كتاب في التفكير للمفكر علي حرب: ملاك الله والأوطان لعلي حرب – اسماعيل هموني
أن تجالس كتابا؛ معناه؛ أن تعيش الترحال… والسفر… والمتعة… وأناقة التفكير. مجالسة الكتاب فتح في العتمات؛ وسعى في اللامعلوم حتى تتبين الخيوط، أبيضها من أسودها. حين تسمع للكتاب، فأنت تسمع التعدد؛ وترى بأذنك ما لا تراه عينك. ترى جيشا من التفكير مدججا بالمعاني التي عكفت عليها لن تجمعها بوحدك. على حد التخوم تجد ما فاتك من الفواصل؛ وتقبض ما ظل هاربا من وعيك. حين تتخطى تلك التخوم يتربص بك اللاوعي فتغشاك عوالم التخييل ولا ترى سوى ما غمغم فيك وأنت طفل؛ ولا تسمع سوى من تراسل فيك وأنت أبعد من طفولة.
أن تقرأ كتابا، تستعيد الأصوات التي انطمرت في شقوق غائرة؛ وتسترد اللحون التي دهستها الألسن حتى تشابهت كالحجر.
ههنا نجلس لنقرأ؛ ندع الكتاب يقودنا إلى حيث يريد؛ نشخص بأبصارنا؛ نتبعه ونحن نتحسس وعينا؛ ندرك المسافات الفاصلة بيننا وبينه؛ وندغم أشكال الوعي التي تتفارز في صيغ التواشج أو التوالج من الأساليب؛ وأفانين التبالغ الجمالية.
عندها فقط؛ ندرك / نعلم أننا نقرأ، وأننا في جلسة لا تنتهك حرماتها إلا صمتا؛ وأنفاس صاعدة نحو الأعالي؛ وأخرى هابطة نحو أعماق في قاع الوقت.
كأننا في صلاة مقدسة؛ متمرسة بالخشوع؛ والامتثال النقي لصوت القداسات. نعيش النداء؛ ونقيم في الاصطفاء؛ ونولد مرات في البهاء.
نأتي من المستقبل؛ ونحن نقبض يد الحاضر غير خائفين ولا خائبين…
كتاب في التفكير للمفكر علي حرب: ملاك الله والأوطان لعلي حرب
ما فتئ علي حرب يواصل نقده للأطر العليا للفكر البشري ؛
مستعينا بأدوات التفكيك والتركيب ؛ مستفيدا من فتوحات الفلسفة من غير أن يكون صنما لها أو لغيرها .
في مشروعه الفكري الذي لا يخندقه ضمن أصحاب المشاريع الفكرية في العالم العربي ؛ ولا يتنزل منازل أرباب الإيديولوجيات
الكبرى ؛ من القدماء أو المحدثين ؛بل يزعم أنه “يفكر” ؛و يحلل ؛ ويكشف عن المسكوت عنه ؛ويرفع السر عن اللامعقول في العقل نفسه.
وهو كما يصف نفسه ” فريد في تجربتي الفكرية ؛ لا أشبه احدا “.
ويأتي كتابه هذا ضمن رؤيته للأزمات الكونية ؛ مفصلا فيها القول عن : الهشاشة /و المفارقة /و الفضيحة . كما يراها من حيث يدري أو لا يدري.
رأيت بعض ما استرعى انتباهي هنا ؛ كما جاء على النحو الآتي:
■ الفكر الحي هو تفكر وارتداد ؛ وهو توتر وتقلب ؛بقدر ما هو خلق وتحويل . (ص: 9)
■ لنحسن القراءة والتشخيص ؛ لكي نحسن التقدير والتدبير. فالإنسان هو المشكلة ؛ لأنه ليس على مستوى ما يدعيه من
القيم والمبادئ أو العقائد والشرائع التي لايحسن سوى انتهاكها والإساءة إليها. (ص:10)
■ ولذا فإن أكبر الأخطاء وأفدح الخسائر تأتي من المتألهين؛ ممن يدعون احتكار الحقيقة ويحتقرون الناس ؛ من الفلاسفة والأنبياء؛ القدامى والجدد. (ص:12)
■ تلك هي إشكالية الحقيقة ومحنة المعنى: من يبحث عن الحقيقة النهائية يضل عنها؛ ومن يدعي القبض على المعنى
لا يحسن سوى انتهاكه .(ص:20)
■ من لا سلطلة له لا حرية له .(ص:37)
■ إن الإنسان لا يحسن سوى إنتهاك ما يدعو إليه. (ص: 38)
■ تلك هي العدمية المعاصرة : إن حراس القضايا هم أول من يسيئوا إليها أو يدوسوا عليها . (ص: 43)
■ لذا فالحرية ليست فردوسا ضائعا نستعيده ؛ بقدر ماهي مسار من الإبداع والتحول والبناء لا يتوقف. (ص: 56)
■ إن اللامعقول هو قاع العقل وباطنه وحياته السرية . (ص: 86)
■ المعنى هو ما يختلف عن نفسه باستمرار ؛ باختلاف الكلام عليه.(ص: 105)
■ فالرهان هو التفكير والعمل بلغة الخلق والتحويل أو التجاوز والتركيب ؛ بابتكار ما هو فائق ومتسارع أو هائل أو عابر من العوالم والنظم أو الأصعدة والمجالات أو الإجراءات والأدوات. (ص: 117)
- ● قراءة ممتعة●●
ناقد من المغرب