كتاب المرأة واللغة لعبد الله محمد الغذامي – إسماعيل هموني
أن تجالس كتابا؛ معناه؛ أن تعيش الترحال… والسفر… والمتعة… وأناقة التفكير. مجالسة الكتاب فتح في العتمات؛ وسعى في اللامعلوم حتى تتبين الخيوط ، أبيضها من أسودها. حين تسمع للكتاب، فأنت تسمع التعدد؛ وترى بأذنك ما لا تراه عينك. ترى جيشا من التفكير مدججا بالمعاني التي عكفت عليها لن تجمعها بوحدك. على حد التخوم تجد ما فاتك من الفواصل؛ وتقبض ما ظل هاربا من وعيك. حين تتخطى تلك التخوم يتربص بك اللاوعي فتغشاك عوالم التخييل ولا ترى سوى ما غمغم فيك وأنت طفل؛ ولا تسمع سوى من تراسل فيك وأنت أبعد من طفولة.
أن تقرأ كتابا، تستعيد الأصوات التي انطمرت في شقوق غائرة؛ وتسترد اللحون التي دهستها الألسن حتى تشابهت كالحجر.
ههنا نجلس لنقرأ؛ ندع الكتاب يقودنا إلى حيث يريد؛ نشخص بأبصارنا ؛ نتبعه ونحن نتحسس وعينا؛ ندرك المسافات الفاصلة بيننا وبينه؛ وندغم أشكال الوعي التي تتفارز في صيغ التواشج أو التوالج من الأساليب؛ وأفانين التبالغ الجمالية.
عندها فقط؛ ندرك / نعلم أننا نقرأ، وأننا في جلسة لا تنتهك حرماتها إلا صمتا؛ وأنفاس صاعدة نحو الأعالي؛ وأخرى هابطة نحو أعماق في قاع الوقت.
كأننا في صلاة مقدسة؛ متمرسة بالخشوع؛ والامتثال النقي لصوت القداسات. نعيش النداء؛ ونقيم في الاصطفاء؛ ونولد مرات في البهاء .
نأتي من المستقبل؛ ونحن نقبض يد الحاضر غير خائفين ولا خائبين…
كتاب المرأة واللغة لعبد الله محمد الغذامي
بهذا المؤلف الصادر عن المركز الثقافي العربي ط.ا لأولى/1996يسعى الغذامي إلى كشف عورات التفحيل ؛ وما اعترى تاريخه الثقافي من نقصان مبين لأنه” تاريخ كتبه وصنعه الرجل (….)؛فجاء هذا التاريخ رجلا لأنه من إنشاء الرجل “(ص:10).
وهز بذلك يعيد الاعتبار للأنوثة؛ و يهيئ القارئ إلى الإصغاء إلى صوت التأنيث بحثا عن ” المنعطفات والتمفصلات الجوهرية في علاقة المرأة باللغة وتحولاتها من (موضوع ) لغوي إلى (ذات) فاعلة ؛ تعرف كيف تفصح عن نفسها؛ وكيف تدير سياق اللغة من (فحولة) متحكمة إلى خطاب بياني يجد فيه ضمير المؤنث فضاء للتحرك والتساوق مع التعبير ووجوه الإفصاح”.(ص: 11).
ولا يدخل الكتاب في جدل هزيل بين الأنوثة والفحولة ؛ بل يفكك صيغ تواترهما من خلال اللغة ؛ وملابستهما للإنتاج الفكري ؛ حتى يستبين النسق المتحكم في الدلالات و خلفياتها المؤطرة للذهنيات.
ليس الأمر متعلقا ب ( الجندر) من حيث هو صراع ومغالبة ؛ بل هو رصد للمكتوب ؛ وطرائق اشتغال اللغة في التفكير حتى تستعاد اللغة المستلبة ؛ و يتم تأنيث الذاكرة .
وجاءت خطة الكتاب على النحو الآتي :
- مقدمة وثمانية فصول :
- في الفصل الأول : الأصل التذكير …؟
- وفي الثاني: تدوين الأنوثة
- و جاء الثالث: الجسد بوصفه قيمة ثقافية
- واستغل الرابع: احتلال اللغة؛ وغزو مدينة الرجال
- وأفضي الخامس الى : من ليل الحكي إلى نهار اللغة
- ” تأنيث المكان”
- وفي سادس الفصول : المرأة ضد أنوثتها
- وأنبأ السابع ب : الخراب الجميل : تسترد اللغة أنوثتها
- أما الثامن كشف عن : تأنيث الذاكرة .
قراءة ممتعة
ناقد من المغرب