كظل كل صباح يمطرني بالكلمات الطاهرات الحسن الگامح
(إلى روح الشاعر محمد الشحات)
بيني وبينه مسافات
لكني كنت أحلق دوما
من حين إلى حين إليه عبر الاستعاراتِ الساحراتِ
كان قريبا مني
كظل كل صباح يمطرني بالكلمات الطاهرات
وقد تجلى لي من وجهه
يمتطي جواد ابتساماتٍ شاعراتِ
كان كل شيء واضحا وضوح المجاز
وهو يتلبس شمس كل الصباحاتِ
ويمدني بعطر النبضاتِ العابراتِ
لكن بين فينة وأخرى
غابت الكلماتُ
غابت الابتساماتُ
قلتُ: ربما في سفرٍ بعيد
يستريح من تعب القصائدِ الماطراتِ
أو أنه اختار اللجوء إلى قراءة ذاته من جديد
بين موجات الشط الثائراتِ
وفي صبيحة طل عليَّ كما يطل العصفور الجريحُ من شباكٍ:
أنا متعب
قمت بفحوصات عديداتٍ
وما زلت منتظرا رد الطبيب
كي أرتاح من محنة المحاقن الغائراتِ
قلت له: خيرا إن شاء الله فهو الشافي والكافي
قال من بعد:
صباح الفل ادعي لي أخذت بالأمس
أول جلسات الكيماوي
قلت :لك الطريق الشفاء سالما بين نسيم القاطراتِ
ثم أرسل لي قصيدة منشورة: أخاف من الكيماوي:
(كنت أمر بوجهي على وجهى
فأنا أخشى تأثير الكيماوي
وتغيير كرات دمي
وأخاف إذا ما مر بأوردتي
أن يقتل نبت قصائد لم تولد
أخشى ما أخشاه
بأن لا أعرف وجهي
وأظل أحايله كي يعرفني
كان مرور السائل
داخل أوعية الجسد
قطارا يبحث عمن يركبهُ
يندفع ببطء
خشية أن ينفلت من القضبان
وأروام الجسد تقاوم
لا ترغب في ترك أماكنها
حرب تندلع
وأشعر أن معارك تكبر
وقتالٌ شرسٌ
وصراخٌ وعويلٌ
ومحاولة إزاحة ما علق من الأورام)1
قرأتها مرات ومرات بأنفاس آسراتِ
آه يا رفيق الشعر
ما أبهاك وأنت تكتب الشعر
وتقاوم الكيماوي هناك
لا تبحث عن استعاراتٍ ساحراتِ
قدر ما تكتبك الآلام
وأنت على فراش السقم تعاندُ بالشعر
وتحيا بالشعر
مرابطا بين النبضات الصابراتِ
ثم قال في صباح بعد أن أرسل صورة له
محلقا شعر رأسه مبتسما
جالسا على الأرض متعبا من الذهاب والمجيء:
تعبت من حصص الكيماوي
ومن الانتظار ما لا ينتظر
ومن النظرات الحائراتِ
إلى أن قال لي في صبيحة:
محجوز في المستشفى فادعي لي
قلت: لك باب السماء مفتوحٌ
من رب رحيم يشفي السقيم
ولك في كل ثانية مني صدق الدعوات الشاكراتِ
وكان آخر نص أغرقني في حزن قاتلٍ
آه من صدري:
(أشعر أني منكمش
كيف تراخت أعضائي
وانفلتت من هيئتها
ما عاد رذاذ هواء يدخل صدري
كي ينعشني)
تعب الشاعر العاشق
وسلم الروح للسماء
وبقت أشعاره تنخر الأرواح الثائراتِ
شاعر من المغرب