الرئيسية / الأعداد / العدد الرابع والخمسون / عين على الهايكو: فنية الإضمار في شعرية المناخات المشهدية عند صلاح أبو عباس – محمد بنفارس

عين على الهايكو: فنية الإضمار في شعرية المناخات المشهدية عند صلاح أبو عباس – محمد بنفارس

عين على الهايكو

فنية الإضمار في شعرية المناخات المشهدية عند صلاح أبو عباس – محمد بنفارس

 

1/ في التقديم:

نواصل الاجتهاد في مقاربة النصوص، تعليقا وقراءة، متوخين تقريب الهايكو لجمهور عريض من الناس مع التركيز على الشعرية والجمالية، متجاوزين حقبة نعتبرها قد أدت دورها ولم تعد ذات جدوى كبيرة في التعاطي مع الهايكو، وأقصد بذلك منحى التنظير الأكاديمي المتخشب واستعراض المصطلحات اليابانية. ونروم للاعتقاد بأن مقاربة النصوص باتت من المداخل ذات الأولوية والفعالية البيداغوجية في تنمية الحس الشعري والجمالي بالهايكو وإحداث اختراق في الذائقة الشعرية العربية السائدة.

وتجدر الإشارة إلى أن مقاربة نص هايكو لا تعني، كما يفهم البعض، استهلاك ساذج لمصطلحات نقدية يابانية خاصة بجماليات الثقافة اليابانية لا تفيد شيئا في بيئة تكتب بغير اليابانية وبغير الثقافة اليابانية. المقاربة تقتضي تحريك مدخرات من حقول معرفية وجمالية متنوعة وإعمال ذائقة تسعى لملامسة مواطن الجمال وتتبع أثر البصمة الشعرية في النص.

 

بعد كل الذي حدث

إلى أين يعبر

جسر المدينة!

 

2/ في التصنيف والموضوع:

هايكو حديث تجري وقائعه في المعيش اليومي في المدينة، ويطرح ضمنيا، دون قصد أو ادعاء ذلك، قضايا الإنسان المعاصر ومنها القلق والاغتراب.

 

3/ في البنية:

صحيح أنه يصعب الحديث عن صورة واضحة المعالم لفظا في مستهل الهايكو. ولكنها صورة قائمة في ذهن الكاتب. غير أنه فضل التلميح بدل التصريح دون السقوط في مثالب اللغز.

إن بنية النص اعتمدت تقابلا بين الكتلة الأولى: “بعد كل الذي حدث” (سطر 1) / والكتلة الثانية: “إلى أين يعبر

جسر المدينة”(سط2+3).

نلاحظ تقابلا على عدة مستويات:

– تقابل في كرنولوجيا/ تسلسل الأحداث : استحضار الماضي (فعل الماضي) على مستوى الصورة الأولى(س1)، إعمال المضارع للحديث عن اللحظة الراهنة (الصورة الثانية)، أي لحظة الكتابة(س2+3)،

– تقابل بين صورتين : ذهنية/ ملموسة : تمت الإشارة إلى مرحلة ذهنية سابقة على لحظة فعل الكتابة (س1) ومرحلة هي معاينة بصريا في الحاضر (جسر المدينة، س3) ،

– تقابل بين صورتين : غير واضحة/ معلومة :  صورة أولى لا نعلم عنها شيئا(س1)، غير أن آثارها مازالت حاضرة في بال ووجدان المتكلم، وبين صورة معلومة وملموسة ماديا (س3).

هذا التقابل بين الذهني المضمر والملموس المحسوس يعزز شعرية المناخات المشهدية التي تقوم على قوة حضور الوجدان والإيجاز الشديد وفنية الإضمار التي بموجبها يقطع الهايكو مع شعرية الموضوعات والغرضية المكرسة في الشعر القديم والحديث.

4/ شعريا وجماليا:

اعتمد الهايجن بحرفية وحساسية شعرية فائقة على الإضمار الذي يترك الباب مواربا على التساؤل والتفاعل والتأويل. فما هو هذا “الذي حدث”؟ ولماذا يتساءل الهايجن عن وجهة الجسر بعدما وقع الذي وقع؟

من عناصر النص ومكوناته ككتلة متفاعلة ومتكاملة، نستطيع أن نستشف أن ما وقع هو حدث جلل أحدث انقلابا جذريا استفاق الهايجن على نتائجه المؤثرة/ المدمرة دون أن يسميها حرفيا.

وسيكون من المجازفة والإسقاط تسمية حدث معين لأنه لا إشارة في النص تدل القارئ على ذلك، ولكن يمكن التخمين أن ما جرى أحدث رجة قوية في وجدان الهايجن، جعلته يتساءل عن الفائدة من الجسر الذي كان في الماضي يشكل رابطا بين أمكنة ووشائج وعلاقات تقطعت أوصالها. إن الغموض الجميل الذي برع صلاح في توظيفه على نحو شاعري زاد من قوة وحيرة التوقعات لدى القارئ. ما يجعل الأخير يتعلق بالنص محاولا فك شيفرة الإضمار فيه: هل يتعلق الأمر بضربة حربية غادرة قطعت أوصال المدينة؟ أم هل هناك حصار حال دون التواصل بين أطراف المدينة؟ أم هل هناك غياب أو قطيعة لم يعد الجسر بموجبها صالحا للعبور والتلاقي؟

 

5/ على سبيل الختم

من الواضح أن الهايكو يعكس وجدانا سمته القلق والحيرة والتشظي من واقع صاعق ومفاجئ. وهذه الحالة من التمزق هي ما يستشعره القارئ ويعيش أجواءها دون البقاء عند حدود الكلمات والانشغال بمعانيها، أو المكوث عند البنية وشكل النص. إنها بحق شعرية المناخات التي برع صلاح في ضخها في مفاصل الهايكو عبر بساطة اللغة وسلاسة البناء واقتصاد الكلام وقوة الإيحاء.

 

هايجن ومترجم من المغرب

عن madarate

شاهد أيضاً

تدريسية اللغة الأمازيغية بالمدرسة الابتدائية  – مصطفى أبشر  ⴰⵙⵙⵍⵎⴷ ⵏ ⵜⵓⵜⵍⴰⵢⵜ ⵜⴰⵎⴰⵣⵉⵖⵜ ⵖ ⵜⵉⵏⵎⵍ ⵜⴰⵎⵏⵣⵓⵜ

 تدريسية اللغة الأمازيغية بالمدرسة الابتدائية  – مصطفى أبشر  ⴰⵙⵙⵍⵎⴷ ⵏ ⵜⵓⵜⵍⴰⵢⵜ ⵜⴰⵎⴰⵣⵉⵖⵜ ⵖ ⵜⵉⵏⵎⵍ ⵜⴰⵎⵏⵣⵓⵜ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *