتركا بينهما ، و لتوضج ذلك يقول في الصفحة 7:
( ݣَلْتْ لُو زهري وَخَّ انت عْنيدْ
فْ وَسْط تْرابكْ مَربوطْ بْ ݣِيدْ
رَا انت عندي عْزيزْ مَقْدارو
فِيك احْلامي تُوبْها وافِي … ).
فتصبح للشاعر رؤية متماسكة مع رؤية الزهر، لذلك سيصبح همهما مشتركا و حلمها متقاربا ، و بهذا يمكن أن يصبح برنامجهما مترابطا و مشتركا ، فيصبح عامل الذات جماعيا على الشكل التالي :
– عامل الذات الباث : الشاعر + عامل ذات الزهر.
– موضوع قيمتهما : هو البحث عن العز+ إعادة الإعتبار للذات المهملة + تجاوز التشريد + العزة.
فتصبح القوة متقاسمة ، و الرغبة واحدة ، و الهدف مشتركا . لتشكل كلها عاملا مساعدا لتجاوز النقص.
أما العامل المعاكس فهو نفسه المعاكس السابق الذي نعته بضمير الغائب و ذلك بعدم ذكر اسمه و لا صفاته ، وهي دلالة على عدم الإعتراف به فتركه مجهولا و نكرة.
3 – البرنامج السردي الثالث ، و المتمثل في زهر لبلاد ، و الذي يمكننا تحديده على الشكل التالي:
– عامل الذات : زهر لبلاد.
– عامل الموضوع : الإصلاح و التغيير.
– العامل المساعد : الشاعر.
– العامل المعاكس : هم الذين أحرقوا الجنان وجعلوا عروقه يابسة ( الفساد )
- خلاصة عبارة عن استنتاجات تعني حقول البرامج السردية:
حاول الشاعر، من خلال لعبة البرامج السردية المتنوعة ، توزيع الطموحات حسب عوامل ذوات مختلفة ، مرة يكون الشاعر هو عامل ذات له موضوع قيمة (التحول و الإنتقال) رفقه زهره سعيا نحو غد أفضل ، و مرة أخرى يدخل في حوار مع برنامج زهره الذي هو الآخر يعاني ، فيشتكي بحثا عن حلم مفتقد، ثم برنامج ثالث جعل فيه البلاد هي عامل الذات المركزي بصفتها الأم الحاضنة ، الجامعة شمل و هموم أبنائها جميعا ، لذلك جعل العنوان دالا عن البرنامج الأصلي و المركزي ، و الذي سماه ( زهر بلادي ) ؛ عنوان يشكل وحده نصا كاملا و جامعا و شاملا لكل الأطروحات الذي يقدمها الباث بصفته الوصي في عملية إنتاج كل ما له صلة بجزئيات متماسكة و مداخلة.
فيصبح الهم مشتركا بين المكونات الثلاث ، والتي يمكن حصرها في الخطاطة التالية:
– الباث (الشاعر) = ا لزهر= البلاد.
فيشكلون بذلك وحدة متداخلة ، كل واحد يعني الآخر و يتكلم بلسانه. – صورة الزهر في النصوص الأخرى وعلاقتها بالنص الأول ، لتشكيل رؤية توضح طبيعة الدمعة التي عصرها الشاعر في ديوانه ( عصرتك دمعة ) .
كما قلت سابقا العنوان وحده يشكل نصا خاصا ومقطعا دالا عن خصوصيات صغرى أخفاها الشاعر و حاول توزيعها في النصوص ككل ، لهذا جاء الزهر في جل النصوص بقيمة مهيمنة ، بل هي القيمة الأساس في الديوان ككل ، ليصبح هو التيمة المحورية في كل النصوص التي ظهرت بصور مغايرة ، فمرة جاء ملتصقا حاضنا قلب الشاعر : (هزيت زهري فوق اكتافي … ) ص 5.
و مرة أخرى يظهر الزهر بمكون آخر يصبح فيه الشاعر هو الحاضن و الراغب في إسعاده:
( نزرع زهري يحيا مْنَ جْديد… ) ص 5.
حيث يتقدم الزهر بأسلوب الطلب و الترجي ، طالبا من الشاعر إنقاده:
( قال لي عْتَقْني راني صافي… ) ص 6.
بعدها يتحول الشاعر في نص آخر ليحدثنا عن ميلاد هذا الزهر و ما رافقه من مشاكل و ويلات فيقول :
( تْزادْ الزّْهرْ … مَا ݣَمَّطْناهْ … ) ص 9.
فالملاحظ هنا ، هو تحويل الضمير من المفرد المتكلم إلى الأنا الجماعية ، ليصبح الكل معنيا في خطاب شعري عام يريد فيه الشاعر تحميل المسؤولية للكل بصفتهم مسؤولين عن الحال و الأحوال . يقول في الصفحة 9 :
( تْزَادْ الزّْهَرْ …
مَا ݣَمَّطْناهْ…
…مَا سَمِّيناهْ
مَا بَخَّرْناه… ْ
مَا رَضَّعْناهْ …
مَا سَكَّتْناه… ْ
بْدَا يَحْبَا
مَا وَرِّيناهْ …
بْدَايَدَّا
مَا مَشِّيناهْ …
طَاحْ وُ نَاضْ
مَا عَوَنّاهْ …
بْدَا يَهْضَرْ
مَا خَلِّيناهْ …
فَكّْ الْخَطّْ
مَا عَلَّمْناهْ …
كْبَرْ وَ رْشَدْ
مَا وَجَّهْناهْ …
وُ فْوَسْطْ الْحَمْلَة
حَطِّيناهْ … )
و النتيجة كما قول :
( اصْبح قَشَّة
تْلوحْها لَرْياحْ
وَلَّى خُبزَة.
فْ كَفْ الطَّرَّاحْ
تْݣَلَّبْ فيه.
ولا يَرْتاحْ )
إلى أن يصل بقوله :
( مَا شافْ اسْعادْ
مَا شاف افْراحْ … ) ص 10.
هي خلاصة إذن ناتجة عن غيابنا الفردي والجماعي التي جعلت من حال زهرنا في وضع لا يطاق.
نفس الخطاب يتكرر بصيغ مغايرة في نص ( غْرازْ لَحْروفْ ) ، حيث يقول في آخر سطر شعري من القصيدة :
( وُحَلْمو فْ غَدَّا يْكون سَعْدو جْبَحْ ) . ص 13.
هذا دون أن نترك الفرصة تمر لنتكلم عن صيحته القوية الدالة بعنف على علاقته بموضوع سعده المصاب بالخيبات التي لا حصر لها . يقول في قصيدته ( وا يا سَعْدي ) في الصفحة 14 :
( فِين نْصِيبَكْ وَا يا سَعْدي
مَا انت قَبْلي وَ لا بَعْدي
عْيٌيت نْبَرِّي نْقلَّبْ وحدِي
وَ لا جْبَرْتَكْ يَشْوينِي فِيكْ … )
و هي إحالة دالة عن الضياع والإفتقاد . فيقول :
( نْياب ذْياب فَارْسانا
وُ نَازْلة فِينا تْهَنْشرْ
مَا هِي فِيكْ رَحْمَانا
وَلا بِينا تْݣولْ تَغْفرْ
يَمْتى يَصْفى فِيك مَانَا
وّ اغْصانْ سْعادْنا تْخَضَّرْ … ) ص 22/23 .
فدلالة السلب ، كلها تشكل الإشارات الدالة على الإفتقاد و الشعور بالألم الناتج عن الضياع و الشعور بالنقص.
أما في نص ( حْكايَةْ حُرَّة) بالصفحة 27 فيقول الشاعر :
( الناس تَشْطحْ وَ تْغَنِّي
وُ هي تَبكي بْسَعْدْها مْوَنِّي … )
هذه الإحالات على رفض الواقع و الثورة عليه ، نجدها في نصوص أخرى تتكلم عن الزهر بمرادفات تدل على الزهر بصفات مختلفة ، كما هو الشأن في نص ( خَرْبوشَة ) بالصفحة 31 حيث يقول :
( وُ ݣَلتْ ليها رْجايا فَ الدّارْ
تْعود زْنيݣَة وُ عامْرة نُوّارْ )
فهنا دائما ، الكلام محصور في الأمل المفقود والإحساس بشعور الخيبة ، مع طلب الرغبة في التغيير بدواعي متعددة.
ففي نص ( مَا فِيك أَمَانْ ) بالصفحة 32 نجد الشاعر يقول :
( مَلِّي الْواحدْ فيك يَدْزَادْ
غْواتو يِسَمعوه لَعْبادْ
وِ يْݣولو جانا بَاسْعادْ
يَا الدّنيا مَا فيك امَانْ )
دائما هو الحديث عن السعد أو الزهر في صيحة الخيبة و الشعور بالنقص . نفس الشيء ، نجده في الصفحة 34 من نفس القصيدة حيث يستحضر السعد الضائع و التائه بنفس الظن و بنفس الرؤية حين يقول في ص 37 :
( هَايَمْ غادي تابع سَعدُو
وَ حْمارسَعْدو مْتَلّفْ ݣودُو … )
و في قصيدة ( زِيد عْلى بَلْعِيدْ ) .
يقول في الصفحة 39 :
( فَ بْحر سعدو مُوجو عَادَمْ
يَجْرِي وِيطيحْ عَزْمو جَاتَمْ ) …
و بنفس الظن ، يقول كذلك في نفس الصفحة :
( يبْكي سَعْدو غادي ضدُّو
يَنْذَبْ حظو يَلْطمْ خَدُّو )
و في قصيدة ( آحْ عْليك ) بالصفحة 39 يستمر حسن العلوي بنفس الرؤية السابقة ، حيث يقول :
( لا حَدّْ فِينا نَتّݣْ لُوتادْ
بَاش تْمَرْحي
تْفَرْحي بَ اسْعَادْ )
و في نفس القصيدة الصفحة 41 يقول :
( يَمْتَى تْفَرْحي وَقْتَكْ يَسْعادْ )
أما في نص ( كْلامْ الْحَقّْ ) بالصفحة 56 ، يزيد من تأكيد عمق هذه الخاصية و وظيفتها في بناء معالم التيه و قوة الإفتقاد في بناء معالم النصوص ، يقول :
( رْجانَا فَ الْخَلْقْ
بِينا يَرفَقْ )
فيصبح الحل النهائي عند الشاعر هو العودة إلى الله ، القوة الوحيدة القادرة على استرجاع الحق وإعادة الإعتبار للزهر المتسكع في كل دوامات المتاهة و الإفتقاد .
و في نص ( الدّْجاجَة التَّرَّاسَة ) ، نجد العمق من قيمة السعد ، عندما عاد إلى الثقافة الشعبية بحكاياتها الجميلة ليغني قيمة موضوعه ، و يكون بذلك قد استعار من كل الحقول ما يضفي الشرعية على موضوعه ليقنع القارئ الضمني بقصصه الشعرية المتنوعة ، لذا يقول في الصفحة 58 :
( الدّْجاجَة تَشْري وَدُّو
تَتْمَنَّى يُوفِي بْوَعْدُو
ݣَالْ لِيها كُلٍّها وُ سَعْدُو
يِلَا عَاشْ النّْسَرْ عَاشُو اوْلادُو )
ليأتي في آخر قصيدة عنونها ب ( مَرْكَبْ الْمَحْنَة ) ليدل على عمق المعاني و شكل تمفصلاتها بلغة جمالية ، محددا أن الحياة برمتها مجرد مركب ، لكنه مركب كله محن و عذاب ، فيه تضيع الفرص و تتصدى لموازين السعد الذي سماه زهر بلا قيمة و بلا معنى، يقول في هذه القصيدة في الصفحة رقم 79 ، كخلاصة تبين استمرار الشاعر في التصدي لكل مظاهر الفساد و الإقصاء و التهميش ، واعدا بالتسلح بحرفه إلى آخر رمق من عمره :
( مَا بْغيتْ نارْ اتْحَرْݣَكْ
وَ لا مَنْشارْ يِحَسْكَكْ
بْغيتْ الزّْهَرْ فْ شَجْرَكْ
يَتْمَرْ طِيبُو فِينا
انْتَ مَرْكَبْنا غَالِي
نَفْدِيكْ بَالْحَرْفْ دْيَالِي
نْغَنِّيكْ مَوّالْ يِشالِي
حَتّى نَرْحَلْ كْفِينَة )
فيصبح الأمل معلقا على الحرف ، بصفته القوة الوحيدة الممكنة التي يتغنى بها الشاعر و يتباهى ليرد الإعتبار لمركبه ، الذي هو وطنه ، هو زهره ، هو ذاته الشاعرة ، لذلك تصبح كل هذه الألوان المحروقة عبارة عن قصائد تكلم فيها الشاعر عن مواضيع محرقته التي عصرها في هذا الديوان دمعات و آهات ترتب صفوف الألم و توزع كل المجالات التي رسمت معالم الغربة و الإغتراب في وجود حصره الشاعر في سعد غير تام ، بلا هوية ، مجرد فكرة نكرة نسبها إلى ذاته . فكانت النتيجة ضرورة عصر الذات عصرات و دمعات .
ناقد من المغرب