18
الإيديولوجيا بين ماركس وغرامشي
مقاربة العمق الابستمولوجي في ضوء النظرية الماركسية
جواد عامر
شكل الطرح الماركسي نسقا فكريا جديدا في تاريخ الانساق الفلسفية التي وسمت الفكر الفلسفي الغربي في محاولة جديدة لفهم التاريخ في إطار مادي جدلي ، فكر فلسفي رسمت معالمه عقلانية ديكارت وتجريبية دافيد هيوم وجون لوك وأخلاقية كانط و مثالية هيجل وأتباعه وظاهراتية هوسرل ووجودية هايدجر وغيرها من التوجهات الفلسفية التي لاقت أصداء كبيرة في الثقافة الغربية واستطاعت أن تمتد إلى البلاد العربية في ظل عقم فلسفي شديد عانت منه الثقافة العربية التي حاولت عبر زعماء الإصلاح أن تبث روح التفكير السلفي باعتباره منبع الإصلاح في ثقافة عربية ظلت نائية عن سيناريوهات التحديث التي بدأت أوروبا تعرفها خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بشكل مكثف ومتواصل ، وقد شكلت الماركسية إطارا فلسفيا جديدا ناقض الجدلية الهيجلية القائمة على نفي النفي ووحدة الأضداد ونجحت في الانفصال عن هيجل لتحرير المادية الجدلية من آثار وتبعات الايديولوجية الألمانية خاصة في صورتها المثالية ، صحيح أن ماركس كان تلميذا لهيجل لكنه كان يعي أن الديالكتيك الهيجلي المنبثق من تعارض الأطروحة مع نقيض الأطروحة وانصهارهما في مستوى أعلى للتركيب كما ذكر غاستون باشلار في “الجدل العلمي “، جدل يقوم على نظرة تبسيطية واحدية للتناقض بينما جدل ماركس المادي يتأسس على تصور تعددي معقد للتناقض لذلك اعترف ماركس نفسه في الرأسمال بأن جدل هيجل كان واقفا على رأسه ولابد من إعادته إلى وضعه الصحيح لاكتشاف اللب العقلاني داخل القشرة الصوفية وهذا أمر تنبه إليه “ألتوسير” حين أعاد قراءة ماركس وملأ الفراغ الابستمولوجي الذي عانت منه النظرية الماركسية التي اعتبرها غير مكتملة البناء ومحتاجة إلى إعادة صياغة بنيوية جديدة بعد تحررها من قبضة الجدل الهيجلي .
رفض ماركس الطرح الهيجلي القاضي بأن الدولة هي التي تشكل المجتمع المدني بكل مكوناته فعكس ماركس هذا الطرح معتبرا أن المجتمع المدني بطبقاته وأطيافه هو من يشكل الدولة ومن هنا انبثق تصور ماركس بخصوص الوعي الجمعي الذي رأى أنه يتحدد من خلال الوجود داخل البنيات الاجتماعية وليس العكس ، ومعلوم أن الماركسية في العرف الفلسفي قد نشأت من وعي ماركس بأهمية أنماط الانتاج التي تحدد وعي الطبقات مما يجعل التاريخ عنده نتاجا لتتابع أنماط الإنتاج التي تشكل نوع الحياة التي يعيشها الناس وبالتالي فهو صراع بين الطبقات في إطار جدلي يقول ماركس : ” إن تاريخ كل مجتمع حتى يومنا هذا هو تاريخ صراع الطبقات ، الحر والعبد ، النبيل والعامي ، البارون والقن ، بكلمة المضطهدون والمضطهدين كانوا على الدوام في مواجهة ، لقد خاضوا صراعا بلا انقطاع هذا الصراع كان مقنعا أحيانا وكان مكشوفا أحيانا أخرى ، كان في كل مرة ينتهي بتحول ثورة المجتمع بكامله ، أو بتدمير الطبقات المتصارعة ” (1)، هذا الوعي المتصارع لابد أن يكون تحت تأثير الإيديولوجيا التي شكلت بؤرة اهتمام كبيرمن قبل الماركسية ، فقد تتبعت حركتها وآليات اشتغالها وتعقبت أدوارها وآثارها بنوع من التدقيق والعناية لأنها في التمثل الماركسي أساس عظيم لحركية المجتمعات والمسؤولة عن تغيرات أبنيته وقوانينه وعلاقات طبقاته وأفرادها فالنظرة الماركسية القائمة على التقسيم الثنائي للطبقات : طبقة فوقية تشكلها الأجهزة الإيديولوجية بمكوناتها المختلفة (إعلام ، مدرسة ، مناهج تربوية ، أجهزة قمعية ..) وهي ما يشكل الجزء السياسي والحقوقي والقانوني الذي يضم العلاقات ويؤطر أشكال الصراع التي تقوم بين الطبقات ، وطبقة تحتية تمثلها وسائل الإنتاج وطبقة البروليتاريا وعلاقات الإنتاج ، هذا التقسيم فرض على الماركسية أن تحدد الإيديولوجيا وتموقعها في مكانها الصحيح يقول ماركس : ” في الإنتاج الاجتماعي لوسائل العيش ، يدخل الناس في ظروف محددة ضرورية ومستقلة عن إرادتهم ، ظروف إنتاج تلائم مرحلة معينة من تطور قوى الإنتاج المادية والحصيلة العامة لظروف الانتاج هذه تعين البنية الاقتصادية للمجتمع أي القاعدة الحقيقية التي تقوم عليها البنية الفوقية القانونية والسياسية والتي تقابلها أشكال محددة من الوعي الاجتماعي .. ليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم ، بل بالعكس ، إن وجودهم الاجتماعي هو الي يحدد وعيهم ” (2) ، صحيح أن ماركس وهو يبني نظرته للرأسمال على الأساس الاقتصادي كان يعلم أن الإيديولوجيا تعتمل في داخل الطبقة الفوقية وتمارس نشاطاتها داخليا لتشكل الوعي الجمعي للطبقات لذلك أدرك ماركس أنه داخل هذا المحضن ينبغي أن يتم تحليل الإيديولوجيا رغم غلبة النزعة النقدية على ماركس التي وسمت بالرفض القاطع للرأسمالية لافتقارها للنزوع الإنساني ، لكن يبقى تناول الإيديولوجيا بالنسبة لماركس وفريدريك إنجلز تناولا باهتا لم يرق إلى التناول الجدلي في مستوى البنية الفوقية وهنا كان مكمن الفراغ الإبستمولوجي الذي عانت منه النظرية الماركسية التي انشغلت بالرد على عطاري الفكر الألماني ك :” فيورباخ “و”ستسونر”و أتباع الهيجلية ، مثلما انهمكت في تحليل الجانب الاقتصادي بمركباته المختلفة والعنصر السياسي بمكوناته الحقوقية والقانونية ، فكان الجهاز الإيديولوجي رغم استحضاره في العقل الماركسي غائبا عن التنظير العلمكي الذي سيتولاه ” غرامشي ” الذي قال عنه ميشال سيمون : ” فما هي المساهمة الخاصة لغرامشي في التفكير والنقد الماركسي ؟ إن غرامشي هو مفكر السياسة والبنية الفوقية والإيديولوجية “(3) .
إن ” أنطونيو غرامشي ” وهو يتناول الايديولوجيا في عمقها الابستمولوجي كان مدركا لجوهرها العلائقي في ارتباطها البنيوي الداخلي ، فالإيديولوجيا عند غرامشي تتأسس كفلسفة وفعل أخلاقي بالمعنى التطبيقي الذي يجعل منها ممارسة عملية تتجاوز حدود النظري الذي يعد جانبا أساسيا في تكوينها باعتبارها نشاطا فكريا إذ تصير الإيديولوجيا بهذا المعنى سلوكا وفعلا وموقفا يوجه وينتج كل الممارسات الحياتية ، إنها فعل إنساني يعبر عن تصوره للعالم والوجود من خلال المواقف والسلوكات والممارسات التي تقوم بها جماعات إنسانية تنتظمها علاقات اجتماعية ، لذا قدم غرامشي تصورا جديدا للإيديولوجيا باعتبارها طرحا فكريا وممارسة عملية ترتبط بكل الطبقات المتصارعة وما يفرزه ذلك من تحولات متجددة هي ما يصنع التاريخ فكانت عنايته منصبة حول الجدل بين ما هو سياسي وإيديولوجي داخل البنية الفوقية وهو ما لم يفعله ماركس الذي اهتم بما هو اقتصادي في صراعه مع السياسي أي ذلك الجدل المادي المحتدم بين البنية التحتية والبنية الفوقية .
لقد وضع غرامشي الأسس التي تبني دعامات الإيديولوجيا إذ بدونها لا يمكن لها أن تقوم لها قائمة ، فشكلت الفلسفة عنده الأساس الأكبرالذي تتشكل فيه الإيديولوجيا بحكم تميزها بطابع الوحدة والعقلانية والقدرة على تنسيق المجموعة التي تغدو ممتلكة لوعي جمعي ما يؤطرها ويوجه سلوكاتها وممارساتها داخل البنية الاجتماعية أو حتى لوعي ممكن التحقق بلغة جورج لوكاتش ، فالفلسفة عند غرامشي لابد أن تمارس تأثيرها في المجتمعات لتكتسب وجودها التاريخي وإلا فإنها ستكون من طينة ما سماه بالفلسفة اللاتاريخية التي لا تستطيع أن تغير الأنساق ولا الأفكار لأنها تظل خارج أسوار التاريخ الذي يتأثر بالفعل الإنساني الموجه بالأفكار والفلسفات والرؤى .
واعتبر غرامشي أن الدين أساس آخر من أسس الإيديولوجيا لأنه يمتلك القدرة على توجيه التفكير وتوحيده وتنسيقه في أنظمة اجتماعية محددة يتشكل في مجموعها ذلك الوعي الطبقي الذي يفرز سلوكات وأفعالا ومواقف تعبر عن رؤية مجتمعية من العالم ، وعد غرامشي الحس المشترك نوعا من أنواع الفلكلور الفلسفي الممتلك لصور عديدة أو هو اللافلسفة التي يتميز بها العوام من الناس فينتجون بها تصورهم للعالم وهو تصور خارج إطار النقد لأنه يظل ساذجا ومحدودا وفرديا مما يجعله فاقدا للجانب الوحدوي والمتناسق لأن الحس المشترك عند غرامشي يتسم بالشتات والتنافر أحيانا فهو نتاج لتفكير ذاتي منعزل تحكمه رؤية خاصة للوجود يتأسس في منظومته على المعتقد والخرافة وما هو شائع في الثقافة المجتمعية وهو ما يطبع التفكير عند العوام دوما بالطابع الاعتقادي ، ويعتبر غرامشي أن الأساس الأخير الذي يمثل عنده الأس الأضعف هو ما يسميه بالفلكلور لا بمعناه القدحي وإنما باعتباره تشظيات ورؤى متمزقة لا تجمع بينها وحدة فكرية تلحمها كما هو شأن الفلسفي والديني ، فهو عبارة عن مخلفات وفتات المعارف الراقية .
وتظل الأساس الفلسفي والحس المشترك بالنسبة لغرامشي أهم الأسس لما تمتلكه الفلسفة من إماكانت التوحيد والتوليف ولما يستطيعه الحس المشترك من تشكيل لجدار منيع يصد كل التيارات الإيديولوجية المناهضة للفكر وللفلسفة والرؤية الوجودية التي تشكلت بفعل هذين العنصرين ، وإن كان غرامشي قد أهمل عنصر الدين كإيديولوجية وهو الذي رأى ما صنعته الكنيسة الكاثوليكية من توحيد للشعب الإيطالي وسيطرة عليه إلا أنه أهملها تحت قناعة رفض مبدإ السيطرة والتوجيه الذي مارسته الكنيسة على العوام وتحكم الإكليروس في أفكار الشعب معتبرا الدين وسيلة لتمرير إيديولوجية الكاثوليكية وهو موقف خاص بغرامشي ، لكنني أرى ـ من وجهة نظر الإسلام ـ أنه أساس قوي من أساسات الإيديولوجيا لقوته على ممارسة فعل التنسيق والتوحيد كشأن الفلسفة وإن تباينت الأدوات والمنطلقات لأن الفعل الديني قادر على بلورة الحس المشترك وتوحيده زمانيا ومكانيا بخلاف ما ذهب إليه غرامشي لأنه اعتبره أساسا منعزلا عن الجانب الديني وهنا تكمن قوة الإيديولوجية الدينية التي تستطيع أن تمارس نفس الفعل الفلسفي وتوجه الحس المشترك لتشكيل الوعي الجمعي وفق منظورات متعددة تتحد فيما بينها لتواجه الإيديولوجيات التي تخترق البنية الفوقية .
إن الايديولوجيا من هذا الموقع تتشكل عبر أجهزة عديدة حددها غرامشي في المجتمع المدني الذي يظهر في صورة مؤسسات متعددة التخصصات تتمثل في المؤسسة التعليمية ومناهجها التربوية والمؤسسة الدينية بكل تنظيماتها والمؤسسة الإعلامية بكل فروعها ومراكز البحث العلمي والمطابع والمكتبات فهذه كلها تشكل أدوات الجهاز الإيديولوجي القادر بخطاباته على التأثير في التفكير الإنساني العام ، ويضطلع هذا الجهاز بتدعيم البنية الفوقية في بعدها السياسي المشكل من السلطة والجهاز القمعي حيث تعمل الأجهزة الإيديولوجية على تشكيل الوعي الذي تريده السلطة من أجل التحكم في الشعب والسيطرة عليه وربح ثقته وبالتالي تحقيق أغراضها ومراميها ، لذلك فالايديولوجيا تعمل على توزيع ونشر هذه الأغراض وزرعها في العقول والقلوب يقول عمار بلحسن : ” إذن فالمجتمع المدني ومؤسساته وتنظيماته هو منتج وموزع وناشر الايديولوجيا ، طبعا الايديولوجيا المسيطرة الخاصة بالطبقة المسيطرة بهدف تحقيق وظيفة الهيمنة والحصول على قبول الطبقات المسودة بسيادة الطبقة المسيطرة وتصليب “انسجامية” و”استقلالية” وعيها الطبقي داخل الحركة التاريخية العامة لصراعاتها مع الآخرين ” (4) ، ومن هذا المعطى ينبثق دور المثقف باعتباره حركة النظام المؤطرة للطبقات الاجتماعية مانحا المثقف دوره الطلائعي في القيادة والتوجيه والمواجهة متجاوزا الطرح الميتافيزيقي للمثقف في التفكير الفلسفي التقليدي لينظر إليه بمنظور السوسيولوجيا في إطار علائقي يربطه بالطبقات جعله يتجاوز الطرح الماركسي الذي أغفل هذا الجانب لانشغاله بالجدلية بين البنية الاقتصادية والبنية السياسية ، فكان ربط غرامشي للمثقفين والطبقات الاجتماعية ارتباطا عضويا فلا وعي نقدي وطبقي بدون مثقفين، ومن هنا تنبثق تلك العلاقة الجدلية بين المثقف والطبقات ، فميز غرامشي بين المثقف العضوي والمثقف التقليدي ، متخطيا الفهم الماركسي الذي انحصر في حدود منتجي الأفكار والإيديولوجيات واكتسب المثقف عند غرامشي مفهوما أوسع وأشمل فكل من يبذل جهدا ذهنيا وينتج معرفة على اختلاف طبيعتها فقد يكون معلما ومربيا وكاتبا وشاعرا ومناضلا وطنيا أو حزبيا ، إنه في عرف غرامشي كل من يستطيع أن ينتج معرفة وفق الميدان الذي يشتغل فيه مما يجعل الثقافة تسير في خط أفقي داخل البنية الاجتماعية ، وهذا المثقف العضوي الذي تحدث عنه غرامشي يظل دوما في صراع ضد المثقف التقليدي الذي أنتجته السلطة ويكون دوما في صفها يدا معوانا داعمة لتوجهاتها وأفكارها من أجل تثبيت سلطتها والحصول على المزيد من الحظوة والثقة لدى الشعب ، لان المثقف العضوي يقيم علاقة تفكير مشترك مع الطبقات ولا يعيش العزلة الفلسفية كي يضطلع بدوره التنويري والتوجيهي والدفاعي عن البروليتاريا تقول ماريا أنطونيينا ماكيوكشي : ” المثقف العضوي هو المثقف الذي تكون علاقته مع الطبقة الثورية ينبوع تفكير مشترك ، فليس هو ذلك النرجسي الفرداني المحلق على ” أجنحة” الفكر الحر والذي يقيم علاقة مضببة (وسرية ) مع الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها ” (5)، إن المثقف العضوي يمتاز بالعلن والظهور وسط الجماهير ولا يمارس البتة لعبة الإخفاء أو التماهي ، إنه كائن يعلن بصراحة وشفافية ووضوح عن وجوده كتفكير طلائعي قيادي يصبو إلى التغيير عبر عزل الشوائب الايديولوجية التي تنتجها البنية الفوقية وتنحية العناصر المضادة من أجل الوصول إلى الاصلاح الثقافي والاجتماعي والاقتصادي ونقد الايديولوجيات ، فالمثقف عند غرامشي ليس كائنا مستقلا ينأى بعالمه بعيدا عن صراع الطبقات ، إنه يتواجد داخل المعترك الاجتماعي لأنه جزء من جدلية التاريخ ، أما المثقف التقليدي فهو من يقدم نفسه بنوع من التعالي والاستقلالية عن طبقات المجتمع ويعتبر نفسه حلقة مكملة للمعرفة المنتجة في التاريخ إلا أن غرامشي يعتبره مثقفا عضويا في الأصل استطاع أن يحافظ على استمراريته التاريخية بعد تفكك وتلاشي نظم الانتاج القديمة وبالتالي فالمثقف التقليدي ما هو إلا حطام وبقايا الكتلة التاريخية القديمة ولابد أن غرامشي كان يحيل في هذا السياق على طبقة رجال الدين الكاثوليك الذين ضمنوا الاستمرار التاريخي لأنفسهم رغم انحلال الكتلة التي أنتجت الفكر الديني في الثقافة المسيحية ، ومن ثم فالمثقف التقليدي يتوهم استقلاليته في المجتمع وتعاليه عن الأنساق الموجودة وهو في الحقيقة مثقف عضوي لطبقة اجتماعية كان يمثلها في السابق وقد زالت من التاريخ .
إن ” غرامشي ” بهذا التصور عن المثقف يكون قد وضع اللبنة السوسيولوجية في طرحه الفلسفي للعلاقة بين البنية الفوقية والبنية التحتية عبر لحمهما بدور المثقف الذي توكل إليه مهمة الشد والترصيص أو بلغة غرامشي التي استعارها من حقل البناء دور التبليط والإسمنت والتلحيم والاستقطاب لتحقيق البناء المسلح للطبقات الاجتماعية عبر تشكيل وحدتها العضوية المنسجمة، وبهذا يكون المفكر الإيطالي ” أنطونيو غرامشي ” قد تخطى الطرح الماركسي الذي أرسى دعائمه كارل ماركس في الرأسمال للايديولوجيا في الثقافة الألمانية كعنصر ثوري وهمي وسديمي إلى طرح سوسيولوجي عميق يجعل منها بنية أساسية في التركيب الاجتماعي حين يتعلق الأمر بتلك الايديولوجيا الفاعلة ذات النسق العضوي الذي يمتلك المشروعية الاجتماعية والقدرة على تغيير الأنساق المضادة بعيدا عن الايديولوجيا العقيمة المبتذلة القائمة على الفردانية ، لا، قوة الأفكار تكون قائمة عندما تكون بحوزة الطبقات لا الأفراد ومن هنا تكتسب الايديولوجيا متانتها وصلابتها ومناعتها لمواجهة الفكر المضاد من داخل البنية الفوقية وبالتالي تصبح الايديولوجيا عند غرامشي قوة فاعلة ومنظمة ومنتجة لا مجرد أفكار معلقة في الفراغ .
الهوامش :
1.فريد بن سلمان مدخل إلى دراسة التاريخ مركز النشر الجامعي تونس سنة 2000 ص 112
- 2. كارل ماركس مقدمة لنقد الاقتصاد السياسي المطبوعات الاجتماعية باريس 1966 ص 4 وما بعدها
- 3. ميشال سيمون أفهم الايديولوجيا دار الوقائع الاجتماعية باريس 1978 ص 100 طبعة فرنسية
- 4. عمار بلحسن الأدب والايديولوجية مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء 1991 ص 24
5.ماريا أنطونيينا ماكيوكشي من أجل غرامشي دار لوساي الطبعة الفرنسية 1974 ص 213 وما بعدها
كاتب من المغرب