[1]“أبا لحسن” تراث بشري حي بواحة دادس و مكونة عمر أيت سعيد
أبا لحسن إنسان ربما لن تجد له نظيرا في العالم، إنسان يعشق البقر والثيران، يحب هذه الحيوانات ويجعل منها رفقة طيبة له، يرعاها حق رعايتها، برفق وبعناية قل نظيرهما، يتواصل معها بكيفية تدهش الناس جميعا، يروض العنيف منها ويستنهض همم الضعيفة والنحيلة منها.
”أبا لحسن” رجل في الستين من عمره، بطل في ترويض الثيران والأبقار. عاش ولا يزال يعيش بيننا طيبا، نزيها ومتسامحا، تعتريه الخطورة في مهنته فهو الذي يعرض نفسه للهلاك من أجل خلاص الآخرين وراحتهم، حيث يتكفل بإيصال الدواب أو الأنعام التي تباع وتشترى في الأسواق إلى أهلها حين يتعذر عليهم كراء ناقلة لشحنها.
إننا نسوق لكم هذه التجربة لا رغبة في الكلام من أجل الكلام، لكن رغبة منا في إيضاح رؤية “أبالحسن” للعالم، فهو الرجل الإيكولوجي المرتبط بالأرض، المنسجم مع منطقها، منطق العطاء. الإنسان الأصيل المتواضع مع الجميع، إنه مثل نافذة تربطنا بالماضي الجميل. لا يؤمن بالحياة الحديثة المثقلة بالرداءة والتكنولوجيا التي سجنت الناس وسلبتهم حريتهم وجعلتهم يبتعدون أكثر فأكثر عن الطبيعة وفصولها وعن الحياة وواقعها.
”أبا لحسن ” زاول مهنة ترويض الثيران كيفما كان نوعها ودرجة عنفها، بإشارات وأساليب فنية، يُرْكِع الثور ويجعله وديعا، بل الأدهى من ذلك أنه يسوقه إلى البيت المقصود دونما حاجة إلى جره بحبل أو ما شابه. فهو يلوي الحبل على قرني الثور ويريه الاتجاه، وبعصا رقيقة من يديه يضبط سائر حركاته وسكناته، لا يعنف بها الدابة، لكنها تشبه إلى حد بعيد عصا الساحر التي تحول الأشياء وتطوعها.
أضف إلى مهنة ”أبا لحسن” المتسمة بالخطورة فهو يزاول مهنة أخرى وهي أنه يملك ثورا فحلا يطلبه الناس لأجل تلقيح وتخصيب الأبقار عند الحاجة. وما استرعى انتباهنا هو تلك الشجاعة الممزوجة بالوقار والاحترام والحشمة التي يتحلى بها ويشتغل بها ”أبا لحسن” في القيام بمهامه. هو الرجل المتسم بالقناعة في كل شيء. حينما ينجز مهمة من هذا النوع يكتفي بالقليل من النقود. وأحيانا يكتفي بالدعاء له فقط. يفرح الأسر ويسعدها أيما سعادة.
وكيف لا يتضامن الناس البسطاء الفلاحون معه وهو سر سعادتهم، فقد حدث في إحدى السنوات أن فقد ثوره إثر حادثة أودت بحياته، فغمره الحزن واليأس لكن الأيادي البيضاء رفعت عنه الضنك والقنط، حيث قدمت له مساعدات عينية ومادية إلى أن استطاع بعد أشهر قليلة أن يربي ثورا آخر يتحدى به عناد الطبيعة، وواصل مشواره المتسم بالعطاء وحب الخير للناس.
عادة ما تراه يسير وراء ثوره الفحل، الثور جزء منه رأس ماله الرمزي، صورته القوية في المجتمع، يمشي به في طرقات غير رسمية لأن ”أبا لحسن” يعلم علم اليقين المختصرات من الطرقات المفيدة في الواحة، فهو ليس بحاجة إلى الطرقات المعبدة التي يعرفها ويعلمها العامة من الناس والتي يعتقدون أنها السهلة والسريعة للوصول، لأن “أبا لحسن” ابن القرية والواحة، ابن الأرض يعلم سرها وشعابها ويدرك شرايينها وأوردتها.
شخصية كبيرة مثل ”أبا لحسن” تكرم أيما تكريم في الأمم التي تحترم الإنسان والأرض، تلك الأمم التي تعلق ميداليات ذهبية على صدور مثل هؤلاء العظماء، لأن مثله نادر يحب الحيوان ويحافظ على القيم ويتعاون مع الجميع أمثاله تعتبرهم الدول المتقدمة تراثا بشريا حيا. نحن أوردنا هذه الحروف لأننا نؤمن بقوة الكلمات والحروف اعترافا منا بجميله وعطائه. نفتخر به لأنه خدم الجميع في زمن الرداءة، فانتصر للمصلحة الجماعية والطبيعة والحياة.
باحث في الأمازيغية من المغرب
[1][1] لوحة تشكيلية بأنامل الفنان محمد العمراني