” صُنِعَ بِسِحْرِكَ ” يا شعيب
عبدالرحيم شراد*
الذي يعرف شعيب البطار عن قرب أو تتيح له الظروف مجالسته ، يدرك أنه شاعر متمكن من بحور الخليل وأوزانها وما تعتريها من الزحافات و العلل. شاعر لا تروق له سوى كتابة القصيدة بشكلها العمودي و بلغة عربية فصيحة . غير أن هذا العشق للقصيدة العربية في شكلها التقليدي بالصدر ولعجز والروي والقافية، لم يمنعه يوما من تطويع القصيدة الزجلية كمن يمسك الثور الهائج من قرنيه و يصارعه حتى يستكين و يصبح طوع يديه . هذا هو شعيب البطار شاعر زجال وفنان موسيقي موهوب ، أينما حل وارتحل لا يفارقه عوده أبدا ، تراه تارة يحمله على كتفه و تارة أخرى يضبط أوتاره و يسويها كي يداعبها بأنامله ليستمتع و يمتع جليسه بأعذب الأنغام و أروع الألحان والأنامل تنتقل متراقصة على الزند والريشة في صد و رد توقع ما يعتلج في النفس و الخاطر. إن شعيب البطار لا يقتصر في العزف و الأداء على ما أنتجه عباقرة الملحنين بل يتجاوزه إلى أبعد الحدود كي يوقع علي آلته ألحانا جميلة من تلحينه و إبداعه الخاص . لهذا السبب اخترت كعنوان لهذه القراءة المتواضعة و المختزلة لقصائده الزجلية ، عبارة ” صنع بسحرك “، إنها عبارة كل حرف فيها يشير إلى أول حرف من اسم مقام من مقامات الموسيقى العربية . فحرف الصاد يرمز إلى مقام الصبا و النون إلى النهاوند والعين إلى العجم و الباء إلى البياتي و السين إلى السيكا و الحاء إلى الحجاز والراء إلى الراست أما الكاف فيشير إلى مقام الكرد. هذا العشق للموسيقى والتلحين هو الذي منح شعيب البطار من المهارة و الدربة ما يكفيه لترتيب الجمل و العبارات الشعرية داخل قصائده الزجلية ، في كل قصيدة تشعر وكأنه يبني تركيبتها على أنغام مقام موسيقي معين . وهذا ما يعطي تفسيرا لطبيعة الإنتقالات داخل القصيدة من صورة شعرية إلى أخرى و من معنى إلى آخر. إنها انتقالات محكومة بتجربة موسيقية راكمها عبر سنوات طويلة من الدراسة و كذلك التدريس . فالشاعر أستاذ لمادة التربية الموسيقية وعازف مبرز في آلة العود . إن ولعه بالموسيقى و الألحان المغربية الصرفة المتجسدة في ألحان عباقرة من أمثال الأستاذ عبدالقادر الراشدي أو سعيد الشرايبي أو محمد بن عبدالسلام وابراهيم العلمي أو عبدالقادر وهبي و حسن القدميري . كل هذا الريبرتوار الغني والجميل هو الذي قاد شعيب البطار إلى كتابة القصيدة الزجلية كنوع من التماهي مع ألحان هؤلاء العباقرة. إن الوقوف عند عتبة الموسيقى أمر لازم . فهو بمثابة الوقوف عند الباب والاستئذان لدخول تجربة الشاعر الزجلية . ولعل أبرز قصيدة تختزل رؤية شعيب البطار ومفهومه للزجل هي قصيدة” موسم الكلام ” حتى أنه اختار عنوانها عنوانا عاما لمجموع قصائد ديوانه البكر . إن الشاعر الزجال في تمثلات شعيب البطار هو إنسان حاضن للمحبة بكل معانيها الإنسانية النبيلة والراقية ( حاضن المحبة )، فهو كالعاشق المتيم الولهان، يهيم في بحور الشعر و وديانه ( الهايمين في عشق الكلمة ) . قول الشعر أو كتابته هي نوع من فيض الخاطر (مرة الخاطر تصفى .. مرة الهم يطوال ) كتابة مرتبطة بأحوال النفس و حالاتها ، يحركها سلطان العشق حد الجنون ( يا سلطاني حرك هبالي .. يفدفد الطير الساكن حالي .. تصغى ليا و تسمع كلامي) . إن شعيب البطار يدرك في قرارة نفسي و يعي جيدا أن الشعر يكون في أبهى تجلياته و أقواها حينما يقال و يلقى في حضرة الجمهور . فكما كانت للشعراء العرب قديما سوق للشعر تسمى عكاظ و كما كان شعراء المديح يجهرون بقول القصائد في مجالس السلاطين . كذلك الشاعر الزجال حسب شعيب البطار قول الزجل عنده يكون أكثر حضورا و توهجا في المواسم و لحظات الاحتفال الجماعي حيث يقف الزجال وسط حشد متحلق حوله من المولوعين الراغبين في سحر القول و الكلام المعبر والموحي. إنها لحظة الزهو والنخوة والنشوة التي يشعر فيها الشاعر بأنه لا فرق بينه وبين الفرسان الذين يمتطون صهوات الخيول والجياد ويدخلون مضمار ” التبوريدة ” ليكتبوا بطلقات البارود حين تمتزج بالزغاريد و الصلاة و السلام على الرسول أجمل لحظات الفرح و الإبتهاج .
ناقد من المغرب