“نسوةٌ قطعنَ أرجلهنَ، سعيا في محنِ الحياةِ، وقلنَ – حاشا للهِ – إنَ يبقنا معذبات”
ترصينِ أولى
تَشَكلَ للمرأةِ تموضعٌ جماليٍ في مختلفِ مجازاتِ وأجناسِ السردياتِ المقروءةِ والمنظورةِ بوصفها دالة تعبيرية، ومدلولاً إنسانيا تبلورَ كحاضنةٍ وجوديةٍ لنطفةِ الحياةِ الأولى، ورديف غريزيٍ لجسدِ الرجلِ، ورمز لدلالةِ الخصوبةِ والنماءِ، وأيقونةٌ لجدليةِ الجمالِ والعطاءِ. ومعَ تطورٍ وتقلبات المفاهيمِ المجتمعيةِ وتأثيراتُ العواملِ الاقتصاديةِ والسياسيةِ بدأتْ المرأةُ تظهر عبر واجهة الفنونُ بتمظهراتٍ مختلفةٍ اقتربتْ منْ علاماتها الحياتيةِ كفاعلِ محركٍ لصناعةِ المثلِ والقيمِ العليا في الحياةِ.
إلا أنَ “الفوتوغرافيا” وتحديدا في ساحتنا العربيةِ ، ظلتْ حذرةً في تجسيرِ علاقتها معَ موضوعةٍ “شيئيهِ” المرأةَ في الصورةِ وحاذرتْ منْ إقحامِ عدساتها في خانةِ قيمها الجماليةِ خشيةِ كسرِ قواعدَ المقيداتِ والأعرافِ الدينيةِ والاجتماعيةِ التي تحولُ دونَ الولوجُ إلى المحذورِ منْ خصوصياتها التي تجاوزتها مساحةُ الفنونِ العالميةِ ومنها “الفوتوغرافيا” عندما اشتغلتْ على جسدِ المرأةِ بوصفهِ مجسا تعبيريا، وموديلاً إغرائيا، وماكيتا أنثويا للتسويقِ التجاريِ واستثمرَ كيانها عبرَ الفنِ الرخيصِ، والهابطَ بشيءٍ منْ الانحطاطِ والدونيةِ.
وهوَ ما قيدُ مساحةِ هذا الاشتغالِ بالرفضِ الضمنيِ لدى تعاملِ المصورينَ معَ عنوانها في ساحتنا “الفوتوغرافيةِ” العربيةِ التي بقيتْ تحافظُ على كيانِ المرأةِ بوصفها قيمة إنسانية عليا. لا يمكنُ تجاوزَ المثلِ النبيلةِ التي رسمتْ لها في حدودِ المحرماتِ الدينيةِ والاجتماعية. وساهمَ ذلكَ في تقييدِ توظيفِ وجودها سلبا في مجالاتِ الفنونِ إلا ماندارْ وبشكلً شاذٍ للقواعدِ العامةِ.
وتوثيقا، سنجدُ لعنوانِ المرأةِ حضورا ضعيفا في تاريخِ “الفوتوغرافيا” العراقيةِ، إلا في إطارِ الظهورِ الرسميِ أوْ تمريرِ علاماتها في مساحةِ الخبرِ الصحفيِ، أوْ الاشتغالِ على شيئيتها في الصورةِ “الفوتوغرافيةِ” بتوظيفٍ جماليٍ، كقيمةٍ إنسانيةٍ يتمُ تجسيدهُ منْ خلالِ التفريغِ العاطفيِ اتجاهُ دورها المجتمعيِ.
فالمرأةُ تموضعتْ في وعينا الجمعيِ بعاطفةِ الأمومةِ، والحسُ الوجدانيُ لغريزةِ الحبِ والارتباطِ. وبقيتْ مقرونةً اجتماعيا بالمظلوميةِ والاستلابِ والقهريةِ في محيطنا المحليِ.
هذا المهادِ يقربُ لنا تلمسُ الخصوصيةِ المتفردةِ التي امتازَ بها المصورُ المبدعُ ” محمدْ ديجانْ ” في اقتحامِ عالمٍ مليءٍ بالمحاذيرِ والمقيداتِ بلْ والمنحازُ بقوةٍ أحيانا، لكنهُ تسلح بثقافةٍ بصريةٍ مكنتهُ أنْ يوظفَ “شيئية” المرأةَ في اشتغالاتهِ بدافعِ الانحيازِ لعنوانها الوجوديِ في حياتنا.
فآثر الدخولْ منْ زاويةِ الانتماءِ العاطفيِ لقضيتها بوصفها جبلاً للصبرِ والتضحيةِ والإيثارِ. ونجحَ في كسبِ جوازِ مرورهِ لعالمها الحذر. مجسرا علاقةَ عدستهِ بنجاحِ معَ قضاياها الإنسانيةِ وفاعليتها الحياتيةِ.
خصوصية التجربة
الملفت بتجربةِ “محمدْ ديجانْ” “الفوتوغرافيةَ” غزارةَ الإنتاجِ. فالصورةُ تشكلُ عندهُ زادا يوميا وتدوينا أخلاقيا للدفاعِ عنْ مسؤوليتهِ كراصدٍ اجتماعيٍ، ووجدنا في “شيئياته” الجماليةَ شيءَ منْ التأثرِ الفنيِ والنزعةِ الانتمائيةِ لتجربةِ الرائدِ “فؤادْ شاكرْ” اتجاهِ تحملِ مسؤوليتهِ كفاعلٍ بصريٍ لملاحقةِ مرصودات الواقعِ.
فهناكَ همُ كبير، واوجاعْ تسكنَ ثنايا صورِ “محمدْ ديجانْ” فهوَ يلاحقُ المعيش اليومي ويبحثُ عنْ المتروكِ، والمسكوتِ عنهُ بصريا، والمخفيَ في أروقةِ الواقعِ والمنسيِ خلفَ زخرفِ العمارةِ الحديثةِ.
“محمدْ ديجانْ” لا تغريه الأضواء البراقةُ والمشاهدُ المألوفةِ، بلْ يبحثُ عنْ القضايا الرثةِ فهوَ “بروليتاريٌ” النزعةِ في فنهِ البصريِ، نجدُ صورتهُ تتمردُ على واقعها الفنيِ، وتسعى خلفَ مهمة إظهارِ قساوةِ المضامينِ التي يسجلُ فيها محنُ إنسانهِ المقهورةَ يلاحقُ أمكنتهُ المتعبةَ. فكثيرا ما يجوب الأزقةَ والأسواقَ والحاراتِ الشعبيةَ مصطحبا كاميرتهُ كوسيلةِ إدانةٍ لكلِ ما يتركهُ تعسف الواقعَ اليوميَ. فظهرتْ صورتهُ في جزءٍ كبيرٍ منْ منجزهِ وهيَ تحملُ صبغتها المحليةَ، سعيا منهُ لكتابةِ قصصٍ بصريةٍ عنْ حياةِ الناسِ المتعبينَ والمهمومينَ يشاركهُ في نفسِ الاتجاهِ مجموعةَ مصورينَ أنتجوا ما اصطلحنا عليهِ بـ «الصورةُ الشعبيةُ” تميزتْ فيها مقوماتها الفنيةَ بتخليها عنْ الاهتمامِ بترف الصورةِ وانشغالها بتعقبِ همومِ الناسِ المتعبينَ سجلوا منْ خلالها سردياتٌ بصريةٌ تناولتْ مختلفَ قضاياهمْ اليوميةِ وتركتْ علاماتها أثرا بارزا في بانوراما “الفوتوغراف” العراقيِ.
لكنَ ما يميزُ خاصيةَ “شعبيةِ” الصورةِ عندَ “محمدْ ديجانْ ” قدرتهُ على إيجادِ قيمةٍ قصصيةٍ يعملُ على متابعةِ أثرها بصريا، ويحرصَ على تجذيرها لتكون علامةٍ مميزةٍ في منجزه وهوَ ما انتبهنا لهُ في مسارِ تجربتهِ “الفوتوغرافيةِ” الغنيةِ، تركَ فيها علامةٌ قصصيةٌ لجانبٍ منْ حياةِ المرأةِ في صوره.
المحنة والامتحانِ في نسوةِ محمدْ ديجانْ
“محمدْ ديجانْ” كما أسلفنا يمتلكُ عدسةَ شعبيةٍ باهرةٍ في اشتغالاتها. ظهرتْ فيها مواضيع صوره تحملِ مواقفِ الإدانةِ والرفضِ فهيَ أقرب إلى “البوستر” السياسيِ والاجتماعي منها إلى اللوحاتِ “الفوتوغرافيةِ” فالصورةُ عندهُ تشكلُ موقفا يكتبهُ بمنطوقٍ بصريٍ. فهو لا يميل إلى شرحِ آرائهِ عبر التعبيرات النصيةَ لكنهُ يتركها بينَ ثنايا “شيئية” صورتهُ. وأحيانا يضطرُ تركها في عناوينها عندما يشعرُ أنَ رسالةَ الصورةِ ينقصها شيء منْ التعزيزِ اللغويِ لاستكمالِ شعاراتها الرافضةِ.
كما وجدَ في الصورةِ الوسيلةِ الأكثرِ قدرةً على العبورِ نحو موضوعةٍ عالمَ “النسوةِ” في محيطهِ الاجتماعيِ، تساعدهُ مقوماتُ جمالياتها على قابليةِ اشتغالهِ بالسردِ الضوئيِ ليقتربَ منْ قصصِ أوجاعهن ومظلوميتهن. دونِ أنْ تصدمهُ المحاذيرُ والمحرماتُ.
فجميعُ نسوتهِ لمْ يظهرنَ متبرجاتٌ، مرتاحاتٍ، مسترخيات، بفيافي الواقعِ المصطنعِ والمزيفِ. بلْ راحَ يشتغلُ على مساحةِ الأحزانِ والأوجاعِ في عالمهنَ فهؤلاء النسوةُ اللاتي يظهرنَ على طولِ مسارِ حضورهنَ في صورتهِ متشحاتٍ بالسوادِ. ولمْ يقطعنَ أيديهنَ حسرةً على جمالِ يوسفْ! بلْ يظهرهنَ في أعمالهِ البصريةِ موجوعات، مقهوراتٍ، منكسراتٍ، يذرفنَ الدموع وتتلطخُ وجوههنَ وأجسادهنَ بطين الأرض منْ هولِ مصائبِ فراعنةِ الحكامِ وجورهمْ وظلمِ كهنةِ معبدِ آمونْ!
جمالية صور النسوة
يجد “محمدْ ديجانْ” في الصورةِ مساحةَ تبليغٍ عنْ مواقفهِ. فهوَ لا يهتمُ كثيرا بترفِ الصورةِ الفنيِ. ولا أحسبهُ مهتما بما وراء “الالتقاطِ” فهوَ لا يميلُ إلى إدخالِ صورته إلى مختبرِ التحليلِ والتحسينات، إلا بمقدارِ المساحةِ التي تتيحُ لهُ عدمَ التجاوزِ على حرمتها الواقعيةِ المحضةِ.
هوَ يشعرُ إنَ خامةَ الصورة أمر مقدسٍ. لا يمكنُ التوغلُ لشيطنتها فنيا، بحيثُ تبدو حقيقتها مزيفةً أمام المتلقي. ولا يحمل الصورةَ أكثرَ منْ طاقتها، ويترك الجمال الفني ينسل منْ صورتهِ طوعا عبرَ واقعيتها المجردةِ منْ أيِ تدخلٍ خارجيٍ. لأنهُ يستهدفُ تسويقَ “النواةِ” ولا يحبذُ استعراضَ مظهر «الثمارِ” الموضوعةِ خلفَ زجاجِ العرضِ. ويرى أنَ خامةَ موضوعاتهِ الأساسيةِ هيَ الأقدرُ، بتجردها، على إيصالِ حقيقتها الواقعيةِ. دون ان يضطر لإرسالها إلى صالوناتِ التجميلِ، يعالج نقوصاتها، بلْ هو يريدها أنْ تظهرَ مرتديةً حقيقة صبغة مسحتها “الرثةُ “.
” محمدْ ديجانْ ” يحملَ كاميراتهِ بإحساسِ القلمِ يدونُ فيها يومياتُ نسوتهِ المقهوراتِ. ليشهر صورَ أوجاعهنَ كلافتاتِ احتجاج. ولا يتسترُ ببلاغةِ الجوانبِ الفنيةِ والجماليةِ بلْ يصرُ على سرعةِ اختزالِ المعنى وإيصالهِ.
التعاطف قبل التفنن
ما يفكرُ فيهِ “مُحَمَّد ديجانْ” في مروياتهِ النسويةِ، ليسَ صناعةَ الصورةٍ في بعدها اَلْجَمَالِيّ. إنما نشرُ جملاً لِعَنَاوِين تفصحُ عنْ بلاغاتٍ بصريةٍ. فهوَ لا يَهْتَمّ كثيرا بالقواعدِ الأساسيةِ في صناعةِ صورتهِ، وانْ بدأَ متمكنا منها بقوةٍ، كما اتضحَ ذلكَ في مجموعةِ أعمالٍ فنيةٍ شاهدناها في ثنايا منجزة، وامتازتْ بخصوصيةِ جمالياتها المتفردة.
لكنْ في مشروعهِ “اَلنِّسْوِيّ” أرادَ أنْ يحافظَ على رسالةِ التبليغِ اَلْبَصْرِيّ.
فهوَ يتركُ كاميرتهُ تنطلقُ ذاتيا وبتجردِ لتقتنص تمظهر الوجعِ في اجساد نسوتهِ بمنظورٍ عاطفيٍّ، قبلُ أنْ يدخلهُ في مقاربةٍ فنيةٍ لمقوماتِ التصويرِ. فما يؤثرهُ هوَ نشر خامةِ العواطفِ البصريةِ، قبل تسويق فنيةٍ الصورةِ. التي يجدها غيرَ نافعةٍ، وغيرُ قادرةٍ على أنْ تتسببَ بمضاعفةِ مخزونِ العاطفةِ في خامة صورتهِ. وقدْ يتسببُ اهتمامهُ بضبطِ التكوينِ وَمِيزَانَيْسنِ الصورةُ، أوْ تحسينِ إيقاعِ تكوينها فنيا، بخداعِ المتلقي وإضعافِ الأثرِ الانفعاليّ اتجاه أوجاعِ نسوتهِ اللائي قطعنَ أَرْجُلهنَّ مسرعاتِ، بوجع، للحاقِ بمروءةِ التأسي المنكشف داخلَ صورتهِ بإحساسٍ فطريٍّ. عسى أنْ يجدنَ استجابةٌ لأدعيةِ خلاصِ مَصَائِبهنَّ.
اختلاس الوجع عن بعد
” محمدْ ديجانْ ” وهوَ يتحركُ في مهمتهِ الجماليةِ، ليتفاعلَ معَ موضوعةٍ النسوةِ يحاولُ في مهمتهِ أنَ لا يرسل إشاراتٍ مباشرة لهنَ بأنَ هناكَ “متلصصٌ” يتابعُ رصدهنَ. ولا يسعى لأنْ يبلغهنَ بوجودِ عدسةٍ متطفلةٍ تلاحقهنَ. حتى يمنعَ صدور أيِ ردةِ فعلٍ مصطنعةٍ تسقطُ هدفهُ. فوجدناهُ يختفي متواريا ليختلسَ أوجاعهنَ عنْ بعدٍ. ويقفُ بمسافاتٍ محجوبةٍ، ليتصيدَ بحذر انفعالاتهن وكأنهُ لا يريدُ أنْ يقعَ في قبضةِ الاتهامِ بمسؤوليةِ فضحِ أوضاعهنَ ومواقفهنَ خارجَ صيرورتهنَ الطبيعيةَ في الحياةِ.
إنهُ “المتلصص” الحذر والخائف. وهوَ خوف مشروعٍ لاعتباراتٍ أخلاقيةٍ ومسؤوليةِ فنيةٍ. قدْ يوقعهُ التحفظُ الاجتماعيُ لتصويرِ النسوةِ في مأزقِ المساءلةِ لتصويرِ المرأةِ ونشرِ وجوهها في أوضاعِ لها مقيداتها الاجتماعيةَ.
ولأجل ان ْ يحافظَ على سلامةِ موقفهِ القانونيِ، والأخلاقيَ، ويشعرَ النسوةَ وذويهنَ بالرضا والقبولِ بمشاركتهِ صناعةَ الأثرِ في نقلِ سيرتهنَ الموجعةِ. نجده يركزُ فقطْ على تسجل مواقفَ التأييدِ ويبعثُ برسائلِ التضامنِ والمناصرةِ لقهريتهنَّ المعلنةَ في وجوههنَ. أو بما يختزله بأعضاء اجسادهن. فكلُ الانفعالاتِ والوجعِ والحزنِ المرسومةِ علاماتها في وجوهِ نسوتهِ وانفعالاتهنَ، تكاد تشكلُ مواقفَ موحدةً لجميعٍ منْ تمرُ عليهمْ هذهِ اللافتاتِ البصريةِ فيعلنونَ رضاهمْ طوعا. وإنْ كانتْ وجوهُ أمهاتهمْ هيَ المرفوعةُ فيها!
فلا خوفَ منْ أنَ يستصرخهنَ، مؤيدينَ، ومتضامنينَ. فهوَ لا يتحركُ بقصديةِ إظهارِ وجهِ نسوتهِ منفردا بذاتِه في صوره، بلْ يتعاملُ معهُ بوجوديةِ كسطح جماليّ تعممُ فيهِ أوجاعٌ إنسانيةٌ لا تنتمي لأحدِ بلْ تتسلحُ بتجسير مشتركْ للبعدِ الإنسانيِ.
“زينبية” الاحساس
لوْ تفحصنا دقةَ تمظهرِ المرأةِ في صوره، نجدُ أنَ أغلبَ توقيتاتٍ اقتناصاتها، تأتي في مناسباتٍ دينيةٍ، تتمادى أمهاتنا في التواجدِ في مشاهدها، عبرَ بواباتِ الولاءِ والمشاركةِ والتأسي العاطفيِ لعناوينِ المظلوميةِ التي جسرتْ هذهِ العلاقةِ الوجدانيةِ بينَ المرأةِ وبينَ مثلها العليا. التي عبرتْ عنها نساءُ مثالياتٍ في مواقفهنَ على مدارِ التاريخِ. ويقفُ في مقدمتهنَ أنموذج فريدٍ تمثلُ بمواقفَ وسيرةِ العقيلةِ “زينبْ الكبرى”. وما لحقَ بها منْ ظلامة إثر استشهادْ أخيها الإمام “الحسينْ ع” في واقعةِ الطفْ. والتي تشكلُ سنويا ساحةً للتضامنِ والانفعالِ الوجدانيِ، معَ قساوةِ ما جرى وما لحقَ بنسوةِ عيالٍ آلَ بيتُ المصطفى محمدْ (ص).
فركزَ “محمدْ ديجانْ” في قصتهِ الجماليةِ المتفردةِ على التعاملِ معَ وجوهِ نسوةٍ مفجوعاتْ جئنَ منْ أصقاعٍ مختلفةٍ يعزينَ “زينبْ” أولا، وأنفسهنَ ثانيا. ليختزل فيهنَ الوجعُ “الزينبيُ” الذي تعرضتْ إليهِ “أمُ المصائبِ” في مصيبة وطريقةِ قتلِ أخيها البشعةَ والتي تتقفى أمهاتنا أثرَ حزنها ليعكسنَ أوجاعهنَ الخاصةُ بمصيبتها منْ موقعِ التفريغِ والتطهير.
فأمهاتنا يبكينها تضامنا لبكاءِ أنفسهنَ بفقدِ آلافِ الأبناءِ الذينَ احتفظتْ بهمْ تربةُ هذا الوطنِ وشربتْ منْ أديمْ دماءَ الشهداءِ المدافعينَ عنْ كرامتهِ ووحدتهِ وشرفهِ. أرادَ “ديجانْ” تسجيلَ مواقفهنَ ليعلنَ بصوتٍ واضحٍ لا لبسَ فيهِ أَنَّ نِسْوَتَهُ هُنَّ “زِينْبِيَاتْ” عَصْرُهُنَّ!
معترك التجربة
“محمدْ ديجانْ” في تعقبنا المستمرِ “لفوتوغرافياتهِ” اليوميةِ. نراهُ ينشدُ لتصويرِ نبتةٍ صغيرةٍ تمدُ عنقها مخضرة منْ بينِ بلاطاتِ الأرصفةِ الأسمنتيةِ! ليعلنَ إيمانهُ بحتميةِ الخلاصِ، والانعتاقُ. وإنْ كانتْ أرضيتهُ قاسيةً وصعبةً النفاذِ، لكنْ يتوسمُ بها حلمُ التغيير. فهوَ يستهدفُ “الأمل” الحاضر، ولا ينشغل بمستقبلِ “النتيجةِ ” التي يتركُ مهمةَ المناداةِ بوسيلةِ الدفاعِ عنها للمتلقي، ليتعقبَ أثرها في نفسهِ أولا…
وتمكنَ عبر سردياته النسويةَ أنْ يمنحَ المرأةَ مساحةً عظيمةً لإثباتِ مرارةِ كفاحها اليوميِ وبعدهُ الإنسانيِ. خاصةً وهوَ يتحركُ بعدستهِ في بيئةٍ محليةٍ تفرضُ بقوةِ ثوابتٍ مقيدةٍ وشرائطَ محذورةٍ. لمْ تمنعْ “ديجانْ” منْ ملاحقةِ قيمتها الوجوديةِ، كفاعلٍ أساسيٍ في جدليةِ الحياةِ. فآثرَ أنْ يتركَ لها ضمنَ مشروعهِ البصريِ علامةً بارزةً، وأنْ تقيدَ بحدودِ تسجيلِ الدراما المأساويةِ مبتعدا عنْ عوالمها الخاصةِ والهامشيةِ.
وتمكنَ منْ استمالةِ مواقفنا لنتضامنَ معَ قهريتهنَّ وأوجاعهنَ مطالبينَ بتغيرها بعيدا عنْ الشعاراتِ.
ونجحَ في مهمةِ إعطائنا إثراءات بصريةً عنْ جدليةِ صورةِ المرأةِ في ميزانِ جمالياتِ الفوتوغرافيا. تمثلَ حضورها في شهادة امتحان وجوهِ نسوةٍ “محمدْ ديجانْ”
ناقد في الفوتوغرافيا من العراق