نوافذ المادة في أعمال الفنان عبدالله الرامي
محمد سعود*
في معرض” منتقيات ” قدم لنا الفنان عبدالله الرامي أعمالا فنية محصورة في حيز زمني محدد وبذلك تعتبر مرحلة من مساره الفني. وفيها جزء من أعماله التي عرضها سنة 2021 في معرض “رؤى وتجارب معاصرة ” اشتغل فيه على الخيش والقشور واللحاء و أغصان الأشجار والحجر. قد تختلف هذه الأعمال المعروضة في هذه الحيز الزمني عما قبل هذه المرحلة أو ما بعدها من مساره، ولكن ما يميزها ككل أن الفنان يشتغل بنسبة كبيرة على مواد خام وطبيعية، كما أن السند في حد ذاته عبارة عن قطع من الجوت، وبذلك لا يمكن فصل الحامل وما يحمله من مواد عن البناء الكلي اللوحة، وكلها تصب في العملية الإبداعية.. أغلب مكونات اللوحة من الجاهز ويقوم بتوظيف هذه المواد البعيدة عن مواد الرسم المعروفة لتتساوق مع تصوره الذي يغلب عليه القصدية، لأن ما يقوم باختياره يكون عن وعي.. وهذا لا ينفي وجود اللاقصدية، فما يقوم به عن قصد هو استحضار لعالمه الطفولي عن غير قصد.. وإذا كان السند المشكل من أكياس الجوت التي تصنع لحفظ المواد الغذائية فإنها لا شعوريا حفظ لذاكرة الفنان….وبذلك تطرح أعماله إشكالية معقدة حول نظرنا إلى المادة على اعتبارها من أهم ما اشتغل عليها الفنانون المعاصرون وأثارت جدلا في الكثير من التعاريف والكتابات كالقاموس السيميائيّ بجزأيه (1979- 1986) لجريماس وكورتيس Greimas et Courtés J. (Algirdas Julien) Greimas Joseph ، و الذي يعتبر علامة تحول في المفاهيم السيميائيّة . و كذلك جاك فونتايل J. Fontanille وغيرهم .
فالمادة مرئية بالنسبة للفنان والمتلقي ولكنه يمنحها أبعادا رمزية ولذلك يتم التعامل معها كمواد تم تحويلها من خامات إلى عملية فني ومجالا لإمكانات دالة من حيث طبيعتها وملمسها وتكون عيون المتلقي أمام فحص دقيق لمكونات اللوحة بدءا من ملمسها وإلى أدق تفاصيلها .
وإن كانت أعمال الفنان عبدالله الرامي تجريدية محضة إلا أنه بهذا النوع من الاشتغال والتوظيف لهذه المواد يجعها تتسلل من الواقع إلى التجريد إلى أن يتحول سطح اللوحة إلى نتوءات قد تبرز فيها بعض الأشكال بما فيها السند بخشونة ملمسه رغم أنها تبدو للوهلة الأولى قطعة واحدة تنصهر فيها جميع المواد إلى درجة الذوبان . فالفنان عمد إلى تجميعها لتشكل في الأخير بنية اللوحة الكلية وحول كل خامة من شكلها الطبيعي الأصلي إلى عنصر يخدم البناء ووحدة العمل مركزا على تناسقها . وليس هذا السند ولا مواد الاشتغال لصقا تعسفيا بل كل عنصر منها له وظيفته الجمالية والتعبيرية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنان تشكيلي وباحث من المغرب