الرئيسية / متابعات / فن الملحون المغربي بين المقاربة الأدبية والموسيقية أنس الملحوني

فن الملحون المغربي بين المقاربة الأدبية والموسيقية أنس الملحوني

فن الملحون المغربي بين المقاربة الأدبية والموسيقية[1]

أنس الملحوني[2]

  • تقديم:

يعد المغرب ملتقى الحضارات والثقافات، ونقطة انصهار وتساكن الكثير من المعالم الجغرافية، من بحر، وصحراء، وجبال، وسفوح، جعلت منه منطقة كثيفة التمظهرات الثقافية، أبانت عن تاريخ متعدد الروافد والدلالات، انصهر فيه الأثر الأمازيغي، ببصمة الفينيقيين، والرومان، والوندال، والبيزنطيين، لينضاف بعد ذلك الأثر العربي الإسلامي بأبعاده الدينية والروحية؛ فكان من ثمرات هذا التنوع الفسيفسائي، انبثاق خريطة بشرية متعددة ومتنوعة في آن، أنتجت تجليات إبداعية شعبية غاية في الروعة والجمال، مركبة عناصرها على مستويات عدة، من بينها: النص الشعري بأبعاده اللغوية المتنوعة وجماليات أخيلته الشعرية؛ والجملة الإيقاعية بشقيها الداخلي والخارجي؛ والجملة اللحنية؛ والغناء؛ والآلات الموسيقية؛ والهندام؛ والحركات الجسدية؛ والأنماط الفنية الغنائية التي تحيلنا على طرائق الأداء.

ويبدو أنه يمكن اختزال القاسم المشترك لهذا الفيض الفني يمكن اختزاله في مفهوم الفرجة عنوانا عريضا، ووعاءً تضمن الكثير من التجليات الإبداعية التي تضع الباحث والمهتم وعامة الناس أمام بحر لا ساحل له من الأنماط الفرجوية الفنية المتنوعة والمختلفة باختلاف الجغرافيا والتاريخ، والمجال.

وفي سياق هاته الفرجات، يتسيد فن الملحون إبداعا أصيلا مغربيا خالصا، ميز المغاربة منذ أكثر من سبعة قرون بوصفه أدبا رفيعا متجذرا وشعرا بليغا، عرف تطورا على مستوى الشكل والمضمون، حتى أضحى عنوان عبقرية فريدة من خلال لغته الخلاقة، ومعجمه الثري، وأغراضه المختلفة، وعروضه المتنوع.

ومن بين القضايا الهامة المرتبطة بفن الملحون والتي تستأثر بالاهتمام الكبير في وقتنا الراهن، قضية الإنشاد في اقترانها بالموسيقى والأداء، ذلك أنها لم ترق بعد إلى أن تحتل المكانة الرفيعة التي وصلها فن الملحون فيما يتصل بالجوانب الأدبية والفنية الشعرية والتوثيقية التي جعلت المغاربة يعترفون بأن الملحون ديوانهم على غرار أن الشعر العربي هو ديوان العرب.

فهل حقا أن “المَلْحُونْ افّْرَاجْتُو فَاكّْلاَمُو”؟

وهل استطاع شيخ القريحة – الگْـرَارْحِي – من ترجمة معاني القصيدة الملحونية على مستوى جملها الموسيقية وعلى مستوى تقنيات الأداء، وتأويلها كما هو شأن العديد من الأنماط الفنية التي وصل التعبير الموسيقي فيها مستويات عالية، تساير بلاغة الصورة الشعرية؟

لماذا لم يتمكن المنتسبون لفن الملحون بأن يستفيدوا من الذخيرة الإيقاعية والموسيقية التي تنعم فيها القصيدة الملحونية المغناة؟ خصوصا وأننا وقفنا على تجربة المجموعات الغنائية الغيوانية خلال سبعينيات القرن الماضي وهي تمتح من هذا البحر الزاخر، وتقدم قراءة موسيقية جديدة لهذا الشعر البديع لاقت التثمين والاستحسان، مع العلم أنها تجولت بين ثنايا نصوص ملحونية تعد على رؤوس الأصابع.

فضلا عن ذلك، قدم المسرح المغربي بعض التجارب التي كان فيها النص الشعري الملحوني هو قطب الرحى، وقد عرفت تجربة عبد السلام الشرايبي، والطيب الصديقي -على سبيل الاستئناس[3] – متابعة جماهيرية كبيرة، وقراءة نقدية عميقة. وفي ذات السياق، يقدم النص الشعري الزجلي الغنائي – أحد أضلاع الأغنية المغربية العصرية – نموذجا للتأمل والاعتبار، نقترحه في بنيته الغنائية النهائية مثالا ينصهر فيه أداء القصيدة الملحونية وهي تتخطى هاجس صناعة الفرجة الشعرية، إلى عالم الفرجة الموسيقية.

هذه عينة من أسئلة سينصب عليها اهتمامنا، نقترح في هاته الورقة الإجابة عنها، محاولين معالجة قضية الإنشاد في أفق ملامسة “التأويل النغمي لمعاني شعر الملحون” على اعتبار أن للقصيدة الملحونية المغناة كل المقومات الموسيقية التي تجعل فن الملحون مصدر فرجة شعرية ونغمية في آن، ومن هنا يأتي العنوان العريض الذي نقترح: فن الملحون المغربي بين المقاربة الأدبية والموسيقية.

  • المَلْحُونْ افّْرَاجْتُو فَاكّْلاَمُو:

تعيدنا مقولة: “المَلْحُونْ افّْرَاجْتُو فَاكّْلاَمُو” خمسين سنة إلى الوراء، إلى مطارحات فكرية عالية القدر بين ثلاثة مشاريع ثقافية، حمل لواءها ثلاثة من أعلام فن المحلون توثيقا، وتحليلا، ودراسة، ونظما، ويتعلق الأمر بالأساتذة محمد الفاسي، أحمد سهوم، وعباس الجراري. فلا أحد يجادل بأن التأسيس لفكرة تسمية فن “الملحون” قد خلقت سجالا علميا رصينا، انطلق من مساءلة الجذر اللغوي والمادة المعجمية “ل ح ن” ليخلص إلى نتائج متباينة: فالأستاذ محمد الفاسي رجح كفة أثر الإنشاد والجوانب التنغيمية وذلك في إشارته إلى أن الملحون “مشتق من التلحين بمعنى التنغيم لا من اللحن أي الخطأ في القواعد الإعرابية”[4]. بينما ربط الدكتور عباس الجراري مفهوم اللحن بالخطأ الإعرابي[5]، ليختم الشيخ أحمد سهوم استنطاقه لهذا الجذر اللغوي “ل ح ن”[6]، ومساءلته للعديد من النصوص الشعرية التي ورد فيها مصطلح “مَلْحُونْ“، من بينها نص لمولاي عبد الله واحساين المنتمي إلى العصر السعدي، ويخلص إلى أن الملحون هو “القول البليغ، الواصل المقنع”[7]؛ بناء على ما سبق ذكره، ألا يمكن اعتبارُ فنَّ الملحون هو كل هاته الأشياء مجتمعة؟

يظهر جليا بأن هاته التعليلات وإن اختلفت حِجاجها ونتائجها، عملت على تبئير مقاربة فن الملحون إجمالا كمادة أدبية رفيعة، لها الكثير من مقومات الجمال والبلاغة، وبقي الأمر على هاته الحال رغم أن هذا الإنتاج الشعري لا يستقيم الحديث عنه دون مقاربته مقاربة موسيقية أيضا، ومن هنا تبدو أهمية الإشكالية التي تعرضُها الندوة للنقاش.

فهذا الشيخ أحمد سهوم يتحدث أساسا عن بلاغة وفنية فن الملحون قائلا[8]:

فـَـنْ الـمـَـلحـُـون فـَـنْ سـَـانـِــــي سـَــاطـَـعْ فـِـي سَـايـَـرْ لـَـزْمـَــانْ
فـِـيـهْ الحـَـكـْـمـَـة عْـلى اللـّْــوَانْ
فـَـنْ الـمـَـلحـُـون فـَـــنْ بـَـانـِــــي

بَـالتـَّـصْويــرْ الـرّْفـِـيعْ غـَـــــانِي

مـَـا يـَـهـْــدَمْ يـَــا اسـّْــيـَــادْنــَــــا

واسّْـــــتـِـعـَـــارَاتْ كـَـــتـْــبـَـــان

تـَـنـْـظـَـرْهــا ســَـايـَـرْ الـّْعـْـيَانْ
وَالتـَّـشْـبـِيــهـَـات يَـا اخـّْـــوَانـِـي

أمَّــا لـَـلـْـفـَــاظْ وَالـْـــمْـعـَــانـِـــي

سَــلـْـــبـَــــتْ لـِـيـنـَـا ادّْهـَـــانـَّــا

اخـّْـــلاصْ اتـّْـحَـيـَّـر الـدّْهـَــــانْ

أو تـَـطـْـرَبْ كـُــلّْ إنـْـسـَــانْ
خَـفـْــقـَـت بَـجـْـمـَـالهَـا اكّْــنـَانِـي فـَــنْ المَـلـْـحـُـونْ فَــنّْ غــَــانــِي صَـالــْــــتْ بـِــــيــهـَـا ابّْـلادْنـَــا

بـَـالــدِّيــنْ الــنَّـاسَـــخْ الـْـدْيــَــانْ

وَالـوَعْـظ إيـْـسَـرْحَ الـْـدْهَانْ
حـَـتـَّـى لـَــــــرْوَاحْ فـَـالـبـّْـدَانـِـي

وَالـتـَّــسْـلـِـيـَّــاتْ لـَـلـْـحـْـزَانـِــي

مَــتـَّــــعـْـــهـَـا فـِـي أوْطـَـــانـَّـــا

مـَـا تـَـخـْـلـَـى مَـــــنـْـهـَـا اوْزَانْ

وَالـْـحـُـبّْ امّْــتَـيـْـهْ الـْـكـْـنَانْ
أوَاهْ آيـَـــــا لـَـلـِّــي اصّْـغـَـانـِــي

وَهـْــلـُـوا فِـي سَـايـَرْ الـْـزْمَــانِي

صَــافــِــي وَانـّْـقــَـى فـَــنـْــنـَــــا

نـَــاسْ الطِّــيــبـَـة فـْـــــكـُــلْ آنّْ

فـِـيـهُـمْ العـَـطـْـفْ وَالـْحـْـنـَـانْ
أمِّـيـِـيــــن لـَـكـِــــنْ الـْـــغـَـانـِـي أوْهـَــبـْـهـُــمْ عــلــم مَـا افـّْــنـَــى

 

وعليه، فإن مقولة “المَلحُونْ افّْرَاجْتُو فَاكّْلاَمُو” على أهميتها واستمرارها في الزمن، ظلت فكرة غير مكتملة البناء على رغم أن الموسيقى المنتمية أساسا لفن الملحون حاضرة في جلسات شيوخ النظم، وشيوخ الإنشاد، وفي أوساط الموسيقيين والباحثين على السواء.

  • أهمية فن الملحون من الناحية الموسيقية:

بنوع من البداهة، يبدو أن فن الملحون لا يخلو من أهمية بالغة من زاوية الاشتغال عليه موسيقيا؛ ففي هذا السياق نشير إلى عدد غير يسير من المداخل الموسيقية الكفيلة بإثراء المقاربة الموسيقية المنشودة، وتحفيزها على استثمار خزان كبير من الجمل الإيقاعية والموسيقية القادرة على التأويل النغمي المنشود، ومن ذلك نذكر المدخل العروضي، مدخل الدراسات الموسيقية الملحونية، ومدخل دراسة الآلات والإيقاعات الموسيقية المُتوَسل بها.

بداية، نقف عند قراءة أفقية تتعلق بالجوانب العَروضية في الشعر الملحون باعتبارها محطات فارقة في تاريخ تطوره على مستوى الشكل، شكلت طفرات شعرية الغاية من إثارتها في هذا الصدد هو تأسيسها لقاعدة معطيات فنية ثمينة، عكست غنى إيقاعيا وموسيقيا ملحونيا بالدرجة الأولى على رغم أن مخرجات الدراسة العلمية العروضية للشعر الملحون لكل من الأستاذين محمد الفاسي[9] وأحمد سهوم[10] والدكتور محمد المدلاوي المنبهي[11]، لا زالت تتلمس طريقها نحو التقعيد المفضي إلى الاكتمال، وتنتظر قراءات نقدية في مضامينها.

  • عروض الملحون هو غنى إيقاعي وموسيقي:

على مستوى الشكل، جاءت القصيدة الشعرية الملحونية في إطار بحور عروضية موسومة إجمالا بالمّْبِيَّتْ أي الشعر العمودي، ومَكْسُور الجّْنَاحْ، والسُّوسِي، ثم السّْرَّابَة. وما نود التركيز عليه في هذا الإطار، هو تسليط دائرة ضوء على الإيقاع الداخلي للقصيدة الذي يشكل وعاء تنخرط فيه تفعيلة إيقاعية، وما يرتبط بها من جمل موسيقية لُحنت عليها.

  • 1- بَحرْ المّْبِيَّتْ؛

إنه الملحون العمودي المعتمد على نظام الأبيات الشعرية، فكل بيت يتضمن شطرين (فراش وُاغطا)، أو ثلاثة، أو أربعة، أو خمسة أشطر، ولهذا نتحدث عن المبيت الثنائي، والمبيت الثلاثي، والمبيت الرباعي، وأخيرا المبيت الخماسي، وهذا ما وسمه الشيخ أحمد سهوم بمفوم “لَمْرَمَّة” متحدثا عن لمرمة المثنية، الثلاثية، الرباعية، والخماسية[12]. وتجدر الإشارة إلى أن شاعر الملحون قد حشد كل إمكانياته الفنية لكي ينوع كثيرا في كل “مّْرَمَّة”، ومن هنا تعددت “القّْيَاسَاتْ“، وبذلك تعددت التفعيلات الإيقاعية، والموسيقية على السواء، وهو ما أشرنا في شأنه إلى الغنى الإيقاعي الداخلي والموسيقي.

إن الأمثلة الموالية وعلى الرغم من قصر إحاطتها بكل “القّْيَاسَاتْ” التي تم إبداعها وتداولها، ترنو – أساسا – إلى التذكير بامتلاكنا لزخم إيقاعي وموسيقي كامن في كل “قّْيَاسْ” لا يتم الالتفات إليه، واستغلاله موسيقيا.

  • 1 – أ- المّْبِيَّتْ الثنائِي؛ لَمْرَمَّة لَمْثَنْيَّة؛ فْرَاشْ وُغْطَا

+ قصيدة “التَّوَسُّلْ” لسيدي قدور العلمي[13]:

يَا مَـنْ ابـّْـلانِـي عَافِـنِي ارّْحَـمـْـتـَـكْ أنـَّالْ   خـَـفْ تـُـقـْـلِـي نـَـتْسَرَّحْ يَرْتْـخَـى اعّْكَالـِـي

+ قصيدة “فَاطْمَة شّْرَعْ الله امّْعَاكْ” للشيخ الجيلالي امثيرد[14]:

أَفـَـاطْمَة اشْـرَعْ الله امّْعـَـاكْ بِينْ لرْيَامْ       وَاشْ الحّْبيِبْ إيعَاقـَـب بَالجّْـفـَـا احّْبـِـيبـُـه

في هذا النوع من المّْبِيَّتْ، قد يأتي فيه “الفّْرَاشْ – الصَّدْر” و”الغّْطَا – العَجُز” على نفس المنوال عروضيا، كما يمكن للشطر الأول أن يكون أطول أو أقصر من الشطر الآخر، وفي ذلك عدد غير يسير من “القّْيَاسَاتْ”.

+ قصيدة “المَرْسُولْ” للشيخ أحمد الغرابلي[15]:

خَبَّرْنِي يَا مَرْسُولْ عَنْ اسّْرَاجْ اعّْيَانِي وَاشّْ مَنْ انّْهَارْ نَظفَــرْ بـُـوصَالـُـه

عَرَّاضْ الزِّينْ الله نَاصْرُه مَـنْ لا مَتْلُه حَسَنْ

+ شَوْقِيَّة الشيخ محمد بن علي ولد أرزين[16]:

الصّْلاةْ عـْـلـَـى التـَّـاقِي              سِيدّْنَا مُحمد جَدّْ الاشّْرَافْ مَنْ جَـانـَـا بَـالحَـقْ

  • 1- ب – المّْبِيَّتْ الثُّلاثِي؛ لَمْرَمَّة الثُّلاثِيَّة؛

في هذا النظام، يحتوي البيت الواحد على ثلاثة أشطر متقايسة عروضيا أو مختلفة حسب كل “اقّْيَاسْ”، وكما أن القاعدة البلاغية التي تشير إلى أن التغيير في المعنى هو نتيجة تغيير في المبنى، فإن إضافة شطر ثالث في البيت الواحد هو تكثيف للصورة الشعرية، وتنويع في التفعيلات الإيقاعية المفضي إلى تنويع في الجمل اللحنية.

+ قصيدة “الكّْنَاوِي – العَبّْدْ” للشيخ السي التهامي المدغري[17]:

أللاَّيـَـمْ حَــالـِـي امّْـحَــاوْرِي عَــنَّـكْ مَا يَخّْـفَـاوْا

خَــدِّي فِــي حَـالـَـة وُخـَـدْ مَـنْ نَـهْـوَاهَـا رَاوِي

وَجَـنْـتـْـهَـا نَـارِي وُخَــالـْـهَـا مُـولاتـِـي زَهْـوَة

+ قصيدة “النَّحْلـَـة” للشيخ التهامي المدغري[18]:

صُولِي يَا شَامَة الظّْرِيفَة وَازّْهَايْ وُغَنِّي وُدَنْدْنِي قَطْفِي مَنْ الاْزّْهَارْ

أَتَرْيَاقْ اعّْلاَجْ كُلْ ضَرْ       أبَنْتْ المُلكْ لِيكْ هَمَّة وَاتّْجَارَة

+ قصيدة “الطُّومُوبِيلْ” الثانية للشيخ بن علي المسفيوي الدمناتي[19]:

سَعْدِي زَارَتْنِي حّْبِيبْتِي الغّْزَالْ أُمّْ ادّْلاَلْ      وَتْنَزَّهْنَا بَالجّْمِيعْ وَرّْكَبْنَا طُومُوبِيلْ

وَتْسَارِينَا بَالجّْمِيعْ فَالدَّنْيَا عَرْضْ وُطُولْ

  • 1- ج – المّْبِيَّتْ الرُّبَاعِي؛ لَمْرَمَّة الرُّبَاعِيَّة؛

+ قصيدة “فِي مَدح الرَّسُول ص – تَصْلِيَّة” الشيخ الحاج أحمد الغرابلي[20]:

صَلَّى الله اعّْليكْ يَا اشّْفِيعْ العُصَاة الهَادِي     أَعِـيـنْ التَّعْـظـِيمْ وَالهّْدَى

أَ مُحـمَّـدْ خَاتْـمْ الرّْسَالَة يَا نـُـورْ اتـّْـمَادِي     فَصْلاتَـكْ سَطْوَة وُفَايْــدَة

+ قصيدة “حُبّْ احّْبِيبْ الرَّحْمَانْ” للشيخ الجيلالي امثيرد[21]:

صَليوّْا على العَدْنَانْ   مـَنْ جَانَا بَالبَـيَانْ

الامّْجَدْ مُولْ الفُرقَانْ   طـَه مَفْتَاحْ الكُونْ

  • 1- د – المّْبِيَّتْ الخُمَاسِي؛ لَمْرَمَّة الخُمَاسِيَّة؛

+ قصيدة “الطِّيرْ أو الوَرْشَانْ” للشيخ الجيلالي امثيرد[22]:

طِيرْ امْشَى لِي وُلاَ عْرَفـْـتُه   فـِــيـنْ امّْـشَى سَـابـَـغْ الاشّْـفـَـارْ

فـَـدْفـَـدْ بَـاجْـنـَـاوْحُوا وُطَـارْ   تـّْـلـَـقِـــيـــنِـي بـِـــه يـَا المُـولـَـى

طــَــالـَـتْ بـَـالـوَحـْـشْ غـِـيــبـْـتـُـو

+ قصيدة “فَارّْحَة المَنْشُوبَة” للشيخ السي التهامي لمدغري[23]:

سَلْتَكْ بَابّْهَاكْ يَا الرَّايَحْ    مَالَكْ سَكْرَانْ دُونْ رَاحْ

وَأَنَا عَقْلِي امّْعَاكْ رَاحْ    بَايَتْ مَنْ لِيعَتْ الگّْـرَايَحْ

سَاهـَـرْ وَالنَّاسْ رَايّْحَة

  • 2- بَحرْ مَكْسُورْ الجّْنَاحْ؛

بعدما استوفى بحر المّْبِيَّتْ ب”مّْرَمَّاته” المختلفة و”اقّْيَاسَاته” المتعددة كل إمكانياته الفنية، بدا شاعر الملحون المتطلع إلى الإبداع المستمر، متضايقا من الوزن الرتيب والقافية الثابتة، فكان ميلاد بحر جديد على يد بوعمر حمل اسم “مَكْسُورْ الجّْنَاحْ”[24] غدت أجزاء القصيدة فيه تعرف حرية وتنويعا في القافية، وابتعادا عن الوزن الرتيب المتكرر. وعليه، لن نجانب الصواب إذا قلنا إن بحر “مَكْسُورْ الجّْنَاحْ” قد فتح نوافذ أخرى في صرح فن الملحون، جاءت على شكل تفعيلات إيقاعية جديدة، وجمل موسيقية أكثر جاذبية بطول نفسها المبتَكَر الذي بدأت تستأنس به.

+ قصيدة “غِيتَة” للشيخ إدريس بن علي السناني؛ مَكْسُورْ الجّْنَاحْ بِمّْرَمَّة مّْثَنْيَة[25]:

قَالْ يَا أنَا سِيدِي قُولُوا لاْلَّة غِيتَة رَانِي بِكْ انّْسْتْغَاتْ

رُوفِي عّْلَى افّْرِيدْ هّْوَاكْ وُغِيتِيهْ

يَا اللِّي بَبْهَاكْ سّْلَبْتِيهْ              لاَشْ عْلى الجّْمَارْ ارّْمِتِيهْ

رَحْمِيهْ بّْقُبلَة يَا الغَاليَة قبَلْ إيفُوتْ الفُوتْ

يَاكْ اتّْعَرْفِيه ألاَلَّة اعّْبِيَّدْ عَنْدَكْ مُورُوتْ

حَاضِي شَرْطْ الأدَابْ لِيسْ يُوتَى

أدْوَاكْ فِي ارّْضَاهْ وهُو قُوّْتُه مّْعَ احّْيَاتُه

وَأنْتِ تِيهَكْ إيوَاتِي

حُسْنْ صُورْتَكْ زَادُه يَا الرِّيمْ تَمْرِيتْ

قُولُوا لّْلاَلَّة غِيتَة مُولاتِي

جُدْ بُوصَالَكْ عْلَى العّْشِيقْ يَا أمّْ الغِيثْ

ورغم هذا الفتح العروضي المستحدَث، وما استجلبه من غزارة في نَفَس الجملة الإيقاعية[26] والموسيقية، بقي البناء العمودي مسيطرا على مستوى اللازمة “الحَرْبَة”، حتى أن هذا البحر الجديد انتسبت “اقّْيَاسَاته” إلى “اقّْيَاسْ” اللازمة، فكان من ثمرات ذلك أن أصبحنا نتحدث عن “مَكْسُورْ الجّْنَاحْ” بِمّْرَمَّة مْثَنّْيَة، وآخر بمرمة ثلاثية، وثالث بمرمة رباعية، ورابع بمرمة خماسية.

+ قصيدة “فَاطّْمَة” للشيخ إدريس بن علي السناني[27]:

وَهّْوَ يَا سِيدِي، وَالحُبّْ وَالهّْوَى وَالعّْشَقْ وُنَارْ الغّْرَامْ

مَنْ حَالةْ الصّْبَا فَاعّْضَايَا قَامُوا

كُلّْ وَاحَدْ دَارْ امّْقَامُه

فّْي مُهْجْتِي واضّْحَى بَحّْسَامُه

امّْعَ اسّْهَـامُه

يَطّْعَـنْ وِيزِيدْ فَالجّْرَاحْ اعّْدَامِي    فِــي غــْـرَاضْ هـَـذا الدَّامِي

غـِـيرْ مَلْكَتْ عَقْلِي بَجْمَالْهَا وُغَلقَتْ عَنْوَة بَابْ المّْرَاحْمَة

آرَحْمِي يَا رَاحّْتْ العّْقَلْ تَرْحَامِي   مَنْ اجّْفَاكْ طَالْ اسّْقَامِي

كِيفْ نَبْقَى حَايَـرْ وَأنْتِ امّْسَلْيَة    رُوفِي يَا لَغْزَالْ فَاطْمَة

+ قصيدة “مَلِيكَة” للشيخ الحاج أحمد الغرابلي، مَكْسُورْ الجّْنَاحْ بِمّْرمة مّْثلثَة[28]:

يَا مَنْ اطّْلُوعْ اهْلاَلَكْ         يَفْجِي اظّْلامْ الحْلاكْ          نـحكي شّْـمـُوسْ الفّْلاكْ

لله جُـدْ لِـي بُـوصَالَكْ        نَنْكِي ابّْزُورْتِي عُدَّالَكْ       لأَنِّي غلامْ حُسْنْ اجّْمَالَكْ

قَبْلْ الصّْيَامْ يَا مَلِيكَة وَأنَا غّْلاَمْ مَمْلُوكْ

وُمَنْ الفّْرَاقْ مَهْلُوكْ

إلا اتّْزُورْنِي تَتْعَافَى دَاتِي الهَالّْكَة

لُوْ تَجْفِي قَلْبِي إيْوَاصْلَكْ

وإلاَ دَزْتِنِي ابّْقَى العَارْ اعْلِيك

أرَايَةْ المْلاَكَة أمُولاَتِي المَالْكَة

لِكْ العَبْد وُكُلْ مَا امّْلَكْ                نَصّْرُوا مَلِيكَة حّْمَالَةْ المَلِكْ

  • بحر السُّوسِي؛

طفرة أخرى سيعرفها صرح قصيدة فن الملحون على مستوى الشكل، ذلك أن شاعر الملحون قد انعتق أثناء الكتابة من القوالب العروضية السابقة التي مثلها كل من بحر “المّْبِيَّتْ” وبحر “مَكْسُورْ الجّْنَاحْ”. فتح جديد كان على يد الشيخ الجيلالي امثيرد بعدما ابتكر بحرا طريفا حمل اسم: “السُّوسِي“، قد تحرر به من رتابة الوزن والقافية الثابتة، ومن قواعد “مَكْسُورْ الجّْنَاحْ”؛ إنه نظام عروضي يشبه في شكله العام الكتابة النثرية، وبذلك فتحت قصيدة فن الملحون آفاقَ شاسعة على مستوى استحداث تفعيلات إيقاعية جديدة، وجمل موسيقية مبتكَرة.

+ قصيدة “الحَرَّازْ” للشيخ الجيلالي امثيرد، بَحرالسُّوسِي بِمّْرَمَّة مّْثنِيَة[29]:

الحربة: حَرَّازْ لاَ لَّة لـَـرْسَامُو جِيتُو انّْصِيبْ قَلبُه نَصْرَانِي كِيفْ عَارْفُه غَدَّارْ

بَاقِي سْلالَةْ الكُفَّارْ

حَاضِي حْرِيسْ، كُلْ مَا كَانَبْنِي إيرِيْبُو، وَخْزُوبُو عَدَّاوْا عَنْ خّْزُوبِي وَالبَابْ اللِّي فّْتَحْتْ لِيهْ إيسَدُّو، حْرَامْ مَا ابْغَا يَتْعَامَا. حَتَّى حْبِيبْ مَا هُو عَنْدُو. مَثْلِي.. يَكْرَهْنِي مَنْ قَلْبُو وَجْوَارْحُو وُدَاخَلْ دَاتُو وِإيلَا إيِشُوفْنِي يَتْكَحَّلْ بَمْحَاوَرْ العّْمَا وِيزِيدِ كْدُوبْ اونْفَاقْ وَنْوَللِّي تَقْلْ مَنْ الرّْصَاصْ عَنْدُو، شُوفَة يَكَرْهْهَّا فْ: خْيَالِي… يَسْقَلْ جَبْهْتُو… يَعْكُدْ العَبْسَة فْ: خَلْقْتُو…وِيوَللِّي قَلْبُو ظْلاَمْ وَاقْسَى مَنْ صَلْدْ الصَّمْ لِيسْ يَرْطَابْ وْلاَيَلْيَانْ………

وكما كان الشأن بالنسبة لبحر “مَكْسُورْ الجّْنَاحْ” الذي استحْضَرت نهاية كل جزء منه البناء العروضي الخاص ب “الحربة” – اللازمة، وبذلك كانت مختلف تسميات أنواعه تعود إلى قالب “الحَرْبَة“؛ فإن بحر “السُّوسِي” هو الآخر رغم هامش الحرية الكبير في كتابة مختلف أجزائه، فقد استلهم تسميات مختلف “اقّْيَاسَاتِه” من عروض اللازمة – “الحَرْبَة”.

+ قصيدة “الزّْطْمَة” للشيخ الجيلالي امثيرد، بَحرْالسُّوسِي بِمّْرَمَّة ثلاثيَّة[30]:

جَانِي بـَـشَّارُو جـَـانِي    يَاك اعّْطَانِي صَحْتْ الخّْبَارْ وُبَـشَّرْنِي بَالوْصَالْ

هَا هُوَّ صِيفْتْ لِي اكْتَابْ

قْرِيتُو نَجْبَر فَ: الجّْوَابْ أمَحْبُوبِي يَا رُوحْ رَاحْتِي: يَا مَنْ لِيكْ الرُّوحْ شَايْقَة + حِينْ إيوَصْلكْ. يَا ارّْبِيعْ قَـلبِي. مَرْسُولِي قُمْ … لا تّْغَيَّبْ، وَآجِي حَتَّى انّْشَاهْدَكْ وُاتّْشَاهَدْنِي، بَارَتْ الحّْيَالْ ابّْدِيتْ انّْخَمَّمْ …

+ قصيدة “الحَرَّازْ” للشيخ أحمد الغرابلي[31]:

حَرَّازْ أمِّينَة بُودْلالْ           حَرَّزْ عَنِّي سُودْ الانّْجَالْ

حَرَّزْهَا وَاحْضَاهَا عْلَى اعّْيُونْ ادَّاهَا                فِي ابّْسَاط سُلْطْنِي يَرْضَاهَا

وَاعْمَلْ كُلْ مَا تَتْمَنَّى دَاتْ الجّْمَالْ

مَا يَوْصَلْهَا وَاشِي             وَلاَ اتّْشَاهَدْ غَاشِي

رَاسُه لرَاسْهَا كِيفْ إيظَلّْ إيبَاتْ

بَالزّْهُو وَالفَرْجَة بِينْ الاغّْصَانْ وَالسّْفْرَة وَالكِيسَانْ

فِي ابّْسَاطْ مّْحَصَّنْ بَسّْوَارْ عَالِيَة وَاقْفَالْ وُبِيبَانْ

وَالرّْيَاضْ امّْنَعَّمْ بَالاشّْجَارْ بَاسْقَة

وَالاطْيَارْ في الاغّْصَانْ نَاطْقَة               وَاجْدَاوَلْ بَمْيَاهْ دَافْقَة

وَالكَامُوسْ إيرُوجْ وَالمهَرْ وَالشَّادِي مَا كَيّْخَصْهَا وَلفِي غِيرْ اتْزُورْ نَاسْهَا

أوْ يِزُورْهَا علَى امّْجِيهُمْ تَغْنَمْ فَرْجَاتْ هَكْذَا نِيَّتْهَا لَوْلاَ ارْقِيبْهَا حَرَّزْهَا

وَأنَا كِيفْ نَعْمَلْ وَاشْ المَعْمُولْ

وَاشْ مَنْ حِيلَة تَنْفَعْنِي امّْعَاهْ حَتَّى تَدْرَجْ فِي ابْطَاحِي

أصَاحِي

وَتّْعَنَّقْنِي بَالضّْعَادْ وَنّْحُوزْ اضّْيَا الالْمَاحْ

حَرَّازْ أَمِّينَة بُودْلاَلْ

حَرَّزْهَا عَنْ مَرْكَاحِي

أصَاحِي

لَكِنْ بَحْيَالِي أدِّيتْهَا وَظْفَرْتْ بَالنجَاحْ

مَنْ قَاسُه الهّْوَى مَا ارّْتَاحْ

  • السرابة.

أشاد الشيخ أحمد سهوم بالنمط الرابع في كتابة الشعر الملحون، ويتعلق الأمر ب:”السّْرَّابَة“، واعتبرها قالبا إبداعيا بإمكانه أن يستجيب لمتطلبات الساحة الغنائية المغربية العصرية، فالنص الشعري فيه اجتهاد كبير على مستوى المضامين، أما البناء العروضي فهو عبارة عن تسلسل العديد من التفعيلات بشكل مكثف، كما أن مدتها الزمنية مواتية لأن تشكل أغنية بمواصفات حديثة، فلا غرو بأن نجد الشيخ أحمد سهوم ينعتها بالأغنية الشعبية المعاصرة[32]؛

وهذا نموذج لسرابة “فّْصَلْ الرّْبِيعْ[33] ندون نصها الشعري بتصرف للوقوف على التنوع على مستوى الوزن والإيقاع والقافية، فضلا عن حسن التخلص في مدة زمنية وجيزة.

فَـصْلْ الرّْبِيعْ گَـبَّلْ وَالوَقْتْ ازّْيَـانْ وَعّْلاَمَاتْ الخِـيـرْ لَلْوْرَى بَـانُوا
جَادْ الزّْمَانْ وُضّْحَكْ ثَغْرْ السَّلْوَانْ وَالنَّكْدْ اتّْـفَـاجَا وُزَالَتْ احّْــزَانُه
وَابّْطَايَـحْ الزّْهَـرْ عْـلَى كُـلْ الْـوَانْ تَسْبِي مَنْ رَاهَا ابّْشُوفْتْ أَعْيَانُه
وَالأرْضْ زَي حُرِيَّة مَـنْ رَضْوَانْ اعّْـلِيهَا جـَـادْ الـزّْهـُـو ابّْسَلْوانُه
نَحْــكِــــي اعّْـــرُوسَـة فَـي الأوَانْ لَـبْسَتْ مَنْ تُوبْ الدّْبَاجْ حِيجَانُه
صَبْحَتْ بَارْزَة فِي اكّْسَاوِي حَسَانْ دَامْ الله اجّْــمَــالـْـهَـا وُحَـسَــانُـه
مَهْـمَا اشّْـفِـيتْ بَاعّْـيَـانِي فِي اكّْمَـالْ زِيـنْهَـا وَمّْحَاسَـنْهَـا بَــاحْ كُـلْ مَكْـنُـونْ
قَـلْبِـي مَـنّْ الصّْـبَـا فَانِي فَـصّْلْ الرّْبِـيع تْـوَجْدْنِي مَا بِينْ الحّْـرَاجْ مَشْطـُون
مَـنْ شِي ألْفَاظْ وَامّْعَانِي وَاهْلْ الهّْوَى إيعَرْفُونِي مَاهَرْ مَنْ اصّْحَابْ الفْنُون
نَزْهَاوا فِي ابّْسَاطْ العَدْرَة مَا بِينْ الحّْـرَاجْ الخَـضْـرَة فِي سَاعَةْ الرّْضَا وَسّْرُورْ
وَانّْـشَاهَـد الشّْقِيقْ وُجَمْرَة وَالوَرْدْ امِـيـرْ بِـينْ الوَزْرَا وَالقِـيـقـْـلاَنْ وَالخَــبـُـــورْ
وَانّْـقُولْ يَا اغّْزَالِي زَهْرَة امّْصَّابْ فِي اجّْمَالَكْ نَظْرَة وَالكَـاسْ بَـالـرّْحِيقْ إيدُورْ
يَـهـْـنَى السَّـاكـَـنْ المَـضْـرُورْ
نَـاسَـكْ يَـا الـرِّيـمْ العَـدْرَة سَـمَّـاوْكْ الغـّْـزَالـَـة زَهْـرَة وَنَـا يَـا اسّْـبِـيغْتْ الظَّـفْرَة
سَـــمِّـيـتـَـكْ الغّْـزَالْ ازّْهـُـــورْ

 

بناء على ما سبق الوقوف عنده، ودون الإشارة إلى الملمح الأدبي لفن الملحون، يتبين بأننا أمام خزان كبير من بنيات الكتابة الشعرية الملحونية جاءت على شكل أنماط فنية حملت أسماء من قبيل: المّْبِيَّتْ، مَكْسُورْ الجّْنَاحْ، السُّوسِي، وَأن السّْرَّابَة هي ملمح آخر من الإبداع الملحوني الخلاق؛ فضلا عن ذلك، اتضح بأن كل بحر له “مّْرَمَّاتُه” المّْثَنِيَة وَالمّْثَلثَة وَالمّْرَبْعَة وَالمّْخَمْسَة، وأن لكل مّْرَمَّة “اقّْيَاسَاتْ” تشي بعظمة هذا التجلي الحضاري المغربي الفريد. فمن خلال هاته الجولة، كنا نصبو إلى إظهار هذا الغنى الإيقاعي والموسيقي الذي لا زال بكرا، كما أننا لم نلتفت بعد إليه إلا فيما ندر.

  • تطور معجم مستعملات فن الملحون:

مظهر آخر من مظاهر ارتباط فن الملحون بالجوانب الموسيقية، يعكسه محتوى معجم المصطلحات الملحونية ومن بينها المصطلحات الموسيقية؛ ففي هذا السياق نشير إلى كتابات فنية وعلمية أحاطت موضوع المعجم الملحوني بعناية كبيرة، وعكست الحاجة إلى تعميق النقاش في الموضوع، وتوثيق معاني ما يروج من مستعملات ومصطلحات ومفاهيم، ومن هاته الكتابات نذكر ما يلي:

  • معجم مصطلحات الملحون للدكتور عباس الجراري الصادر بمجلة الفنون المغربية سنة 1978، وذلك في إطار انعقاد المؤتمر الخامس للمجمع العربي للموسيقى بالمغرب سنة 1977، وقد ضم هذا المعجم حوالي 290 مصطلحا؛
  • معجم مصطلحات الملحون للأستاذ محمد الفاسي، الصادر في إطار موسوعة معلمة الملحون ( القسم الأول – ج1 – الباب الثالث ) وهو من منشورات أكاديمية المملكة المغربية بالرباط سنة 1986، وقد ضم هذا المعجم حوالي 161 مصطلحا[34]؛
  • معجم المصطلحات الموسيقية لطرب الملحون للأستاذ عبد العزيز بن عبد الجليل المقدم إلى أمانة المؤتمر السابع للموسيقى العربية بالقاهرة سنة 1998[35]؛
  • معجم مرددات شعراء الملحون الشفاهية في الإنشاد والتدوين مما اصطلحوا عليه فنيا في مجالسهم ومنتدياتهم – مقاربة للقصيدة الزجلية، للأستاذ عبد الرحمان الملحوني، الصادر عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر بالرباط سنة 2019، وقد ضم هذا المعجم حوالي 127 مصطلحا؛
  • معجم لغوي وجيز تضمنه مؤلف الدكتور عبد الصمد بلكبير الموسوم ب: شعر الملحون الظاهرة ودلالاتها – ج1 عن دار اتصالات سبو – دجنبر 2010؛

إن مخرجات هاته المعاجم تأتي – اليوم – لكي تزكي مقومات فن الملحون الموسيقية، وتميط اللثام عن البنية الموسيقية لقصيدة فن الملحون على مستوى الإنشاد والأداء، حيث بقي الحديث عنها في غير مستوى[36] الدراسات الأدبية والفنية والتاريخية والأنتربولوجية والاجتماعية لقصيدة فن الملحون.

إن للملحون أسسا موسيقية متجذرة، راكم بناءها خلال مشوار تطوره منذ ظهور النماذج الشعرية الأولى في العصر الموحدي[37]، وارتباطه بالإنشاد الذي سيأتي في مراحل لاحقة بعدما كان متوسلا بآلة “التعريجة” وبعدها سيأتي الدور على بعض الآلات الموسيقية في تأثر واضح بما عرفه أداء نوبات موسيقى الآلة القادمة إلينا من الأندلس[38]. فلا مُشاحة اليوم في ما للملحون من مقومات موسيقية أصيلة نرمي من خلال الوقوف عند بعضها لفت الانتباه إلى أن هذا الفن قادر أن يشكل مصدر متعة موسيقية إلى جانب جمالياته الشعرية.

بناء على ما سبق ذكره، نشير باقتضاب شديد ودون تفصيل إلى عناوين كبرى تتعلق بالإيقاعات الموسيقية – الخارجية -، الأنغام أو الطبوع التي يلحن عليها النص الملحوني، الآلات الموسيقية المستعملة، طرائق العزف والأداء، محطات موسيقية ملحونية بالغة الأهمية، …

2-1 الإيقاعات الموسيقية: يعتمد إنشاد قصيدة فن الملحون على ثلاثة إيقاعات موسيقية، وهي:

2-1-1 إيقاع الحَضَّارِي: وهو إيقاع وقور، بطيئ الحركة، يحتوى دوره الإيقاعي على وحدتين زمنيتين، ويكتب موسيقيا في غالب الأحيان بالوزن 2 على 4؛ يسير عليه إنشاد القصيدة في كل مراحلها باستثناء الجزء الأخير منها الذي يعتمد على تفعيلة إيقاعية مغايرة. إن الحركة الوئيدة في إيقاع الحَضَّارِي تمكن المستمع من الإنصات الجيد لمضامين القصيدة، والاستمتاع ببلاغتها الشعرية والفنية. ولا يقتصر استعمال إيقاع الحَضَّارِي على إنشاد قصيدة فن الملحون لوحدها، بل يُستعمل أيضا بتنويعات أخرى أثناء إنشاد القصائد العيساوية، ومتون بعض فنون الحضرة؛

2-1-2 إيقاع الگَـبَّاحِي: إيقاع ملحوني صرف، رشيق الحركة، يحتوى دوره الإيقاعي على خمس وحدات زمنية، ويدون موسيقيا بالوزن 5 على 8؛ وقد شاع استعماله أثناء أداء “السّْرَّابَة”، وأثناء مرحلة “الدّْرِيدْكَة”[39] من القصيدة. ويعتبر إيقاع الگَـبَّاحِي من الإيقاعات الصعبة التناول إلا على المنشدين المتمكنين، ذلك أن الرقم خمسة الذي يشير إلى عدد الوحدات الزمنية بالدور الإيقاعي الواحد يعطي الانطباع بسير فيه عرجٌ يؤثر على المنشدين المبتدئين، حتى شاع في أوساط الشيوخ والممارسين بأن استعمال إيقاع الگَـبَّاحِي هو عنوان تمكن من صنعة الإنشاد؛

2-1-3 إيقاع “لَمْصَرَّفْ”: إيقاع لا يحمل تسمية معلومة كما هو حال الحَضَّارِي والگَـبَّاحِي، ويعود الأمر في ذلك إلى أن تفعيلته الإيقاعية تمتلك تنويعات نجد لها أثرا في جل الأنماط الموسيقية المغربية[40]، شعبية قديمة كانت أو عصرية؛ له حركة إيقاعية رشيقة جدا، وغالبا ما يختتم به إنشاد قصيدة فن الملحون للتعبير على دنو أبياتها الأخيرة، كما قد يُراوح المنشد بينه وإيقاع الحضاري للتغلب على الملل الذي قد يعتري المستمع. يحتوي دوره الإيقاعي على ست وحدات زمنية، ويدون موسيقيا بالوزن 6 على 8.

2-2 الأنغام والطبوع الموسيقية: لقد سبقت الإشارة إلى أن فن الملحون قد تأثر من الناحية الموسيقية ببعض مستعملات الموسيقى الأندلسية المغربية، ومن ضمنها جانب الطبوع الموسيقية. ففي هذا السياق، نشير إلى اعتماد إنشاد قصيدة الملحون على طبوع رئيسية من قبيل: الاستهلال، الإصبهان، الصيكة، الحجاز…، كما أن هناك طبوعا تأتي ثانوية على اعتبار استعمالها في غالب الأحيان عندما يغير المنشد النغمة الموسيقية[41] ومنها: الرصد، الحسين…؛ وهناك – أيضا – استعمال بعض المقامات المشرقية[42] الاسم ومن ذلك: الراست والبياتي. وفي ذات السياق، نستحضر تجربة فريدة من نوعها ويتعلق الأمر بإنشاد الشيخ أحمد بدناوي من مدينة مراكش لقصيدة “الكَاوِي” للشيخ بوعزة الدريبكي على نغمة مقام الصبا[43]، وهي معالجة موسيقية غير مسبوقة.

2-3 الآلات الموسيقية: هذا مجال عرف – هو الآخر – الكثير من التطور، فمنذ المرحلة التي كان إنشاد قصيدة الملحون يخلو من استعمال أي آلة موسيقية، ثم كان التوسل فيما بعد بآلة التعريجة لضبط الجملة الإيقاعية، إلى وقتنا الراهن الذي عرف توسيع طيف الآلات الموسيقية التي أصبحت تؤثث مختلف الأجواق الملحونية، ومنها الآلات الإيقاعية التالية: التعريجة، الدف، الدربوكة. أما الآلات الوترية فنجد منها: السويسن أو السوسان، العود، الكمان، الألطو، التشيللو، الكونترباص، القانون. وتجدر الإشارة إلى أننا شهدنا استعمال آلة الأرغن المتعدد الأصوات، وهي آلة كهربائية نتحفَّظ كثيرا على استعمالها نظرا لعدم قدرتها على استخراج بعض الأصوات الأساسية في بعض الطبوع الملحونية إلا بعد تعديلها، وهذا يتطلب عازفا له أذن ملحونية رفيعة.

2-4 طرائق العزف والأداء: لم يتأت بعد لإنشاد قصيدة فن الملحون بأن تصل معالجتها الموسيقية مراقي متقدمة كما كان شأن النص الملحوني الذي عرف الكثير من الفتوحات على مستوى الشكل والمضمون، ويبدو أن مقولة “المَلحُونْ افّْرَاجْتُو فَاكّْلامُو” قد ساهمت في التشديد على الجوانب الشعرية دون غيرها، ولهذا كانت المرافقة الموسيقية للمنشد في مستوياتها الدنيا، تكتفي بافتتاحية موسيقية فردية كانت أو جماعية، تخلق الأجواء النغمية التي سيسير المنشد على هديها، وتعيد لحن “الحَرْبَة” – اللازمة موسيقيا بين نهاية القسم وبداية الذي يليه؛ فضلا عن ذلك، ترافق باحتشام شديد آلة السويسن أو العود أو الكمان المنشد الرئيس في حركاته وسكناته. إننا أمام سطوة بلاغة نص شعري وصوت منشد من الضروري بأن تكون فيه كل مواصفات الدقة والجمال، والكفاءة الإيقاعية والموسيقية حتى يتمكن من تغيير الإيقاع أو المقام الموسيقي كلما بدا له ذلك مناسبا درءا للمل وجلبا للمتعة والانتشاء.  

  • غزارة الأنماط الموسيقية – الفرجات الشعبية المغربية:

لقد عاش المنتسبون لفن الملحون في بيئة فنية شعبية حاضنة، تميزت بالغنى الشعري والموسيقي والغزارة الإيقاعية، والتنوع على مستوى أنماط الأداء، فكان التأثير والتأثر، الذي أكد الكثير من ملامحه الدكتور عباس الجراري في إشاراته إلى تطور أداء قصيدة فن الملحون من مرحلة “السّْرَادَة” – السرد إلى مرحلة اقتران الأداء بآلة التَّعْرِيجة أو الگّْـوَالْ، ثم المرحلة الأخيرة التي توسل فيها الإنشاد ببعض الآلات الموسيقية الشعبية الذائعة الاستعمال في الأغنيات الشعبية.

فضلا عن ذلك، وقفنا على بعض المشاريع العلمية التوثيقية التي رسمت خريطة للكثير من المظاهر الموسيقية المغربية التي كانت تتفاعل فيما بينها بنسب مختلفة حسب العديد من المتغيرات لا يتسع المجال لإثارتها في هذا المقام، ومنها: مشروع أنطلوجيا الآلة[44]، مشروع أنطلوجيا الموسيقى التراثية المغربية[45]، ومشروع أنطلوجيا الموسيقى الحسانية[46]… فلم يكن شعراء فن الملحون وحفاظه وموسيقيوه ببعيدين عن هاته البيئة الفرجوية الشعبية المتمثلةعلى سبيل الاستئناس فيما يلي:

  • أحواش؛
  • أحيدوس؛
  • أهل توات؛
  • عيساوة؛
  • احمادشة؛
  • جيلالة؛
  • هداوة؛
  • الدقة المراكشية؛
  • گناوة[47]؛
  • الفراجة الرودانية؛
  • غناء النساء؛ الأجواق النسائية في مدن شمال المغرب؛
  • امعلمات مكناس؛
  • المصمودي؛
  • هواريات مراكش، تارودانت، وهوارة؛
  • الغناء الشعبي الجبلي؛
  • الملحون؛
  • العيطة بتجلياتها: المرساوية، العبدية، الشياظمية، الحوزية، …؛
  • الطقطوقة الجبلية؛
  • اعبيدات الرما؛ الصيادة؛
  • الغناء الريفي القديم؛
  • الغناء الريفي الحديث؛
  • غناء اليهود المغاربة؛
  • غناء المنطقة الشرقية؛
  • الرگادة؛
  • الرقصات الشعبية من قبيل: تاسكيوين[48]؛
  • أقلال؛
  • الدقة الدمناتية؛
  • الرّْزون؛
  • فن الدقة الخاص بمنطقة أبي الجعد؛
  • البلدي الفيلالي؛ ….

أنطلوجيا الموسيقى الحسانية – موسيقى البيظان:

  • الأغاني والرقصات الشعبية؛ أشوار؛ خاصة بمنطقتي السمارة وگلميم؛
  • موسيقى وغناء مدينة العيون؛ ويتميز أسلوب الغناء باعتماده فقط على الغناء والإيقاع، دون استعمال الآلات النغمية؛
  • المظاهر الموسيقية لإقليم الداخلة؛ حيث الجمع ما بين الرقص؛ والغناء؛ والآلات الموسيقية؛
  • الغناء الروحي الصحراوي؛
  • غناء المدح في صيغته الصحراوية المنتمي لإقليم الداخلة؛
  • الإنتاجات الروحية والدينية الخاصة بمختلف الزوايا المغربية:
    1. 1 الزاوية الحراقية؛
    2. 2 الزاوية الشرقاوية؛
    3. 3 الزاوية الشقورية؛
    4. 4 الزاوية الريسونية؛
    5. 5 الزاوية الأمغارية؛
    6. 6 الزاوية الجزولية؛…

 

  • تجارب موسيقية وفنية ناجحة متحت من فن الملحون:

استطاع فن الملحون أن يخلق لنفسه عالما قوي البنيان، أصيلا في مضامينه، متجددا في مستعملاته، قادرا على مواكبة كل المستجدات التي عرفها المجتمع المغربي حتى يوم الناس هذا، فلا غرو بأن يجد لنفسه حيزا من اهتمامات المغاربة وغيرهم وعمره قد فاق السبعة قرون، فلم يكن توصيفه ديوانا للمغاربة من باب الترف الفكري، بل لأنه عكس ووثق وسجل عددا غير يسير من المظاهر الحضارية المغربية، فهو سجِلهم، والمرآة التي عكست التفاصيل الدقيقة للمعيش اليومي للمغاربة؛ إننا لا نجانب الصواب إذا قلنا بأن هذا الفن سيصبح مصدر إلهام بعض التجارب الموسيقية والفنية الصرف، بل إن بعضها لم يكن ليدور في فلكه لولا استلهام نصوصه الشعرية، أو اقتباس تطوره العَرُوضِي؛ والغاية من وقوفنا على هاته التجارب هو التأكيد على أهمية مقاربة فن الملحون مقاربة موسيقية حديثة، أو الاستفادة من فنون الأداء على نحو استلهام بعض التجارب المسرحية لبعض نصوصه، ولنا في ذلك تجارب هامة، ومنها نذكر:

  • تجربة تأليف موسيقى آلية بالاعتماد على قياسات وإيقاعات وأنغام فن الملحون:

إنها تجربة متفردة من داخل حضيرة أهل فن الملحون لأحد كبار عازفي آلة الكمان “الملحوني”، ويتعلق الأمر بالشيخ والفنان محمد الوالي، حيث تمكن من التأسيس لفكرة تأليف موسيقى مجردة من الغناء، تعتمد أساسا على “اقّْيَاسَاتْ” فن الملحون من قبيل قياس قصيدة “طَالْ تِيهَانَكْ يَا مَحْبُوبِي”، وقياس سرابة “اعّْلاشْ أمَحْبُوبْ خَاطْرِي تَجْفِينِي”، وقياس قصيدة “فَاطْمَة”،… وإلى جانب هاته القياسات، وظف الأستاذ محمد الوالي مختلف الإيقاعات الملحونية من “حَضَّارِي” و”گَـبَّاحِي” و”امّْصَرَّف”، هذا إلى جانب التنويعات المقامية الگَّـنَاوية والعيساوية ومن فن العيطة، أبان من خلالها على حس موسيقي عال، وحذاقة إيقاعية متميزة.

ورغم قلة عدد هاته المعزوفات – المؤلفات الموسيقية، إلا أنها أعطت انطلاقة فكرة موسيقية جديدة في فن الملحون، حتى غدت بمثابة مقدمات موسيقية تُستهل بها العديد من السهرات الملحونية. ولحدود اليوم، ألف الأستاذ محمد الوالي ثلاث معزوفات جاءت كما يلي:

  • موسيقى “مَحْبُوبْ”؛ صدرت خلال النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي؛
  • موسيقى “سَلْوَانْ”؛ صدرت خلال نهاية سبعينيات القرن الماضي؛
  • موسيقى “العيساوية”؛ صدرت خلال السنة الأولى من الألفية الثالثة.

 

  • تجربة مجموعتي ناس الغيوان وجيل جيلالة في ارتباطهما ببعض قصائد فن الملحون:

خلال نهاية ستينيات القرن الماضي، وبعد رياح التغيير التي وصلتنا من أوروبا، تشكل وعي سياسي جديد، ظهرت بعض تجلياته الثقافية على مستوى المسرح والموسيقى، فكان من نتائجه ظهور ما عرف ب “ظاهرة المجموعات الغنائية” أو “الظاهرة الغيوانية”، فظهرت كل من مجموعة ناس الغيوان، وجيل جيلالة، وقبلهما مجموعة الإخوان ميكري، ثم في مرحلة أخرى مجموعة لمشاهب، وإيزنزارن، ثم تناسلت فيما بعد العديد من التجارب الموسيقية الأخرى.

لقد شكلت هاته المجموعات من خلال الفكر الموسيقي الجديد الذي حملته، نقلة نوعية وقطيعة فنية مع ما قبلها من أشكال، كما حشدت كل إمكانياتها لكي تثور على ما كان سائدا، ابتداء من الهندام، مرورا بالنص الشعري، وانتهاء بالآلات الموسيقية وطرائق الأداء. وما يهمنا في هذا السياق هو الوقوف على تجربة المجموعتين عندما ولجتا محراب قصيدة فن الملحون، حيث شكل الأمر – آنذاك – فتحا فنيا جديدا رغم أن تعاملهما مع قصيدة فن الملحون كان محتشما عدديا مقارنة مع شساعة ديوان فن الملحون شكلا ومضمونا. ورغم ذلك، كان لهما الفضل في إخراج بعض النصوص الملحونية من دائرة إلى أخرى أكثر رحابة خصوصا بين صفوف الشباب.

فبالنسبة لمجموعة جيل جيلالة، نسجل تعاملها مع النصوص الملحونية التالية:

  • قصيدة “آ الجّْوَادْ ضَمَّانِي”؛
  • قصيدة “مَزِّينْ وُصُولَكْ” لعبد القادر العلمي؛
  • قصيدة “الرَّعْدْ” لمحمد بن سليمان الفاسي؛
  • قصيدة “نَاكَرْ لَحْسَانْ” للشيخ النجار السلوي؛
  • قصيدة “اللُّطْفِيَّة” للشيخ الحاج أحمد الغرابلي؛
  • قصيدة “الشّْمْعَة” لمحمد بن علي العمراني، ولد أرزين؛
  • سرابة “صَلَّى الله عّْلى الزَّمْزْمِي” للشيخ محمد بن عمر الملحوني؛
  • سرابة “آشْ بَاقِي يَا قَلْبِي”؛
  • قصيدة “الدَّامِي وَالرَّامِي” للشيخ الجيلالي الكحيلي.

أما مجموعة ناس الغيوان، فقد توسلت بالنصوص الملحونية التالية:

  • قصيدة “تَاجْ الرّْيَامْ” أو “ارّْفَقْ آ مَالْكِي بّْعَبْدَكْ” للشيخ سيدي قدور العلمي؛
  • قصيدة “المَزْيَانْ” للشيخ سيدي قدور العلمي؛
  • قصيدة “الحَرَّازْ – حراز عويشة” للشيخ المكي بالقرشي الآزموري؛
  • قصيدة “اللُّطْفِيَّة” للشيخ الحاج أحمد الغرابلي؛
  • جفرية “سُبْحَانْ الله صِيفْنَا وَلَّى شَتْوَا” للمؤقت المراكشي؛
  • قصيدة “النّْحْلَة” للشيخ السي التهامي المدغري؛

رغم المعارضة القوية للمجموعتين في مقاربتهما الموسيقية الجديدة لقصيدة فن الملحون خصوصا من قبل شيوخ المدرسة المحافظة التقليدية، ورغم أن القصائد التي أنشدتاها لم تكن غزيرة، إلا أن التجربة ذاع صيتها سواء داخل دائرة الممارسين لفن الملحون أو خارجها. فمن جهة، كانت النصوص الشعرية المغناة في هذا السياق معبرة بنبرة صارخة عن حس احتجاجي لجيل ما بعد الاستقلال المتطلع لبناء مغرب جديد، وهنا تظهر قوة مضامين “جَفْرِيَّة” المؤقت، و”لُطْفِية” الحاج أحمد الغرابلي. فضلا عن ذلك، تأتي فكرة “الحَرَّازْ” لكي تثور هي الأخرى على الاستبداد والظلم، وإنصاف المرأة في نهاية النص الذي ينتصر لكينونتها وإنسانيتها؛ أما باقي النصوص، فقوتها تعود لحبكتها الشعرية والتزامها بمواضيع عالية القدر.

ومن جهة ثانية، كانت أساليب العرض هي الأخرى غريبة مقارنة مع أنماط الأداء التقليدي للأجواق الملحونية، وحتى طريقة التجاوب مع الجمهور المتعطش آنذاك لكل ما هو غريب وجديد، كان فيها ما يدعو إلى التواصل حد الانتشاء. لقد تفاعل الجمهور مع أفراد المجموعة وهم على ركح المسرح يتناوبون على إنشاد  أقسام القصيدة من خلال تنوع طابع أصواتهم الرجالية والنسائية، وكذا مع اختلاف طبقاتهم الصوتية ما بين الحادة والمتوسطة والغليظة، وقد وصل التماهي في بعض السهرات حدا لم يكن ممكنا فيه التمييز ما بين الفرقتين وجمهورهما.

جانب آخر لم يكن ممكنا التغاضي عنه، ويتعلق الأمر باستعمال الآلات الموسيقية التي جاءت هي الأخرى لتعبر عن الأصالة المغربية، وتم إخراجها من عالم الفنون الشعبية إلى ركح المسرح وإلى فضاءات أخرى غير نمطية، فكان استعمال الهجهوج أو السنتير، والبانجو أو المانضولين كآلة موسيقية تحافظ على المقام والنغمة الموسيقيتين، ثم حضرت كذلك الكثير من الآلات الموسيقية الإيقاعية التقليدية من طبيلات، وتعريجة، وأكوال، وبندير،…

  • تجربة النص الغنائي العصري:

تجربة أخرى كان لفن الملحون فيها الأثر الكبير عبر استلهام قوته البلاغية والعروضة، وتنوع أوزانه وقوافيه واقّْيَاسَاته ومّْرَمَّاتِه، ذلك أن بعض الزجالين المغاربة الذين رافقوا بعض شيوخ فن الملحون أوالمنتسبين إلى حضيرته، نهلوا من بنية قصيدة فن الملحون وأسسوا لنص زجلي عصري تأتَّى له الاستفادة من موهبة ملحنين أفذاذ، وعبقرية أصوات شجية وطروبة، حتى شكلت هاته الأعمال النواة الأساسية وقطب رحى مدرسة الأغنية المغربية العصرية.

ومع تنوع طيف المبدعين الزجالين المغاربة في مستوى تميزهم بالحذاقة الشعرية المستلهِمة للقصيدة الملحونية، سنحاول الوقوف عند نموذجين اثنين استفادا من معجم فن الملحون وإيقاعاته المتنوعة، ومن الصورة الشعرية الملحونية ببلاغتها شكلا ومضمونا، وهما أحمد الطيب العلج وعلي الحداني.

الجدول الأول التالي يعرض لنماذج من إبداعات أحمد الطيب العلج الدينية الروحية، مع الإشارة إلى ملحنيها ومغنيها، وهو كما يلي:

 

النص الغنائي الملحن المغني
المَثـَـلْ العَالِي: أمُحَمَّدْ صَاحبْ الشّْفَاعَة وَالنُّورْ الهَادِي؛ عبد القادر الراشدي إسماعيل أحمد
يَا حَجَّاجْ امّْقَامْ النّْبِي: يَا قَاطْعِينْ لَجْبَالْ وُ زَايّْرِينْ النَّبِي؛ عبد القادر الراشدي عبد الهادي بالخياط
نَبْدَا بَاسْمْ الفَتَّاحْ: نَبْدَا بَاسْمْ الفَتَّاحْ لـَـكْرِيمْ العَالِي؛ عبد القادر الراشدي محمود الإدريسي
عَشَّاقْ النّْبِي: يَا العَاشْقِينْ سِيدِي رَسُولْ الله؛ عبد القادر الراشدي محمود الإدريسي
القُطْبْ الرّْبَّانِي: مُحَمَّدْ يَا رَسُولَ الله مُحَمَّدْ يَا بْنَ عَبْدِ الله؛ عبد السلام عامر إسماعيل أحمد
مُحَمَّدْ طَهَ شْفِيعْنَا: مُحَمَّدْ طَهَ شّْفْيعْنَا يَا بَدْرْ البُدُورْ؛ عبد الوهاب الدكالي عبد الوهاب الدكالي
رَبِّي عَالمْ الاسّْرَارْ: مُحَمَّدْ يَا حْبِيبْ رَبِّي يَا مَنْ بِيكْ جْوَارْحِي صّْحَاتْ؛ أحمد العلوي عبد الهادي بالخياط

 

إنها – حقا – مشاريع أغاني تمكن فيها الملحن والمغني من التأويل النغمي لمضامين النص الشعري، فكانت دررا ولآلئ في سماء الأغنية المغربية العصرية، لا زلنا نطرب لها إلى يومنا هذا، وكلما أعيد تسجيلها من جديد وتوزيعها الموسيقي حققت متابعة جماهيرة كبيرة، وهذا مبتغى ندعو من خلاله التوسل بالنص الملحوني وإخضاعه لقالب الأغنية مستفيدا من فنيته وبلاغته من جهة، ومن البلاغة الموسيقية والنغمية والإيقاعية من جهة ثانية.

لنتوقف عند نص أغنية “المَثـَـلْ العَالِي”[49]، وهو نص ديني صوفي يمتح من بناء بحر “المّْبِيَّتْ” الملحوني، لكنه ينوع في ذات النص على مستوى الوزن والقافية والروي، وهذا ما يسَّر في جزء كبير عمل الملحن.

أَمُحَمَّـدْ صَاحـَـبْ الشّْفَاعَـة وَالنُّـورْ الهَـادِي أمُـحـَــمَّـدْ بِـــكْ تـَــنْـشَهـَّــدْ مَـنْ بَـعـْـدْ الله
أَمُحَـمَّـدْ كـُـونْ لِـي اشّْـفـِـيعْ يـُــومْ الْـمِـيعَادِ أنّْـتَ عِـينْ الـرَّحْمَة يَا الـنَّبِي عَظِيمْ الجَـاهْ
اعّْـطـِـتِ لـَـمْـثـَـالْ فّْ الصّْـبـَـرْ وَالإيمَانْ الصَّادَقْ

بَــالـــدَّعْــوَة للهْ وَحْــــدُه الـــــــعَــلـِــي الـْـقـَــدِيـــرْ

وُكـُـنْـتِ قـُـدْوَة لـْـكـُـلْ مُـومَـنْ وَالـمُومَـنْ الصَّـادَق

بـَالْحَـكـْـمَـة وَالصّْـبـْـرْ وَالـثّْـبَـاتْ وَحُسْنْ الـتـَّـدْبِـيـرْ

أَنـْـتَ فَ الدَّنْيَا اعّْنَايّْتِي وَفّْ الآخِـرَة زَادِي وَأنّْـتَ فّْ الـشّْدَة احّْـمَـايْـتِي يَا حَبِـيـبْ الله
أَنْـتَ مَـقـْصُودِي وُغَـايّْـتِـي بَاسّْـمَكْ انَّـادِي يَـا مَـنـْـبَعْ الـنـُّورْ كُـونْ لِـي يَـا رَسُولْ الله
عـَــلـَّــمـْـتِ لـلـْـنَّـاسْ الـَـمّْـحَـبَّـة بَالـقَـلْـبْ الصَّافِـي

وَالــرَّحْـمَـة وَالأخـُـوَّة وَالعّْـوِيـنْ وَنـُـكْـرَانْ الـذَّاتْ

بَــشَّـرْتـِـي بَـالخِـيـرْ وَالـسّْـمَاحَـة وَالطَّـبْـعْ الْـوَافِي

وَرِّيــتـِـي لـَـلإنـْـسـَـانْ طـَـرِيـقـُــه لـَـلْحَــسَــنَـــاتْ

يَا مَـصْـبَاحْ الهُـدَى يَـا النَّـبِي خَاتَمْ لَـرْسَالْ ابّْـجَـاهَـكْ عَنْدْ الله لَـكْـرِيمْ اتّْـسُودْ الحَكْـمَة
وَاحّْـفِـيدَكْ إيّْوَفـْـقـُه الله وإيـسَـرَّحْ لَـخّْـبـَــالْ وَيَــــرْفـَـعْ امّْـقـَـامْ الــحَـقّْ وَامّْـقـَــامْ الأمَّة
رَبِّـــــي يَـــا رَبِّــي اتـّْــأيـْــدُه وَاتـّْـسَـــدَّدْ خُـطـَـاهْ

حَـتـَّـى يـَـنّْـصَـرْ اعّْـــلامْ الـنـّْـبِـي وَالمَثـَـلْ العَالِي

وَاتّْـحـَـفـْـظـُـه حـَـفـْـظْ اللـّْـسـَـانْ وَاتّْـحَـقَّــقْ مُـنـَاهْ

هـُــوَّ وُأوّْلادُه وُأمّْـتـُـه يَــا نـَـعـْــــمْ الـْـمَـتْـعـَــالِـي

 

الجدول الثاني يعرض لنماذج من إبداعات علي الحداني العاطفية مع الإشارة إلى ملحنيها ومغنيها، وهو كما يلي:

النص الغنائي الملحن المغني – ة
جْرِيتْ وُجَارِيتْ: يَاكْ أَجَرْحِي جّْرِيتْ وُجَارِيتْ؛ عبد القادر وهبي نعيمة سميح
بَارْدْ وُسّْخُونْ: بارد وسخون يا هوى؛ حسن القدميري محمد الحياني
الغُرْبَة وَالعشّْقْ الكَادِي: كِي انّْدِيرْ انّْقَاوَمْ هَذِي كِي انّْدِيرْ؛ محمد بالخياط محمد الغاوي
حَتَّى فَاتْ الفُوتْ: وَايْلِي حَتَّى فَاتْ الفُوتْ عَادْ سَوَّلـْـنِي؛ عبد القادر وهبي ماجدة عبد الوهاب
جَا فَالمِيعَادْ: جَا فَالمِيعَادْ أنِيقْ جّْمِيلْ ابّْحَالْ دِيمَا؛ عبد الرفيق الشنكيطي عبد المنعم الجامعي

 

في هاته الأعمال العاطفية لعلي الحداني نقف على نفس الحذاقة الشعرية التي ميزت أعمال الطيب العلج الدينية، وكان القصد هنا فسح المجال لتنوعٍ على مستوى الأغراض الشعرية. ومن إبداعات علي الحداني اخترنا نص أغنية “يَاكْ أجَرْحِي” نظرا لما حققته من ذيوع وانتشار، ويبدو أن المغاربة تماهوا مع النص الشعري لتصويره الدقيق لمعاناة المطربة نعيمة سميح في إحدى مراحل حياتها.

من الناحية الشعرية، يظهر بأن هذا النص الزجلي يتجول بحرية كبيرة تتعدى حرية الشيخ بوعمر في ابتداعه لبحر “مَكْسُورْ الجّْنَاحْ”، وتتجاوز حرية الشيخ الجيلالي امثيرد في ابتداعه لبحر “السُّوسِي”؛ الشاعر هنا غير مقيد تماما بذلك الضبط العروضي الملحوني، غرضه بالدرجة الأولى هو الصورة الشعرية الحمَّالة لمعاني سلسلة تصل فؤاد المتلقي وذهنه دون عناء، و كأننا بنحلة لا نعير اهتماما لتجوالها في الحقول المتنوعة بقدر ما يهمنا عسلها وجودته في نهاية المطاف.

يسافر بنا الحداني مرة في الشعر العمودي “المّْبَيَّت” مع صرامته على مستوى القافية، ومرة أخرى يتخلص من الوزن الجامد ورتابة القافية، ومرة ثالثة يتحدث لغة كما هو نثر المعيش اليومي.

يَاكْ أ جَرْحِي جْرِيتْ وُجَارِيتْ
حَتَّى شِي مَا عَــزِّيتُ فِـيكْ
وَاسِيتْ وُعَالَجْتْ وُدَاوِيتْ

وُتّْرَجِّيتْ الله إيــشَافِــيــكْ
أجَرْحِي وَاليُومْ اليُومْ اتّْهَدِّيتْ
انّْــبَـالِي بــيَّ أَوَلاَّ بِــيــكْ؟
أنَا… اجّْرِيتْ وُجَارِيتْ وَاعّْيِيتْ وَاتّْهَدِّيتْ.
—————–
وَلاَ فّْـ هَذِي حَتَّى وَاحَـدْ ….. مَا يّْنُوبْ ألحّْبِيبْ عّْلِيـكْ
حَالْ وِيلاَ بَاغِي تَعّْرَفْ ….. زُرْنِي وَاتّْشُوفْ بّْعِينِيكْ
حَالْ مَا يَخْطَرْ لِكْ فَالبَالْ…. ضَعْـتَ أنَا وُبَاقِي الخّْيَالْ
حَالـْـفـَـة الأيَّامْ أ الغـّْـزَالْ… لا اعّْطَتّْ الطُّـوعْ بّْلاَ بِكْ
—————-
حَرّْشَتْ عّْلِيَّ الأشّْـوَاقْ…. سَلْطَاتْ عّْلِيَّ الحّْــمَـــاقْ

كَـالـْـتْ لِيَّ هَذا الفّْـرَاقْ….لا تَنْتَظَرْ شِي يَرّْفَـقْ بِيكْ
يَا مّْسْكِينَة؛ يَا مّْسْكِينَة
احّْبِيبَكْ وَحْدُه اللِّي دّْوَاكْ الشَّافِي عَنْدُه
إيَاخّْدَكْ لَلْجَنَّة بِــيــدُو
أوْ لْجَهَنَّمْ إيخَــلـِّــيـكْ
———————
كُـلّْ ذَا كُنْتْ انّْصِيــــبْ ادّْوَاهْ …….. وَالصّْبـَـرْ أنَـيـَـا مُــولاتـُـــــو
كُـل ذَا كُـنْتْ انّْصِيـــبْ ادّْوَاهْ …….. وَالـصّْـبـَـرْ كَـانْ قَـلبِي مُولاَهْ
افـّْـرَاقـَكْ وَاعَـرْ حَرْتّْ امّْعَاهْ …….. نـَـارُه اقـّْـيَاسْ الخِـيـرْ اعّْلِيكْ
عارالله وَاشّْ هـَــــاذّْ الخَــطـْـوَة ……..  دِيـــــرْهـَـا كـَــرمْ وُنـَـــخـّْـــوَة
فـَـكـّْـنـِـي مَـن هـَاذّْ الـدَّعْــــــوَة …….. اللـِّـي بَالْـيَانِي الله لاَ يَــبْــلِـيـــكْ
قَالُو لـِيَّ غَــيــَّـرْ المّْــكـَــانْ ……. جَـرَّبْ حَاوَلْ تَنْسَى مَا كَـانْ
ارّْحـَــلْ خَـلـِّـيهـُـمْ فّْ أمَانْ ……. الـْـــيـُـومْ لِهـُـمْ  وُغـَــدَّا لِــكْ
كـَــانْ اجّْــوَابـِـي بـَـسّْـكـَـاتِــي ……… عَـرفُـوني مُوهْبَة لِكْ احّْيـَـاتي
فـَـالـْـمَاضِي وَالحَاضَرْ وَالآتِي …….. وَأنْتَ اتـّْـصَرَّفْ وَلا عَــلِـيــكْ

يَاكْ أ جَرْحِي جْرِيتْ وُجَارِيتْ

 

ألا يمكن للنص الملحوني في قوته البلاغية أن يستفيد من البلاغة الموسيقية في إبداعات ملحنين ملهمين، وفي ذلك رِبح كبير لفن الملحون، وغنيمة موسيقية قمين بنا استغلال تجلياتها، فلكل مقام موسيقي شخصيته الدالة على آثاره على نفسية المستمع: فهذا مقام جالب للحزن، وهذا مقام يبعث على الفرح، وثالث يقلب المواجع، بل إن للنغم والإيقاع القدرة الهائلة على تصوير المشاعر الإنسانية في تنوعها وتناقضها ما بين الحماسة والخمول، بين القرب والسهد، بين التجلي والوجد،… فلنا أن نتصور كيف يمكن للنص الملحوني أن يستفيد من الثقافة الموسيقية في كل تمظهراتها.

إن للموسيقى قدرة هائلة على تطويع النص الشعري على نحو رائع يجعل المتلقي منتشيا بالحسنيين، الشعر من جهة، وترجمة معانيه موسيقيا من جهة ثانية، وهذا ما برع فيه النص الغنائي منذ تأسيس صرح الأغنية المغربية العصرية، ولنا إذن أن نتخيل أغنية تأسست مضامينها الشعرية على قصيدة ملحونية كما هو حال تجربة الراحل سعيد الشرايبي بمعية نص قصيدة “فَارْحَة المَنْشُوبَة” للشيخ السي التهامي المدغري[50] عندما لحن بعض المختارات منها، وقامت الفنانة نزيهة مفتاح بغنائها[51].

  • تجربة المسرح المغربي الذي متح من فن الملحون:

لنختم بحديثنا عن تجربة رابعة لا تخلو من أهمية مقارنة مع سابقاتها في التأكيد على توظيف فن الملحون من خلال المقاربة الموسيقية أو استغلال قدرة فنون الأداء على التوليف ما بين حقول فنية متنوعة، وهنا يظهر أب الفنون مشكلا قنطرة عبور ما بين الملحون وبعض الفرجات التي نسجت علاقات فنية معه.

لقد عرف المغرب الكثير من التجارب المسرحية قبل وبعد الاستقلال[52] أسست لكتابة مغربية صرف، حرضتها – في سياق اشتغالها – نزعة قوية نحو استثمار التراث المغربي في كل أطيافه وأنماطه المتمثلة في العادات، والتقاليد، والهندام التقليدي، والطقوس الاحتفالية، والأنماط الموسيقية الشعبية، وفنون القول من أحاجي، ومأثورات، وسير شعبية، وملاحم شعبية… ويظهر في هذا الخضم – أيضا – فن الملحون ديوانا للمغاربة، ووعاء شعريا يزكي هاته النزعة لاستثمار التراث المغربي الزاخر. لقد شكلت هاته المظاهر الفنية الشعبية مادة طيعة بين يدي ثلة من المبدعين الذين وجدوا في ذلك مختبرا مصغرا عكس تنوعا عرقيا مغربيا كان الجميع يجد ذاته فيه، وبالتالي كانت الفرجة مضمونة عبر تقديم الواقع من خلال إخراج فني بديع.

ومن الكتابات التي سارت على هذا النهج، تجربة انطلقت من المدينة الحمراء بكل حمولتها التاريخية، مدينة الفرجات المسرحية وما قبل مسرحية، مدينة ساحة جامع الفناء، ومدينة أول مهرجان وطني يعنى بالفنون الشعبية الموسيقية المغربية؛ ففي هذا السياق، نشير إلى تجربة مولاي الغالي الصقلي كاتبا، وعبد الكريم بناني مخرجا لمسرحية “قّْرِيقْعَة”[53]، كما نستحضر أيضا محمد شهرمان كاتبا، وعبد العزيز الزيادي مخرجا لمسرحية “نَكْسَة أرْقَام”[54]. ومن بين الآليات الفنية التي وظفتها كل من فرقة “شبيبة الحمراء المراكشية” وفرقة “كوميديا المراكشية” هو توسلهما بالغناء خلال العرض المسرحي، وانفتاحهما على بعض الألوان الغنائية الشعبية، خصوصا وأن بعض الممثلين كانت لهم اهتمامات غنائية بل إن بعضهم سيلتحق بمجموعتي ناس الغيوان وجيل جيلالة في إشارة إلى الفنانين مولاي عبد العزيز الطاهري، مولاي الطاهر الأصبهاني، ومحمد الدرهم؛ كما أن البعض الآخر كانت له صداقات مع شيوخ فن الملحون بمراكش، ورواد الغناء الشعبي.

سيحضر الملحون والغناء الشعبي أيضا في تجربة أخرى نعتبرها أكثر نضجا في توظيفها لفن الملحون، وهي تجربة عبد السلام الشرايبي مؤلفا مسرحيا ومخرجا من خلال عدد غير يسير من الأعمال المسرحية الناجحة مثل:

  • مسرحية “الحَرَّازْ”؛
  • مسرحية “سِيدِي قَدُّورْ العَلمِي”؛
  • مسرحية “مَكْسُورْ الجّْنَاحْ”؛
  • ومسرحية “النُّورْ والدِّيجُورْ”[55].

إن هاته النصوص المسرحية قد اعتمدت أساسا على فن الملحون كما يظهر ذلك لأول وهلة من عناوينها ومعجمها، وكانت الفرصة سانحة لتوظيف أقسام العديد من القصائد الملحونية متنا وألحانا وأداء كما تنشد في حضيرة أهل الملحون. لقد تأتي لعبد السلام الشرايبي بأن يقف على كنوز ملحونية تراثية، وأن يستغل عناصرها الثرية التي يبدو أنها كانت مصدر إلهام الطيب الصديقي وهو يعيد المعالجة المسرحية لفكرة “الحَرَّازْ” التي سبق للشرايبي أن اشتغل عليها من قبل.

يقول الدكتور حسن المنيعي[56] متحدثا عن مسرحية “الحَرَّازْ” ما نصه: “ومن المعلوم أن فرقة “الوَفَاء” المراكشية كانت قد قدمت هذا النتاج الذي ألفه عبد السلام الشرايبي عن فكرة تمتد مئات السنين. على أنه أخذ عجينة ثانية على يد الصديقي الذي عرف كيف يصوغ مادته في قالب غنائي استعراضي أكسب مبادرته نجاحا كاملا في سائر أنحاء المغرب العربي. وفي هذا الصدد، كتب ناقد تونسي يقول: “… لقد اعتمد الصديقي طريقة حديثة في الإخراج، وجعل الجماهير تشترك في التمثيل، من حيث لا تشعر، حينما حملها على ترديد الشعر الملحون الذي يمثل الأصالة في الإنسان … ومع روعة الإخراج ومزيته البارعة ألغى الصديقي الموسيقى التي كانت لعهد قريب تعتبر أحد عناصر الإخراج، ولكنه عوضها بالأناشيد الشعبية وبالملاحم، وجمال الصوت تكملة لواقعية الإطار”[57].

لقد استفاد المسرح كثيرا من الملحون، واستفاد هذا الأخير من المسرح الذي أخرجه من دور المولعين ومنتدياتهم إلى ركح المسرح كما قامت بذلك مجموعتا ناس الغيوان وجيل جيلالة، وبذلك يؤكد على أن له الكثير من المقومات الفنية التي جعلته مصدر جذب وإلهام.

على سبيل الختم:

خلاصة القول، يتبين لنا مما سبق ذكره بأن مقولة: “الملحون فراجتو فاكلامو” وإن تناولت جانبه الشعري والبلاغي، فهي لم تعكس جانبا آخر يتعلق بتجليات الفرجة الموسيقية التي يتضمنها، فضلا عن الإمكانيات الفنية التي جعلت بعض التجارب تمتح من روحه الخلاقة على نحو ما وقفنا عليه بمعية النص الغنائي العصري، وفي بعض إبداعات مجموعة ناس الغيوان وجيل جيلالة، وكذلك في بعض أعمال الفنان عبد السلام الشرايبي المسرحية.

وبذلك تكون قضية الإنشاد المعروضة للنقاش قد فتحت باب النقاش بشكل جدي للالتفات إلى اعتماد طرق جديدة لأداء قصيدة فن الملحون، وإيلائها العناية الموسيقية الكفيلة بوضعا في صلب اهتمام شباب اليوم، وكذا استغلال قوة “السّْرَّابة” شكلا ومضمونا للحصول على أغنية رشيقة بمواصفات عصرية. فلا خوف على النص الملحوني بعد المجهودات الجبارة التي قامت بها أكاديمية المملكة المغربية من خلال مشروعي “معلمة الملحون” و”موسوعة الملحون”، وكذا المجهودات المحمودة التي تقوم بها كل الجمعيات المنتشرة على التراب الوطني في صيانة ديوان الملحون والبحث في مضامينه، إنما التوجس حاضر بثقله أمام هاته الطفرة التكنولوجية التي جعلت العالم قرية صغيرة، وسمحت بتثاقف غير متكافئ  يجعلنا نخاف على خصوصياتنا الثقافية والفنية.

دعونا نصخي السمع لشباب مجتهد موسيقيا، آلَى على نفسه التواجد في منزلة وسطى تتجاذبها منزلتان، منزلة المدرسة التقليدية المحافظة، ومنزلة المدرسة المنقادة بشكل جارف إلى الأنماط الموسيقية الغربية الغريبة على تربتنا المغربية الأصيلة؛ فتحية عالية لكل من سناء مرحتي، ماجدة اليحياوي، رضوان الأسمر، نبيلة معن، أسماء الأزرق، حاتم إدار، نزيهة مفتاح، وأسماء أخرى…

 

آزمور في السبت 19 غشت 2023

 

 

 

 إحالات 

[1] عنوان مداخلة شاركت بها يوم السبت 19 غشت 2023 بفضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بساحة ابراهام مول نيس بمدينة آزمور، وذلك في إطار ندوة فعاليات الدورة الحادية عشرة للمهرجان الدولي لفن الملحون – ملحونيات آزمور – المنظم خلال الفترة الممتدة من 17 إلى 19 غشت 2023؛ طرحت هاته الندوة العلمية موضوع: “قضية الإنشاد في شعر الملحون المغربي“: “المَلْحُونْ افّْرَاجْتُو فَاكّْلاَمُو” أو “التأويل النغمي لمعاني شعر الملحون“. شارك فيها كل من الأستاذ سفيان أكديرة، الأستاذ الباحث في الموسيقى من مدينة سلا، والأستاذ عبد العالي السيباري، المدير الإقليمي للثقافة بمدينة الجديدة، وأدارتها الأستاذة ماجدة بنحيون، أستاذة التعليم العالي بجامعة شعيب الدكالي  بمدينة الجديدة.

[2] باحث؛ كلية اللغات والآداب والفنون، جامعة ابن طفيل، القنيطرة؛ تحت إشراف الدكتورة نورة لغزاري.

[3] حسن المنيعي، أبحاث في المسرح المغربي، منشورات الزمن، ط 2، يناير 2001.

[4] محمد الفاسي، معلمة الملحون، ق 1، ج 1، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، أبريل 1986، ص 100.

[5] عباس الجراري، القصيدة، الزجل في المغرب، مطبعة الأمنية، مارس 1970.

[6] في سياق جوابه عن سؤال: ما معنى كلمة ملحون؟، دحض الشيخ أحمد سهوم حجاج كل من الأستاذ محمد الفاسي والدكتور عباس الجراري، مرجحا أن تبتعد كلمة “ملحون” عن اللحن بمعنى الإنشاد والتنغيم والتلحين من جهة، وعن الخطأ اللغوي من جهة ثانية؛ في ذات السياق، وعودة إلى بعض النصوص الملحونية، نجد الشيخ أحمد سهوم ينتصر في نهاية المطاف إلى أن الملحون هو “القول البليغ، الواصل المقنع“، وكيف لا وقد عرَّج في معرض حديثه أيضا على حديث نبوي شريف رواه الطبراني، نقف فيه على كلمة “أَلْحَنَ” المشتقة من الجذر اللغوي “ل ح ن”. فعن ابن عمر قال: اختصم رجلان إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنما أنا بشر إنما أقضي بينكم بما أسمع منكم، ولعل أحدكم أن يكون ألْحَنَ بحجته من أخيه، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا، فإنما أقطع له قطعة من النار. وفي رواية أخرى: لَعَلَّ أحَدَكُمْ يكونُ أَلْحَنَ بِحُجَّتِه مِن الآخر، فأقضي له على نحو ما أسمع.

[7] أحمد سهوم، الملحون المغربي، منشورات شؤون جماعية، ط 1، نونبر 1993، ص 231.

[8] فرجة نزهة الخاطر بصدور الديوان العاشر، احتفالية الملحون ديوان المغاربة، تنظيم أكاديمية المملكة المغربية، الأربعاء 24 ماي 2017، مقتطف من قصيدة “فن الملحون” نظم: الشيخ الحاج أحمد سهوم، الصفحتان 44 و45.

[9] محمد الفاسي، معلمة الملحون، القسم 1، ج 1، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، أبريل 1986.

[10] أحمد سهوم، الملحون المغربي، منشورات شؤون جماعية، ط 1، نونبر 1993.

[11] محمد المدلاوي المنبهي، عروض الملحون، الجهاز الصوري المُوَلِّد للأوزان، من ص 163 إلى ص 200، ورقة بحثية ضمن كتاب: الفن المكمول، نحو مقاربة جديدة للشعر الملحون، منشورات النادي الجراري رقم 92، ط 1، 2020.

[12] أحمد سهوم، الملحون المغربي، منشورات شؤون جماعية، ط 1، نونبر 1993، ص 17.

[13] موسوعة الملحون، ديوان الشيخ عبد القادر العلمي المعروف بسيدي قدور العلمي، جمع وإعداد لجنة الملحون التابعة لأكاديمية المملكة المغربية، إشراف وتقديم: الأستاذ عباس الجراري عضو أكاديمية المملكة المغربية، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة “التراث”، الرباط 2009، ص 157.

[14] موسوعة الملحون، ديوان الشيخ الجيلالي امتيرد، جمع وإعداد لجنة الملحون التابعة لأكاديمية المملكة المغربية، إشراف وتقديم: الأستاذ عباس الجراري عضو أكاديمية المملكة المغربية، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة “التراث”، الرباط 2008، ص 281.

[15] موسوعة الملحون، ديوان الشيخ أحمد الغرابلي، جمع وإعداد لجنة الملحون التابعة لأكاديمية المملكة المغربية، إشراف وتقديم: الأستاذ عباس الجراري عضو أكاديمية المملكة المغربية، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة “التراث”، الرباط 2012، ص 353.

[16] أحمد سهوم، الملحون المغربي، منشورات شؤون جماعية، ط 1، نونبر 1993، ص 28.

[17] موسوعة الملحون، ديوان الشيخ التهامي المدغري، جمع وإعداد لجنة الملحون التابعة لأكاديمية المملكة المغربية، إشراف وتقديم: الأستاذ عباس الجراري عضو أكاديمية المملكة المغربية، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة “التراث”، الرباط 2010، ص 679.

[18] المرجع السابق، ص 687.

[19]  أحمد سهوم، الملحون المغربي، منشورات شؤون جماعية، ط 1، نونبر 1993، ص 34.

[20] مرجع سابق، ديوان الشيخ أحمد الغرابلي، ص 67.

[21] مرجع سابق، ديوان الشيخ الجيلالي امتيرد، ص 49.

[22] المرجع السابق، ص 277.

[23] مرجع سابق، ديوان الشيخ السي التهامي المدغري ص 199.

[24] أحمد سهوم، الملحون المغربي، منشورات شؤون جماعية، ط 1، نونبر 1993، ص 41.

[25] موسوعة الملحون، ديوان الشيخ إدريس بن علي السناني المعروف “بالحنش”، جمع وإعداد لجنة الملحون التابعة لأكاديمية المملكة المغربية، إشراف وتقديم: الأستاذ عباس الجراري عضو أكاديمية المملكة المغربية، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة “التراث”، الرباط 2012، ص 189.

[26] عند هذا المستوى، كلما أشرنا إلى مفهوم الجملة الإيقاعية، فالقصد من ذلك هو تجليات التفعيلة الإيقاعية الخاصة بالبيت الشعري الواحد، وليس الجملة الإيقاعية الخارجية التي سنفرد لها حيزا فيما سيأتي.

[27] المرجع السابق، ص 349.

[28] مرجع سابق، ديوان الشيخ أحمد الغرابلي، ص 273.

[29] أحمد سهوم، الملحون المغربي، منشورات شؤون جماعية، نونبر 1993، ص 50.

[30] المرجع نفسه، ص 50.

[31] مرجع سابق، ديوان الشيخ أحمد الغرابلي، ص 415.

[32] أحمد سهوم، الملحون المغربي، منشورات شؤون جماعية، نونبر 1993، ص 52.

[33] عبد العزيز بن عبد الجليل، فن الملحون، تاريخه، مصطلحاته، طبوعه، نماذج موسيقية، عرض نظري تطبيقي بتعاون مع الجمعية المغربية للثقافة الموسيقية، الرباط 16 يناير 1998.

[34] محمد الفاسي، معلمة الملحون، القسم 1، ج 1، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، أبريل 1986.

[35] عبد العزيز ابن عبد الجليل، معجم المصطلحات الموسيقية لطرب الملحون، منشورات النادي الجراري، ع 98، ط 1، الرباط 2020، ص 18.

[36] في خضم هاته الندرة على مستوى الكتابات العلمية الأكاديمية التي قاربت قصيدة فن الملحون على مستوى الإنشاد مقاربة موسيقية صرفة، ظهرت بعض الأبحاث التي شكلت الاستثناء، ومنها كتابات كل من الدكتور عباس الجراري والأستاذ أحمد عيدون؛ وفي ذات السياق، يظهر بأن للأستاذ عبد العزيز ابن عبد الجليل مشروعا بحثيا موسيقيا متقدما.

[37] عباس الجراري، موسوعة الملحون، مقدمة ديوان الشيخ عبد العزيز المغراوي،  مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة التراث، الرباط 2008، ص 18.

[38] المرجع السابق، ص19.

[39] عبد العزيز ابن عبد الجليل، معجم المصطلحات الموسيقية لطرب الملحون، منشورات النادي الجراري، ع 98، ط 1 2020، ص 35.

[40] في الموسيقى الأندلسية المغربية، نعثر على ما يشبه تفعيلة إيقاع “لَمْصَّرْفْ”، ويتعلق الأمر بإيقاع القُدام في صيغته “المصرفة”، ينظر في ذلك كتاب الموسيقى الأندلسية المغربية، نوبة غريبة الحسين، التدوين بالنوطة الموسيقية للأستاذ محمد ابريول، ط 1 1985، ص 19.

[41] وهو ما يسمى عندهم ب: “القّْلُوبْ”

[42] تختلف المقادير الطبيعية لأصوات المقامات المشرقية المستعملة في إنشاد قصيدة فن الملحون، فالراست المشرقي تختلف درجاته الثالثة والسابعة عن الراست الملحوني.

[43] https://www.youtube.com/watch?app=desktop&v=DRdPqo337ok&fbclid=IwAR2ek9BqJvS-u7KKKGeR2HDYXnfi28TWFMj_VkxLVMLBsNwd6wiRzXeDn5M

تاريخ المعاينة: الثلاثاء 29 غشت 2023

[44] مشروع توثيقي لمستعملات الموسيقى الأندلسية المغربية، وقد هم أحد عشر نوبة في صيغتها الكاملة، في حوالي 73 أسطوانة، أشرفت عليه وزارة الثقافة المغربية خلال الفترة الممتدة من مايو 1989 حتى فبراير 1992؛ ضم هذا التسجيل حوالي 81 ساعة من الموسيقى والغناء التي يغطيها الرصيد الكامل لهذا الفن.

[45]  مشروع توثيقي أشرفت عليه وزارة الثقافة المغربية على مراحل زمنية متباعدة، عبر تسجيلات صوتية لكبار شيوخ وممارسي الموسيقى المغربية، أسفر ذلك عن إصدار بعض أمهات قصائد فن الملحون، وبعض ميازين الموسيقى الغرناطية، وجانب آخر توثيقي هم أشهر المستعملات على مستوى الفنون الشعبية الجماعية.

[46]  مشروع حديث سار على نهج سابقيه، أشرف عليه مركز الدراسات الصحراوية التابع لجامعة محمد الخامس بالرباط خلال سنة 2013 في حوالي خمس أسطوانات، وتوقف عند بعض مستعملات الموسيقى الحسانية الصحراوية في كل من المغرب، والمناطق الموريتانية المتاخمة.

[47]  من تجليات إبداعات، وخلجات، ومعاناة العبيد الزنوج بالمغرب، وقد استفاد هذا الفن من تصنيف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، تراثا إنسانيا ضمن اللائحة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي، وذلك خلال سنة 2019.

[48]  رقصة حربية شعبية تقليدية أمازيغية، تميز منطقة غرب الأطلس الكبير، وقد تم تسجيلها خلال نهاية سنة 2017 ضمن لائحة منظمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي، لحمايتها والعمل على استمراريتها.

[49]  سلسلة نغم للطرب المغربي، العدد الأول، أحمد الطيب العلج، منشورات نغم، 2014، ص 46.

[50] مرجع سابق، ديوان الشيخ السي التهامي المدغري ص 199.

[51] تاريخ المعاينة: الأربعاء 16 غشت 2023

https://www.youtube.com/watch?v=Ld8dIft_x9c

 

[52] 1- حسن المنيعي، أبحاث في المسرح المغربي، منشورات الزمن، ط 2، يناير 2001؛

2- محمد أديب السلاوي، المسرح المغربي، البداية والإمتداد، دار وليلي للطباعة والنشر، 1996؛

3- حسن يوسفي، المسرح المغربي، مداخل للتأريخ والتوثيق والأرشفة، منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة،    سلسلة رقم 33، 2015.

[53] حسن المنيعي، أبحاث في المسرح المغربي، منشورات الزمن، ط 2، يناير 2001، ص 96.

[54] المرجع السابق، ص 99.

[55] عبد الله المعاوي، ندوة فكرية حول المسرح المغربي في علاقته بفن الملحون، مداخلة تحت عنوان: “المسرح المغربي والملحون، إبحار في التجربة المراكشية”، الأربعاء 12 يوليوز 2023، مهرجان مشور القصبة الأول لفن الملحون والموسيقى التراثية، مراكش من 10 إلى 16 يوليوز 2023؛ وخلال هاته الندوة، أشار إلى بعض القصائد الملحونية التي وظفها عبد السلام الشرايبي، من بينها: قصيدة “الحَرَّازْ” للشيخ المكي واجو، قصيدة “مَلِيكَة” للشيخ أحمد الغرابلي، قصيدة “فَاطْمَة” للشيخ إدريس بن علي، قصيدة “الكَاوِي” للشيخ بوعزة الدريبكي، قصيدة “الدَّارْ” للشيخ سيدي قدور العلمي، قصيدة “السَّفْرِيَّة” للشيخ عباس بن بوستة.

[56] حسن المنيعي، أبحاث في المسرح المغربي، منشورات الزمن، ط 2، يناير 2001، ص 143 و144.

[57] الحراز مسرحية طلائعية (نقلا عن جريدة الصباح)، جريدة العلم، 2 ماي 1971.

 

 

 

لائحة المصادر والمراجع

1- ابريول محمد، الموسيقى الأندلسية المغربية، نوبة غريبة الحسين، التدوين بالنوطة الموسيقية، ط 1 1985.
2- ابن عبد الجليل عبد العزيز، معجم المصطلحات الموسيقية لطرب الملحون، منشورات النادي الجراري، ع 98، ط 1، الرباط 2020.
3- بن عبد الجليل عبد العزيز، فن الملحون، تاريخه، مصطلحاته، طبوعه، نماذج موسيقية، عرض نظري تطبيقي بتعاون مع الجمعية المغربية للثقافة الموسيقية، الرباط 16 يناير 1998.
4- تسجيل بالصوت والصورة لقصيدة “فارحة المنشوبة” بصوت الفنانة نزيهة مفتاح، تاريخ المعاينة: الأربعاء 16 غشت 2023 –

https://www.youtube.com/watch?v=Ld8dIft_x9c

5- تسجيل بالصوت والصورة لقصيدة “الكاوي” بصوت الشيخ أحمد بدناوي ملحنة على نغمة الصبا، تاريخ المعاينة: الثلاثاء 29 غشت 2023 –

https://www.youtube.com/watch?app=desktop&v=DRdPqo337ok&fbclid=IwAR2ek9BqJvS-u7KKKGeR2HDYXnfi28TWFMj_VkxLVMLBsNwd6wiRzXeDn5M

6- الجراري عباس، القصيدة، الزجل في المغرب، مطبعة الأمنية، مارس 1970.
7- الجراري عباس، موسوعة الملحون، مقدمة ديوان الشيخ عبد العزيز المغراوي، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة التراث، الرباط 2008.
8- الحراز مسرحية طلائعية (نقلا عن جريدة الصباح)، جريدة العلم، 2 ماي 1971.
9- السلاوي محمد أديب، المسرح المغربي، البداية والإمتداد، دار وليلي للطباعة والنشر، 1996.
10- سلسلة نغم للطرب المغربي، العدد الأول، أحمد الطيب العلج، منشورات نغم، 2014.
11- سهوم أحمد، الملحون المغربي، منشورات شؤون جماعية، ط 1، نونبر 1993.
12- الفاسي محمد، معلمة الملحون، ق 1، ج 1، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، أبريل 1986.
13- فرجة نزهة الخاطر بصدور الديوان العاشر، احتفالية الملحون ديوان المغاربة، تنظيم أكاديمية المملكة المغربية، الأربعاء 24 ماي 2017، مقتطف من قصيدة “فن الملحون” نظم: الشيخ الحاج أحمد سهوم.
14- المدلاوي المنبهي محمد، عروض الملحون، الجهاز الصوري المُوَلِّد للأوزان، ورقة بحثية ضمن كتاب: الفن المكمول، نحو مقاربة جديدة للشعر الملحون، منشورات النادي الجراري رقم 92، ط 1، 2020.
15- مشروع توثيقي أشرفت عليه وزارة الثقافة المغربية على مراحل زمنية متباعدة، عبر تسجيلات صوتية لكبار شيوخ وممارسي الموسيقى المغربية، أسفر ذلك عن إصدار بعض أمهات قصائد فن الملحون، وبعض ميازين الموسيقى الغرناطية، وجانب آخر توثيقي هم أشهر المستعملات على مستوى الفنون الشعبية الجماعية.
16- مشروع توثيقي لمستعملات الموسيقى الأندلسية المغربية، وقد هم أحد عشر نوبة في صيغتها الكاملة، في حوالي 73 أسطوانة، أشرفت عليه وزارة الثقافة المغربية خلال الفترة الممتدة من مايو 1989 حتى فبراير 1992؛ ضم هذا التسجيل حوالي 81 ساعة من الموسيقى والغناء التي يغطيها الرصيد الكامل لهذا الفن.
17- مشروع توثيقي، أشرف عليه مركز الدراسات الصحراوية التابع لجامعة محمد الخامس بالرباط خلال سنة 2013 في حوالي خمس أسطوانات، وتوقف عند بعض مستعملات الموسيقى الحسانية الصحراوية في كل من المغرب، والمناطق الموريتانية المتاخمة.
18- المعاوي عبد الله، ندوة فكرية حول المسرح المغربي في علاقته بفن الملحون، مداخلة تحت عنوان: “المسرح المغربي والملحون، إبحار في التجربة المراكشية”، الأربعاء 12 يوليوز 2023، مراكش – تسجيل صوتي.
19- المنيعي حسن، أبحاث في المسرح المغربي، منشورات الزمن، ط 2، يناير 2001.
20- موسوعة الملحون، ديوان الشيخ أحمد الغرابلي، جمع وإعداد لجنة الملحون التابعة لأكاديمية المملكة المغربية، إشراف وتقديم: الأستاذ عباس الجراري عضو أكاديمية المملكة المغربية، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة “التراث”، الرباط 2012.
21- موسوعة الملحون، ديوان الشيخ إدريس بن علي السناني المعروف “بالحنش”، جمع وإعداد لجنة الملحون التابعة لأكاديمية المملكة المغربية، إشراف وتقديم: الأستاذ عباس الجراري عضو أكاديمية المملكة المغربية، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة “التراث”، الرباط 2012.
22- موسوعة الملحون، ديوان الشيخ التهامي المدغري، جمع وإعداد لجنة الملحون التابعة لأكاديمية المملكة المغربية، إشراف وتقديم: الأستاذ عباس الجراري عضو أكاديمية المملكة المغربية، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة “التراث”، الرباط 2010.
23- موسوعة الملحون، ديوان الشيخ الجيلالي امتيرد، جمع وإعداد لجنة الملحون التابعة لأكاديمية المملكة المغربية، إشراف وتقديم: الأستاذ عباس الجراري عضو أكاديمية المملكة المغربية، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة “التراث”، الرباط 2008.
24- موسوعة الملحون، ديوان الشيخ عبد القادر العلمي المعروف بسيدي قدور العلمي، جمع وإعداد لجنة الملحون التابعة لأكاديمية المملكة المغربية، إشراف وتقديم: الأستاذ عباس الجراري عضو أكاديمية المملكة المغربية، مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، سلسلة “التراث”، الرباط 2009.
25- يوسفي حسن، المسرح المغربي، مداخل للتأريخ والتوثيق والأرشفة، منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة،    سلسلة رقم 33، 2015.

 

عن madarate

شاهد أيضاً

لقاء حول المجلات الثقافية وفعل القراءة في إطار المعرض الجهوي للكتاب والقراءة بتزنيت

  في إطار المعرض الجهوي للكتاب والقراءة لسنة 2022 المقيم بمدينة تزنيت، بدعم من مديرية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *